الرئيسية

حصيلة حقوق الإنسان في المغرب.. المشوار مازال طويلا

خلص التقرير إلى أن  الوضعية السيئة لحقوق الإنسان بالمغرب ليست مرتبطة بظرفية عابرة، بل هي ناتجة عن خيار سياسي مرتكز إلى تضخم الهاجس الأمني والسلطوي، الذي يحاول نفي الدور الحمائي للمؤسسات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، التي لم يعد صدر الدولة يتسع لها ولعملها.

عماد استيتو

“لم يشهد المغرب أي تطورات حقوقية إيجابية خلال سنة 2022 “، هذه هي الخلاصة المركزية التي خرجت بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر منظمة حقوقية في البلاد وهي تصدر تقريرها السنوي.

وقالت الجمعية إن المشهد الحقوقي بالبلاد ظل على حاله دون أن يطاله أي تغيير، وتميز بالانتهاكات المتواترة والاعتداءات المتتالية على مختلف الحقوق والحريات، وخلص التقرير إلى أن  الوضعية السيئة لحقوق الإنسان بالمغرب ليست مرتبطة بظرفية عابرة، بل هي ناتجة عن خيار سياسي مرتكز إلى تضخم الهاجس الأمني والسلطوي، الذي يحاول نفي الدور الحمائي للمؤسسات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، التي لم يعد صدر الدولة يتسع لها ولعملها.

175 معتقلا سياسيا وحالات تعذيب وإساءة معاملة

أحصت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان 175 حالة للاعتقال السياسي ومن أجل الرأي، يقبعون  في السجون المغربية. ويتوزع هؤلاء بين معتقلي حراك الريف (9) والمعتقلون الصحراويون في ملف اكديم ازيك (20) و معتقلو مجموعة بلعيرج (6) والذين اعتقلوا على خلفيات تدوينات أو منشورات أو فيديوهات عبر وسائل التواصل االجتماعي أو تحقيقات صحافية (140).

كما سجلت الجمعية استمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللا إنسانية، أو المهينة أو الحاطة من الكرامة.

وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى حالة المواطن المغربي ياسين الشبلي الذي كان ضحية للتعذيب المفضي إلى الموت بمخفر الشرطة في ميدنة بنجرير، وحالة المواطن السعودي حسن محمد آل ربيع الذي سلمته السلطات المغربية للسعودية، رغم مطالب الحركة الحقوقية بعدم تسليمه للسلطات السعودية التي أعدمت وعذبت أفرادا من عائلته بسبب نشاطهم وآرائهم السياسية، ثم حالة المحامي محمد زيان الذي عرضه مجموعة من أفراد الأمن لمعاملة مهينة وحاطة من الكرامة أثناء اعتقاله من مقر عمله بالرباط.

علاوة على ذلك، رصدت الجمعية فض 25 احتجاجا سلميا باستعمال القوة المفرطة، والقمع والاعتداء الجسدي واللفظي، والتحرش الجنسي، للعديد من الناشطات والنشطاء والمواطنين والمواطنات.

وقالت الجمعية إنها وقفت على العديد من حالات منع وحظر المظاهرات والتجمعات والوقفات السلمية. وفي معظم الأحيان عادة ما يكون فض الأشكال الاحتجاجية السلمية مرفوقا بالعنف والقمع واستعمال القوة المفرطة في خرق سافر لمبدأي الضرورة والتناسب؛ كما يحدث أن تصاحبه الكثير من التوقيفات التحكمية والاعتقالات التعسفية التي تتحول في بعض المرات إلى متابعات ومحاكمات قضائية، تسفر عن إدانات وأحكام بالحبس الموقوف التنفيذ أو النافذ مع الغرامات.

انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة والعمل الجمعوي

وفيما يخص الحق في حرية تأسيس الجمعيات، سجل التقرير استمرار المسؤولين بوزارة الداخلية في خرق سيادة القانون وممارسة الشطط في استعمال السلطة، عبر رفضهم تسلم ملفات تأسيس أو تجديد الجمعيات سواء بشكل مباشر، أو عبر البريد المضمون أو بواسطة مفوض قضائي، وكذا امتناعهم عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، ونالت الجمعية النصيب الأكبر من هذه المضايقات والتعسفات إذ رفضت السلطات تسلم ملفات التصريح بتجديد 77 فرعا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ما دفعها إلى اللجوء للقضاء الإداري، الذي أصدر ما يقارب 30 حكما يدين قرار السلطات برفض تسلم ملف التصريح.

وكشف التقرير كذلك، عن خروقات عديدة في جانب الحق في المحاكمة العادلة، حيث حرم استمرار العمل بتقنية المحاكمة عن بعد، سنة 2022، مئات المعتقلين من الانتصاف والولوج المستنير والعادل للمحاكمة، والاستفادة من الضمانات والشروط التي يتعين توفرها في المحاكمة العادلة، من حضورية وعلنية، وتوازن ومساواة، والحق في الدفاع.

ورأت الجمعية أن محاكمات نشطاء الرأي والتعبير والاحتجاج، من حقوقيين، وصحافيين ومدونين، ومستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، والأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد”، أبانت عن مواصلة الدولة تسخير القضاء لمعاقبة وقمع كل صوت ناقد أو تعبير محتج، عبر مباركة مختلف الخروقات والتجاوزات التي تصاحب التوقيفات والاعتقالات، وتشوب التحقيقات والتحريات، وتطال وسائل الإثبات والقرائن من خلال إضفاء القدسية على محاضر الضابطة القضائية، وتمس مسا بليغا بقرينة البراءة وتبطل كافة الدفوع والطعون التي يتقدم بها الدفاع بضمها للجوهر، رغم دورها الحاسم في مدى شرعية وسلامة قيام الدعوى أو عدم قيامها.

غلو في الاعتقال الاحتياطي

وعرفت الحالة السجنية – بحسب التقرير- استمرار الغلو المبالغ فيه في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، حيث وصلت نسبة المعتقلين احتياطيا إلى ما يقارب 41 %. كما ارتفع عدد المحكومين بالإعدام إلى 82 شخصا مقابل 79 سنة 2021، وسجلت المؤسسات السجنية 186 حالة وفاة سنة 2022.

ولاحظت الجمعية استفحال ظاهرة الاكتظاظ مع زيادة الساكنة السجنية، ما ينعكس بشكل خطير على كل مجالات الحياة داخل المؤسسة السجنية (النوم، الفسحة، الزيارة، الاستحمام، برامج التكوين والتأهيل …)، ويشكل عاملا رئيسيا تتولد عنه مظاهر العنف والاعتداء على الذات والآخرين.

مناخ معاد للحريات الفردية

واستنتج التقرير السنوي لأكبر تنظيم حقوقي في البلاد، أن المناخ العام السائد معاد لحرية المعتقد وبقية الحريات الفردية، ما ينتج خطابا إعلاميا موسوما بالكراهية والتكفير ويشجع ظاهرة “سلطة الشارع” ضد المختلفين عقائديا وجنسانيا.

وذكرت الجمعية عدة حالات في تقريرها للانتهاكات التي تطال هذا الجزء من الحريات منها: حرمان المغاربة الشيعة، كما المسيحيين، من ممارسة طقوسهم الدينية بشكل علني، والتضييق عليهم، واعتقال عشرات الشباب داخل مقهى في مدينة الدار البيضاء بتهمة “الإفطار العلني في رمضان”، مداهمة عناصر الدرك الملكي بالنواصر لأحد المنازل واعتقال 100 شخص من الجنسين بتهمة “المثلية”، واعتقال طالبة مغربية بتهمة “المس بالمعتقدات الدينية للشعب المغربي” بسبب تدوينة لها، والحكم عليها بالسجن لمدة 3 سنوات نافذة.

وخلص التقرير إلى أن تصديق الدولة المغربية على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنصيص الدستور على سمو الاتفاقيات والعهود الدولية على القوانين الداخلية، يبقى دون أي أثر إيجابي على ضمان وحماية حرية المعتقد وباقي الحريات الفردية، بسبب اشتراط الدستور “المطابقة لأحكام الدستور وقوانين المملكة وللهوية الوطنية الراسخة “، وبسبب السياسة التشريعية للدولة المغربية بمرجعيتها الثقافية المنافية لحقوق الإنسان وما لها من تأثير على العلاقات الأسرية والمناهج التربوية والعلاقات الاجتماعية في الفضاء الخاص والعام. وبسبب القانون الجنائي الذي يجرم كل من أقدم على ممارسة هذه الحريات من خلال عدد من فصوله.

استمرار القوانين التمييزية ضد المرأة

وفي مجال حقوق المرأة، اعتبرت الجمعية أن استمرار تحكم المؤسسة الملكية في الملف، والاحتكام إلى المرجعية الدينية، والثوابت الثقافية والسياسية، يشكل عقبة أمام وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية، وينعكس سلبا على الوضع الحقوقي للمرأة على مستوى التشريعات المحلية.

وفي هذا السياق، ذكرت الجمعية باستمرار تكريس مدونة الأسرة للتمييز، خصوصا فيما يهم تحديد سن الزواج، وشروط الزواج، وتعدد الزوجات، واقتسام الممتلكات، والوصاية والولاية والطلاق والإرث. وهي ذات الملاحظة المسجلة في القانون الجنائي في الفصول : 404-484-486-488-499-449-503، فضلا عن عجز القانون 13-103 على المساهمة الفعلية في حماية النساء من العنف.

أما بخصوص حقوق الطفل، يخلص التقرير إلى أن الواقع يبين غياب الإرادة السياسية للدولة في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية، وسجل التقرير عدة مؤشرات من بينها : ضعف الخدمات الصحية والاهتمام بالصحة الإنجابية وبصحة الأطفال قبل الولادة وأثناءها وبعدها، وعجز مؤسسات الرعاية عن تدبير حاجيات نزلائها، وافتقاد مراكز حماية الطفولة للمعايير الدولية كمراكز إيواء الأطفال وعدم توفرها على الشروط الأساسية، بالإضافة إلى استمرار تزويج الطفلات القاصرات.

سنة مأساوية للمهاجرين

رسمت الجمعية صورة سوداوية عن وضعية الهجرة واللجوء في المغرب سنة 2022، حيث وصفتها بالمأساوية، ومن أبرز ما عرفته يوم الجمعة الأسود الشهير 24 يونيو، على الحدود بين الناظور ومليلية، حيث قتل 27 طالب لجوء على الأقل، واعتقل وحوكم حوالي 87 آخرون بتهم ثقيلة في محاكمات انتفت فيها شروط المحاكمة العادلة، فيما لا يزال 76 منهم في عداد المفقودين.

كما أسفر تزايد تدفق هجرة الشباب المغاربة نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل، رغم خطورة طرق الهجرة، خاصة عبر البحر الأبيض المتوسط وجزر الكناري، عن العديد من الوفيات، وهو الواقع الذي دفع العديد من الأسر المغربية التي فقدت إحدى بناتها أو أحد أبنائها خلال محاولات الهجرة إلى الانتظام في مجموعات لم تتوقف عن الاحتجاج، والمطالبة بالكشف عن مصير أبنائها وبناتها، دون أن تجد آذانا صاغية من طرف السلطات المغربية.

كما استمرت الترحيلات القسرية للمهاجرين من منطقة الناظور والشمال، الذين يجري تشتيتهم في مناطق بعيدة عنها داخل المغرب أو جنوبه، أو نحو الحدود المغربية-الجزائرية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram