الرئيسية

شباب أحواش.. حماة تراث عريق يتحدى الاندثار

"أسايس" كبير، هكذا بدت شوارع ورزازات عشية الجمعة 24 ماي 2024؛ فرق حجّت من مختلف قبائل سوس وواحات باني ودرعة وزاكورة، رقصت ألوانا من "أحواش" في كرنفال انطلاق المهرجان الوطني لفنون أحواش، في دورته الثانية عشرة، انطلاقا من ساحة الموحدين وصولا إلى ساحة قصبة تاوريرت، وأمتعت هذه الفرق زوار المهرجان، على مدى ثلاثة أيام، برقصات تطفح تلقائية وعفوية، ممزوجة بإيقاعات مضبوطة وأهازيج ساحرة.

محمد حميدي

بين صفوف الفرق المشاركة شباب يُشكلون إيقاعات أحواش ببندير “تالونت” أو طبل “كانكا”، وآخرون تصدح أفواههم بوصلات غنائية أبدعها الأجداد ونُقشت في أذهان الأحفاد. تحدثت “هوامش” إلى بعضهم عن بداية ممارستهم لهذا الفن وما يكنُّونه له من حُب،  رغم بعض “الإكراهات” التي تكبح مسيرة بعض شباب أحواش.

شباب يحمل همّ العالمية 

يونس أوتي، 23 سنة، شاب من تالوين  انضم إلى فرقة “أڭلاڭال” لفن أحواش منذ أن كان في الثامنة من عمره، ليمارس فناً يحجز “مكانة كبيرة” في قلبه. في حديثه لهوامش يقول “آنذاك لم أناقش والدي في أمر الانضمام. لكن بحكم أنه رايس (قائد) الفرقة كان متحمّسا للفكرة. كان يرغب أن أرافق فناني فرقة ‘أڭلاڭال’ وأمارس مع أعضائها هذا الفن”.

ينطق أوتي بلسان شباب الفرقة فيقول: “الشّباب باتوا يتولَّون هذه الأمور (فنُّ أحواش). لقد وجدنا منذ الصغر آباءنا يُمارسون أحواش فسرنا على نهجهم، (بذلك) احتفظنا على هذا الموروث وسنستمر في الحفاظ عليه، ونطمح إلى تطويره  وإيصاله لدرجة العالمية”. 

الصنهاجي إيدان، رايس فرق, إيزركي لفن أحواش

لحسن حاحي، شاب ثلاثيني قابلناه عند توقف الكرنفال بمحاذاة قصبة تاوريرت، يوضح أنه انتسب لفرقة “أڭلاڭال” قبل ثلاث سنوات. ويؤكد بنبرة فخر “أن هناك شبابا حريصين على خلافة (رواد) أحواش بينهم شباب فرقة أڭلاڭال”. لكنه يستدرك،  وهو يشكر هؤلاء على حسّ المسؤولية، أن كثيرا من أقرانهم “يهجرون” هذا الفن. 

“يجب على الشباب أن يتشبثوا بثقافتهم وألا يسمحوا بضياع تراثهم، لكي يوصلوا أحواش إلى المناطق التي لم يصل إليها”، يضيف حاحي، مُشاطرا يونس أوتي همّ الرقيّ بأحواش إلى العالمية. 

“تعلموا بالفطرة”

قبل أن يبسط الدوافع التي تحفّز  الشّباب على تعلم فن أحواش، اختار عبد الله بوشطارت، دكتور في التاريخ وباحث في الثقافة الأمازيغية، التّطرُّق  إلى “خصوصية هذا التراث الفنّي؛ فهو ليس رقصا جماعيا متوارثا فحسب، بل هو أيضا طقس جماعي مقدس، يُمارسه الأمازيغ بشكل يومي كما يمارسون الصلاة، وتحديدا في ليالي الصيف، حين تكون حالة الطقس مناسبة. وسط كلّ دوار، بالجبال والسهول والصحراء، يوجد مكان مخصص لممارسة أحواش يسمى أسايس. وهو ملك جماعي يحظى بالتوقير والاحترام كباقي الفضاءات المقدسة الأخرى”.

فرقة أڭلاڭال

الممارسة اليومية لأحواش، وفق ما يشرح بوشطارت في حديثه لهوامش، تجعل شباب الدواوير والمداشر الأمازيغية يتعلمون “بالفطرة”. وهي إلى جانب ذلك تغرس في قلب كل واحد منهم “الطموح بأن يصير فنانا في المستقبل؛ لأن المجتمعات الأمازيغية تخصص للشاعر أو الفنان الممارس لأحواش مكانة كبيرة؛ حيث أنه يحظى بالشهرة والشعبية، ويستدعى في الأعراس، ويعرف بين القبائل المجاورة، ويشكل أسايس فضاء للحوار والمنافسة بين الشعراء والقبائل المتجاورة، وليس فقط للّهو واللّعب والترفيه”.

ويسترسل الباحث في الثقافة الأمازيغية في سرد ما يغذّي إقبال الشباب على أحواش، قائلا: “أحواش له علاقة متينة بباقي الفنون. ففي أسايس يظهر الشعراء والروايس الكبار الذين يتمكنون من صقل مواهبهم في الميادين الموسيقية الأخرى، خاصة في تعلم الآلة كالرّباب و’لوتار’ في سوس والأطلس الكبير. وهنا نجد أن الروايس المشهورين في تيرويسا (فن الروايس)انطلقوا من أحواش”.  

إكراهات مادية تكبح حماس الشباب

“سنويا يلتحق بفريق إيزركي لفنِّ أحواش ما بين 5 و8 أعضاء، أغلبهم بين 14 و 15 سنة. انضم إلينا 10 مشاركين ضمن هذه الفئة خلال هذه السنة”، يقول الصنهاجي إيدان “رايس” فريق إيزركي لفن أحواش بورزازات، ورئيس الجمعية التي تحمل ذات الاسم، في حديث مع هوامش عشية انتهاء الكرنفال.

في السنة الماضية كانت فرقة إيزركي تضم 36 شابا تتخطى أعمارهم 22 سنة. لكن لم يتبق منهم رفقة الفريق هذه السنة سوى خمسة، وفق ما ذكره الصنهاجي، مستبعدا أن يكون الانشغال بالدراسات الجامعية، أو الدراسات العليا، هو السبب في توقف مسيرة بعض شباب إيزركي في فن أحواش. ويؤكد أن “الدراسة لها الأسبقية؛ عندما تحلّ الامتحانات يتفرغ لها شباب الفرقة. لكنهم يشاركون معنا دائما في العطل وعطل نهاية الأسبوع”.

وحسب الصنهاجي فإن هؤلاء المغادرين، والشباب عموما، يحبون هذا الفن، ويرغبون في الانضمام إلى هذه الفرق. لكن ما يحول بينهم وبين أحواش، هو “الإكراهات المادية؛ إذ أنهم يطالبون  بأجور جيدة. وعدم توفرها هو ما يرغمهم على المغادرة، فلا يبقى متمّسكاً بهذا الفن سوى كبار السن”. 

الحاجة إلى ضم الشباب إلى فرق أحواش لا تستدعيها فقط ضرورة تهيئة الخلف؛ بل أحيانا “ما تتطلبه بعض الحركات، التي تميّز ألوان أحواش، من مرونة وخفة، بينما يصعب القيام بها على الممارسين المتقدّمين في السن”. ذلك ما أكده في دردشة مع هوامش خمسيني من أعضاء فرقة  “أڭلاڭال” التي تُمارس “الدرست” القائم في أغلبه على حركات خفيفة.

النظر إليه باعتباره فولكلورا ثانويا يساهم في تهميشه”

استفاد شباب ورزازات من ورشات في تلقين أحواش، وصناعة آلاته التقليدية، على هامش فعاليات الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني لفنون أحواش، في الفترة الممتدة من 17 إلى 26 ماي 2024. غير أن مدة هذه الورشات وانحسار نطاقها، فضلا عن اقترانها بالمهرجان، تستدعي السؤال حول سبب عدم تدريس هذا الفن، جنبا إلى جنب مع مختلف الفنون في المعاهد الموسيقية.

وفي هذا الصدد ينطلق الباحث في الثقافة الأمازيغية عبد الله بوشطارت من كون “أحواش فن أصيل مرتبط بالوجدان والهوية والروح، حدّ أن التمعن في رقصة أحواش يكشف عن تشابه بينها وبين الرقصات الصوفية” لكنه يرى أن “الدولة عموما، والمعاهد خصوصا، لا يمكنها أن تُدرس أحواش على النحو الذي يُتعلم به في “أسايس” بدواوير درعة وسوس وزاكورة.

 ويعتبر بوشطارت أن “بإمكان الدولة الاعتناء بتدريس وتحليل هذا الفن” لافتا الانتباه إلى “أن من بين ما يعرقل ذلك هو النظر إلى أحواش باعتباره فولكلورا ثانويا مهمَّشا، يمارسه أشخاص على هامش الدولة، ويُعرض تحت حرارة الشمس  في التدشينات الرسمية والمعارض، وما إن يمرّ الوفد الرسمي حتى يتم صرف الاهتمام عن هذا الفنّ”. وهي “النظرة السائدة حتى داخل أقاليم سوس ومناطق أخرى”، يختم الباحث مُتأسفاً. 


إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram