الرئيسية

الناحجون في الباكالوريا.. بين رغبات الآباء وضغط معدلات القبول في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود

مباشرة بعد الإعلان عن نتائج اختبارات الدورة العادية لامتحان نيل شهادة البكالوريا برسم الموسم الدراسي 2022-2023، والتي أسفرت عن نجاح 245 ألف و109 مترشحة ومترشحا في الدورة العادية، يدخل التلميذات والتلاميذ، في حيرة من أمرهم فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية التي سيلجونها أو التي يسعون إلى ولوجها.

عبد اللطيف مرتضى

عماد شريف، 17 سنة، تلميذ بثانوية الحسن الثاني بمدينة بني ملال، حصل على الباكالوريا بمعدل عام يساوي 11.35،  عبر عن خيبته من عدم قدرته على الترشح لولوج مجموعة من المدارس والمعاهد العليا بسبب النقطة التي حصل عليها.

قال عماد في تصريح لهوامش “على الرغم من أنني كنت آمل الحصول على نقطة أعلى خلال هذه السنة بعد المجهود الكبير الذي بذلته طيلة مساري الدراسي، إلا أنني وجدت أبواب كل المدارس التي كنت أطمح للالتحاق بها مغلقة أمامي”. ويتطلب القبول في تلك المدارس، في العادة، معدلات تصل إلى ما فوق 16، وهذا الأمر يشكل صدمة للعديد من التلاميذ الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على نقط مرتفعة.

 يضيف عماد “أعيش حالة إحباط رفقة مجموعة من أصدقائي، ونحن نرى الأبواب تغلق أمامنا بسبب معدل الباكالوريا. على الوزارة أن تأخذ بعين الاعتبار التحصيل العلمي والإرادة القوية التي يملكها التلاميذ، بدلاً من الاعتماد على هذه المعدلات التعجيزية التي تبقى مجرد أرقام تتحكم فيها بعض الجزئيات البسيطة، خاصة في ظل الضغط الذي نعيشه خلال فترة الامتحانات، والدليل عدد الحالات التي يغمى عليها يوم الامتحان”.

ويبدو أن وضع أيوب،  18 سنة، أكثر تعقيدا رغم حصوله على معدل 12,67 في الباكالوريا،  وهو يعتبر ضيق الفرص في الاختيار يشكل تحديًا حقيقيًا بسبب توجهه الأدبي، “أجد نفسي في حالة تردد بالنسبة لاختياري فيما يتعلق بالتخصص الذي سأدرسه في السنة المقبلة. كوني تلميذا أدبيًا، يبدو أن خياراتي محدودة بشكل كبير. الآن، لا أعرف بالضبط ما الذي يناسبني في ظل غياب الاختيارات المتنوعة لنا كتلاميذ أدبيين”.

ويضيف أيوب “ليست لدي مهارات قوية في اللغات الأجنبية، وهذا يجعلني مضطرًا للاكتفاء بالتسجيل في شعب تعتمد على التدريس باللغة العربية. ومع ذلك، أشعر بالقلق بشأن هذا الاختيار، خاصةً حين أنظر إلى أختي الكبرى التي تعاني من البطالة منذ أربع سنوات، على الرغم من حصولها على إجازة  في اللغة العربية”.

يرى أنور ظاهر، أستاذ مادة الرياضيات بمدرية الفقيه بن صالح، أنه بعد إعلان النتائج يصبح التلميذ المغربي “أمام مجموعة من الاختيارات تفرضها عليه النقطة التي حصل عليها وأيضا وسطه الاجتماعي، خاصة تلاميذ العالم القروي، وقد نرى أغلبهم يعيش أزمة نفسية لعدم تمكنه من الالتحاق ببعض المدارس العليا التي تفرض أغلبها معدلات عالية”.

ويضيف ظاهر “في نظري لعبت البروباغاندا التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي على الأسر المغربية دورا كبيرا في التأثير على نفسية أبنائهم، حتى أصبح بعض الآباء لا يرضون لأبنائهم غير التخصصات التقليدية التي يحلم بها الجميع في المغرب، وهي الطب والهندسة، فكيف يعقل أن هؤلاء الآباء لا يعرفون حتى قدرات أبنائهم النفسية والعلمية، ويضغطون عليهم لدفعهم لاختيار هذه التخصصات مما قد يخلق لدى الأبناء أزمة نفسية، خاصة وأنهم لا يصلون إلى المعدل المطلوب من هذه المدارس”.

زد على ذلك، يقول أنور، أنه “أصبح من اللازم على هذه المدارس في نظري التحلي بنوع من المرونة وفرض معدلات بدون فاصلة على الأقل، فكيف يعقل أن يتم ترسيب تلميذ لم يصل إلى الفاصلة بدرجة أو درجتين؟”.

وعلاقة بالموضوع، تؤكد نورة ايت طاهر وهي مستشارة للتوجيه التربوي، أن “خيارات ما بعد البكالوريا يجب أن تكون محسومة بشكل مبكر”.

وأوضحت ايت طاهر، في حديث مع هوامش، أن “العديد من التلاميذ ي يركزون أساسا، في فترة الإعداد للبكالوريا، على هدف الحصول على معدل يعزز فرصهم للالتحاق بمؤسسات الاستقطاب المحدود، وبالتالي يؤجلون بشكل كلي التفكير في التوجيه إلى مرحلة ما بعد الحصول على الشهادة، وبذلك يضيعون على أنفسهم فرصا مهمة”.  

ودعىت ايت طاهر التلاميذ إلى “تجنب الاختيارات السطحية التي تعتمد على منطق الصدفة خاصة في ظل سهولة الولوج إلى المعلومات حول الأسلاك الدراسية، الذي صار متاحا بشكل أيسر من خلال  المنصات المخصصة  لهذا الغرض، والتي توفر معطيات دقيقة وتحين باستمرار وفق المستجدات والمعايير التي تعتمد من طرف مختلف مؤسسات”.

وحذرت ايت طاهر الآباء من الضغط على أبنائهم من خلال فرض اختيارات معينة، مؤكدة  أن “النجاح لا يكمن أساسا في اختيار توجه ما بعد الباكالوريا مباشرة، بل هو استثمار في مسار دراسي طويل، ولدينا نماذج كثيرة لطلبة غيروا مسارهم الدراسي بعد أربع أو خمس سنوات من الدراسة في تكوين معين، مما يعني أنهم كانوا قد التحقوا بذلك التكوين تنفيذا لرغبات آبائهم أو بعض أصدقائهم “.    

وفيما يتعلق ب”شرط المعدل”، والذي يحول دون التحاق بعض التلاميذ بتخصصات أو معاهد معينة، كمدارس التجارة والهندسة وكليات الطب وما إلى ذلك، تعتبر مستشارة التوجيه أن الأمر ينطوي على “تمثلات خاطئة” لدى الكثيرين مشددة في الوقت نفسه على دور الآباء الذي يكمن في “مواكبة أبنائهم وليس اتخاذ قرار المسار نيابة عنهم”.

 وشددت المتحدثة على ضرورة  “تجنب المقارنات غير المجدية مع اختيارات أبناء المعارف والجيران، لأن لكل تلميذ مساره واختياراته الخاصة، وكذا عدم استحضار خيارات ومسارات التكوين في الماضي، وما إلى ذلك، على اعتبار تغير الأزمنة”.       

من جهته، دعا رئيس “الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب”، نور الدين عكوري، الأسر إلى دعم خيار التوجه الذي يرى فيه التلميذ نقطة قوته وحظوظا أوفر بالنسبة له ووفق إمكانياته وقدراته، بالإضافة إلى ميولاته وتوجهاته، وفي المقابل، تجنب الضغط على الأبناء قصد سلك مسار غير ذلك، بل مواكبتهم ودعمهم من أجل اتباع المسلك الذي يرونه مناسبا.

وأكد عكوري، أن سر النجاح في تخصص ما بعد البكالوريا يكمن أيضا في الجدية والإيمان بالمسلك والاجتهاد، وليس فقط في الاختيار الجيد. وبهذا الخصوص، نبه الحاصلين الجدد على البكالوريا ممن لم يتمكنوا من تحقيق معدل عال، إلى تجنب “إيداع” شهاداتهم مؤقتا بإحدى الكليات، في انتظار ما ستجود به السنة الموالية، وهو ما يتسبب في هدر دراسي، بل وفي انقطاع عدد من الشباب عن الدراسة.

وخاطب عكوري التلاميذ الذين يعتبرون عدم حصولهم على معدل عال بمثابة “انتكاسة” في مسارهم الدراسي، مؤكدا أن بإمكانهم الالتحاق بالعديد من المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، ومن ضمنها الجامعات ومعاهد التكوين المهني وغيرها والتي تفتح آفاقا واسعة، سواء فيما يتعلق بتعميق المسار الدراسي أو بولوج سوق الشغل.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram