الرئيسية

“تمكونسي”.. قرية نسف الزلزال حلم تعبيد طريقها ومطالب بإعادة الإعمار

ما أصاب قرية مجاورة أطفأ بريق الرضى الذي كان يشع قبل لحظات، "توفي سبعة أشخاص في الدوار المجاور، بينهم عروسان. لقد جاء العريس من مدينة الدار البيضاء لكي تزفّ إليه زوجته، ابنة تلك القرية، لكن في ثوانٍ شاءت الأقدار أن يجتمعا في الحياة الآخرة" يقول محدثنا بأسى.

محمد حميدي| خاص – هوامش

“متوجهة إلى دوار تمكونسي الواقع بجماعة إيمندونيت بإقليم الحوز، رافقت “هوامش” مجموعة أصدقاء سيروا قافلة مساعدات، مكونة من خيام وأفرشة ومواد طبية وغذائية متنوعة، إلى القرية الموجودة على مسافة ١٢٠ كلما عن مدينة مراكش، في نقطة ارتفاع تبلغ ١٤٠٠متر.

  بعد ستّ ساعات من السير في طريق معبدة، وصلنا إلى مفترق طرق ضيقة، لا يتجاوز عرض الواحدة منها مترين، طرقٌ يبدو من كثرة الحفر أنها نقشت بأرجل المارة والدواب. 

حيث توقفنا، اجتمع ممثلو ساكنة الدواوير القريبة، لتوزيع المعونات المحملة في بعض الشاحنات؛ غير القادرة على السير في المسالك الوعرة،  وحملها  إلى كل دوار على حدة.

الزلزال نسف حلم تعبيد طريق الدوار 

عند ذلك المفترق، التقت القافلة بعبد الصمد الرامي، 30 سنة، وهو أحد شباب دوار تمكونسي، سألته “هوامش” عن ساعة انعتاق الدوار من العزلة التي فرضها الزلزال، فـأجاب قائلًا “لم تأت الجرافات لإزالة الركام، الموجود ما بين نهاية الطريق المعبدة وهذا المفترق، إلا الساعة العاشرة من ليلة أمس. أما الطرق الصغيرة التي وراءه فقد تكاثفت “الجماعة” (يقصد الساكنة) لجعلها صالحة للسير”.

ويوضح عبد الصمد أن حلم ساكنة قريته وجاراتها من القرى الصغيرة بتعبيد الطريق نسفه الزلزال؛ إذ “دمرّ (سيتيرنا) خزان وقود كبير كان موضوعا عند المفترق ليستعمل في إصلاح الطريق وتعبيدها”. 

يلتقط الشاب أنفاسه قليلا، ثم يضيف من دون أن يبدو عليه التذمر “منذ وصول أول مساعدة إلينا هذا الصباح، وأنا على متن دراجة نارية، برفقة صديقي، كي نرشد القادرين على حمل المؤن الغذائية والمساعدات الأخرى… لم نرتح قط”.

“الحمد لله لم تسجل في دوارنا أية حالة وفاة. لقد نجونا بأعجوبة”، يجيبنا عبد الصمد بعد سؤالنا عن خسائر المنطقة من الأرواح والمنازل، وعيناه البنيتان الداكنتان تشعان بالرضى. 

لكن ما أصاب قرية مجاورة أطفأ بريق الرضى الذي كان يشع قبل لحظات، “توفي سبعة أشخاص في الدوار المجاور، بينهم عروسان. لقد جاء العريس من مدينة الدار البيضاء لكي تزفّ إليه زوجته، ابنة تلك القرية، لكن في ثوانٍ شاءت الأقدار أن يجتمعا في الحياة الآخرة” يقول محدثنا بأسى.

الشيخ الذي يترصد القوافل

يكشف المتحدث لـ”هوامش” عن عدم وصول مساعدات كبيرة إلى الدوار؛ ذلك أن “شيخ المشيخة التي ينتمي إليها يترصد القوافل القادمة عند مفترق الطرق. وعندما تأتي قافلة غير مخصصة لتمكونسي بالضبط أو بتنسيق مع أحد سكانه، فإن الشيخ لا يمنح الدوار إلا النزر القليل”.  

وبينما كان عبد الصمد يتحدث إلينا، كنا بين الفينة والأخرى نتوقف لنفسح المجال لسيارة أخرى تَهُمُ بالنزول إلى المفترق، وأحيانا كنا نضطر للرجوع إلى الوراء عدة أمتار، لكي نجد مكانا به متسع عند حافة الجبل. 

وبعد حوالي ساعةٍ من الزمن وصلنا إلى أقصى نقطة تقريبا في الجبل، حيث يوجد دوار تمكونسي، كانت الساكنة لحظتها في استقبال قافلة المساعدات بالأهازيج والدعوات والابتسامات العفوية. 

“كلشي اشقاق. كلشي طاح، الله يرحم الوالدين” بهذه العبارة  توجه إلينا  أحد المسنين المنتظرين بنبرة هي مزيج بين التعبير عن الرضى والمناشدة. 

إزاء الاستماع للمتحدث تلتقط آذاننا من بين العبارات التائهة “واش مجبتوش بومادا صفراء. ياك طلبناها ليكم في الورقة؟”، التفتنا نحو السبيعني، الذي تختزل قسمات وجهه عقودا من مقاومة قساوة العيش وسط هذه الجبال.  

في هذه الأثناء، تركنا عبد الصمد يوزع المساعدات التي حملتها القافلة؛ ورافقنا رشيد جرمون، 22( سنة)، في جولة داخل المنازل المتضررة. 

ويقول رشيد “هوامش”، إن المنازل هنا “لم  تسلم من آثار الزلزال، خصوصا تلك الواقعة على علو منخفض من سطح الوادي… لقد تحول بعضها  بالكامل إلى ركام!”.

ماذا بعد الخيام؟

منزل فاضمة، وهي أرملة سبعينية، أول منزل اقتادنا إليه رشيد، فتحت لنا السيدة الباب، ثم أخذتنا في جولة عبر غرف منزلها الصغير التي تهاوت أجزاء من سقوفها. 

وتقول فاضمة في حديثها لـ”هوامش”، والأسى والحزن لا يفارقان صوتها، إنها امرأة “لا معيل لها منذ توفي زوجها”، وفوق ذلك هي المعيلة الوحيدة لحفيديها الاثنين اللذين قضى والدهما نحبه في حادث. 

“لم تكن الأفرشة والأغطية التي في منزلي تقيني البرد القارس في فصل الشتاء، حتى قبل وقوع الزلزال، فما بالك بالآن” توضح فاضمة والدموع تنهمر على خديها اللذان اختزنا عقودا من برودة طقس الجبل وصروف الزمن، مناشدة المسؤولين بـ”ألا تكون الخيام حلولا مؤقتة”.

غير بعيد عن منزل فاضمة التقينا عبد الرزاق جرمون، مؤذن الدوار، وعم مرافقنا رشيد، الذي يقول لـ”هوامش” وعيناه توحيان بالترقب “لديّ ثلاثة أطفال، كيف سنتعامل مع البرد والأمطار والثلوج القادمة. الآن لم يبق في منزلي شبر صالح للسكن”. 

“لقد حمل المحسنون إلينا كل شيء، لكن أين سنقيم وأين سنبيت، وأين سنحضر طعامنا؟” يتساءل الثلاثيني عبد الرزاق بنبرة فارقها الهدوء، وهو يوجهنا لدخول مطبخ المنزل مهترئ السقف؛ حيث ما زالت الأواني متناثرة على الأرض، شاهدة على مرور الزلزال. ثم يقودنا إلى ركن من الجبل  حيث يبيت في خيمة صغيرة من الحصير والبلاستيك لليلة الخامسة. 

الفقر واضح المعالم هنا، دخل الأهالي يعتمد فقط على ما تجود به السماء، وباستثناء المؤذن والإمام وأعوان السلطة الذين لهم أجور قارة، فإن أغلب ساكنة تمكونسي يعيلون أسرهم من بيع محاصيل الجوز واللوز، التي لا تكون دائما كافية لسد احتياجاتها. ما يجعل كل من التقتهم “هوامش” يرددون السؤال الذي أصبح لسان الحال؛ “ماذا بعد الخيام؟”، مناشدين الدولة “بهدم المنازل الآيلة للسقوط، وإعادة إعمار الدوار”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram