“هوامش”- سعيد المرابط
كيف تستخدم دول مثل المغرب وتونس وموريتانيا أموال الاتحاد الأوروبي لإبعاد المهاجرين من أراضيها وتركهم في الصحراء؟ هذا ما كشفه تحقيق، نشر الثلاثاء، وأنجز بتنسيق بين صحيفة “الواشنطن بوست“، وصحيفة “البايس” الإسبانية ومنصة “الناس” المغربية، بالتعاون مع “لايت هاوس ريبورتر” (Lighthouse Reports)، بالاضافة إلى وسائل إعلام دولية أخرى.
وحسب ما خلص إليه التحقيق الاستقصائي العابر للحدود؛ فإن الهدف من ضخ الاتحاد الأوروبي لهذه الأموال، هو وقف وصول المهاجرين واللاجئين، حتى لو كان ذلك على حساب نقلهم إلى أماكن غير آمنة.
كما تطرق التحقيق إلى التمييز والاضطهاد الذي يعاني منه هؤلاء المهاجرون، وبشكل خاص ذوو البشرة السوداء، الذين يتم منعهم من الوصول إلى القارة الأوروبية.
التحقيق الذي ركز على التورط الأوروبي في اضطهاد المهاجرين؛ يتزامن نشره مع المراحل الأخيرة من الحملات الدعائية للانتخابات الأوروبية، التي تنطلق بعد أسبوعين، والتي يتم قبلها عادة الإشادة بقيم الدول السبع والعشرين للاتحاد.
“في كل عام، ينتهي الأمر بعشرات الآلاف من الأشخاص مطرودين إلى مناطق صحراوية أو مدن نائية في شمال أفريقيا. وهذه هي العقوبة التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون الذين يطمحون للوصول إلى أوروبا على متن قارب، أو القفز على الأسوار”، يقول معدو التحقيق.
إنهم “يُلقون في إحدى زوايا الصحراء الكبرى، أكبر صحراء ساخنة في العالم، بدون هواتف محمولة، بدون أموال، بدون ماء وحتى بدون أحذية. أولئك الذين نجوا يروون عمليات اختطاف أو ابتزاز، أو تعذيب، أو عنف جنسي، أو اعتداءات بالكلاب، بتحريض من قوات الأمن (..) وهي ممارسة يتم تطبيقها بشكل ممنهج وشبه حصري ضد السود، ولهذه الدول شريك صامت؛ هو الاتحاد الأوروبي”، يؤكد الصحافيون الذين قاموا بالاستقصاء في هذه القضية.
ويعرض التحقيق شهادات لأشخاص تعرضوا لهذه الممارسات، وتم إبعادهم وتركوا في مناطق صحراوية نائية، بلا هواتف ولا أموال، دون أن يعرفوا كيف يعودون أو كيف يطلبون المساعدة. “لقد تركوا في مناطق تنتشر فيها المافيات والجهاديون، وتكثر فيها المجموعات المسلحة” تؤكد خلاصات التحقيق.
“عندما يمنحك الاتحاد الأوروبي المال لإغلاق الحدود، عليك التخلص من المهاجرين غير الشرعيين على أراضيك. أو على الأقل تعقيد حياتهم”، يؤكد مصدر أوروبي تحدث إليه الصحافيون من وسائل الإعلام المشاركة في التحقيق، وهو أوروبي عمل في برامج ممولة من الصناديق الأوروبية لأفريقيا.
ويضيف المصدر “إذا كان مهاجر من غينيا موجودا في المغرب وأخذته إلى الصحراء مرتين، ففي المرة الثالثة سيطلب العودة الطوعية إلى بلده”.
ما كشفه التحقيق ليس جديدا، فهناك أدلة يعود تاريخها إلى عام 2003، في المغرب، وبالتالي فإن بروكسل كانت تمنح الأموال من أجل كل هذه الأنواع من الممارسات لعقود من الزمن.
“في الصيف الماضي، كان من الممكن رؤيتهم على شاشات التلفزيون. ظهر رجال ونساء وأطفال سود أمام الكاميرات في المنطقة العازلة (لا يحكمها أحد)، بين تونس وليبيا. صورة امرأة وابنتها تموتان بسبب العطش في الرمال، انتشرت في جميع أنحاء العالم”، يشير المصدر.
بعد ذلك، أعربت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، عن قلقها، لكنها شددت أيضًا على أن “الأموال الأوروبية لا تمول ترحيل المهاجرين، وهذا غير صحيح تمامًا”، يؤكد المصدر ذاته.
منذ عام 2015، وقعت أوروبا اتفاقيات مع تركيا وليبيا وتونس والمغرب، ومؤخرا مع موريتانيا ومصر، وتمت مراسلة المسؤولين في هذه الدول لتوضيح أوجه القصور في احترام الحقوق الأساسية.
التحقيق الذي خرج إلى النور يوم الثلاثاء، هو نتيجة سنة من العمل الصحفي، وخلال هذه الفترة، تم جمع “الأدلة” التي “لا تظهر فقط أن هذه العمليات كانت معروفة جيدًا في بروكسل منذ سنوات، ولكن تم تنفيذها بفضل الأموال والمركبات والمعدات والاستخبارات التي قدمها الاتحاد الأوروبي”.
إنها “استراتيجية تشتيت تلعب فيها إسبانيا دورًا بارزًا”، وقد تمت مقابلات مع أكثر من خمسين ناجيًا والعشرات من مصادر الشرطة والمجتمع المدني وأكدوا جميعًا، أن هذا “انتهاك روتيني للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومناهضة التمييز والتعذيب”.
ووفقًا لوثائق اطلعت عليها صحيفة “إِلْ باييس”، فإن وكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس” ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” والمنظمة الدولية للهجرة “IOM”، “على علم أيضًا بهذه الممارسات”. بينما الاتحاد الأوروبي “ملزم بضمان عدم استخدام أمواله في انتهاك حقوق الإنسان”، على الرغم من أن المفوضية الأوروبية اعترفت كتابيا بأنها لا تراقب هذا الأمر.
وردًا على الأسئلة التي أثارها هذا التحقيق، ذكر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن “جميع عقود الاتحاد الأوروبي تحتوي على بنود خاصة بحقوق الإنسان تسمح بتعديل التنفيذ حسب الضرورة”.
ولكن اثنين، من كبار المسؤولين الأوروبيين، اعترفا سرًا في هذا التحقيق الاستقصائي بأنه من “المستحيل” السيطرة على كل شيء.
وحتى مع هذه الممارسات، فإن الهجرة لا تتباطأ، بل تستمر في الزيادة، ووصلت إلى مستوى لم تشهده أوروبا منذ أزمة اللاجئين عام 2015، حيث تم تسجيل هجرة أكثر من 380 ألف شخص في عام 2023، أي أكثر بزيادة 17 بالمئة عن العام السابق، بحسب “فرونتكس”.
وفي الوقت نفسه، “تصاعدت مشاعر كراهية الأجانب في أوروبا بشكل كبير، وأصبحت الهجرة عنصرًا أساسيًا في النقاش العام قبل الانتخابات الأوروبية التي تجرى يونيو المقبل، والتي يعتزم اليمين المتطرف الفوز فيها بملايين الأصوات على حساب إثارة الخوف ضد الأجانب” حسب التحقيق.