محمد تغروت
للاطلاع على الجزء الأول (اضغط هنا)
نشر بالجريدة الرسمية عدد 4042، الصادرة بتاريخ 14 أبريل 1990، ظهير شريف رقم 1.90.01 يقضي بتنفيذ قانون رقم 39.89 المؤذن بموجبه في تحويل منشآت عمومية إلى القطاع الخاص، وشكل خطاب الملك الحسن الثاني، الموجه إلى مجلس النواب بمناسبة افتتاح الدورة الربيعية، بتاريخ 8 أبريل 1988، ديباجة هذا الظهير الشريف، واعتبر هذا الخطاب خطابا توجيهيا، أذ أكد الملك أنه “مجرد آراء، وتوجيهات، واختيارات، سنعرضها أمامكم راجين أن تكون حافزا لهممكم ولمخيلاتكم، ولوطنيتكم، حتى تقوموا بالمجهود الجيد الجدي، حتى نقيم صرح اقتصادنا ومجتمعنا على أسس تجتمع حولها الكلمة. ويجتمع معها كذلك المنطق والواقعية”، وذلك على خلاف الخطابات الملكية الموجهة للبرلمان كما كان ينص على ذلك الدستور، والتي لا تقبل المناقشة.
وتبين من خلال مضمونه أنه كان يسعى إلى تحميل المشرّع مسؤولية خطوة تاريخية، تهدف إلى خوصصة عدد من المؤسسات العمومية، مبررا ذلك بأنه “ليس الغرض منه تخفيف الأعباء التي تتحملها الميزانية العامة، أو تخلي الدولة عن الدور الذي عليها أن تقوم به في تنمية البلاد، لكنه يرمي -على العكس من ذلك- إلى أن يكون محركا لتجديد الاقتصاد المغربي، ورفع مستوى معيشة المواطنين، وتنشيط الاقتصاد الوطني بإتاحة الفرصة لفئات جديدة من المغاربة لتلج مجال العمل الحر، وتمكين المغرب من المساهمة في المبادلات الدولية مساهمة أوسع مما هو عليه الحال الآن”.
بعد إنكار الخطاب لمبرر “تخفيف الأعباء التي تتحملها الميزانية العامة”، كسبب للجوء إلى خطوة تحويل مؤسسات من القطاع الخاص إلى القطاع العام، يعود في فقرة تالية إلى الإقرار به بالقول أنه “عندما يستعرض المرء مختلف الأسباب الداعية إلى تحويل مؤسسات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ويتجه نظره، أول ما يتجه، إلى السبب المالي الذي يبدو من البداهة بحيث يتبادر إلى الأذهان قبل غيره، ويتعلق الأمر هنا بتخفيف الأعباء التي تتحملها الميزانية العامة، من جراء الإعانات المالية التي تبذلها المؤسسات العامة ⟬…⟭ ومع ذلك فلا سبيل إلى إنكار أن الإعانات التي يحصل عليها القطاع العام من الميزانية تمثل 10 في المئة من النفقات العامة في مجال التسيير والتجهيز، وهي مبالغ لا يجادل أحد في أن رصدها لأغراض أخرى قد يكون أجدى وأنفع للوطن والمواطنين”.
“الخطاب التوجيهي” الذي نحن بصدده، كما تمت الإشارة في ديباجته، تبين من خلال العبارات التي تم استعمالها فيه على أنه خطاب يضع سياسة جديدة، وملزمة للجهازين التنفيذي والتشريعي، ويتضح ذلك من خلال قوله “إن برنامج العمل الذي استعرضنا عناصره البارزة أمامكم، والذي يجب أن تسعى الهيئة التشريعية والحكومة والإدارة، كل حسب اختصاصها، إلى تحقيقه على وجه السرعة…”، مضيفا في سياق متصل “هذه – حضرات السادة – هي معالم السياسة التي قر عزمنا على انتهاجها، وقد شرحنا لكم بما فيه الكفاية بواعثها والنتائج والوسائل التي نبتغيها إلى تحقيقها، وما ينبغي أن نقدم عليه لنقيها من العثرات، ونبتعد عن بها عن مواقع الزلل”، ليشكل الخطاب والقانون الصادر بموجبه الشرارة التي أطلقت مسار طي صفحة منجزات حكومة عبد الله إبراهيم، وسياسة التأميم والتخطيط التي انتهجتها بهدف خلق “اقتصاد وطني”.
بناء على ذلك تم في عام 1996، خوصصة شركة “سامير”، إذ فتحت الدولة رأس مال الشركة وأطلقت أكبر عملية لطرح الأسهم في تاريخ بورصة الدار البيضاء، حيث تم إدراج الشركة في البورصة وفتح رأس مالها للعامة والمستثمرين المؤسسيين من خلال اكتتاب في مارس 1996، لتقوم مجموعة “كورال” المملوكة للملياردير محمد حسين العمودي بالاستحواذ على غالبية أسهم الشركة، في عام 1997.
في سياق فهم أسباب الأزمة التي ظلت تتخبط فيها لاسامير وتداعياتها على الاقتصاد الوطني عموما، كان المناضل السياسي والمهندس الخبير في شؤون الطاقة، الراحل أبراهام السرفاتي قد عرى عن الاختلالات التي صاحبت خوصصة الشركة، باعتبارها أصل الداء، وذلك في حوار صادم يعود تاريخه إلى سنة 2002، (وهي نفس السنة التي شهدت اندلاع حريق بالمصفاة، تسبب في إلحاق أضرار جسيمة بها، مما أدى إلى تعطيل نشاطها الطبيعي لعدة أشهر)، خص به صحيفة “ليكونوميست”، نشر في عددها رقم 4754 الصادر بتاريخ 19 أبريل 2002، عندما قال بشكل صريح: “لقد كنا سُذّجاً عندما خوصصنا لا سامير”.
وتوجه السرفاتي، في ذات الحوار، بسهام الانتقاد إلى عبد الرحمن السعيدي، الوزير الذي أشرف على عملية خوصصة الشركة خلال تلك الفترة، قبل أن يشغل بعد ذلك منصب مديرها العام، إذ اعتبر الخبير أن الوزير أخل بواجباته في نواح متعددة في العملية، مؤكدا أنه لم يحم المصلحة الوطنية، متهما إياه بملاءمة شروط طلب العروض حسب مقاس مجموعة “كورال”، ذلك أن طلب العروض كان مفتوحا في وجه جميع المتنافسين، بمن فيهم المجموعة المذكورة، إلا أنها كانت الوحيدة التي عرضت أعلى سعر، لكن الراحل السرفاتي يؤكد أن عقد الخوصصة للتفويت النهائي للمصفاة للشركة الفائزة بالصفقة، لم يتضمن عددا من الشروط والمعايير التكنولوجية التي كانت ضمن دفتر التحملات، ما كان يتطلب، حسب السرفاتي، فتح تحقيق قضائي في هذا الملف، وهو الأمر الذي لم يتم في آنه، وعاشت البلاد تداعياته ولاتزال.
في ذات الحوار كشف الخبير في شؤون الطاقة، أن عقد الصفقة مع مجموعة “كورال” لا يتلاءم مع شروط دفتر التحملات، محملا المسؤولية للوزير السعيدي وحكومته آنذاك، “لقبولهم بصفقة تتضمن شروطا لا تخدم مصالح المغرب”، معتبرا أن مشروع المصفاة الذي أشرف عليه رفقة الراحل عبد الرحيم بوعبيد، كان يستهدف توفير المنتوجات البترولية في السوق المغربي بسعر يقل عن نظيره في السوق الدولي، موضحا أنه أشرف على وضع بنود العقد بنفسه، مع الشركاء الإيطاليين في 1959، على أساس تساوي سعر بيع المنتوجات البترولية، بشكل تدريجي، في السوق المحلي مع نظيره في السوق العالمي، بعد 8 سنوات أو 10 من التاريخ المذكور، مشيرا إلى أن الهدف كان إتاحة الفرصة أمام الاقتصاد الوطني للاستفادة من هذا التخفيض في السعر.
نفس التقييم خلص إليه لحسن أغزناي الرئيس المؤسس لشركة وينكسو، أحد أبرز الموزعين في سوق المحروقات، 13 سنة بعد صرخة السرفاتي، إذ أوضح في بيان نشر على منصة الشركة سنة 2015، أن “هذه المصفاة لم تنهر فجأة مثل بيت من ورق. لقد تفككت ببطء على مر السنين. بطريقة ما، كان تفككها يحدث أمام أعيننا تقريبًا. انهيارها يرجع إلى أسباب عميقة وارتباط بين عدة عوامل”، مضيفا أن المشكلة الرئيسية لشركة سامير، هي مشكلة التنافسية، والتي بدونها تصبح استدامة المصفاة أمرًا غير مؤكد، مرجعا ذلك إلى أن المصفاة اعتمدت لفترة طويلة على دعم الدولة وتأخرت في الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها أثناء خصخصتها، مضيفا “لقد بدأت متأخرة في تنفيذ استثمارات كبيرة، ليست دائمًا مبررة. بالنسبة لبعضهم، وكان ذلك غير مناسب لأن تكلفتها بدت باهظة بشكل متزايد”.
نفس الخلاصة كان قد وصل إليها، بشكل متأخر بـ 14 سنة، رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، وعبر عنها في جلسة بمجلس المستشارين، بتاريخ 12 يناير 2016، بالقول:”لم يكن ينبغي لهم أن يسندوا قطاعًا حيويًا مثل النفط لأجنبي”، مضيفا، في رد على مستشار من حزب الاستقلال: “خصخصة شركة لاسامير كانت خطأً فادحًا، في حين أن الشركة لم تكن خاسرة بل كانت تحقق أرباحًا سنوية قدرها 500 مليون درهم”.