إغيل – “هوامش”| سامي صبير
على طول الطريق الجبلي الوعر تتناثر مخيمات الناجين، يمكنك أن تلمح، من مسافة بعيدة، ركام المنازل المنهارة، وخيما بلاستيكية زرقاء أو صفراء منتشرة على منحدرات الحوز.
بلغت حصيلة الوفيات (حتى كتابة هذا التقرير) قرابة 3000 قتيل، وخلف أزيد من 5600 جريح، وشرد الزلزال المدمر أهالي ما يفوق 150 دوارا من دواوير الحوز، حيث امتدت هزة الزلزال إلى مدن بينها مراكش، الدار البيضاء، الرباط وأكادير.
تنقلت منصة “هوامش” بين مخيمات الناجين والقرى، واطلعت على حجم الدمار الذي تسبب فيه الزلزال، ونقلت قصص ليلة مرعبة عاشتها الساكنة، ورصدت كيف انقلبت حياتهم رأسا على عقب بين ليلة وضحاها.
إغيل من هنا بدأ كل شيء
لم تكن المسالك للوصول إلى جماعة إغيل بإقليم الحوز، بؤرة الزلزال، تسمح بالتقابل، حيث كان يتوجب على المركبات الوقوف بشكل متكرر بمحاذاة الحافة، لفسح الطريق لسيارات الإسعاف ومركبات الجيش. وينتشر عند المقاطع الطرقية الوعرة عناصر من الدرك الملكي، معظمهم شباب، لتنظيم سير قوافل المساعدات، والتنبيه إلى استمرار تساقط الحجارة من الأعلى.
يتجمع الناجون من أهالي “إغيل” في ساحة وسط القرية، على مقربة من مدرسة تهدمت معظم حجراتها. نصبت العائلات الخيم بجوار ركام بعض المنازل، “في اليوم الأول نمنا في العراء. لم نجد ماء للشرب بعد تحطم الصهريج الذي يزود المنطقة بالماء، وساهم كل شخص بما استطاع أن يخرجه من أكل من تحت الركام”، يقول محمد أحد منكوبي الزلزال.
ويضيف آيت الحسين، وهو سبعيني نجا بدوره من ملاقاة حتفه تحت الأنقاض، “في تلك الليلة نحو الحادية عشرة ليلا ضرب الزلزال، تهاوت المنازل بسرعة وفر قاطنوها، معظم البيوت لم تعد صالحة للسكن بعد أن تهدمت بالكامل، وعند حلول فصل الشتاء ستتكفل أحوال الطقس بالباقي”.
وجد أهل “إغيل” أنفسهم معزولين عن العالم بعد انقطاع الكهرباء وأعطال خطوط الهاتف والإنترنت وانقطاع الطريق، يقول آيت الحسين، “احتاجت فرق الإنقاذ ثلاثة أيام للوصول إلينا، وقبل ذلك شرعنا بأنفسنا في إخراج العالقين تحت الركام باستعمال الفؤوس و الأيادي”.
“توفي في القرية أربعة أشخاص، ضمنهم شاب وشقيقتاه وموظف جماعي متقاعد، وأيضا سيدة في الدوار المجاور”، يقول محمد.
معاناة قديمة فاقمها الزلزال
“لم يعد بالإمكان العيش هنا، طال الدمار كل شيء، الحقول وسواقي المياه، إضافة إلى كل هذا نفقت المواشي، نعيش فيما يشبه العش وسط هذه الجبال، كنا نضطر قبل الزلزال للهجرة من شهر إلى ثلاثة أشهر بحثا عن لقمة العيش، وبعدها نعود بما حصلنا عليه لنعيل أسرنا ثم نغادر مرة أخرى”، هكذا وصف محمد دورة حياتهم الطبيعية قبل أن يهزها الزلزال.
وعلى مقربة من منزل تصدعت أرضيته، وهوت بعض جدرانه بين أشجار اللوز، كان لحسن منهمكا في تسوية الأرض من أجل نصب خيمة تأويه رفقة زوجته وابنه، ” فقدنا كل شيء كما ترون، انهار منزلي، وأحاول ترتيب مكان للمبيت”.
ويضيف الرجل الأربعيني، بينما العرق يتصبب من جبينه، “أتشارك أنا وأسرتي رفقة بقية العائلة خيمة واحدة، لذلك قررت مغادرتها وتركها لهم، لا توجد مراحيض أو أماكن للاستحمام، نطالب بتوفير السكن”.
يرفع محمد عيناه للسماء لمراقبة غيوم الخريف، ويقول “إذا تساقطت زخات مطرية أو هبت رياح قوية، سينهار كل شيء. الجدران هنا تتهاوى بسبب الرياح خلال فصل الشتاء، وتصل التساقطات الثلجية إلى متر أو أكثر. لن تصمد الخيام أمام ثلاثة سنتيمترات من الثلج، فما بالك بكمية التساقطات التي تعرفها هذه المناطق”.
نفس القلق ينتاب محمد إذا استمر الوضع على هذا النحو “سنعاني بمعنى الكلمة، فالمكان الذي نقيم فيه حاليا يتحول إلى ما يشبه البركة عند هطول الأمطار”.
خوف من “جحيم” الثلوج
وتعرف جبال الأطلس في فترة الشتاء تساقطات مهمة من الثلوج، وفي حالات كثيرة يتسبب ذلك في قطع الطريق، وعل قرى بأكملها.
فخلال مارس الماضي على سبيل المثال، كست الثلوج، جبال الأطلس وكل الدواوير المتواجدة بها، وغطت المزارع الصغيرة والمنازل والمقابر والطرقات، بشكل لم تشهد له بعض المناطق مثيلا طيلة العقد الأخير.
وعاشت الساكنة، حينها، في أغلب المناطق، قصصا مخيفة مع الثلوج السميكة والتي فاقت في معظم الأحيان مترا ونصف المتر. وأغلقت أبواب المنازل والنوافذ والطرقات والمسالك. لم يستطع فلاح بسيط أن يصل إلى قطيع الغنم الموجود في رحبة صغيرة وراء البيت. ولم يعتد السكان الذين يصل عددهم إلى 15 ألفا مثلا في جماعة “تديلي” الواقعة بين مراكش وورزازات، على هذا الكم الهائل من الثلوج.
وتسبب هذا الوضع في عزلة تامة للسكان، بسبب انقطاع الطرق الفرعية والطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مراكش وورزازات، وزاكورة، وبومالن دادس، وتنغير وتازناخت، وغيرها. وتسبب انقطاع الطريق لمدة ثلاث أيام، في تحويل سكّان هذه المداشر إلى أشباح منعزلين تماما عن العالم، في منطقة “شبه منكوبة” بالنظر إلى حجم كثافة الثلوج، وهو ما يخيم على بال الناجين، خوفا من أن يتحول فصل الشتاء إلى وحش يفاقم معاناتهم ويهدد حياتهم.