محمد المساوي/بيلباو
كان الإسبان على موعد مع الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها، يوم 23 يوليوز الماضي، وخلفت النتائج وضعا يلفه الارتباك، بسبب عدم تمكن أي حزب ولا أي تحالف من حسم النتيجة لصالحه، والحصول على الأغلبية المطلقة، مما شرع الأبواب أمام عدة احتمالات، منها امكانية إعادة الانتخابات إذا مرت 60 يوما على أول جلسة لتنصيب الحكومة دون أن يتمكن الفرقاء السياسيون من ذلك.
نشأت الديمقراطية الاسبانية على أنقاض الديكتاتورية التي عمرت ما يقارب 35 سنة تحت قيادة فرانكو. بعد وفاته، سنة 1975، عرف الشارع الإسباني فورانا سياسيا مناديا بعودة الديمقراطية، والقطع مع الدكتاتورية وإطلاق التعددية السياسية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، فتوجت هذه التحركات بدستور 1978 الذي سن التعددية السياسية، وحسم في شكل النظام السياسي بوصفه ملكية برلمانية، يسود الملك فيه ولا يحكم.
بعد وفاة فرانكو، تولى منصب رئيس الوزراء “كاريرو بلانكو”، الذي كان يعدّ نفسه ليكون فرانكو الجديد، إلا أنه لم يلبث إلا أسابيع قليلة في المنصب، حيث تم اغتياله من طرف منظمة “إيتا” الباسكية، ثم بعد ذلك تم تعيين كارلوس “آرياس نابارو” ليحل محلّه، وبعد شهور قليلة أقال الملك آرياس نابارو من رئاسة الوزراء وعين أدولفو سواريث، الذي لم يكن معروفا من قبل العموم رغم توليه إدارة الإذاعة والتلفزة العمومية.
قاد سواريث المرحلة الانتقالية بحزم رغم أنه ينحدر سياسيا من بقايا الفرنكاوية (كان وزيرا في عهد فرانكو)، وترأس حزب اتحاد الوسط الديمقراطي الذي ضمّ خليطا من بقايا الفرانكاويبن، والكتائب الاسبانية، والديموقراطين المسيحيين، وبعض الاشتراكيين الديموقراطيين. واستفاد أيضا من دعم قوي من طرف الملك خوان كارلوس، ضد تحرشات عناصر من قيادات الجيش التي ظلت وفية لنهج فرانكو في الحكم، والتي رفضت بالأساس السماح للحزب الشيوعي بالعمل السياسي الشرعي، في حين دافع سواريث على السماح لكل الأطياف السياسية بالعمل وفق دستور 1978.
ومن بين القصص التي تروى عن سواريث في موضوع العلاقات المغربية الإسبانية؛ حدوث مشاداة كلامية حادة في عشاء ليلة 28 يناير 1978، بينه وبين الملك الحسن الثاني، بحضور الملك خوان كارلوس والأمير مولاي عبد الله، بسبب ما اعتبره الحسن الثاني غموض موقف سواريث حول قضية الصحراء، حيث طلب من سواريث أن ينهج سياسة واضحة في ملف الصحراء. بعدها قام سواريث بزيارة المغرب، خلال يونيو 1978، لتهدئة الأوضاع بين البلدين، لكنه ما لبث أن زار الجزائر واستقبل فيها زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز، يوم 1 مايو 1979، حيث بات سواريث أول وآخر رئيس حكومة إسبانية يستقبل زعيم البوليزاريو، كما يعتبر سواريث مؤسس المحور الإسباني-الجزائري للرد على أي توتر محتمل مع المغرب.
إبان ثاني موعد انتخابي بعد دستور 1978، والتي جرت سنة 1982، تمكن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني من تحقيق أكبر نتيجة في تاريخ الانتخابات الإسبانية، بزعامة فيليبي غونزاليس، حيث حصل الحزب على الأغلبية المطلقة، بعدد مريح بلغ 202 مقاعد في البرلمان الإسباني، فيما انحلّ حزب سواريث بعد هذه الانتخابات، والتحق بعض أعضائه اليمينين ب”التحالف الشعبي”، الذي سيصبح فيما بعد “الحزب الشعبي” المعروف الآن اختصارا ب PP، فيما التحق آخرون ذوو الميول الاشتراكية الديموقراطية بحزب فيليبي غونزاليس.
قاد فيليبي غونزاليس إسبانيا لمدة 14 سنة، تميزت بالعديد من الخيارات الاستراتيجية للدولة، منها الانضمام إلى حلف الناتو سنة 1986، والذي اعتبره بعض المؤرخين بمثابة نهاية الانتقال الديموقراطي. وطرح غونزاليس استفتاءً شعبيا، دعا فيه إلى التصويت بنعم للانضمام إلى الحلف العسكري الغربي، كما قاد جملة من القرارات المتعلقة بخوصصة العديد من القطاعات الحيوية.
ورغم العديد من المكاسب التي حققتها حكومة فيليبي غونزاليس، إلا أن إقدامه على اتخاذ قرارات غير مقبولة شعبيا تخص بالأساس الخوصصة وغيرها، انتهى به إلى خسارة الانتخابات، سنة 1996، أمام خوسي ماريا أثنار؛ زعيم الحزب الشعبي آنذاك.
تولى السلطة خوصي ماريا اثنار لولايتين، تميزت فترته الحكومية بميله الشديد للانخراط في كل الحروب والقرارات الدولية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، مما جرّ عليه غضبا شعبيا انتهى بخسارته للانتخابات أمام خوسي لويس سباطيرو، زعيم الحزب الاشتراكي سنة 2004، والذي قام مباشرة بعد توليه رئاسة الحكومة بسحب القوات الإسبانية من العراق.
مكث سباطيرو بدوره لولايتين في منصب رئيس الحكومة، لكن، في عهده شهدت إسبانيا أعنف أزمة اقتصادية بسبب ما سمي حينها ب “أزمة الرهون العقارية”.
وفي انتخابات 2011 عاد الحزب الشعبي ليقود الحكومة برئاسة ماريانو راخوي، لكن تميزت فترته باشتداد آثار الأزمة الاقتصادية، حيث بلغت نسبة البطالة رقم مهولا بلغ 27٪ سنة 2012، كما كشفت تقارير صحافية الكثير من ملفات الفساد التي تورط فيها أعضاء الحزب الشعبي.
وفي انتخابات 2015 خسر العديد من المقاعد، وشهدت الساحة السياسية الإسبانية بروز قوى جديدة منها حزب مواطنون وحزب بوديموس، وبدا واضحا أن الثنائية القطبية التي ميزت الساحة السياسية الإسبانية في طريقها الى الزوال، إذ منذ ذلك الحين صار أمر تشكيل الحكومة معقدا ويخضع لمفاوضات مع لاعبين جدد في الساحة من بينها الأحزاب الجهوية، وهو الأمر الذي ما زال مستمرا الى اليوم كما أكدته نتائج الانتخابات الأخيرة.
لم يستطع راخوي تشكيل الحكومة، ودخلت إسبانيا في أزمة سياسية حادة، حيث ظلت ستة أشهر بدون حكومة منتخبة، وأعيدت الانتخابات سنة 2016، لكن مرة أخرى لم يستطع تحقيق الأغلبية أمام تقدم قوى سياسية جديدة، ومع ذلك شكل حكومة أقلية رفقة حزب “مواطنون” واستفاد من امتناع الحزب الاشتراكي عن التصويت، مما فتح له المجال لقيادة “حكومة الأقلية” بفضل امتناع الاشتراكيين عن التصويت.
بيد أنه لم يستمر الأمر سوى سنتين بعد ذلك، قدم سانشيز زعيم الحزب الاشتراكي ملتمس الرقابة ضد حكومة راخوي، وتمكن من إسقاطها، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها سنة 2018، فاز بها الحزب الاشتراكي لكن مع تقدم كبير في عدد مقاعد الوافدين الجديدين حزبا مواطنون وبوديموس، وفشل سانشيز في تشكيل الحكومة، وأعيدت الانتخابات مرة أخرى، فاز بها من جديد الحزب الاشتراكي لكن دون تحقيق الاغلبية، وشكل الحكومة بالتحالف مع بوديموس وبعض الأحزاب الجهوية في كطالونيا والباسك.
بعد سنة من تولي سانشيز الحكومة، ستدخل اسبانيا مرحلة الجائحة التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإسباني، بسبب أن جزءا كبيرا من هذا الاقتصاد قائم على مداخيل السياحة (حوالي 83 مليون سائح سنة 2019 في حين وصل العدد سنة 2020 حوالي 19 مليون سائح فقط)، بالاضافة الى تداعيات مشكل الاستفتاء في جهة كطالونيا الأحادي الجانب، الذي نظمته الحكومة الجهوية سنة 2017 في ولاية راخوي، وكان حزب اليسار الجمهوري الكطالوني جزءا من هذه الحكومة، هذا الحزب أصبح جزءاً من التحالف الحكومي لسانشيز، بالإضافة إلى تشكيل الحكومة بتحالف مع حزب بوديموس الذي ينعت في الصحافة الإسبانية اليمينية باليسار المتطرف.
كل هذه الأمور جعلت سانشيز يسير في حقل ألغام، لكنه رغم ذلك استطاع أن يقود فترته الحكومية بنوع من الدهاء، إلى أن جاء موعد الانتخابات البلدية والجهوية (28 ماي 2023)، فمُني حزبه بخسارة كبيرة جعلته يفقد عمودية العديد من المدن الكبرى، فيما حصل تحالف اليمين المشكل من الحزب الشعبي وحزب فوكس اليميني المتطرف على عمودية العديد من المدن الاسبانية.
هنا قام سانشيز بخطوة سياسية ذكية، في اليوم الموالي لإعلان نتائج الانتخابات البلدية والجهوية، دعا الى انتخابات سابقة لأوانها، يوم 23 يوليوز، هذه الانتخابات التي كان مقررا لها شهر دجنبر المقبل.
وبهذا أزاح بعض الثقل عن حزبه الذي مني بهزيمة كبيرة، فتحول النقاش العمومي من نتائج الانتخابات البلدية والجهوية، إلى نقاش الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. وذهبت أغلب استطلاعات الرأي إلى أن حزب سانشيز سيمنى بهزيمة تاريخية في الانتخابات التشريعية.
وأقام الحزب الشعبي وحزب فوكس حملتهما الانتخابية على اتهام سانشيز بكونه أصبح رهينة في يد اليسار المتطرف والانفصاليين، (يقصدون به حليفه الحكومي بوديموس، والأحزاب اليسارية والجمهورية في الباسك وكطالونيا)، فيما ركّز سانشيز وحليفته زعيمة ائتلاف Sumar على تحذير الإسبان من سقوط الحكومة في يد اليمين المتطرف، ومن عودة الفرانكوية من النافذة، بعد طردها من الباب (يقصدون بذلك حزب فوكس).
وجاءت النتائج على غير المتوقع، حيث تصدرها الحزب الشعبي بـ 137 مقعدا، لكن هذا العدد لا يتيح له تشكيل الحكومة مع حليفه فوكس، الذي مني بهزيمة ساحقة، فقد على إثرها 19 مقعدا مقارنة بنتائج انتخابات 2019، واكتفى ب 33 مقعدا، عوض 52 مقعد التي حصل عليها في الانتخابات السابقة. فيما حصل حزب سانشيز على 121 مقعدا، بزيادة مقعد، عن نتائج انتخابات 2019، ولم يمن بهزيمة مدوية كما توقع العديد من المحللين والمتابعين عشية إعلان نتائج الانتخابات البلدية.
فيما حصل ائتلاف سومر Sumar بقيادة يولاندا دياز؛ وزيرة العمل في حكومة سانشيز على 31 مقعدا. وسومر هو ائتلاف يساري يضم حزب بوديموس ومجموعات يسارية أخرى، تُنعت من عادة طرف الصحافة اليمينية الإسبانية باليسار المتطرف.
فيما جاءت باقي النتائج على الشكل الآتي:
اليسار الجمهوري الكطالوني (ERC): سبعة مقاعد
اليمين القومي الكطالوني JUNTS: سبعة مقاعد
اليسار الباسكي EH Bildu : ستة مقاعد
اليمين القومي الباسكي PNV: خمسة مقاعد
اليمين القومي نافارا UPN: مقعد واحد
BNG: مقعد واحد
تحالف كنارياس CCa: مقعد واحد
ينص الدستور الإسباني على أن الملك يعين المكلف بتشكيل الحكومة بناء على المشاورات التي يجريها مع الأحزاب المشاركة في الانتخابات، مع الإشارة إلى أن ثمة أحزابا يسارية وجمهورية ترفض لقاء الملك أثناء هذه المشاورات بسبب موقفها من الملكية.
بعد تعيين الملك المكلف بتشكيل الحكومة، والذي عادة ما يكون الحزب الذي حصل على الرتبة الاولى، رغم ان الدستور لا يلزمه بذلك. يكون المكلف ملزما بطرحه برنامجه الحكومي أمام البرلمان لكسب ثقته، والحصول على الأغلبية المطلقة التي هي 176 صوتا، وإذا فشل في الحصول على الأغلبية المطلقة، يمنح فرصة ثانية ليتقدم أمام البرلمان خلال 48 ساعة من أجل كسب الثقة بالأغلبية النسبية، أي عدد اصوات مع أكثر من عدد أصوات ضد، وإذا فشل مرة ثانية، تعود الأمور من جديد الى الملك ليعين شخصا من حزب آخر لتشكيل الحكومة، وإذا لم يستطع المكلف الثاني تشكيل الحكومة في غضون 60 يوما من عقد أول جلسة برلمانية لتنصيب الحكومة، يقوم الملك بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة.
أمام هذه المعطيات، بات من المستبعد أن يتمكن تحالف اليمين من تشكيل الحكومة، سواء بالاغلبية المطلقة (176) او الأغلبية النسبية، وهو الذي جمع 170 مقعدا، فيما ترفض كل الأحزاب الجهوية الصغيرة التصويت لحكومة اليمين، باستثناء اليمين القومي نافارا، بسبب وجود حزب فوكس الذي بات خطا أحمر حتى بالنسبة لليمين الجهوي، وليس لليسار فقط. وعليه فإنه في أقصى الحالات، سيكون لدى تحالف اليمين 171 صوتا بإضافة صوت “نافارا” وهي لن تضمن له شيئا.
وعليه، من الراجح أن يكلف الملك زعيم الحزب الشعبي لتشكيل الحكومة، لكنه سيفشل في ذلك مرتين، للأسباب التي ذكرناها سالفا. وربما قد يذهب الملك من البداية الى تكليف سانشيز مباشرة إذا بدا أن زعيم الحزب الشعبي لن يستطيع تشكيل الحكومة (لأن الدستور لا يقيد الملك بتكليف الحزب المتصدر للانتخابات، بل يكلف بناء على نتائج مشاوراته مع الأحزاب)، أما إذا كلف زعيم الحزب الشعبي وفشل، فإن الملك بعد ذلك سيكلف سانشيز؛ زعيم الحزب الثاني في نتائج الانتخابات لتشكيل الحكومة، وهنا ستكون معركة كسر العظم.
التحالف الحكومي لسانشيز لحد الان يملك 172 صوتا، مما يعني نظريا قدرته على تشكيل الحكومة بالأغلبية النسبية، بشرط أن يقنع الحزب القومي اليميني الكطالوني junts بالامتناع عن التصويت، وحينها ستكون 172 صوتا للتحالف الحكومي اليساري، مقابل 171 صوتا لتحالف اليمين، مع امتناع نواب حزب junts الكطالوني عن التصويت.
بعيد أيام من ظهور النتائج، شعر زعيم الحزب الشعبي أنه بات من شبه المستحيل تشكيل الحكومة مع حليفه، حزب اليمين المتطرف فوكس، فرمى بورقة فيها الكثير من المناورة، طالب فيه سانشيز بتسهيل تشكيله للحكومة، مقابل فك التحالف مع فوكس، أي أنه دعا حزب سانشيز الى الامتناع عن التصويت، لكي يشكل الحزب الشعبي حكومة أقلية، متحججا بأن الديموقراطية منحت له صدارة الانتخابات، إلا أن سانشيز رد بشكل حاسم، قائلا له: “إن الحكومة تتشكل داخل البرلمان وليس في صناديق الاقتراع”.
وعليه فقد بات سانشيز الآن أمام مهمة عسيرة، لكنها ليست مستحيلة، وهي أن يقنع حزب junts الكطالوني بالامتناع عن التصويت، لينجح في تشكيل الحكومة بالأغلبية النسبية، ورغم أن الحزب يطالب باستقلال كطالونيا ويلوح أنه لن يتنازل عن هذا المطلب، إلا أن سياسة الكواليس الإسبانية، التي خبرت كثيرا مثل هذه المفاوضات، تقول إن الحزب سيفاوض سانشيز على نقطة أساس وهي إصدار عفو من طرف البرلمان على زعيم حزب “بودجيمون”، الهارب إلى بلجيكا بعد تنظيم الاستفتاء الأحادي في كطالونيا يوم فاتح أكتوبر سنة 2017، وغالبا سيتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن مما سيسهل أمر تشكيل حكومة سانشيز الثانية، وقد سبق لسانشيز أن لمّح إلى هذه الإمكانية حين قال في إحدى تصريحاته الصحافية: “إن الديموقراطية الإسبانية لديها من الآليات ما سيمكننا من تشكيل الحكومة دونما حاجة إلى إعادة الانتخابات والدخول في أزمة سياسية جديدة”، مما يعني أن قنوات التفاوض مع حزب junts الذي يطالب باستقلال كطالونيا صارت جاهزة.
وهو الأمر الذي تلقّفه الحزب الشعبي بنوع من الامتعاض، حيث صرحت المتحدثة باسم الحزب قائلة: “إذا تأكد دعم الحزب الانفصالي لسانشيز فهذا يعني أن العاصمة لم تعد في مدريد وانما انتقلت الى واترلو (واترلو: حيث يقيم زعيم الحزب في بلجيكا الهارب من الاعتقال) وأن الحكومة ستكون في قبضة شخص هارب من العدالة”.
تعيش إسبانيا اليوم على إيقاع مفاوضات عسيرة في الكواليس، في انتظار يوم 17 غشت القادم، للشروع في انتخاب هياكل مجلس النواب الإسباني، وبعد استكمال انتخاب هياكل المجلس، سيقوم الملك بتكليف من يختاره لتشكيل الحكومة بناءً على المشاورات سيجريها مع الفرقاء السياسيين.
منذ بداية الخيار الديمقراطي بإسبانيا تناوب الحزبان الاشتراكي والشعبي على حكم إسبانيا، إذ ظفر الحزب الاشتراكي برئاسة الحكومة لسبع ولايات (حوالي 28 سنة) فيما حكم الحزب الشعبي لأربع ولايات ( حوالي 16 سنة)، وبات الحزبان يشكلان حزبي الدولة، وهذا ما ينعكس في موقف الحكومة الاسبانية بصدد مجموعة من الملفات والقضايا خاصة المرتبطة بالسياسة الخارجية، إذ تبقى هذه المواقف تقريبا ثابتة سواء كان في رئاسة الحكومة الحزب الاشتراكي أم الحزب الشعبي، ويعتبر العديد من المحللين والمتابعين أن هذه مواقف دولة، وليست مواقف أحزاب سياسية متنافسة، ورغم بعض الاختلافات البسيطة، إلا أن الجوهر يظل ثابتا.
وفي هذا الإطار يندرج موقف الدولة الاسبانية من ملف الصحراء، وهذا ما نستشفه بوضوح من خلال اطلاعنا على البرنامج الانتخابي، وخاصة النقطة التي تهم العلاقات مع المغرب والموقف من الصحراء، حيث نجد تناغما كبيرا بين موقفي الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، في المقابل هناك شرخ كبير بين موقفيهما من جهة، وموقف سومر وحزب فوكس من جهة أخرى؟!
جاء في البرنامج الانتخابي للحزب الشعبي: “سنعمل على تعزيز العلاقات المتوازنة مع دول المغرب في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والطاقة والهجرة والأمن، وسوف تقوم العلاقة على أساس الاحترام المتبادل والقانون الدولي، سندعم جهود الأمم المتحدة في الصحراء الغربية للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين”
فيما جاء في البرنامج الحكومي للحزب الاشتراكي حول هذه النقطة ما يلي: ” فيما يتعلق بالصحراء الغربية سنواصل دعم المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة للتوصل إلى حل مقبول من الطرفين في إطار الأمم المتحدة، سوف نحافظ على تقديم المساعدات الانسانية للسكان الصحراويين في المخيمات، كما فعلنا دائما”.
إذن، كلا الحزبين يدعمان الحل الأممي لملف الصحراء على أن يكون مقبولا من الطرفين، وهذا ما أسميناه أعلاه موقف الدولة الرسمي، وهو ما عبر عنه هنا “حزبا الدولة”، رغم أن أحدهما محسوب على اليمين والآخر على اليسار.
الموقف اللافت من ملف الصحراء هو ذاك الذي عبر عنه ائتلاف سومر، حيث وعد بالتراجع عن الموقف الذي اتخذته الحكومة الإسبانية سنة 2022 بدعمها لمقترح الحكم الذاتي، وجاء في برنامجه الانتخابي “سنستخدم جميع قنوات التأثير في النزاع داخل الأمم المتحدة، لتقديم الدعم الكامل لحق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية (..)، سنعمل مع الاتحاد الأوروبي للدفاع عن الامتثال لأحكام العدالة الأوروبية المتعلقة بالصحراء الغربية، ومراجعة مختلف الاتفاقيات بين الاتحاد الأوربي والمغرب التي تمس الصحراء الغربية”.
ورغم هذا الموقف لسومر، إلا أنه يستبعد أن يؤثر ذلك على موقف الحكومة الاسبانية المقبلة، إذا نجح سانشيز في تشكيل الحكومة بالتحالف مع سومر والأحزاب الجهوية.
أما بالنسبة الى حزب فوكس فلم ترد أي إشارة واضحة لملف الصحراء في برنامجه الانتخابي، حيث اكتفى بالحديث عن العلاقة مع المغرب بملف الهجرة والملف الأمني، وهدد بمراجعة العلاقات مع المغرب إذا ثبت عدم جديته في إيقاف مد الهجرة نحو إسبانيا، وأكد في برنامجه على العمل لضمان تدفق الغاز على اسبانيا، وهو ما يفهم منه مسايرة الجزائر في موقفها من الصحراء للاستفادة من الغاز الجزائري.