محمد حميدي
على متن سيارة الأجرة الكبيرة التي أقلتنا من مراكش إلى مركز جماعة مولاي إبراهيم، يخيم زلزال الثامن من شتنبر، والهزّات الأرضية التي أعقبته، على محادثات الركاب. أحدهم يسرد على رفيقه كيف عاش اللحظات الأولى للفاجعة. وآخر يلهج بحمد الله على عدم تضرر المنازل في حيِّه كثيرا. وسيدة تبدو في الستين من عمرها تثني على هبّة المغاربة من كل ربوع المملكة لنجدة المتضررين من سكان المدينة الحمراء وأقاليم الحوز وشيشاوة وباقي المناطق المنكوبة.
خيام غير كافية
“المساعدات موجودة لكن الخيام لا تكفي لإيواء الجميع”، بهذه العبارة يتوجه سائق سيارة الأجرة الكبيرة المنحدر من دوار تدارت الواقع بجماعة مولاي إبراهيم، إلى السيدة التي ظلت ابتسامة الرضا مرتسمة على شفتيها. يصمت قليلا ويضيف أن الليلة الماضية هي الرابعة التي قضاها في التاكسي، مشيرا بشيء من الحزن إلى أن الشقوق طالت جميع غرف بيته، باستثناء واحدة تبيت فيها الآن زوجته وأولاده.
قصدنا دوار تدارت، الذي لا يبعد سوى سبعة كيلومترات عن مركز جماعة مولاي إبراهيم. هناك التقت هوامش لحسن آيت تغاديرت، الذي كان منهمكا ـ-والسرور باد على ملامحه- في توزيع رغائف خبز، وصلت للتو مع إحدى قوافل المساعدات، على ساكنة الدوار. يقول لحسن إن “القرية لم تتوصل سوى ب15 خيمة، في حين يفوق عدد منازل الدوار المائة”.
رافقنا الخمسيني، لحسن، الذي لم يتوقف عن ترديد عبارة “الدعم”، لمعاينة الخسائر التي خلفها الزلزال. قلة هي المنازل التي صمدت. أما التي لم تنهر كليّا أو ينهار فيها جزء فإنها مهددة بالانهيار في أي لحظة جراء كثرة الشقوق والتصدعات، ما جعلنا نسمع مرارا وتكرارا تحذير الأمهات لأبنائهن من المرور في بعض الأماكن.
“مغطيين بالسما و مفرشين الأرض”
انهار سقف منزل با إبراهيم بالكامل، فاضطر إلى اللجوء وزوجته إلى حديقة أمام منزله، ونصب فيها خيمة صغيرة بشكل مرتجل. سقفها من البلاستيك وفراشها من اللحاف التقليدي “بوشرويط” لا يطمئن با إبراهيم إلى قدرة خيمته على أن تقيه حرّ شمس النهار وبرد الليل القارس، وكذا الحشرات، فيرفع يديه إلى السماء ويقول بنوع من الاستسلام “مغطيين بالسما ومفرشين الأرض ما عندنا ما نديرو تا يحن الله”.
وعلى الرغم من أن المديرية العامة للأرصاد الجوية، كانت نفت الثلاثاء إصدارها لأي نشرة إنذارية تتوقع تساقطات تصل إلى 120 ملم في المناطق المتضررة من الزلزال، ، فإنها لم تستبعد أن تشهد أقاليم الحوز ومراكش وتارودانت خلال الأسبوع بعض الأمطار والعواصف الرعدية.
على غرار عائلة أخيه التي نصبت هي الأخرى خيامها في منطقة مفتوحة، وكثيرين من سكان الدوار، لم يعد با إبراهيم -الذي يبدو كأنه على مشارف السبعين أو تخطاها بقليل- يقصد منزله إلا لأخذ بعض المستلزمات كقنينة الغاز لطهي الوجبات.
توجس من فصل الشتاء
“الحمد لله على لطفه. وإلا كان السقف انهار فوق رأس والدتي التي كانت نائمة، يقول العربي جار با إبراهيم بنبرة باردة، وهوواقف أمام ركام حائط تهدّمت في سطح منزله.
يناشد المتحدث مسؤولي المنطقة لتوفير مزيد من الخيام: “يمكن أن يتحمّل الرجال مثلي قساوة البرد والمبيت في العراء، لكن ماذا عن النساء والمسنين خاصة أن فصل الشتاء على الأبواب”، يتساءل العربي بانفعال.
بينما كنا في انتظار سيارة الأجرة، بعدما ودعنا العربي ووالدته، أمطرنا السكان بالدعوات إلى موائدهم، مؤكدين على كرمهم الذي لم يحركه زلزال، ستبقى مشاهد الدمار التي خلفها تثقل ذاكرتهم وذاكرة جميع المغاربة لسنين قادمة.