“هوامش”- إيغيل/ تلات نيعقوب – أسامة باجي:
الليلة الخامسة بعد الزلزال المدمر في مخيمات “إيغيل”، أشبه بنص اقتطع من رواية ”ثورة الأيام الأربعة” للكاتب المغربي عبد الكريم جويطي. حيث يقول: “في الجبل، حين يقول لنا إنسان أنه جوعان لا نعطيه خبزا فقط، بل نقتسم معه كل ما يوجد في الدار”.
الهضبة اليقِظة
بؤس الواقع وصعوبة التضاريس يعوضهما كرمٌ لا يوصف. وحده ليل “إيغيل” قادر على كشف وجهٍ آخر رغم قساوة المشهد. تصل منصة “هوامش” إلى قرية إيغيل في وقت متأخر من الليل، بعد رحلة شاقة وسط المعابر الوعرة وهو الذي صار أمرا مُعتادا لدى زوار المنطقة بعد الزلزال.
تشير الساعة إلى السابعة مساءً، نتواجد في ساحة صغيرة وسطَ رُكام إيغيل، نقف وسطَ ما تبقى من مدرسة تتكون من قسمين، أحدهما حوله الأهالي إلى مخزن طعام، والآخر اتخذوه مطبخا، يشتغل ليلَ نهار، لتقديم الشاي والخبز والأكل للزوار وسكان القرية.
“أجيو تشربو أتاي”، عبارة قد تسمعها أكثرَ من مرة عند باب المدرسة، التي أصبحت مخزنا ومطبخا. صادفنا الحسين وعبد العزيز وهما يستقبلان المساعدات ويسهرن على تخزينها بعناية؛ الخضر والفواكه والمواد الغذائية في حجرة صغيرة، والأغطية في باحة المدرسة.
تحيط بقرية إيغيل مجموعة من الدواوير الصغيرة، لا زال الوصول صعباً إلى بعضها، إذ تصل أغلب المساعدات إلى المركز ويتكلف أبناء المداشر المجاورة بنقل نصيب كل قرية من المواد. يقول الحسين لهوامش إنه يحرص على أن “تأخذ كل قرية حقَّها من المساعدات”.
“نستقبل المساعدات ونضعها في المخزن (المدرسة)، ثم نوزعها بالتساوي على الأهالي، هكذا نعمل ليلَ نهار”، يقول الحسين، مضيفا أن الخيام “وصلت للتو”.
شهدت “منصة هوامش” عملية نصب الخيام من قبل الأهالي، وهم يسارعون الزمن، للانتهاء منها قبل حلول الظلام، الولوجية للكهرباء هنا قد تكون مهمة صعبة.
لم تتوقف قوافلُ المساعدات طيلة الليل، حسب ما صرح به الحسين لمنصتنا، فبمجرد ما تحل قافلة جديدة، “نستقبل القادمين، ونقدم لهم الشاي، ونتقاسم داكشي لي قسم الله، ثم نشرع في تفريغها، ويصبح الضيف واحد منا، هكذا نحن في إيغيل نعمل يدا واحدة”.
غير بعيد عن خيمة المساعدات، تستقبلنا روائح الشاي وأباريق القهوة المُنسمة بالأعشاب الجبلية، وطناجر طبق الفاصولياء “اللوبيا”، تطبخ في قسم مُعَدٌّ للطهي، تقدم على العشاء لكل المتطوعين. لقد تحول هؤلاء السكان إلى منكوبين فجأة، ويترقبون فصل شتاء قد يكون قاسيا جدا.
دعانا شباب القرية لوجبة العشاء، اجتمعنا على طبق الفاصولياء بزيت الزيتون، أخذتنا أطراف الحديث للدردشة حول الطريق وعزلة “إيغيل”، غير أن سؤال “المصير ما بعد الكارثة” يتكرر على كل لسان.
ليالي أنسٍ وتآزر
كلَّما تقدَّم الليل هنا قلت الحركة وعمَّ السكون، إنه “ليل مختلف لم نعهده من قبل” حسب الحسين، فعلى الرغم “من الهدوء والسكون، إلا أن حركة واحدة قد تكون كافية لإيقاظ الجميع، بعد الزلزال أصبحنا في حالة تأهب دائم. نحن لا نخلد إلى النوم بل نغمض أعيننا في انتظار الصباح”.
اضطررنا للمبيت في “إيغيل”، قدًّم لنا أهل إغيل بعض الأغطية والأفرشة. لم يكن ليل إيغيل دافئا بل أنذرت برودته بجحيم يتنظر هؤلاء الذين يفترشون العراء. قضينا الليلة داخل سيارة، وعلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وصلت قافلة من الدار البيضاء. رافقنا الحسين لاستقبال الوافدين الجدد، بينما لا تخفي وجوه أهل الدوار فرحها بكل من يصل إليهم من مساعدات .
في اليوم الموالي استيقظنا على إيقاع هزة ارتدادية حوالي الساعة السابعة صباحا، ويبدو أن الناس هنا أصبحوا قادرين على التعامل مع الفزع الذي لا يغادرهم.
ليل المُخيمات يبوح بالكثير
قضينا قضينا الليلة الموالية من رحلتنا في مركز تلات نيعقوب، حيث تحيط أطلال القرية بمخيم الناجين، وغير بعيد نصب مخيم للجيش، والوقاية المدنية، شاركنا خيمة مع متطوعين أحضروا مساعدات للساكنة.
على بعد أمتار قليلة من المخيمات استوقفتنا خيمة بائع للإسفنج بالأسواق، لقبه إدريس وقد، تطوَّع لإعداد الوجبات الغذائية مجانا، قدم من العطاوية، لطهي الإسفنج والرغيف صباحا ومأكولات أخرى للغذاء والعشاء.
يقول إدريس “هادشي علاش قدرنا الله وغانبقى هنا حتى يحد الله الباس، ما أن سمعت بالزلزال فكرت في أمر الطعام، نشاهد قوافل عديدة تصل محملة بالمواد الغذائية وغيرها، لكن ما يلزم أيضا هو الأواني وقنينات الغاز للطهي، لذلك لم أتردد وحضرت مع العمال، نتطوع لمساعدة أهل تلات نيعقوب، فهم أهلنا ومغاربة مثلنا”.
لا يشكل ادريس حالة خاصة، فقد صادفنا فريقا قدم من مدينة آسفي لتقديم الوجبات الغذائية، وآخرون يوزعون الحريرة والبيض للفطور، وبعض المأكولات في الليل. في هذا المخيم لن يجوع أحد.
على الثالثة صباحاً، انكسر هدوء ليل المخيم حين أحضرت وحدة الإغاثة والإنقاذ، التابعة للجيش، 5 أفراد من نفس الأسرة، من قرية تبعد عن تلات نيعقوب بحوالي 30 كيلومترا، إلى الوحدة الصحية ا، وقدَّمت لها العلاجات الضرورية، قبل إرسالها لاحقا إلى المسشفى الميداني بأسني.
والوحدة الصحية؛ هي عبارة عن قافلة مكوَّنة من أطباء متعددي التخصصات، وعربة مجهزة بالمُعدات الطبية لإجراء الكشوفات على العظام والقلب وغيرها. هذه الوحدة التي تضم أماكن لاستقبال المصابين وتطهير الجروح وتغيير الضمادات، هي مقصد المتواجدين في المخيم من أجل الأدوية والعلاجات.