الرئيسية

“قنابل NEET”.. أكثر من عقدين على تفجيرات 16 ماي

دقائق معدودة كانت كافية لتحويل مدينة الدار البيضاء إلى واحدة من أهم النقاط الساخنة وأحد مراكز اهتمام العالم، بعد أن أذاعت وسائل الإعلام خبر وقوع هجمات إرهابية. وصرح وزير العدل بأن الذين قاموا بالتفجيرات لهم علاقة بمجموعة يطلق عليها "الصراط المستقيم"، والتي لها ارتباط بتنظيم القاعدة، بعد أن استهدفت العمليات أماكن متفرقة في  العاصمة الإقتصادية، ضمنها فندق، وناد للطائفة اليهودية، وقنصلية بلجيكا.

هوامش

مرت 21 سنة على التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء، يوم  16 ماي 2003. كانت ليلة دامية خلفت مقتل 45 شخصا، من بينهم أجانب وأطفال ضمنهم 12 انتحاريا، إضافة إلى مئات من الجرحى والمعطوبين، بعد أن استهدفت مجموعة انتحارية 5 مواقع بالعاصمة الاقتصادية للمغرب. هوامش تعيد ترتيب القصة. 

ليلة رعب.. من أفغانستان إلى “كازا بلانكا

أسامة بن لادن، اسم لم يكن يتردد على ألسنة معظم المغاربة إلا ليقترن بالأحداث التي تجري على بعد آلاف الكيلومترات شرقا، وتحديدا في أفغانستان، عقب هجوم 11 شتنبر 2001 الذي دمر برجي منظمة التجارة العالمية في أمريكا.

منذ تفجيرات مراكش في صيف 1994، لم يعرف المغرب طيلة السنوات التي تلتها أي هجمات بحجم ما وقع ليلة 16 ماي 2003، رغم الإعلان عن تفكيك خلايا ارهابية، كان من ضمنها خلية تضم مغاربة وأجانب من جنسية سعودية، تربطها علاقات بتنظيم القاعدة، وكانت هذه الخلايا تستعد لتنفيذ عمليات إرهابية. 

دقائق معدودة كانت كافية لتحويل مدينة الدار البيضاء إلى واحدة من أهم النقاط الساخنة وأحد مراكز اهتمام العالم، بعد أن أذاعت وسائل الإعلام خبر وقوع هجمات إرهابية. وصرح وزير العدل بأن الذين قاموا بالتفجيرات لهم علاقة بمجموعة يطلق عليها “الصراط المستقيم”، والتي لها ارتباط بتنظيم القاعدة، بعد أن استهدفت العمليات أماكن متفرقة في  العاصمة الإقتصادية، ضمنها فندق، وناد للطائفة اليهودية، وقنصلية بلجيكا.

في اليوم الموالي للهجمات أعلن وزير الداخلية، مصطفى الساهل، أن الاعتداء “خلف مقتل نحو 20 شخصا حسب التقديرات الأولية”، بينهم مغاربة وأجانب، وأعلنت السلطات توقيف أحد المشاركين في الهجوم وبحوزته حزام ناسف.

سرعان ما رُبطت العمليات الإرهابية بما عرف بتيار “السلفية الجهادية”، الذي نسبت إليه مجموعة الـ 14 انتحاريا، قتل منهم 12 واعتقل اثنان، أغلبهم ينحدرون من هوامش أحياء البيضاء، ومعظمهم من الفئة الفقيرة. 

وأعلن محمد بوزوبع وزير العدل آنذاك، أنه تم تحديد هوية 8 أشخاص بناء على المعلومات التي أدلى بها الانتحاري الذي تم توقيفه، كما أوقفت السلطات عددا من الأشخاص المشتبه في ارتباطهم بالهجوم وبتنظيمات إرهابية بعضها لها صلة بالقاعدة.

“حتى لا ننسى”

في ماي من كل سنة، يعود شريط أحداث ليلة الفاجعة إلى أذهان من عاشوا فصولها. “جمعية ضحايا 16 ماي”، واحدة من الجمعيات التي تضم عائلات الضحايا، تعمل على تنظيم أنشطة لإحياء الذكرى السنوية للتفجيرات تحت شعار “حتى لا ننسى”،  يتم خلالها تقديم  شهادات عن ما وقع في إطار التوعية بمخاطر التطرف.

من جانب آخر يشكل تاريخ 16 ماي من كل سنة، فرصة للفت الانتباه إلى من يعتبرون مظلمومين في هذا الملف، وهذا ما تحرص عليه، اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، التي تأسست في 14 ماي 2011، على خلفية الاعتقالات العشوائية التي طالت العديد من الإسلاميين عقب تفجيرات البيضاء.

وتنظم هذه اللجنة أنشطة للدفاع عن الأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية قانون الإرهاب، وقد نظمت هذا العام وقفة احتجاجية أمام مبنى البرلمان بالرباط، وجدد مكتبها التنفيذي المطالبة، مثل كل سنة، “بفتح تحقيق نزيه في الأحداث وما ترتب عنها من اعتقالات عشوائية في صفوف شريحة من المغاربة”.

وتنتقد لجنة الدفاع عن المعتقلين الاسلاميين ما تصفه بـ”غياب أية مبادرة جادة لطي هذا الملف وإنهاء معاناة المئات من المعتقلين وعوائلهم”، وتعتبر أن “أحداث 16 ماي شرعنت انتكاسة حقوقية غير مسبوقة”، إضافة إلى “القمع والتضيق على باقي الإسلاميين ومؤسساتهم وهيئاتهم”.

قانون مكافحة الإرهاب.. فصول تثير الجدل

بعد أقل من أسبوعين، وبالضبط في 28 ماي، من نفس السنة، صدر قانون مكافحة الإرهاب، الذي اعتبره برلمانيون ومنظمات حقوقية مغربية، إضافة إلى الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، مثيرا للجدل، بسبب تضمن صياغته إمكانية استغلال التكييف وجعل مخالفات الحق العام أعمالا إرهابية، عندما تتعلق بمحاولة فردية أو جماعية هدفها المس بالنظام العام وبث الخوف والرعب والعنف، كما ينص الفصل 218.

وفي تقرير لمهمة تحقيق دولية، أعقبت الأحداث، شملت لقاءات مع وزير العدل المغربي، محمد بوزوبع، ونقيب المحامين بالدار البيضاء، ومسؤولين حزبيين إلى جانب المدعي العام بمحكمة الاستئناف، قالت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان “بما أنه وقع التنصيص على تدمير وتخريب وإتلاف، فإن المخاوف جدية وحقيقية حول استعمال هذا النص القمعي في بعض الوضعيات، مثل العنف الذي يمكن أن ينتج عن تظاهرة نقابية مثلا” وفق التقرير.

وأحصى وفدان لبعثة الفدرالية حملات اعتقالات شملت “كامل تراب المملكة، وتحولت إلى غارات حقيقية استهدفت بعض الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدن الكبرى كفاس والدار البيضاء”.

وأضافت الفدرالية أن “بعض الأشخاص قد تم إيقافهم، لا على أساس وجود شبهات لمشاركتهم في الأفعال المجرّمة، بل على أساس انتمائهم لهذه الأحياء، أو لمجرد أن هؤلاء الأشخاص كانوا ملتحين”.

ومن التوصيات التي خلصت إليها الفدرالية، “أن مكافحة الأعمال الإرهابية في المغرب أمر ضروري، وعلى السلطات مجابهتها باسم حق كل إنسان في الحياة والحرية والأمن، لكن ذلك لا يعفي الدولة من احترام التشريعات التي وضعتها، والالتزامات الدولية التي صادقت عليها، وتضمن حقوق الأشخاص”.

قبل الانفجار.. الشرعية الإسلامية تطفو على السطح

على مستوى المشهد السياسي، كان المغرب قد انتهى من تجربة التناوب، وبدأ تجربة جديدة لم تخل هي الأخرى من الشد والجذب بين مكونات المشهد، وذلك بعد تعيين الملك محمد السادس، إدريس جطو، وزيرا أولا (رئيسا للحكومة حسب الدستور الحالي) من خارج الأحزاب التي تصدرت الإنتخابات التشريعية لسنة 2002، خلفا لزعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي فاز حينها بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، عبد الرحمان اليوسفي، بعد أن قاد حكومة التناوب التوافقي، التي وصفها في مداخلته، بعد بيان “الخروج عن المنهجية الديمقراطية” الشهير الذي أصدره الحزب، بأنها حكومة تشكلت من أجل “إنقاذ البلاد من السكتة القلبية التي تهددها بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة”.

وقال مصطفى الرميد عضو قيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي حقق مكاسب غير مسبوقة في تلك الانتخابات، باحتلاله المركز الثالث، -قال- في تصريح لوسائل الإعلام إن تعيين جطو وزيرا أول يعد “تراجعا بالنسبة لما تحقق منذ الانتخابات التشريعية في العام 1997”.

لم تكن الانتخابات ونتائجها في تلك الفترة القضية الوحيدة التي تشغل الرأي العام، بل عرف المغرب تجاذبات أخرى تتعلق أساسا بقضايا المرأة، وتعديلات مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة حاليا)، ما دفع بالمعارضة الإسلامية إلى “التمرد”. ذلك ما عبرت عنه المسيرة الإحتجاجية التي قادتها التيارات الإسلامية في مارس سنة 2000، ضد ما اعتبرته مساسا بالشرعية الإسلامية، فيما يتعلق بما جاءت به “خطة إدماج المرأة في التنمية” من أجل تنفيذ مقتضيات اتفاقية المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، والتي دفعت بالتيار الإسلامي إلى النزول إلى شوارع البيضاء رفضا لأي تعديل.

وعلق حينها البرلماني المقرئ أبو زيد الإدريسي، عن حزب العدالة والتنمية، في تصريح إعلامي، بشأن مقترحات التعديلات التي جاءت على خلفية إعلان بكين ومؤتمر نيويورك بأنها “تهدف إلى تدمير الأسرة العربية والإسلامية القائمة على علاقات مستمدة من التشريع الإسلامي، وإلى تشجيع بيع الأطفال والاتجار بهم جنسيا”، وشدد على أن “هذه المؤتمرات يقوم خلف ستارها الشواذ جنسيا لإخراج المرأة والرجل عن فطرتهم الطبيعية”.

من ماي 2003 إلى ماي 2024.. “شباب NEET” قنبلة موقوتة

طبعت فترة تفجيرات الدار البيضاء تأثيرات الأزمة الاقتصادية، بعد أن شهدت البلاد سنتين متتاليتين من الجفاف، فضلا عن عجز تجاري وصفه التقرير السنوي لبنك المغرب، سنة 2002، بالمستوى المرتفع نسبيا، وتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي، “مما أعاق التقدم الذي أحرزته عدة بلدان في مجال محاربة البطالة”، وارتفع معدل البطالة في المغرب سنة 2003 وفق نتائج البحث الوطني حول التشغيل، بنسبة 8 في المائة بزيادة 96 ألف شخص معظمهم في المدن، مقارنة بالسنة التي سبقتها، وبلغ مجموع العاطلين مليونا و299 ألف شخص. وهو المعدل الذي مازال يعرف اليوم ارتفاعا، حيث انتقل في الفصل الأول من السنة الجارية، بحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، إلى مليون و645 ألف شخص.

كما كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن نتائج الرأي الذي أعدته اللجنة الدائمة المكلفة بقضايا التشغيل والعلاقات المهنية، تحت عنوان “شباب ليسوا في المدرسة ولا يشتغلون ولا يتابعون أي تكوين NEET”.

وخلصت النتائج إلى وجود 1 من كل 4 شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، في هذه الوضعية، أي ما يعادل مليونا ونصف المليون شخص، وهو ما يبرز وفق تقرير اللجنة “محدودية السياسات العمومية الرامية إلى تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب”.

وبحسب منظمة اليونسكو، فإن “الشباب هم أكثر المعرضين للخطر، وإنهم الأهداف الرئيسية لاستراتيجيات التجنيد”، وتضيف المنظمة أن “الاستجابة الأمنية مهمة إلا أنها غير كافية، ولن تعالج الظروف العديدة الكامنة التي تولد التطرف العنيف وتدفع الشباب إلى الانضمام إلى المجموعات المتطرفة العنيفة”.

واعتبرت اليونسكو أن تخصيص الأموال، من أجل تشديد التدابير الأمنية، غير كاف لحماية الجميع من الهجمات الإرهابية، لذلك لابد من النظر في الجهود الرامية إلى منع التطرف العنيف ضمن إطار شمولي.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram