ترجمات – تحقيق ماكس بلومينتال I ترجمة: خالد البكاري I دي كرايزون
لقد تلقى الجيش الإسرائيلي أوامر بقصف منازل الإسرائيليين، بل وحتى قواعدهم العسكرية، عندما اجتاحها مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر. فكم عدد المواطنين الإسرائيليين الذين قيل إنهم أحرقوا أحياء، فيما قُتلوا بالفعل بنيران صديقة؟
لقد أكدت عدة شهادات جديدة أدلى بها شهود إسرائيليون حول هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل، إضافة إلى أدلة متزايدة، أن الجيش الإسرائيلي قتل مواطنيه أثناء محاولته استهداف المسلحين الفلسطينيين خلال القتال.
وقام توفال إسكابا، عضو الفريق الأمني في كيبوتس بئيري، بإنشاء خط مفتوح للتنسيق بين السكان والجيش الإسرائيلي. وقال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية “إنه مع تسرب اليأس، اتخذ القادة الميدانيون قرارات صعبة، بما في ذلك قصف المنازل المأهولة بساكنيها، من أجل القضاء على الإرهابيين والرهائن معا”.
وأشار تقرير منفصل نُشر في صحيفة “هآرتس” أن الجيش الإسرائيلي “اضطر إلى طلب غارة جوية ضد منشآته داخل معبر إيريتز، من أجل صد الإرهابيين الذين سيطروا على المنطقة. وكانت تلك القاعدة مكتظة بضباط وجنود الإدارة المدنية الإسرائيلية في ذلك الوقت”.
ويشير هذا التقرير إلى أن الأوامر صدرت من القيادة العليا للجيش، لمهاجمة المنازل ومناطق أخرى داخل إسرائيل، ولو على حساب أرواح العديد من الإسرائيليين.
وأكدت سيدة إسرائيلية تدعى “ياسمين بورات”، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن الجيش قتل بلا شك، في 7 أكتوبر، العديد من الإسرائيليين المدنيين، خلال معارك بالأسلحة النارية مع مقاتلي حماس. وأضافت: “لقد قضوا على الجميع، بما في ذلك الرهائن”، في إشارة إلى القوات الخاصة الإسرائيلية.
في نفس المنحى الذي ذكره ديفيد شين وعلي أبو نعمة في الموقع الإلكتروني “إنتفاضة”، وصفت بورات تبادل إطلاق النار الكثيف، والقصف الذي قامت به الدبابات الإسرائيلية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا بين الإسرائيليين.
تقول بورات عن مسلحي حماس: “لم يسيئوا إلينا. لقد عوملنا بطريقة إنسانية للغاية، ولم يعاملنا أحد بعنف”. وأضافت: “الهدف كان اختطافنا وإحضارنا لغزة، وليس قتلنا”.
ووفقا لصحيفة “هآرتس”، لم يتمكن الجيش من استعادة السيطرة على كيبوتس “بئيري” إلا بعد قصف منازل الإسرائيليين، الذين تم أسرهم داخلها. وكتبت الصحيفة أن “الثمن كان باهظا: قُتل ما لا يقل عن 112 من سكان “بئيري”. وتم اختطاف آخرين. وبالأمس، وبعد 11 يوماً من المجزرة، عثر على جثتي أم وابنها في أحد المنازل المدمرة. ومن المحتمل أن المزيد من الجثث لا تزال تحت الأنقاض”.
إن معظم عمليات القصف في “بئيري” نفذتها الدبابات الإسرائيلية. وقال مراسل قناة i24 الإسرائيلية خلال زيارة إليها: “تعرضت منازل صغيرة وفخمة للقصف أو التدمير، وتم إتلاف الحقول الخضراء، التي كان يتم المبالغة في الاعتناء بها وبأشجارها، بواسطة مركبات مدرعة، وربما دبابات”.
كما ساهمت طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز أباتشي بدور كبير في ارتباك الجيش الإسرائيلي، في 7 أكتوبر. وقال طيارون لوسائل الإعلام الإسرائيلية إنهم اندفعوا إلى ساحة المعركة دون أي معلومات استخباراتية، ولم يتمكنوا من التمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين الإسرائيليين، ومع ذلك فقد صمموا على إفراغ بطون طائراتهم من القذائف. وعلق أحد طياري الأباتشي قائلاً: “وجدت نفسي محتارا بشأن من يجب إطلاق النار عليهم، لصعوبة التمييز بين الإسرائيليين والفلسطنيين”.
ويوضح مقطع فيديو صوره مسلحون من حماس، يرتدون الزي العسكري أنهم أطلقوا النار عمداً على العديد من الإسرائيليين، ببنادق كلاشينكوف، في 7 أكتوبر (المقطع لا يوضح بدقة هل المستهدفون مدنيون أم عسكريون). إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تكتف بالاعتماد على دليل الفيديو هذا، والذي تم التحقق منه. وبدلا من ذلك استمرت في نشر مزاعم غير موثوقة عن أطفال مقطوعي الرؤوس، وتوزيع صور جثث محروقة، لا يمكن التعرف على أصحابها، ولا التحقق من صحتها، لترويج مزاعم أن المسلحين أحرقوا أسراهم بطريقة سادية، واغتصبوا بعض النساء قبل إحراقهن أحياء.
إن الهدف من وراء ترويج الفظائع المزعومة في تل أبيب واضح: تصوير “حماس” على أنها أسوأ من “داعش”، مع حشد الدعم لقصف الجيش الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة، والذي خلف أكثر من 7000 قتيل، بما في ذلك 2500 طفل على الأقل حتى وقت كتابة هذا التحقيق. وبينما يستمر المئات من الأطفال الجرحى في غزة في تلقي العلاجات، مما وصفه أحد الجراحين بأنه حروق من الدرجة الرابعة، ناجمة عن استخدام أسلحة جديدة، فإن تركيز وسائل الإعلام الغربية يظل منصباً على المواطنين الإسرائيليين الذين يزعم أنهم أحرقوا أحياء في السابع من أكتوبر.
ورغم ذلك، تتزايد الأدلة على أن أوامر إطلاق النار، التي أصدرها قادة الجيش، تسببت في نيران صديقة، وعلى أن بعض الصور المقلقة لجثث متفحمة، ومنازل إسرائيلية تحولت إلى أنقاض، وهياكل سيارات محترقة التي قدمت إلى وسائل الإعلام الغربية، كانت في الواقع من فعل فرق الدبابات وأطقم المروحيات الإسرائيلية التي أمطرت المنطقة بالقذائف ونيران المدافع وصواريخ هيلفاير.
وفي الواقع، يبدو أن الجيش الإسرائيلي لجأ في السابع من أكتوبر إلى نفس الأساليب التي استخدمها ضد المدنيين في غزة، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى بين مواطنيه، بسبب الاستخدام العشوائي للأسلحة الثقيلة.
أطلقت حماس والجهاد الإسلامي عملية طوفان الأقصى، في الساعة السادسة من صباح يوم 7 أكتوبر، وسرعان ما اجتاح مقاتلوهما القواعد العسكرية التي تفرض عبرها إسرائيل حصارها على قطاع غزة. وكان من بين الأهداف الرئيسة التي حددتها حماس والجهاد الإسلامي: إطلاق سراح الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، بمن فيهم حوالي 700 طفل يتجدد اعتقالهم كل عام، استنادا للقوانين نفسها التي تسمح بالاعتقال الإداري دون توجيه تهم. (1264 من المعتقلين الفلسطينيين من مجموع حوالي 6000 معتقل في السجون الإسرائيلية، لم توجه لهم أي تهم رغم أنهم اعتقلوا منذ سنوات، ويتم تجديد حبسهم الاحتياطي بطريقة آلية).
وكانت صفقة تبادل جلعاد شاليط (جندي إسرائيلي تم أسره قبل خمس سنوات، وتم إطلاق سراحه مقابل 1027 أسيراً)، مصدر إلهام واضح لعملية طوفان الأقصى. ومن خلال اقتحام القواعد العسكرية والكيبوتزات، كان المقاتلون الفلسطينيون يهدفون إلى أسر أكبر عدد ممكن من الجنود والمدنيين الإسرائيليين، وجلبهم إلى غزة أحياء.
لقد تسبب الهجوم المفاجئ في حالة شبه شلل لفرقة غزة الإسرائيلية. ويُظهر مقطع فيديو تم تسجيله من كاميرات GoPro (المثبتة على خوذات المقاتلين الفلسطينيين) جنودًا إسرائيليين يُقتلون في تتابع سريع، والعديد منهم في حالة ذهول، وهم بملابسهم الداخلية فقط.
وقد قُتل ما لا يقل عن 340 جنديًا وضابطًا في المخابرات في 7 أكتوبر، وهو ما يمثل ما يقرب من 50% من الوفيات الإسرائيلية المؤكدة. وكان من بين الضحايا ضباط رفيعو المستوى، مثل العقيد جوناثان شتاينبرغ، قائد لواء ناحال الإسرائيلي. وقُتل أيضًا العديد من المدنيين الإسرائيليين الذين يتوفرون على أسلحة، وحاولوا التدخل في بداية الهجوم.
توجد بمعبر “إيريتز” منشأة عسكرية ضخمة، تضم داخلها كذلك مبنى مقر تنسيق الأعمال الحكومية في الأراضي المحتلة، وتعتبر هذه المنشأة الأداة المحورية لتشديد الحصار الإسرائيلي على غزة. وعندما اجتاحها المقاتلون الفلسطينيون في 7 أكتوبر، كانت بداخلها أعداد كبيرة من القيادات الإدارية للجيش، والذين أصيبوا بالذعر.
وبحسب ما نقلت صحيفة “هآرتس” عن قائد فرقة غزة الجنرال “آفي روزنفيلد”، فإنه “تحصن في غرفة الحرب تحت-أرضية التابعة للفرقة، مع حفنة من الجنود، في محاولة يائسة لإنقاذ وتنظيم القطاع الذي يتعرض للهجوم. وقد قُتل وأصيب العديد من الجنود، ومعظمهم من غير المقاتلين (الجنود المكلفون بمهام إدارية أو طبية إو إعلامية)، واضطرت الفرقة إلى طلب غارة جوية ضد قاعدة معبر إيريتز نفسها “من أجل صد الإرهابيين”.
ويُظهر مقطع الفيديو الذي نشره مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة بعد عشرة أيام من المعركة، والغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة، أضرارًا هيكلية جسيمة، لحقت بسقف منشأة معبر “إيريتز”.
وفقا لرواية قدمها بعض أفراد الجيش للموقع الإخباري الإسرائيلي “ماكو” فإنه “بحلول الساعة 10:30 صباحًا، كانت معظم القوات الفلسطينية، التي نفذت الغزو، قد غادرت المنطقة بالفعل إلى غزة. ولكن مع الانهيار السريع لفرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، تدفق اللصوص، والمدنيون الفلسطينيون، والمقاتلون غير النظاميين الذين لا يخضعون بالضرورة لقيادة حماس، بسلاسة إلى إسرائيل”.
في هذا التوقيت، كان سرب مروحيات أباتشي الإسرائيلية يعمل بـ 8 مروحيات فقط في الجو، وحسب ما أفاد موقع “ماكو”: “لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية تقريبًا للمساعدة في اتخاذ قرارات مصيرية، ولم يصل السرب إلى قوته الكاملة حتى الظهر”.
وبينما أدت موجة التسلل من غزة إلى الفوضى على الأرض، أطلق الطيارون الإسرائيليون المرتبكون موجات من الصواريخ، والقذائف من المدافع الرشاشة، ويضيف الموقع أن “العديد من طياري الأباتشي أقرو أنهم أطلقوا كمية هائلة من الذخائر، وأفرغوا بطن مروحياتهم في دقائق، ثم عادوا لقواعدهم من أجل إعادة التسليح، وقد كرروا الفعل مرات متعددة، دون أن يستوعبوا ما كان يحدث على الأرض”.
ويبدو أن مروحيات الأباتشي ركزت قذائفها على المركبات العائدة إلى غزة من مهرجان نوفا للموسيقى الإلكترونية (والتي كان بها رهائن)، وكذا السيارات التي كانت فارة إلى الكيبوتسات القريبة، وقد هاجمتها المروحيات، مع علمها الواضح بأن الأسرى الإسرائيليين قد يكونون بداخلها. كما أطلقت النار على الأشخاص العزل الذين كانوا يخرجون من السيارات، أو يسيرون على الأقدام في الحقول الواقعة على أطراف غزة.
في مقابلة مع موقع “ماكو” الإخباري الإسرائيلي، تحدث أحد طياري الأباتشي عن معضلة إطلاق النار على السيارات والأشخاص العائدين إلى غزة. وكان يعلم أن العديد من تلك المركبات كانت تضم أسرى إسرائيليين. لكنه اختار إطلاق النار، قال الطيار مبررا: “كنت أختار أهدافا، وأقول لنفسي: إن فرصة إطلاق النار هنا على الرهائن منخفضة”. إلا أنه اعترف بأن احتمالاته: “لم تكن صائبة”.
وقال قائد وحدة أباتشي، برتبة لفتنانت كولونيل، لماكو في تقرير منفصل: “أفهم أنه يتعين علينا في حالات قتالية إطلاق النار بسرعة، ولكن إطلاق النار على الناس فوق آراضينا، هو أمر لم أعتقد أنني سأفعله يوما ما”.
ووصف المقدم أ.، وهو طيار احتياطي في الوحدة نفسها، ضبابية الموقف والارتباك الذي حصل، “وجدت نفسي في حيرة بشأن ما يجب إطلاق النار عليه، فقد كان هناك الكثيرون بزي مدني، يصعب معه التمييز بين مواطنينا وبين الفلسطنيين”.
وأشار تقرير عن سرب الأباتشي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إلى أن “الطيارين أدركوا أن هناك صعوبة هائلة في التمييز داخل البؤر الاستيطانية والمستوطنات المحتلة بين من هو إرهابي، ومن هو جندي إسرائيلي، ومن هو مدني، وكان معدل إطلاق النار في البداية مرتفعا لأن عدد الإرهابيين كان هائلاً، وبعد مدة معينة بدأ الطيارون في إبطاء الهجمات، واختيار الأهداف بعناية”.
وأوضح قائد سرب لـ “ماكو” كيف كاد أن يقصف منزل عائلة إسرائيلية، يحتله مقاتلو حماس، وانتهى به الأمر بإطلاق قذائف مدفعية بجانبه. يتذكر الطيار قائلاً: “لم يكن لدى قواتنا الوقت الكافي للوصول إلى هذه المستوطنة، وقد نفدت الصواريخ هناك بالفعل، وهو السلاح الأكثر دقة”.
وبينما كانت العائلة داخل ملجأ محصن ضد القنابل، قرر الطيار إطلاق مدفعه على بعد 30 مترًا من هذا المنزل، وهو قرار صعب للغاية. وأضاف: “أطلقت النار على مسافة قريبة من المنزل، حتى إذا كان هناك مدنيون إسرائيليون، فسوف يسمعون صوت القنابل، ويغادروا المنزل قبل قصفه، وسأقول لك الحقيقة: أنا أيضًا خطر في بالي أن أقصف المنزل مباشرة كما فعل آخرون”.
وفي نهاية المطاف، ألقى طيارو المروحيات الإسرائيلية اللوم على تكتيكات حماس الذكية، لتبرير عدم قدرتهم على التمييز بين المسلحين والمدنيين الإسرائيليين. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت : “يبدو أن جيش حماس جعل الأمر صعبا عمدا على طياري المروحيات وموجهي الطائرات بدون طيار”.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه «بات واضحاً أنه طُلب من القوات الغازية في هذا الهجوم الأخير الدخول ببطء إلى المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وعدم الركض تحت أي ظرف من الظروف، وذلك من أجل إيهام الطيارين بأنهم إسرائيليون. وقد نجح هذا الخداع لفترة طويلة، حتى أدرك طيارو الأباتشي أنه يتعين عليهم تجاوز جميع القيود الاحترازية. وفي حوالي الساعة 9:00 صباحًا، بدأ بعضهم في قصف الإرهابيين من تلقاء أنفسهم، دون الحصول على إذن من رؤسائهم”.
وهكذا، وبدون أي معلومات استخباراتية، أو قدرة على التمييز بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أطلق الطيارون وهم في حالة غضب نيران المدفعية والصواريخ على المناطق الإسرائيلية بالأسفل.
تُظهِر الصور التي التقطت في أعقاب القتال داخل الكيبوتسات مثل “بئيري”، والقصف الإسرائيلي لهذه المجمعات، أنقاضاً ومنازل متفحمة، تشبه آثار هجمات الدبابات والمدفعية الإسرائيلية داخل غزة. وكما قال “توفال إسكابا”، المنسق الأمني في كيبوتس “بئيري” لصحيفة هآرتس:”إن قادة الجيش الإسرائيلي أمروا بقصف المنازل على ساكنيها، من أجل القضاء على الإرهابيين والرهائن معا”.
وقالت “ياسمين بورات”، إحدى الحاضرات في مهرجان نوفا الموسيقي، والتي فرت إلى كيبوتس بئيري، للإذاعة الإسرائيلية : “عندما وصلت القوات الخاصة الإسرائيلية لتحرير الرهائن، قضوا على الجميع، بمن في ذلك الرهائن، لأنه كان هناك تبادل إطلاق نار كثيف للغاية”.
وتابعت بورات: “بعد تبادل إطلاق النار الجنوني، أطلقت قذيفتان من دبابة على المنزل. إنه منزل كيبوتس صغير، وليس كبيرًا”.
يظهر مقطع فيديو نشر في تطبيق Telegram على حساب تابع لبرنامج South Responders الإسرائيلي، جثث إسرائيليين تم اكتشافها تحت أنقاض منزل، دمره انفجار قوي ناجم على الأرجح عن قذيفة دبابة، ونشرت صحيفة نيويورك بوست اليمينية تقريرا عن حادثة مماثلة، متعلقة بالعثور على جثة صبي محروقة تحت أنقاض منزل عائلته في بئيري.
كما أن ظاهرة الجثث المتفحمة التي كانت أيديها وأرجلها مقيدة ( مما يعني أن غرض التقييد كان أخذها رهائن)، والتي عُثر عليها تحت أنقاض المنازل المدمرة، تثير أيضاً تساؤلات حول نيران الدبابات الصديقة.
ووصفت “ياسمين بورات”، الرهينة التي نجت من المواجهة في بئيري، كيف قام مقاتلو حماس بتقييد يدي شريكها خلف ظهره. وبعد أن استسلم أحد القادة المسلحين، واستخدمها كدرع بشري لضمان سلامته، رأت شريكها ملقى على الأرض، ولا يزال على قيد الحياة. وذكرت أن قوات الأمن الإسرائيلية قتلته بلا شك، هو والرهائن الآخرين، عندما فتحت النار على المسلحين المتبقين بالداخل، مستعملة كذلك قذائف الدبابات.
كما فتحت قوات الأمن الإسرائيلية النار على إسرائيليين فارين، ظنت خطأً أنهم من مسلحي حماس. وذكرت سيدة من عسقلان تدعى “دانييل راشيل” أنها كادت أن تُقتل بعد هروبها من مهرجان نوفا الموسيقي، عندما هاجمه مسلحون من غزة. وقالت: “عندما وصلنا إلى الكيبوتس، رأينا قوات الأمن الإسرائيلية، فخفضنا رؤوسنا، لأننا علمنا تلقائيًا أنهم سيشتبهون بنا، خصوصا أننا كنا مختبئين في سيارة صغيرة مهجورة، مركونة في نفس الاتجاه الذي كان الإرهابيون قادمون منه. وبالفعل بدأت قواتنا بإطلاق النار علينا.
وتابعت: “عندما أطلقت قواتنا النار علينا، تحطمت نوافذ السيارة، حينها صرخنا بالعبرية: “نحن إسرائيليون!، فتوقف إطلاق النار، وتم نقلنا إلى بر الأمان”.
ولم يكن بعض الإسرائيليين محظوظين مثل راشيل. فقد قُتل “أودي أوحنا” برصاص الشرطة الإسرائيلية، بالقرب من منزله، بعد أن اشتبهوا أنه مقاتل فلسطيني. واشتكت ابنة أخيه قائلة: ” إن رجلاً بريئاً قُتل بأكثر الطرق إهمالاً”.
تمتلئ وسائل الإعلام الإسرائيلية الآن بتقارير عن قيام الجيش بإطلاق النار على مواطنيهم الإسرائيليين، حتى عندما كانوا يدافعون عن منازلهم من المسلحين الفلسطينيين.
من بين مقاطع الفيديو الأكثر بشاعة لما بعد 7 أكتوبر، والتي نُشرت أيضًا على حساب في Telegram تابع لـ South Responders، تظهر سيارة مليئة بالجثث المتفحمة، عند مدخل كيبوتس بئيري. وقد قدمت الحكومة الإسرائيلية الجثث على أنها لضحايا إسرائيليين تعرضوا لعنف حماس السادي. ومع ذلك، فإن الجسم الفولاذي المنصهر وسقف السيارة المنهار، والجثث المحروقة بالكامل بداخلها، تشير إلى إصابة مباشرة بصاروخ هيلفاير.
ومن الممكن أيضًا أن يكون ركاب السيارة من نشطاء حماس، الذين تدفقوا بعد اختراق السياج، وربما كانوا عائدين أيضًا إلى غزة مع أسرى إسرائيليين داخل سيارتهم.
قام سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة “جلعاد إردان” برفع صور تظهر مقاتلين قتلى من حماس خلال خطابه في 26 أكتوبر الماضي في الأمم المتحدة. وقال بغضب على المنصة: “نحن نقاتل الحيوانات”، قبل أن يستخرج ورقة تعرض رمز الاستجابة السريعة (QR) مكتوب عليه “امسح ضوئيًا لترى فظائع حماس”.
وعندما قمت بمسح الرمز ضوئيًا مساء ذلك اليوم، وجدت حوالي 8 صور مروعة لجثث محترقة، وأجزاء سوداء من الجسم. وظهر في إحدى الصور كومة من جثث الرجال المتفحمة بالكامل، مكدسة في سلة المهملات. فهل كان رجال الإنقاذ والمسعفون الإسرائيليون سيتخلصون من جثث الإسرائيليين اليهود بهذه الطريقة؟
إن جميع الإسرائيليين الذين قُتلوا في 7 أكتوبر قد تم جمعهم في أكياس جثث فردية، ونقلوا إلى المشارح. وفي الوقت نفسه، أظهرت العديد من مقاطع الفيديو التي سجلها الإسرائيليون عمليات تدنيس جثث مسلحي حماس الذين قتلتهم قوات الأمن، والذين تم تجريدهم من ملابسهم، والتبول عليهم، وتشويه أجسادهم. ويبدو أن إلقاء الجثث في سلة المهملات هو جزء من سوابق إسرائيلية، مرتبطة بسياسة إساءة معاملة جثث الأعداء.
بعد ما يزيد قليلاً عن اثنتي عشرة ساعة من قيام السفير إردان بإشهار الصور الفظيعة المنسوبة لحركة حماس في الأمم المتحدة، احتوى ملف Google Drive الموزع على الصحافيين على مقطع فيديو قصير واحد فقط. ومن بين الصور المختفية في ظروف غامضة، كانت صورة حاوية القمامة المليئة بالجثث المحترقة. هل تم حذفها لأنها تظهر مقاتلي حماس وقد أحرقهم صاروخ هيلفاير، وليس إسرائيليين “يحترقون حتى الموت” على يد حماس؟
وقال بعض رجال الإنقاذ، الذين وصلوا إلى موقع الأحداث في جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر، إنهم لم يروا مثل هذا الدمار من قبل. ولكن بالنسبة لأولئك الذين شهدوا القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، فإن صور المنازل المدمرة والسيارات المحترقة أصبحت مألوفة لهم.
أثناء تغطيتي للهجوم الإسرائيلي على غزة الذي استمر 51 يومًا في عام 2014، صادفت سيارة مدمرة في وسط مدينة غزة، كانت مملوكة لسائق سيارة أجرة شاب، يُدعى “فضل علوان”، وقد اغتالته طائرة إسرائيلية بدون طيار خطأ، حين كانت بصدد استهداف مقاتل جريح من حماس، كان في مستشفى قريب. لما ألقيت نظرة على السيارة من الداخل، كان لا يزال من الممكن رؤية بقايا حذاء علوان الذي ذاب في دواسة الوقود.
بحلول ظهر يوم 7 أكتوبر، كانت المستوطنات والطرق الصحراوية عبر جنوب إسرائيل متفحمة، واصطفت على جانبيها السيارات المدمرة، التي كانت تشبه إلى حد كبير سيارات علوان. فهل كان مقاتلو حماس المسلحون بأسلحة خفيفة قادرين فعلاً على إحداث الدمار على هذا النحو الشامل؟
في 23 أكتوبر جمعت الحكومة الإسرائيلية مراسلي الصحافة الدولية في جلسة دعائية غير رسمية، داخل قاعدة عسكرية مغلقة، وأمد المسؤولون الصحافيين بفيديوهات، وقدموا مجموعة من الادعاءات المرعبة عن مشاهد مروعة من القتل، والتعذيب، وقطع الرؤوس، في هجوم حماس في 7 أكتوبر، وفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
ربما تكون الوثيقة الأكثر إثارة للقلق، التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية للصحافيين، هي مقطع فيديو يظهر جثة امرأة محترقة جزئيا، ورأسها مشوه، في حين أن ثوبها مشدود حتى خصرها، وتم إزالة سروالها الداخلي، وفقا لما ذكره موقع “تايمز أوف إسرائيل”.
وقام دانييل عمرام، وهو مدون له شعبية في إسرائيل، بالتغريد: “مقطع فيديو لجثة امرأة محترقة”، مدعيا أنها “تعرضت للاغتصاب، والحرق حية”.
بتحليل الفيديو، فإن الاحتمال الأكبر أن الشابة قُتلت على الفور، جراء انفجار قوي. ويبدو أنها أُخرجت من السيارة التي كانت تجلس فيها، والتي ربما كانت مملوكة لخاطف من غزة. وتم تدمير السيارة بشكل كامل في حقل ترابي، كما هو الحال مع العديد من المركبات الأخرى التي تعرضت للهجوم من قبل مروحيات أباتشي. وقد كانت ترتدي ملابس ضيقة وخفيفة وساقاها متباعدتان.
وعلى الرغم من أنها حضرت مهرجان نوفا للموسيقى الإلكترونية، حيث ارتدت العديد من الحاضرات ملابس ضيقة، وكانت أطرافها المنحنية مطابقة بشكل نموذجي لجسد كان جالسًا في سيارة قبل تيبسه موتا، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين زعموا أنها كانت في تلك الوضعية، لأنها تعرضت لاغتصاب قبل قتلها.
ورغم أن ادعاءات الاعتداء الجنسي ثبت حتى الآن أن لا أساس لها من الصحة، فإن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ميكي إدلشتاين أصر أمام الصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 23 أكتوبر على وجود دليل على الاغتصاب، إلا أنه عندما طلب منه الدليل، قال لتايمز أوف إسرائيل: “لا يمكننا مشاركته”.
هل كانت هذه الشابة ضحية أخرى لأوامر النيران الصديقة التي أصدرها الجيش الإسرائيلي؟ فقط تحقيق مستقل يمكنه كشف الحقيقة.
داخل غزة، حيث يتم احتجاز حوالي 200 مواطن إسرائيلي كرهائن، لا يوجد شك حول من الذي يقتل الأسرى. ففي 26 أكتوبر، أعلن الجناح المسلح لحركة حماس، المعروف باسم كتائب القسام، أن إسرائيل قتلت ما يقرب من 50 أسيراً، في هجمات صاروخية.
لو ثبت أن الجيش الإسرائيلي قد استهدف عمدا المناطق التي يعلم أن الأسرى محتجزون فيها، فستكون أفعاله منسجمة مع التوجيه العسكري الإسرائيلي المعروف ب”هنبعل“.
تم وضع هذا التوجيه العسكري في عام 1986 بعد الصفقة التي تم عقدها مع أحمد جبريل (الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة)، والتي قامت إسرائيل بموجبها بمقايضة 1150 أسيرًا فلسطينيًا مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين. وبعد رد فعل سياسي عنيف، صاغ الجيش الإسرائيلي توجيها ميدانيًا سريًا، لمنع عمليات الاختطاف في المستقبل. ويقضي بالسماح بتصفية الرهائن مع مختطفيهم، وقد استمد هذا التوجيه العسكري اسمه من الجنرال القرطاجني هنبعل الذي اختار تسميم نفسه، بدلاً من أن يقع أسيراً لدى العدو.
آخر تفعيل مؤكد للتوجيه العسكري “هنبعل”، حدث في فاتح غشت 2014 برفح، عندما أسر مقاتلو حماس ضابطًا إسرائيليًا، وهو الملازم هدار غولدين، مما دفع الجيش إلى إطلاق أكثر من 2000 قنبلة وصاروخا وقذيفة على المنطقة. وأسفر كل ذلك عن مقتل الجندي وأكثر من 100 مدني فلسطيني.
وسواء كانت إسرائيل تقتل مواطنيها الأسرى في غزة عمداً أم لا، فقد أثبتت حساسيتها الغريبة تجاه إطلاق سراحهم فوراً. فبعد رفض عرض من حماس بإطلاق سراح 50 رهينة مقابل الوقود، عاودت إسرائيل في 22 أكتوبر رفض عرض من حماس بإطلاق سراح يوتشيفيد ليفشيتز، ناشطة السلام الإسرائيلية البالغة من العمر 85 عاما، وصديقتها نوريت البالغة من العمر 79 عاما. مقابل قبول تسلمهما فقط.
وعندما وافقت إسرائيل على إطلاق سراحهما في اليوم الموالي، أظهر مقطع فيديو ليفتشيتز وهي تصافح أحد نشطاء حماس، وتقول له بتودد “شالوم”، بينما كان يرافقها خارج غزة. وخلال مؤتمر صحفي في ذلك اليوم، روت المعاملة الإنسانية التي تلقتها من خاطفيها.
لقد تم التعامل مع مشهد إطلاق سراح ليفشيتز باعتباره كارثة دعائية من قبل المشرفين على الدعاية في الحكومة الإسرائيلية، حيث عبروا عن تذمرهم، واعتبروا أن السماح لها بالتحدث علناً كان بمثابة خطأ فادح.
ولم يكن الجيش الإسرائيلي أقل استياءً من حريتها المفاجئة. فقد ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن الجيش يشعر بالقلق من إطلاق المزيد من الرهائن من قبل حماس، فقد يدفع ذلك القيادة السياسية إلى تأخير التوغل البري، أو حتى وقفه في منتصف الطريق”.
صحافي استقصائي أمريكي، من عائلة يهودية، وهو ابن المستشار الإعلامي السابق لبيل كلينتون، عمل ماكس بلوفينتال في كبريات الصحف الأمريكية مراسلا لها في لبنان والآراضي الفلسطينية المحتلة، مثل “دي الدايلي بيست”، “دي ناشين”، “الهافينغتون بروست”، كما اشتغل مع قناة الجزيرة بالإنجليزية، قبل أن ينشئ الموقع الخاص بالتحقيقات السياسية والحربية “دي كرايزون”