محمد تغروت
خروقات فاضحة
وكشف تقرير المهمة الاستطلاعية التي ترأسها النائب عن الفريق الاشتراكي –المعارضة الاتحادية سعيد بعزيز، أن موضوع المقالع مرتبط باقتصاد الريع، باعتبار أن الجزء الأكبر منه (أكثر من 60%) يدخل في إطار القطاع غير المهيكل، وهو ما أكده، وفقا للتقرير، كل الفاعلين المؤسساتيين والجمعويين الذين استمعت إليهم مكونات المهمة البرلمانية.
وأبرز التقرير استمرار الاختلالات التي تطرق إليها المشرع في ديباجة القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، والتي تهم أساسا طرق الاستغلال وتنامي ظاهرة المقالع العشوائية ونهب رمال الكثبان الساحلية والرمال الشاطئية، وكذا عدم نجاعة المراقبة، مما يجعل المقالع تنعكس سلبا على الساكنة المجاورة والبيئة الطبيعية، وكذا العائدات المالية للدولة.
وسجل التقرير استمرار غياب سياسة عمومية تخص تدبير المقالع، قصد ترشيد الموارد الطبيعية والمحافظة عليها وضمان استدامتها، في ظل استمرار ضعف الموارد البشرية واللوجستيكية، الموضوعة رهن إشارة الفرق الإقليمية للمقالع.
أرقام صادمة
أرقام صادمة كشف عنها التقرير، تُظهر حجم الفساد في هذا القطاع، حيث تبين أن الدولة تخسر ما يقارب 900 مليون درهم سنوياً، بسبب التهرب الضريبي وعدم استخلاص الرسوم القانونية، إذ أبرز التقرير أن عدد المقالع في المغرب يبلغ 2,920 محجرًا في جميع أنحاء المغرب، مع وجود أغلبها (58%) في المناطق الساحلية، غير أن 1049 منها فقط، هي التي خضعت للمراقبة، مما يعني أن 1871 مقلعا بقيت خارج المرقبة لمدة تتجاوز سنة كاملة، مع تسجيل غياب أي حديث عن مقالع الغاسول، “بعدما تبين أن ملف إقليم بولمان قد أحيل منذ مدة على رئاسة الحكومة للبت فيه”، وفقا لتعبير التقرير.
وأظهر التقرير أن متوسط رقم المعاملات المالية، بالنسبة لكل مقلع هو 500 مليون درهم، غير أن العائدات المالية للدولة، التي من المفروض أن تصل إلى 900 مليون درهم، لم تتجاوز 40 إلى 50 مليون درهم في السنوات الأخيرة، بعدما كانت تصل إلى 71 مليون درهم سنة 2013، و130 درهم في سنة 2014، وهو أعلى رقم حققته، وفقا للوزارة المكلفة بالتجهيز.
وأبرز التقرير أن قطاع المقالع في المغرب يساهم بحوالي 1% من الناتج الداخلي الخام، ويوفر القطاع حوالي 140 ألف فرصة عمل مباشرة، بمعدل 20 مستخدم لكل مقلع، ونبه إلى صعوبة معرفة عدد المستخدمين المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
تهديدات بيئية
على المستوى البيئي، نبه التقرير إلى تأثير جرف الرمال على البيئة البحرية، ومساهمته في مجموعة من التحولات، أبرزها تغيير مسار الأسماك المهاجرة، بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وهجرة الأسماك المستقرة بجوار الساحل بحثا عن أماكن آمنة للتوالد والحصول على الطعام، وتأثر التجهيزات البحرية المتعلقة بالصيد البحري، وهو ما يؤثر سلبا على كمية وجودة الأسماك بتلك المصايد.
كما نبه التقرير إلى أن استغلال عدد مهم من المقالع يشهد عدم اكتراث بالرؤية العلمية الدقيقة للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، مما ينذر بوقوع مخاطر بيئية كبيرة تنتج عن جرف الاستغلال، وما لها من انعكاسات مستقبلية على الأجيال القادمة.
وأضاف التقرير أن هذه الانعكاسات البيئية تتسبب في مخاطر متعددة، ذكر منها ما يهم البيئة البحرية، والذي ينعكس بشكل مباشر على نشاط الصيد البحري، سيما وأن جرف الاستغلال، يشكل عملية تقنية، تستعمل آليات ضخمة وتجرف كميات هائلة من الرمال، وهو ما يتسبب في تغيرات إيكولوجية في الوسط البحري (فيزيائية، كيميائية وبيولوجية)، تنعكس سلبا على الوسط البحري، وعلى الكائنات التي تعيش وتتوالد به وتتغذى منه، بالإضافة إلى عرقلة تنقل بعض الأصناف المهاجرة، مما يدفعها إلى تغيير مسارها.
وأبرز التقرير أن جرف الاستغلال يتسبب أيضا في دفع الأسماك المستقرة بجوار الساحل، بحثا عن أماكن آمنة للتوالد والحصول على الطعام، بالإضافة إلى تأثر التجهيزات البحرية المتعلقة بالصيد البحري، وهو ما يؤثر سلبا على كمية وجودة الأسماك التي يمكن اصطيادها.
الرخام ثروة مهمة يهدرها سوء الاستغلال
أوضح التقرير، فيما يتصل بالرخام، أن المغرب يعد من أكبر منتجي ومصدري هذه المادة في العالم، إذ يتوفر على مقالع ضخمة من الرخام بألوان وخصائص مختلفة، تتواجد بشكل رئيسي في مناطق الريف والأطلسين المتوسط والكبير، مشيرا إلى أن هذا المنتوج حظي بتقدير كبير نظرا لجودته وتنوعه.
غير أنه، وفقا للتقرير، يعتري تطور قطاع الرخام في المغرب عدة معوقات، أبرزها التأثير القوي للقطاع غير المهيكل، إذ يشكل 50 % من الفاعلين في هذا القطاع، وكذا ضعف استغلال الموارد الطبيعية للبلاد، بالإضافة إلى ضعف التثمين المحلي للمنتوج، وتجزئة النسيج الصناعي، إذ أن 89 % من المشتغلين في القطاع، من الشركات الصغيرة جدا، ورقم معاملاتها لا يتجاوز 10 مليون درهم، في حين أن 11 % من المشتغلين في القطاع من الشركات المتوسطة، التي يتراوح رقم معاملاتها بين 10 و60 مليون درهم.
وركز التقرير في هذا الباب على ضرورة تثمين “الحجر النبيل لوادي أمليل”، نواحي تازة، والمتمثل في الرخام، قصد حماية المنتوج الوطني، وكذا حماية القدرة الإنتاجية الوطنية في وجه المنافسة الأجنبية.
ويتعلق الأمر بمقلع شركة DIX MARBRE، المتواجد بالجماعة الترابية غياتة الغربية بإقليم تازة، وهو “مقلع مكشوف، تبلغ مساحته الاجمالية 01 هكتار و2 آر و97 سنتيار، وتبلغ مدة استغلاله 8 سنوات”.
وفي هذا السياق وعلى سبيل المثال، كشف التقرير، استنادا إلى رئيس المجلس الإقليمي لتازة، أن هذا الإقليم يتوفر على 113 مقلعا، 58 منها للرخام، أو ما بات يعرف بحجر وادي أمليل، و41 مقلع للأشغال العمومية، و9 مقالع دائمة للحصى والرمال، غير أنه وفقا لذات المسؤول من أصل 58 مقلعا مرخصا خاصا بالرخام، 21 منه فقط تشتغل.
وأضاف التقرير أن المغرب يعرف وجود أزيد من 175 شركة متخصصة في الرخام تشغل أزيد من 2330 شخصا، وتنتج ما يقارب 300000 طن من القطع الرخامية الخام، مشيرا إلى أن هذا القطاع يشكل فرصة لإحداث مناصب شغل هامة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في المناطق المعروفة بإنتاج الرخام، مستدركا أن توظيف ملف المقالع سياسيا جعله يعاني من عدم الجاذبية بالنسبة للمستثمرين، كما أنه بات يعاني من تداعيات تراجع قطاع العقار والسكن.
توصيات للخروج من عنق الزجاجة
أوصت المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول مقالع الرمال والرخام، في ختام أشغالها، بالتعجيل بوضع مخططات لتدبير المقالع على صعيد كل جهة، والعمل على ضمان التنسيق والانسجام والانتقائية، بينها وبين المخططات ذات الصلة.
وأوصت المهمة بوضع مخطط استعجالي للحد من الانعكاسات السلبية لهذا القطاع على العائدات المالية للدولة، التي تتجاوز 900 مليون درهم، بالإضافة إلى ما يفترض أن تستخلصه الجماعات الترابية، ومستحقات الجماعات السلالية، مع استحضار ضرورة إرساء نوع من التوازن بين ثنائية تتعلق بالعائدات المالية للدولة، والجماعات الترابية، والجماعات السلالية، والمستغل والمواطن من جهة، وبين الضرورة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتوازن البيئي من جهة أخرى.
ونبهت المهمة المصالح والمؤسسات الإدارية، المعنية بتنفيذ القانون في قطاع المقالع، إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها فيما يجري حاليا في القطاع، مسجلة تعدد هذه المصالح والمؤسسات، وعدم إنجازها لمهامها على أحسن وجه، وكذا تضارب المعطيات المقدمة من طرفها أحيانا كثيرة.
وأوصت المهمة بالقضاء على الممارسات العشوائية في تدبير المقالع، ووضع حد للاحتكار السائد في هذا المجال، خاصة بساحل إقليم العرائش ومقالع الغاسول ببولمان، وفي باقي ربوع البلاد، كما دعت إلى وضع سياسة عمومية تراعي ثلاثية التنمية والمقاولة والموطن، تهدف إلى ترشيد وعقلنة استغلال مواد المقالع، وضمان ديمومتها، وكذا الحفاظ على البيئة، والتأثير الإيجابي على التنمية والرقي الاجتماعيين.
أسئلةٌ تبحثُ عن إجابات
على الرغم من أهمية ما كشفه تقرير المهمة الاستطلاعية من اختلالات وتجاوزات في قطاع المقالع، إلا أنه ترك العديد من الأسئلة مفتوحة تبحث عن إجاباتٍ واضحة وتدابيرٍ حاسمة، ولعل أبرزها سؤال من يقف وراء المقالع غير القانونية؟ إذ يُشير التقرير إلى انتشار ظاهرة المقالع العشوائية دون ترخيصٍ رسمي، دون أن يحدد هوية الجهات أو الأشخاص الذين يقفون وراء هذه العمليات غير القانونية. وهو ما يُثير سؤالا حول إمكانية وجود ارتباط الأمر بِجهاتٍ نافذةٍ أو شبكاتٍ ماليةٍ مُتواطئة.
في نفس السياق يستشف من التقرير أيضا وجود جهات متواطئة في استغلال هذه المقالع، إذ يُسلّط التقرير الضوء على غياب التنسيق والرقابة الفعّالة من قبل مختلف الجهات المعنية، ما يُشير إلى وجود تواطؤٍ مُحتملٍ أو إهمالٍ من قبل بعض المسؤولين أو الموظفين في هذه الجهات، ويُطالب التقرير بتحقيقٍ شاملٍ لِتحديد المسؤوليات ومحاسبة المُقصرين، ليبقى السؤال “ما هي الإجراءات المتخذة لمحاسبة المتورطين؟”.
ويكشف التقرير كذلك ضعف المساءلة والمحاسبة في هذا القطاع، حيث لم يتم تقديم أي معلوماتٍ حول الإجراءات المتخذة لمحاسبة المتورطين في الفساد والتجاوزات، وهو ما يُثير قلقًا حول جدية الدولة في مكافحة الفساد وفرض سيادة القانون.
ويُقدم التقرير توصياتٍ هامةً لمعالجة مشكلات قطاع المقالع، لكن يبقى السؤال حول آلية تنفيذ هذه التوصيات على أرض الواقع، خاصةً مع وجود سوابق لعدم تنفيذ توصياتٍ سابقةٍ في مجالاتٍ أخرى.
هذه الأسئلة المفتوحة تُؤكّد على الحاجة إلى تحقيقاتٍ مُعمّقةٍ وشفافةٍ لِكشف جميع الحقائق وتحديد المسؤوليات، وإلى إرادة سياسية قوية لِتنفيذ توصيات التقرير وضمان مُستقبل مُستدام لِقطاع المقالع بعيدًا عن الفساد والتجاوزات.