“هوامش”/ الرباط:
في 30 يوليوز 1999، خلف محمد السادس والده الحسن الثاني ملكا للمغرب، وفي السنوات الـ25 التي تلت ذلك اليوم، شهدت المملكة المغربية العديد من التغييرات، لكن مواطنيها ما زالوا يعانون من ويلات الفقر والوضع الاقتصادي السيئ والفساد المستشري، إلى درجة أن أكثر من نصف الشباب المغربي يفكرون في مغادرة البلاد والبحث عن مستقبل أفضل.
الصورة السينية الحديثة للمملكة، التي قدمها استطلاع لشبكة الـ”أفروباروميتر”، الذي نُشر في يونيو الماضي؛ هي صورة لدولة لم يتعاف اقتصادها بشكل كامل من آثار جائحة فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، وزلزال شتنبر 2023 الذي ضرب منطقة الحوز، بينما يواجه مشاكل في تغطية نفقاته، وشراء المواد الغذائية ناهيك عن الفساد الذي ينخر مؤسسات البلاد.
وفي هذا السياق، أقر 35 بالمائة من المغاربة بأنهم يفكرون في مغادرة البلاد، وهو رقم يرتفع إلى 55 بالمائة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، وينخفض إلى 24 بالمائة فوق هذا العمر. وحسب الجنس، فكر 45 بالمائة من الرجال في الهجرة، مقارنة بـ 25 بالمائة من النساء.
ويفكر أربعة من كل عشرة ممن يعانون من مشاكل في تغطية نفقاتهم في هذا الخيار، مقارنة بـ 29 بالمائة من أولئك الذين هم أفضل حالا، في حين أن أولئك الذين حصلوا على قدر أكبر من التعليم هم أكثر عرضة للتفكير في ترك العمل مقارنة بأولئك الذين حصلوا على تعليم أقل.
علاوة على ذلك، يقول 53 بالمائة ممن فكروا في الهجرة أنهم سيفعلون ذلك حتى لو كانوا يفتقرون إلى المستندات اللازمة للقيام بذلك، ولهذا السبب سيختارون الطرق غير النظامية. وفي هذه الحالة، يسود هذا الخيار بين ذوي الموارد الأقل (64 بالمائة)، مقابل 34 بالمائة من ذوي الموارد الأعلى، وبين الرجال 62 بالمائة مقابل 36 بالمائة بين النساء.
وعن الأسباب التي قد تدفعهم للهجرة، أشار 45 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع إلى العوامل الاقتصادية باعتبارها السبب الرئيسي، بينما ذكر 18 بالمائة أن السبب هو فرص التعليم القليلة، و15 بالمائة يرجعون السبب إلى الفساد المستشري في البلاد، و13 بالمائة لأسباب سياسية.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول 11 بالمائة أنهم يرغبون في الهجرة من أجل لم شملهم مع أفراد الأسرة الموجودين بالفعل خارج البلاد. الأسباب الاقتصادية لها وزن أكبر بين أولئك الذين لديهم موارد أقل (56 بالمائة مقارنة بـ28).
الوجهات المفضلة
فيما يتعلق بالوجهة، إذا غادروا المغرب، فإن المغاربة واضحون في ذلك: إنهم يفضلون الغرب على أي دولة مجاورة أو إفريقية. وهكذا، أشار 26 بالمائة إلى الولايات المتحدة كوجهة مفضلة لديهم، تليها فرنسا وكندا (23 بالمائة) وإيطاليا وإسبانيا (22 بالمائة) وألمانيا (19 بالمائة)، وفقًا لمقياس “أفروباروميتر”.
وأظهر الاستطلاع، الذي أجري على عينة مكونة من 2411 شخصا من جميع المناطق، في الفترة ما بين 11 دجنبر 2023 و30 يناير 2024، وبنسبة خطأ في العينة لا يتعدى 2 بالمائة، أن ثلث المغاربة فقط “يعتقدون أن اقتصاد بلادهم في حالة جيدة”، وهو رقم انخفض مقارنة مع 66 بالمائة الذين اعتقدوا نفس الشيء في عام 2016.
وفي آخر تقييم له في نونبر الماضي، أبرز البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 3 بالمائة في النصف الأول من عام 2023، بعد نموه بنسبة 1.3 بالمائة فقط في عام 2022 ولكن مقارنة بـ8 بالمائة في عام 2021.
وبحسب توقعات بنك التنمية الإفريقي، فإن نمو الاقتصاد المغربي من المتوقع أن يصل إلى 3.5 بالمائة في عام 2024 و3.8 بالمائة في عام 2025، في حين سيستمر التضخم في الانخفاض (4.1 بالمائة و3.8 بالمائة على التوالي).
الاقتصاد: التحدي الرئيسي
في عهد الملك محمد السادس، الذي يكمل الآن ربع قرن من تربعه على عرش المغرب؛ تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد أكثر من ثلاث مرات، ليصل إلى 129.6 مليار يورو في عام 2023، ولكن دون أن يصل إلى سرعة الدول الناشئة الأخرى في المنطقة، مثل السنغال، التي يبلغ ناتج المغرب المحلي الإجمالي خمسة أضعاف ناتجها تقريبا.
وعلى مدى 25 سنة الماضية، أظهر مؤشر التنمية البشرية (HDI)، الذي يعكس التنمية الاقتصادية ويحلل الصحة والتعليم والدخل، تحسنا مستمرا، ولكن ليس بنفس وتيرة الدول الأخرى، وتراجع المغرب في التصنيف الدولي حاليا؛ من المرتبة 112 عام 1999 إلى المرتبة 120 عام 2022.
وفي هذا السياق، يعتبر 22 بالمائة من المغاربة أن الاقتصاد هو التحدي الرئيسي الذي يواجه البلاد، رغم أن الرقم أقل بـ11 نقطة مما كان عليه في عام 2022. ومع ذلك، فإن المشاركين في الاستطلاع أكثر تفاؤلا من العام السابق فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد، حيث أن 14 بالمائة يعتقدون أنه سيكون متدهورًا و35 بالمائة يعتقدون أنه سيكون أفضل إلى حد ما في السنوات القادمة.
هذا الرأي الإيجابي والمتفائل بشأن المستقبل الاقتصادي للمملكة، كما هو متوقع، يرتفع بين أولئك الذين ليست لديهم مشاكل في تلبية احتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد 39 بالمائة أن فجوة الثروة اتسعت في العام الماضي، رغم انخفاض الرقم مقارنة بـ44 بالمائة في عام 2022. ومن بين الذين يعانون من مشاكل اقتصادية ترتفع النسبة إلى 49 بالمائة.
وفي هذه المسألة، يُلاحظ وجود اختلاف واضح على المستوى الإقليمي. وهكذا، في الشمال، يرى 26 بالمائة فقط أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد اتسعت، مقارنة بسكان المناطق الأخرى الأكثر حرمانًا في البلاد كمناطق الشرق (41 بالمائة)، والوسط والجنوب (44 بالمائة).
أحد الأعراض الرئيسية لعدم المساواة الاقتصادية التي يحددها المغاربة هو انعدام الأمن الغذائي، وعندما سئلوا عما إذا كان الطعام قد نفذ ولم يكن لديهم المال للحصول على المزيد في الشهر الماضي، قال 63 بالمائة إن هذا شيء حدث لهم كثيرًا أو أحيانًا، وفي عام 2022، أعطى 36 بالمائة هذه الإجابة.
علاوة على ذلك، يعتقد 57 بالمائة من المغاربة أن هناك مشكلة في توفر الغذاء إلى حد ما ويعتقد 59 بالمائة أن هناك مشاكل في القدرة على تحمل تكاليفه. ومن العوامل المؤثرة على هذا الوضع، الإدارة الحكومية (28 بالمائة) والتضخم (17 بالمائة)، وعدم المساواة في الثروة (8 بالمائة)، بالإضافة إلى تغير المناخ (16 بالمائة) والحرب في أوكرانيا (12 بالمائة).
الثقة في الحكومة
من ناحية أخرى، يشكل الفساد أحد المشاكل الكبيرة الأخرى لدى المغاربة. ويعتقد 74 بالمائة أنه لا يزال سائدًا إلى حد كبير في مؤسسات الدولة، وفقًا لبيانات 2016، رغم أن الرقم يرتفع إلى 86 بالمائة بين غير القادرين على تأمين قوت يومهم وبين من يتوفرون على مستوى تعليمي أدنى إلى 77 بالمائة.
وفيما يتعلق بالثقة في الحكومة المغربية، في بلد تعود الكلمة الأخيرة فيه للملك محمد السادس في العديد من القضايا، خاصة في السياسة الخارجية، تبلغ هذه النسبة 33 بالمائة، أي أقل بعشر نقاط من عام 2016، عندما وصل إلى أعلى مستوياته. وتتشابه البيانات في حالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث أن 10 بالمائة يثقون به كثيرًا، بينما 21 بالمائة يثقون به قليلًا.
ويتمتع البرلمان المغربي، المنتخب عام 2021، بصورة أفضل بين المغاربة، حيث بلغ مستوى الثقة 38 بالمائة، بزيادة خمس نقاط عن العام السابق، و17 نقطة مقارنة بعام 2018، وهو أعلى مستوى تم الوصول إليه حتى الآن بواسطة مقياس “أفروباروميتر”.
وبالتالي، يعتقد واحد فقط من كل ثلاثة مغاربة أن حكومته تستجيب كليا أو جزئيا لما يريدون، وهو رقم أعلى بين الأكثر ثراء (47 بالمائة)، وبينما يريد 55 بالمائة إصلاحات فورية، فإن 37 بالمائة يفضلون إدخالها بشكل تدريجي، وبالمقابل 6 بالمائة فقط يفضلون عدم إجراء أي تغييرات.