هوامش/روبورتير: سيليا إزوار – ترجمة عماد استيتو
منذ ثلاثة أسابيع وهم يرْفعون نفس اللافتات تحت أشعة الشمس الحارقة. ” لك الحق في الحياة الكريمة”، “عمال بوازار يطالبون بحقوقهم ومستحقاتهم”، وهي نفس المطالب التي يمكن قراءتها على اللافتات التي يرفعها العمال وهم مجتمعون بشكل دائري في ما يشبه الحلقية.
في 8 غشت الجاري، وفي هذا الموقع المنجمي المعزول في جبال الأطلس الصغير، تجمّع مجدّدا حوالي 200 عامل أمام مقر إدارة شركة “تفنوت تيغانيمين”، التابعة لشركة مناجم (الهولدينغ الملكي). حيث لم يتلق العمال الذين يعملون لصالح شركة المناولة “توب فوراج” رواتبهم منذ أزيد من شهرين.
“حسابات مشغلنا تم الحجز عليها من طرف صندوق الضمان الاجتماعي. لم تدفع ‘توب فوراج’ ما عليها منذ سنوات”، يشرح لـنا هاتفيا، المنجمي سعيد (اسم مستعار) الذي عمل في الأشغال الباطنية لحوالي 14 عاما مع نفس الشركة.
على عمق 400 مترا في باطن الأرض، وفي آبار منجم بوازار، حيث يستخرج الكوبالت، والزرنيخ، والفضة، والذهب وغيرها، يؤدي عمال “توب فوراج” الموجودون في وضع هش، أخطر المهمات، حيث يقومون بزرع المواد المتفجرة، والحفر بآلات ثقب الصخور، وصيانة الدعامات، كما أنهم معرضون لخليط قاتل من المواد السامة والمسرطنة، مثل غبار الزرنيخ والكوبالت، إضافة إلى إفرازات زيوت المحركات وما تخلفه المواد المتفجرة، كما يوضح سعيد.
عدم دفع مساهمات الضمان الاجتماعي سيكلف عمالا، يبلغ عددهم 250، سنوات من حقهم في التغطية الصحية، والتعويضات العائلية، ومعاشات التقاعد والعجز. والأكثر من ذلك، وبسبب عدم دفع الرواتب لمدة شهرين، بات بعض العمال اليوم مهددين بفقدان مساكنهم في القرى المجاورة. علاوة على اضطرارهم للاستدانة حتى يتمكنوا من توفير طعامهم اليومي.
لدعمهم قام برلماني محلي بتوجيه سؤال إلى الحكومة، كما حل وفد عن جمعية “أطاك” بالمنجم، داعيا إلى حملة مساندة واسعة لكسر العزلة التي يعيشها المنجميون. فيما ذكرت منظمة تقاطع غير الحكومية في بيان لها بأن الشركة الأم “مناجم” تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا الوضع باعتبارها المالك والمستفيد القانوني من المنجم.
وفق قانون الشغل المغربي، يمكن تحميل الشركة الأم، المملوكة للشركة القابضة “مناجم”، المسؤولية عن الدفع في حالة إذا ما كان هناك تقصير من إحدى شركات المناولة التي تتعامل معها.
لكن، وعلى الرغم من مرور 3 أسابيع من الإضراب، والتظاهرات شبه اليومية، لم تتفاعل الشركة التابعة للهولديغ الملكي. في المقابل، ومنذ بداية الإضراب، قامت مناجم بغلق 3 آبار، “وجرى تبرير الإغلاق رسميا بأسباب متعلقة بالسلامة، لكن في الواقع يعود ذلك إلى تخوفهم من احتلالنا للمواقع”، يضيف المنجمي سعيد الذي شدد في أكثر من مرة على ضرورة حماية هويته.
النقابي حميد مجدي، مؤسس شبكة تقاطع للحقوق الشغلية، قال إن “المضربين متخوفين جدا من إجراءات عقابية”، ويضيف “إدارتا مناجم وتوب فوراج، والشيخ ممثل السلطة، هددوا المنجميين الذين يتواصلون مع الصحافة بالمتابعة القضائية، وهذا أمر غير قانوني بكل تأكيد”.
رغم دفاعه عن مطالب عمال توب فوراج، رفض الاتحاد المغربي للشغل، التنظيم النقابي الوحيد الذي ينشط في الموقع، كل محاولاتنا لمحاورتهم.
في الواقع يتجاوز الحديث عن منجم بوازار موضوع الكوبالت الذي يتم استخراجه منه، فالأمر أصبح أكبر من ذلك، حيث بات الأمر قضية سياسية كبيرة في أوروبا. ويواجه المسؤولون السياسيون- علاوة على الشركات- انتقادات ضد الاتفاق الأخضر وبرنامج كهربة السيارات بسبب حجم المعادن الذي يتطلبه الأمر.
وتستنكر المنظمات غير الحكومية ودول الجنوب والشعوب الأصلية نهج سياسة “نيوكولونيالية” للحد من انبعاث الكربون، قائمة على فكرة نقل مساحات “التلوث” إلى المستعمرات السابقة.
إذا كان ما تم كشفه من طرف السكان والمنجميين ذات دلالات محزنة، فإنه ينبغي التذكير أن “بي ام دابليو”، وحتى لا تُتهم بتمويل النزاعات المسلحة المرتبطة بالكوبالت في الكونغو الديمقراطية، قررت التعاقد مع شركة “مناجم” لتكون مزودها، في محاولة منها لبناء استراتيجية تسويقية عنوانها : “المعادن المسؤولة”، وينطبق نفس الشأن على شركة “رونو”، التي وقعت مع “مناجم” اتفاقية تهدف إلى تأمين إمدادات كبريتات الكوبالت منخفضة الكربون و”مسؤولة بيئيا”، من منجم “بوازار” في اتجاه مصانعها العملاقة في “دووايي” و “دونكيرك” وذلك ابتداء من العام 2025 المقبل.
قدمت الشركتان نفسيهما كنموذج للتزود بشكل أخلاقي ومسؤول بالكوبالت، إلى حدود سنة 2023، حينما كشف تحقيقنا الظروف الكارثية التي تتم فيها عمليات الاستخراج في بوازار. وفتح المكتب الاتحادي للاقتصاد ومراقبة الصادرات في ألمانيا تحقيقا حول شركة “بي ام دابليو” ومدى خرقها لواجبها في الاحتياط، وتجاهل الآثار التي يمكن أن يسببها ذلك على منجم بوازار، واعترف المصنع أنه لم يقم بإجراء تحقيق معمق في الموقع، واستعجل في طلب إجراء عمليات تدقيق من جهات من خارج المنجم.
في ماي 2024، أعلنت الشركة في بيان لها نتائج عمليات التدقيق حول قانون الشغل التي قامت به “ريسبونسيبل بيزنس آليانس”، وهو مكتب دولي أنشأته الشركات العملاقة في عالم الإلكترونيك، وخلصت الاستنتاجات إلى وجود “اختلالات طفيفة سيتم تصحيحها في أقرب الآجال”.
يقول إيدير (اسم مستعار)، يشتغل كعامل باطني منذ سنة 2005 أن لا شيء تغير: “لم يحصل أي تطور منذ السنة الماضية، فيما يخص حمايتنا صحيا وتأمين سلامتنا”.
“نشتغل ونحن خائفون”، يتحدث سعيد بمرارة أيضا، منذ 15 سنة والأمور تزداد تدهورا، “كانت شركة ‘توب فوراج’ تنظم تكوينات حول السلامة، اختفى هذا الأمر الآن، معدات الاستخراج لم يتم تجديدها أبدا، حينما ينزل زميلك إلى البئر، كل ما يمكنك فعله هو تنبيهه إلى أن يكون حذرا، لأنه ليست لنا إمكانية محاولة النزول لنجدته”، يستطرد سعيد.
بالنسبة لشبكة تقاطع، التي ظلت تستقبل تظلمات العمال، استنكرت في بيان لها الانتهاكات المتعددة لقانون الشغل، ومن بينها “قرارات الطرد والتنقيلات التعسفية”، و”عدم احترام شروط الصحة والسلامة”، إضافة إلى “الحرمان من التعويض عن الأقدمية” .
بالنسبة للمطلب الأخير، كشف عدد من العمال حصول عمليات تزييف وتزوير واسعة، نمط كامل وقائم الذات، “في كشوف رواتبنا، يتم تغيير سنة الولوج إلى الشركة كل 3 أشهر، حتى لا يتم تجاوز فترة السنتين كأقدمية أبدا، حتى لو اشتغلت لخمس عشرة سنة”.
وليس هذا الاحتيال الذي يهم الأقدمية التي تمثل جزءا هاما من التعويضات جديدا، فقد سبق لعمال بوازار التنديد بذلك خلال الإضراب الشهير لسنة 2011. فكيف غاب كل هذا عن “ريسبونسيبل بيزنس آليانس”، التي حل محققوها ببوازار-حسب معلوماتنا- بداية السنة؟
بدير (اسم مستعار)، عامل منجمي آخر يحكي كيف جرت عمليات الافتحاص والتدقيق هاته: “وزعوا علينا أقنعة وواقيا للأذنين، قبيل الخضوع لعمليات التدقيقات، كما تم تنظيف مكان العمل بشكل كامل، وطلب منا رؤساؤنا في (مناجم) و (توب فوراج) تيسير الأمور، ووعدونا ببعض الامتيازات إذا ما قمنا بالإدلاء بمعلومات كاذبة، وقد تم اختيار العمال الأكثر خوفا وخضوعا للإجابة عن الأسئلة”.
رفضت “ريسبونسيبل بيزنس آليانس”، التي تواصل معها محررونا، التعليق على هذه المعلومات، بحجة خضوعها لاتفاقيات السرية الصارمة المبرمة مع شركة “بي ام دابليو”، لكنها قالت إنها ستعمل على “إجراء تدقيق نهائي للتأكد من أن كافة المشاكل التي تم تحديدها قد عولجت”.
أما شركة “بي ام دابليو” فإنها ترفض نشر خلاصات عمليات التدقيق التي أجريت في بوازار، معللة ذلك بـ “السر التجاري”، مع اعترافها بأنها تلقت “طلبا للحصول على معلومات من طرف السلطات”، أي من الحكومة الفدرالية الألمانية.
تبدو الأمور أكثر ضبابية، فيما يخص شركة “رونو”، حيث قالت المجموعة التي يتوقع أن تبدأ باستيراد الكوبالت من بوازار في غضون ستة أشهر لصحافيينا، إن “عملية تدقيق أولية لمدى احترام المعايير البيئية والاجتماعية، وتلك المتعلقة بالحكامة، قد عهد بها من طرف الشركة إلى طرف ثالث مستقل، وهي لا تزال في طور الإنجاز”، دون أن تفصح عن هوية هذه المنظمة ودون أن تحدد أي تاريخ.
أما شركة “مناجم” الأم، فلم تقم بالرد على أسئلتنا المتكررة.