الرئيسية

 أزرو-تحناوت.. بين سندان البلاستيك ومطرقة غياب المسؤولين

في مداشر مليئة بالتحديات والمصاعب، تظهر بوضوح قدرة أبناء دوار آزرو، الواقع في منطقة تحناوت، على التكاثف والتعاون من أجل مواجهة قساوة ظروف ما بعد الكارثة. ومازال سكان هذا المدشر يواجهون الجحيم، بين سندان غياب مأوى لائق ومطرقة صمت المسؤولين والمنتخبين. وأمام عنف المشهد ومحاولة العيش، يستمر الشباب هنا في تقديم المساعدة لبعث روح جديدة في "جسد دوار" كاد أن يختفي تمامًا لولا صمود وتكاثف السكان المحليين لمواجهة التحديات.

“هوامش”: خاص- “أزرو-تحناوت”/ محمد حميدي:

ما أن تطأ قدماك آخر نقطة في تحناوت، حتى تتراءى لك الخيّام  الصفراء التي أقيمت على جنبات الطريق، وقد بدأ بعض منها يحجب عن المارة الدمّار الذي حلّ بدوار آزرو. 

هنا، تكاد توقن أن كل ساكنة القرية استوطنت هذه الخيام المقاومة للماء؛ لكن  يقينك يرتج بمجرد أن تصل إلى داخل القرية؛ حيث نصبت أخرى مرتجلة على عجلٍ على ضفة وادي “غيغاية-البهجة” المحاذي للدوار.

“حينما تبتّل الأرض سيفترشون الطين”

قلّما تلمح رجلا  خارجا أو داخلا إلى تلك الخيام، فغالبية رجال وشباب القرية تحلقوا داخل خيمة كبيرة حول عدد من قطع البلاستيك، التي تستخدم لإنشاء الدفيئات الفلاحية، منتظرين دورهم لأخذ واحدة يصنعون منها خياما مرتجلة. الحركة هنا دؤوبة والكلمات والعبارات تحاول تفسير ما تحت رحمة البلاستيك من عذاب الواقع ومآسي الحياة.

بـ”النوبة” (بالدور)؛ يكرر أحد الساكنة، “أحضروا الذين لم يستفيدوا” يحث ثانٍ، “خذوا هذه القطعة إلى تلك السيدة” يوجه آخرُ الشباب الذين تطوعوا لتوزيع القطع و المساعدات الأخرى التي تتقاطر على الدوار. 

وبنبرة قلقة، يفسر إبراهيم، رجل ستيني، يتولى تنظيم توزيع المساعدات، “تهافت” الناس “الخيام التي وفرتها وزارة الداخلية غير كافية، وهناك ما يقارب الـ40 شخصا بدون خيمة. إنهم مترقبون وخائفون من هطول الأمطار القادمة. حينما تبتّل الأرض، سوف يفترشون الطين”. 

في الأثناء يطلب العضو في “جمعية آزرو لإعادة إعمار المجال القروي” من الساكنة الانصراف لتفادي التشويش على الشُبان المتطوعين لتوزيع البلاستيك. 

ويقول لـ”هوامش” إن المتوفر من البلاستيك”لا يكفي وهناك من لم يظفروا بخيمة بعد”، وبينما كان إبراهيم يتحدث إلينا، أخبره  شابٌ بأنه لم يتبق سوى 17 قطعة بلاستيك، مساحة الواحدة منها خمسة أمتار مربعة، فيجيب “اقسمها إلى نصفين، حتى نحصل على 34 قطعة. وإذا اقتضى الأمر نجعل مساحة القطعة مترا (مربعا). المهم أن يستفيد الجميع”.

الأمطار جرس إنذار من السيول 

“حين تهطل الأمطار  بغزارة، يجرف السيل حمولة كبيرة من الأغصان، تفيض عن القنطرة، وتتجاوز الحاجز، وتتسبب بكوارث” يوضح علال بن الطالب بنبرة محذرة، وهو يشير إلى الحاجز الذي يحد وادي “غيغاية-البهجة”، من جهة دوار آزرو.

يصمت علال قليلًا، ثم يسترسل مفسرًا كيف وضع الزلزال الساكنة بين مطرقة الجبل المتصدع وسندان الوادي.”أنظر إلى جدران المنازل، وإلى تصدعات الجبل، إن أعدت البناء هناك سوف يسقط المنزل على رأسك. أو بقيت في الخيمة هنا لن تكون بمأمن (يقصد بجانب الوادي)، عموما إن أعدنا الإعمار في نفس المكان سوف تجرفنا السيول”. 

قبل شهرين، أحدث الفيضان الأخير لوادي “غيغاية- البهجة” خسائر مادية كبيرة، تحديدًا في جماعة مولاي إبراهيم. حينئذ كان علال في مدينة الدار البيضاء، لكن ذاكرته ما تزال مثقلة بمشاهد الخسائر المادية والبشرية لفيضان سنة 1995، الذي على إثره هرع أبناء المنطقة لبناء قنطرة بـ”التويزة” (أحد أشكال التطوع التعاوني يشارك فيه أهالي القرى)، وسرعان ما صارت معبرا لساكنة الدواوير المجاورة اختصارا للطريق والوقت. 

يصمت الرجل ويسرح باله، كأنه يتذكر تلك المشاهد، ثم يضيف “هذه القطرات القليلة التي سقطت وأنت متواجد هنا، هي جرس إنذار”.

وينفي الخبير في قضايا المناخ، جلال لمعطي، لـ”هوامش” “وجود علاقة مباشرة بين الزلازل وكثرة الأمطار”، عكس ما يتم ترويجه على عدد من مواقع التواصل الاجتماعي. 

ويوضح الخبير أن “الدراسات العلمية أكدت أن السنوات التي تكون حارة جدا، وضمنها سنة 2023، غالبا ما تكون سنة ممطرة، حيث يتم  التعويض في إطار  دورة مائية”. 

هذا المعطى، وفق المصادر التي استشارتها “هوامش”، هو ما يزيد الحاجة إلى “إخلاء السكان المتبقين في الخيام” وإبعادهم عن جنبات وادي “غيغاية-البهجة”. 

“لا منتخب يسأل”

تنتقد ساكنة دوار آزرو غياب ممثليها، أعضاء المجلس الجماعي، في محنتها، “تا مرشح ما دوا معانا، ما جاش غا يدخل بيناتنا، غا يشوف آش تانديرو”، يقول إبراهيم. 

ويضيف آخر أن “المجتمع المدني هو لي خدام، والسلطات تنظم والقوات المساعدة تحرس”، بينما قال مسن لـ”هوامش” بنبرة فقد صاحبها الأمل “المرشح مرشح ديال راسو”.

وبحسب باحثين فهذه الحالة ليست معزولة؛ إذ يرى الكاتب الصحفي يونس مسكين أن “اللحظات الخاصة، كما هو الحال خلال فترة الطوارئ الصحية إبان وباء جائحة كورونا، كشفت بالملموس أن كل ما هو منتخب أو مرتبط بالمسار الديموقراطي، ليس إلا واجهة، يتم التطويح بها وطرد ممثليها من المشهد العام، ليستأثر ممثلو ما يعرف في الثقافة المغربية بالسلطة، أي الموظفون المعينون والتابعون لوزارة الداخلية على وجه الخصوص”.

ومن ثمة، يعتبر الأستاذ الزائر بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أنه خلال الزلزال الأخير -وهو لحظة خاصة أيضا- تم تسجيل ضعف تفاعل المنتخبين أنفسهم، بمن فيهم أعضاء غرفتي البرلمان؛ حيث “ينسحب الجميع من المشهد السياسي، ويتوقف كل شيء في انتظار ما ستُقدم عليه الدولة في شقها الموازي لكل ما هو منتخب، والذي يبدأ من أعوان السلطة محليا، وينتهي عند المؤسسة الملكية مركزيا”. 

ويفسر مسكين ذلك، بضعف تملك “الثقافة الديموقراطية في المغرب وسيادة ثقافة سياسية أبوية، وارتهان كل شيء إلى سلوك ورغبات وقرارات الملك،  وكذا باعتبار ما يصدر عن الفاعلين السياسيين والمنتخبين، بمثابة تشويش أو منافسة غير مشروعة”.

ويختم يونس مسكين بالإشارة إلى أن هذا الأمر “سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف مبادرات الدولة والتقليل من نجاعتها، بسبب غياب عنصر مهم هو انخراط ومشاركة المواطنين في تنزيل القرارات والسياسات العمومية”.

سكان دوار آزرو، مسقط رأس الحبيب الفرقاني، والذي يرجع تشييده إلى عهد الموحدين، ويعد قبلة سياحية يقصدها أغلب من يزورون مراكش- يراهنون على التجاوب مع مطلبهم بإعادة بناء قنطرة الوادي، وإبعادهم عن “غيغاية- البهجة”؛ ريثما تتم إعادة الإعمار أو تسلم المبالغ المعلن عنها في بلاغ الديوان الملكي. 

لكنهم في ذات الآن، لا يظلون مكتوفي الأيدي،  ويُسهمون بدورهم -رغم الظروف- في شلالات التطوع التي تدفقت في المغرب، منذ الثامن من شتنبر؛ إذ تطوع مهندس من الدوار، مقيم بمراكش  لإنجاز  الدراسات التقنية اللازمة لإعادة بناء القنطرة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram