هوامش
عندما ولدت شيلا إيبانا ابنها لامين، في 13 يوليوز 2007 في إسبلوغاس دي يوبريغات، كان عمرها 16 سنة فقط، بينما كان والده منير نصراوي في الحادية والعشرين من عمره.
تعود جذور مهاجم فريق برشلونة ونجم المنتخب الإسباني إلى المغرب، حيث ازداد ونشأ والده، منير نصراوي، وإلى غينيا الاستوائية، من حيث تنحدر والدته، شيلا إيبانا، وكلاهما قدم إلى إسبانيا بحثًا عن مستقبل أفضل.
في الواقع، لدى يامال قصة مثيرة للاهتمام وراء اسمه، فاسمه الكامل هو لمين يامال نصراوي إيبانا، وإيبانا هو لقب والدته ونصراوي لقب والده. أعطاه والداه اسمي «لمين» و «يامال» تكريما لشخصين ساعداهما بعد وقت قصير من ولادته.
يشعر لامين بقربه الشديد من والدته، وفي تصريحات لصحيفة “El Partidazo de Cope”، أقر الفتى بأنه لا يستطيع العيش بدونها، وأنها هي التي “يكرس لها كل أهدافه وأن أول شيء سيفعله إذا فاز بكأس اليورو هو الذهاب لرؤيتها”.
كانت شيلا تعمل في مطعمٍ للوجبات السريعة، قبل أن يوقع فريق برشلونة مع طفلها الصغير عندما كان عمره 7 سنوات فقط.
بعد انفصال والديه، انتقل لامين وأمه إلى غرانوييرز. هناك بدأ مشواره في كرة القدم، واللعب في فريق محلي هو لا توريتا. لفتت موهبته انتباه نادي برشلونة، الذي ضمه إلى أكاديميته “لا ماسيا” وهو في سن السابعة فقط بعد أن سجل ثلاثية في اختبارات الانضمام.
يروي منير، أنه “عندما انضم لامين للمرة الأولى إلى برشلونة، كنا ندخل المركز التدريبي ونرى الأطفال يأتون بسياراتهم الفاخرة، بينما كنت أضطر للخروج قبل موعد التدريب أو المباراة بأربع أو ثلاث ساعات وأخذه بالقطار. في كثير من الأحيان، كان لامين ينام في القطار قبل الوصول، وأحيانًا كان يلعب طوال الرحلة. كان الأمر مرهقًا جدًا بالنسبة لي وللطفل مثل لامين، لكنه دائمًا ما يبتسم ويستمتع”.
على الرغم من الظروف الصعبة التي واجهها منير بعد أن هاجر مع والدته في عام 1988، وعمره لا يتجاوز السنتين، من مدينة العرائش بالمغرب إلى إسبانيا، حيث استقر في حي روكافوندا الشعبي بماتارو، وهي واحدة من أكثر المناطق حرمانًا في كاتالونيا، حيث أن ما يقرب من نصف سكانها «معرضون لخطر الفقر» وفقًا لبيانات المعهد الوطني الإسباني للإحصاء، إلا أنه بذل قصارى جهده للحفاظ على الأسرة.
اشتغل منير في أكثر من مهنة، لكن في النهاية انهارت العلاقة بينه وبين شيلا وانفصلا. ليجد لامين نفسه وسط عاصفة بين عائلتي والديه، بعدما تزوجت والدته من شخص آخر.
حتى بعد أن حقق ابنه النجاح الباهر، ظل منير مخلصًا للحي الذي كبر فيه ابنه @ hustle _ hard _ 304. هذا لقب منير نصراوي على منصة انستغرام، الذي أصبح، وهو في نفس عمر خيسوس نافاس (38 عامًا)، من أبرز مشجعي منتخب لاروخا، بابتسامته المعدية.
تفاعل نادي برشلونة مع مجهود الوالدين وحرصهما على نجاحه، ومنح العائلة منحة دراسية للمساعدة، لكن هذا خلق مشاكل بين الوالد والوالدة. وقرر النادي تولي رعاية مستقبل لامين، ونقله للإقامة داخل “لا ماسيا”.
كما يوضح جوردي رورا: “كان علينا حماية لامين. نقله للإقامة في الأكاديمية كان بهدف حمايته ورعايته، حيث أردنا السيطرة على دراسته ونظامه الغذائي وساعات راحته”.
حرص نادي برشلونة على حماية لامين من الضغوط الإعلامية، والحد من ظهوره أمام وسائل الإعلام نظرا لصغر سنه. وضمه إلى “لا ماسيا” حيث تمكن النادي من التحكم في دراسته وتغذيته ونومه، وبذلك استفاد النادي من صعوده من خلال مقارنات تردد صداها في قلوب المشجعين، وذكّرت بتأثير ميسي في عالم كرة القدم، على الرغم من البعد عن والده منير، إلا أنه كان داعمًا رئيسيًا له من خلال نقله إلى التدريبات من ماتارو.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ماركا” الإسبانية، يعود الفضل في تألق نجم المنتخب الإسباني وفريق برشلونة، لامين يامال، إلى جدته مغربية الأصل “فاطمة”. فقد شددت الصحيفة على أن جدته من أبيه، فاطمة، لعبت دورًا جوهريًا في رعايته واحتضانه خلال طفولته، مما ساعده على الوصول إلى ما حققه حاليًا في مسيرته الاحترافية.
وأضافت الصحيفة أن فاطمة هاجرت من المغرب إلى العاصمة الإسبانية مدريد للتكفل برعاية رجل ضمن مهنة الرعاية المنزلية، ثم استقرت لاحقًا في مقاطعة كتالونيا بعد وفاته.
وما زالت فاطمة قريبة من حفيدها لامين قدر الإمكان. فهي التي تركت وطنها خلفها، وغادرت لتصل إلى إسبانيا وتجد حياة أفضل، وهو ما لم يستطع بلدها الأصلي تقديمه. هذا العمل الشجاع والتضحية كانا البذرة لما يُرى اليوم من تألق لامين في المنتخب الإسباني.
ووفقا لذات التقرير استمرت الجدة في مهامها حتى بعد انتقالها إلى كتالونيا. وعندما انفصل والدا يامال، منير نصراوي وشيلة إبانة، كانت الجدة فاطمة حاضرة ورعته، مما ساعده على الوصول إلى ما حققه حاليًا في مسيرته الاحترافية. فقد لعبت فاطمة دورًا جوهريًا في رعاية وتربية موهبة “لاروخا”، والذي كان لها دور مهم في بقاء والديه محيطين به رغم انفصالهما.
صحيفة إل موندو الاسبانية بدورها أكدت أن يامالا قضى معظم طفولته مع جدته لأبيه، فاطمة، و”هي امرأة جاءت إلى إسبانيا من مدينة شمالي المغرب، لتوفر لأسرتها حياة أفضل”.
في أكتوبر الماضي وخلال مراسيم تجديد عقده مع فريق برشلونة، حرص نجم المنتخب الإسباني لامين يامال على اصطحاب أفراد عائلته معه، وعلى رأسهم جدته فاطمة، وقد ظهر يامال في الصور وهو يحرص على أن تكون جدته بجانبه أثناء التقاطه لصورة مع خوان لابورتا، رئيس نادي برشلونة الإسباني، بعد تجديد العقد.
بعمر 15 عامًا فقط، ظهر لامين مع الفريق الأول لبرشلونة في أبريل 2023، ليصبح أصغر لاعب يرتدي قميص النادي الكاتالوني. وبعد ذلك بفترة قصيرة، في شتنبر، ظهر مع المنتخب الإسباني الأول، مسجلاً هدفًا تاريخيًا وهو في سن 16 عامًا.
ويمثل لامين يامال المستقبل الواعد لكرة القدم الإسبانية. على الرغم من عدم توفره على أصول إسبانية، اختار اللاعب الشاب الدفاع عن ألوان “لا روخا”، حيث بات نجمًا صاعدًا. وتعكس احتفالاته بالأهداف برسم الأرقام الثلاثة الأخيرة من الرمز البريدي (304) جذوره المتواضعة في روكافوندا.
على الرغم من صغر سنه، فإن لامين يامال يتخذ قراراته بنفسه منذ سن 13 عامًا. فهو يقرر كل الأمور المالية والتسويقية بنفسه، بعد استشارة مدير أعماله خورخي مينديز.
وكما يؤكد مصدر من مستودع الملابس نقله ألباييس: “اندمج بسهولة وبطريقة لا تصدق”، كما أنه كان قد أثبت ذكاءه وتفوقه على زملائه في المدرسة أيضًا.
بعد مشاركته بقوة في الفوز بكأس أوروبا حطم اللاعب البالغ من العمر 17 عامًا العديد من الأرقام القياسية في البطولة، وفاز بأول لقب دولي كبير له مع إسبانيا، مبررًا لقب “وريث ميسي” بتسجيله هدفًا رائعًا في نصف النهائي ضد فرنسا، إذ تمت مكافأته على مسيرته الرائعة في يورو 2024، وحصل اللاعب الشاب من برشلونة على جائزة أفضل لاعب شاب عن أدائه الرائع، وذلك بعد أن سجل هدفا مثيرا ضد فرنسا في نصف النهائي، وقام بأربع تمريرات حاسمة خلال البطولة، بما في ذلك ربع النهائي ونصف النهائي والنهائي، بعد تمريرته الحاسمة التي سجل منها نيكو ويليامز في النهائي.
صورة لامين يامال مع ليونيل ميسي لم تكن سوى صدفة كبيرة حدثت منذ 17 عاماً عندما اقترح والدا أمين يامال وهو طفل عمره خمسة أشهر فقط أن يشارك في التقويم/الأجندة التي كانت تُعدّ لصالح اليونيسيف.
وهي صدفة كبيرة أيضًا، كما يشرح ذلك موقع اليونيسيف بالإسبانية لأن هذا التقويم، الذي ظهر فيه أمين يمال وهو صغير، شارك فيه أيضًا لاعبون وأعضاء آخرون من النادي، مثل زافي وبييول وإنييستا وروناليدينيو. وقد شاء القدر أن تكون هذه الصورة التي التقطت في شهر يناير 2008، بطلها الشاب ليونيل ميسي الذي بكل خجل ساعد في استحمام الطفل إلى جانب والدته.
ويتذكر المصور جوان مونفورت بشغف أن لاعب برشلونة البالغ من العمر 16 عامًا آنذاك، قد كسب إعجاب ميسي بابتسامته الكبيرة وصداقته. ومن كان يقول له آنذاك أنه سيكون أمام نجمَي كرة قدم بارزَيْن!
“أثناء التقاط الصورة مع ميسي، من الواضح أنني لم أكن على علم”، قال لامين يامال للصحافي الإسباني جيرارد روميرو، «لقد احتفظ بها والدي ولم نسلط عليها الضوء أبدًا بسبب مسألة المقارنات، وهي ليست جيدة أبدًا»، لكن ذلك لم يمنعه من مشاركتها على حسابه على انستغرام مع تعليق “لمسة سحرية”.
وقال المصور مونفورت، الذي التقط صورة للأرجنتيني ليونيل ميسي وهو يقوم بحمل لاعب منتخب إسبانيا لامين يامال حين كان الأخير رضيعاً: “اتصل بي زميل في منتصف الليل وسألني: هذه الصورة لك؟ أخبرته: إنها لي، كان منتصف الليل وكنت ذاهباً إلى السرير وسألته من هذا الطفل؟ قال إنه لامين يامال، صرخت: ماذا؟ في اليوم التالي ذهبت الأمور إلى منحى غير متوقع”.
وأضاف فيما يتعلق بلقاء ميسي مع يامال: “كان صعباً، ميسي كان شخصا انطوائيا وخجولا جداً، كان في الـ18 أو الـ20 من عمره دخل إلى غرفة تبديل الملابس ووجد حوض استحمام بلاستيكي ممتلئا بالماء وفي داخله طفل، كان الأمر معقداً، في البداية لم يكن يعرف كيف يحمل الطفل”.
“أنا سعيد جدا وحققت حلمي”، هكذا عبر نجم منتخب إسبانيا، وأحسن لاعب شاب في البطولة، لامين يامال عن سعادته بعد الظفر بلقب أمم أوروبا 2024، إثر الفوز على منتخب إنجلترا 2-1 في النهائي.
واعترف في تصريح لصحيفة “ماركا” الاسبانية، أنه لو لم يكن لاعب كرة قدم، لكان قد احترف البث المباشر عبر الإنترنت (streaming). وقال: “حينما بدأ انتشار التعامل مع الحجر الصحي (فترة كوفيد19)، ازدهر مجال بث المحتوى المباشر على منصة تويتش، حيث كان المتخصصون في هذا المجال ينقلون مباشرة تفاعلهم مع الألعاب. أعتقد أن هذا هو ما أحببته أكثر. لو لم أكن لاعب كرة قدم، لكنت قد اخترت مهنة البث المباشر. ولكن في النهاية، لا أزال ملتزمًا بكرة القدم على وجه الحقيقة”، هكذا أنهى حديثه.
صحيفة إل موندو الاسبانية في تقرير لها، خلصت إلى أن لامين يامال، الشاب الواعد في عالم كرة القدم، قد حطم الكثير من الأرقام القياسية بإنجازاته المبكرة مقارنة بأساطير اللعبة على مر التاريخ.
وذكرت أنه في سن 16 عامًا و362 يومًا، تجاوز يامال السنة الرابعة من المرحلة الثانوية (ESO) وأصبح نجمًا في عالم كرة القدم، متفوقًا بسرعة على أساطير مثل مارادونا، كرويف، دي ستيفانو وحتى بيليه، الذين لم يتمكنوا من تحقيق مثل هذه الإنجازات في وقت مبكر من مسيرتهم. بينما البرازيلي بيليه هو الأقرب إلى يامال، حيث ظهر لأول مرة قبل شهر من بلوغه 16 عامًا، لكن لا يزال هناك فارق ملحوظ في السرعة التي أبداها الشاب الإسباني.
بالمقابل، واجه آخرون مثل كرويف وزيدان صعوبات أكبر في جذب الانتباه في مراحل مبكرة من مسيرتهم، إذ لم يظهروا لأول مرة مع أنديتهم إلا في سن 17 عامًا أو أكثر. أما نجوم آخرون مثل مارادونا ودي ستيفانو، على الرغم من ظهورهم المبكر، لم يتمكنوا من تحقيق إنجازات بحجم ما حققه لامين يامال في هذا السن المبكر. هذا ما يجعل من يامال ظاهرة استثنائية في عالم كرة القدم.
في تحليل عميق، قال ريو فيرنانديز، لاعب وست هام يونايتد السابق، وبورنموث، وليدز يونايتد، ومانشستر يونايتد، وكوينز بارك رينجرز، على بي بي سي سبورت إن أكثر ما يفاجئه بشأن لامين يامال «هو الهدوء الذي يلعب به».
“إنه يلعب كشخص لعب لفترة طويلة”. قال لاعب كرة القدم السابق البالغ من العمر 45 عامًا، مضيفا “إنه يتخذ قرارات سريعة ويختار ببساطة اللحظة المناسبة في الوقت المناسب”.
لاعب خط الوسط الإسباني رودري بدوره أشاد بلامين قائلا: “أنا فخور جدا بلامين. سيتذكر الناس هذا الهدف (يقصد الهدف الذي وقعه لامين ضد فرنسا في نصف النهاية)، والظهور النجومي لهذا الصبي البالغ من العمر 16 عامًا. المستقبل الذي ينتظره مشرق، لكنني هنأته على التزامه الدفاعي، واللعب المتكامل للغاية، والمساعدة المستمرة التي يقدمها. أرفع له القبعة، حقا”.
في كل مباراة، يُعزز لامين مكانته كرمزٍ للأمل والطموح، مؤكدًا على أن العزيمة والشغف قادران على تحقيق المستحيل. إنه ليس مجرد لاعبٍ عادي، بل هو أسطورة في طور التكوين، يحمل في قلبه حباً كبيراً للعبة وشغفاً لا يعرف حدودًا، ليصبح بذلك مصدر فخرٍ لجماهيره ومثلاً أعلى للأجيال القادمة.
وتظل نجومية لامين يامال تتألق في سماء كرة القدم، حيث يجسد كل هدف يسجله، وكل خطوة يخطوها على أرض الملعب، قصة إلهامٍ جديدة ترويها الأجيال؛ فمن نطفة مهاجرة إلى أحياء برشلونة مرورًا بساحات الملاعب العالمية، يواصل يامال رحلته الاستثنائية، محققًا أحلامه وطموحه من أجل كتابة اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ المستديرة.