ثلاث ن يعقوب – أسامة باجي/ “هوامش”:
الطريق إلى ثلاث ن يعقوب ليست مفروشة بالدمار فقط، بل أيضا بمخاطر حقيقية؛ فهي عبارة عن مسالك وعرة وطريق مهترئة، تفاقم سوء حالتها بقايا الحجارة المتساقطة جراء الزلزال.
في تلك الممرات الوعرة تحدك من جهة جبال الأطلس الكبير وعلى الجهة الأخرى يوجد المنحدر؛ في طريق من الصعب أن تتقابل فيها سيارتان، فما بالك أن تمر منها السيارات والعربات والشاحنات ومدرعات الجيش.
بعد أن تعبر كل ما سلف ستظهر لك ثلاث ن يعقوب، الواقعة في إقليم الحوز؛ أو ما تَبقَّى من ما كان يومًا يسمى ثلاث ن يعقوب؛ بقايا مقاهي ومحلات تجارية وأنقاض تتناثر غير بعيد عنها مخيمات الناجين من الزلزال المدمر في منطقة كانت قبل أيام تعجُّ بالحياة.
السير في مسالك وعرة
للوصول إلى ثلاث ن يعقوب، كان علينا الانطلاق من مراكش في اتجاه أسني ثم ويركان، وصولاً إلى ثلاث ن يعقوب، تحديدًا مسافة تزيد عن 70 كيلومترًا؛ لنكمل الرحلة عبر “الأتوستوب” بعد كيلومترين من ويركان. وهنا ستبدأ رحلة المسالك الوعرة.
لتقطع مسافة 5 كيلومترات، عليك أن تصبر نصف ساعة أو أكثر، من الانتظار في الطريق، في هذه الظروف يتطلب الوصول إلى ثلاث ن يعقوب حوالي 5 ساعات؛ الصبر على هذه الطريق إجباري والمجازفة ضرورة.
الرحلة إلى ثلاث ن يعقوب بدأت من ويركان، مرورا بأمسكن، ثم إيميدال التي توقفنا بها حوالي ساعة ونصف؛ في انتظار فتح الطريق، وقبل إيميدال مررنا عبر مقطع طرقي تمر منه عربة واحدة فقط، قطعناه كما يعبر المغامرون على حبل بين عمارتين.
كان علينا التوقف في إميدال، بسبب حادثة أغلقت الطريق. وكي يمر العابرون، بادر أبناء المنطقة إلى فتح مسلك، وهم شباب يجولون دونَ كلل ولا ملل يسعون إلى فتح الطريق، وتوجيه المارة الذين قدم أغلبهم من مناطق أخرى.
على الطريق ستصادف شباباً يوزعون الماء والحليب والخبز، فقد تضطر للمكوث طويلاً كما هو الحال بالنسبة لمكوثنا في طريق إيميدال، حيث انتهى بنا المطاف في منعرج خلف مدرعتين للجيش، وأمام طابور من السيارات والشاحنات، ومع كل دقيقة توقف يزيد الطابور طولا، هنا الصبر مفتاح العبور.
استأنفنا الطريق من إيميدال عبر تيكورامين ثم إيجوكاك وصولا إلى ثلاث ن يعقوب؛ في هذه المناطق كنت ترى أطفالا يحيون السيارات من بعيد وقد يتسابقون نحوها إن توقفت، الآن لا يحيي من يعبر سوى الدمار، وحين تترجل تتعثر بالأنقاض.
رحلة عبر طريق العزلة
سائق السيارة الذي التقته “هوامش” ابن المنطقة ويعرف تضاريسها جيدا، يقول إنه يسلك هاته الطريق يوميا، يحفظ مسالكها وقد صارت بالنسبة له “طريقا سهلة”.
ويشرح السائق لـ”هوامش” أن الطريق في الحالات العادية “من ويركان إلى ثلاث ن يعقوب أسهل بالمقارنة مع طرق أخرى أكثر صعوبة بين هذه الجبال”.
ويوضح هذا السائق لـ”هوامش”، وهو شاب ثلاثيني أن هاته المسالك الصعبة “زادها الزلزال صعوبةً”، بسبب ركام الانهيارات الصخرية بعد الهزة، وتساقط الأحجار الصغيرة الذي يُسمع فوق سطوح السيارات والعربات.
هنا، لا يمكنك أن تتجاوز السياقة بـ 30 كيلومتر في الساعة، فضلا عن الحذر فحركة واحدة قد تؤدي إلى كارثة. صادفنا في الطريق بقايا سيارة، وسيارة أخرى متوقفة يبدو أنها تعطلت وغادرها صاحبها. أفدا الشباب الذين تطوعوا لتسهيل العبور، أن أزيد من “ثلاث حوادث وقعت على هذه الطريق”.
كسرنا وطأة الانتظار بالحديث إلى العالقين مثلنا، تحدثنا إلى محمد الذي قدم من مدينة مراكش لإيصال المساعدات رفقة أصدقائه لمنكوبي ثلاث ن يعقوب. مجموعة من الشباب انطلقوا على متن سيارتين على الساعة التاسعة صباحا من أسني، في تلك اللحظة كانت تشير الساعة إلى الخامسة مساءً.
يقول محمد لـ”هوامش”. “سلكت هذه الطريق مرات قليلة في حياتي، لأتفاجأ اليوم “بالوضع الذي آلت إليه من جهة بسبب الزلزال ومن جهة أخرى بسبب عدد السيارات المدنية فضلا عن سيارات الدرك والجيش والشاحنات، فمرور شاحنة واحدة من هذا المنعرج يتطلب نصف ساعة”.
كانت العادة أن تستقبل ثلاث ن يعقوب زوارها بابتسامات الأهالي، وكؤوس الشاي المنسمة بأعشاب الجبل، ورائحة الرغيف الأمازيغي؛ اليوم تستقبلنا بقايا البنايات التي تهاوت، وإنذارات الإسعاف، وطائرات الدرك والوقاية المدنية، فيما يسود صمت رهيب بين الناس.
هنا تقطع صافرات الإنذار هدوء الطبيعة، تستقبلك الخيام بدل دور الضيافة، الحداد بدل الفرح وكرم الأهالي الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر عونا والتفاتة، كما هو الحال بالنسبة لباقي المناطق التي تصارع الزَّمن لانقاذ ضحاياها؛ وهي تينمل إيغيل، الطاوس، مولديخت ومناطقَ أخرى لا زال الوصول إليها عبر السيارات أصعب بكثير.