الرئيسية

 ”العيد الكبير” في المغرب..مخاوف الإلغاء للمرة الرابعة

تبقى آمال المغاربة معلقة بين مجموعة من الأخبار التي تروج حول إمكانية إلغاء عيد الأضحى في المغرب ومناداة الفلاحين بإنقاذ الموسم، وتبقى هذه الخطوة رهينة كسابقتها بالقرار السيادي للمملكة ، وفي ظل ما يعيشه المغرب من توالي مواسم شح الأمطار يجد الفلاحون المغاربة أنفسهم أمام موقف صعب يحتاج إلى تدبير معقلن من طرف المسؤولين على القطاع من أجل تجاوز الأزمة. 

عبد اللطيف المرتضى/ هوامش

   يترقب عبد الرحمن بن علي، بقلق بالغ، مآل قطيعه بعد وصول الدفعة الأولى من الأغنام، المستوردة من إسبانيا ورومانيا. عدد كبير من فلاحي الجماعة الترابية البرادية، بإقليم الفقيه بن صالح، يشعرون بعدم الارتياح بشأن نشاطهم في تربية المواشي، بسبب ما يروج من أخبار في المنطقة حول احتمال انخفاض أسعار المواشي، قبيل عيد الأضحى، مع دخول المنافسة الأجنبية للأغنام الإسبانية والرومانية.

عبد الرحمن ازداد قلقه، كونه لن يتمكن من تحقيق الأرباح التي ينتظرها لتغطية مصاريفه ورد ديون الأعلاف. وهو لا يتخيل حياته بدون هذا النشاط، الذي يشكل مورد رزقه الوحيد منذ سنوات، ويعتبر أنه يواجه تحديا كبيرا عقب قرار الحكومة المغربية باستيراد الأغنام استعداداً لعيد الأضحى. ورغم ذلك يواصل عبد الرحمن تقديم الأعلاف لقطيعه بنفس الكمية رغم الأسعار الباهظة للأعلاف التي يستخدمها.

واعتبر فلاحون من نفس المنطقة، أن أضاحي العيد لهذه السنة متوفرة بأسعار متنوعة تتراوح بين 2000 و5000 درهم، وأكدوا أن كل مواطن قادر على  شراء الأضحية حسب استطاعته وظروفه المادية، ونفوا ما يروج في مواقع التواصل الإجتماعي حول عدم توفر العدد الكافي من الأضاحي لهذه السنة، وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن ارتفاع أسعار العلف لم يؤثر على الأسعار بالشكل الذي يسوق له البعض.

وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد عقد خلال أبريل الماضي، اجتماعا مع مهنيي سلسلة اللحوم الحمراء الممثلين في الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء (FIVIAR)، ومع ممثلين عن الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (COMADER)، والجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز(ANOC)، والفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب (FIMALAIT)، وممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب(CGEM)، بحضور كل من محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وفوزري لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، وعبد الله الجناتي، المدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.

وحسب البلاغ الصحفي الذي أعقب  هذا الإجتماع، فقد تم التطرق لاستعدادات عيد الأضحى والوقوف على الحالة الصحية الجيدة للقطيع، بفضل ‏المجهودات المتواصلة التي يقوم بها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “أونسا” في مجال ‏المراقبة الصحية المستمرة للقطيع الوطني، وحماية القطيع من الأمراض الحيوانية المعدية، وعلى ‏وتيرة عملية ترقيم الأغنام والماعز المعدة للعيد حسب نص البلاغ.

جدل حول إلغاء ذبح الأضاحي

 تثير فكرة إلغاء ذبح الأضاحي جدلاً واسعاً في المغرب، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد، وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين. فيصل أستاذ بالتعليم الابتدائي  بنواحي الفقيه بن صالح معلقا ل”هوامش” على الموضوع “حقيقة أن العيد سنة مؤكدة فهي غير قابلة للنقاش، لكن المسألة الآن أصبحت معضلة اجتماعية، في ظل الوضعية الحالية التي يعيشها المواطن، وقد تؤدي إلى مشاكل داخل الأسر بسبب عدم قدرة العديد من الناس على الاستجابة لمتطلبات وحاجيات أسرهم”، وتابع قائلا ” شخصيا أتمنى أن يتم إلغاء العيد، هذه السنة،  نظرا للظروف الصعبة لأغلب  المواطنين في ظل الجفاف الذي تعيشه البلاد، وأتمنى أن يتم التفكير في الأمر بالجدية المطلوبة”.

 فيما يرى يوسف، مسؤول تجاري بإحدى الشركات المحلية ،أن المشكل ليس في الاستغناء عن القيام بهذه السنة و لكن  المشكلة في  الحكومة، وخصوصا وزارة الفلاحة، “التي يجب عليها أن  تتحمل مسؤولية فشلها في توفير حاجيات المغاربة من القطيع، فلجأت إلى حلول ترقيعية”، وتابع يوسف “يجب توفير العدد الكافي من الأضاحي بأثمنة تناسب جميع فئات الشعب، حتى لا تحرم طبقة واسعة من المواطنين من إسعاد أبنائها بهذه المناسبة”.

 وفي هذا السياق، ذكّر رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة، لحسن بن ابراهيم سكنفل، أن سنّة أضحية العيد تسقط عن المحتاجين غير القادرين على شرائها، مشيراً إلى أن عيد الأضحى ليس مجرد طقس ديني، بل هو مناسبة يرافقها رواج اقتصادي كبير، ينطلق أسابيع قبل العيد ويستمر لأيام بعده. وبهذا “ينوب الملك محمد السادس، باعتباره أميرا للمؤمنين، عن غير القادرين على شراء أضحية العيد، ويسير بنهج جده المصطفى صلى الله عليه وسلم”.

بدوره استبعد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، إلغاء ذبح الأضاحي، مفيداً بأن قرارا من هذا النوع يتخذ أشهراً قبل العيد، ويعد متجاوزا في الوقت الراهن، مؤكداً أن الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد تستدعي تدخلاً من الحكومة لدعم مربي المواشي، وتخفيض أسعار الأعلاف، حتى تظل أسعار الأضاحي في متناول المواطنين.

 وأضاف الخراطي أنه “من الصعب معرفة أسعار الأضاحي في الوقت الراهن، حيث يتمتع الفلاح المغربي بحرية تحديد سعر بيع مواشيه، وغالباً ما تحدث مفاجآت في هذا الشأن”. ولم يستبعد المتحدث حدوث مفاجآت في أسعار الأضاحي هذا العام بسبب استمرار موجة الجفاف التي يشهدها المغرب. وبالتالي، “يتطلب الأمر دراسة الآثار الاقتصادية لأي قرار يتعلق بإلغاء عيد الأضحى، على أن تتدخل الحكومة لتخفيف الأعباء عن المواطنين غير القادرين على تحمل تكاليف شراء الأضاحي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المملكة”.

وسبق للمغرب أن ألغى هذه الشعيرة الدينية في ثلاث مناسبات، بقرارات ملكية أجازت عدم نحر أضحية العيد. أولها كان عام 1963 حين عرف المغرب أزمة اقتصادية بعد اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر. 

وفي عام 1981، شهدت البلاد أزمة جفاف حادة، دفعت من جديد الملك الراحل، الحسن الثاني، باعتباره “أميرا للمؤمنين”، إلى إعلان إلغاء النحر، غير أن بعض المغاربة تمردوا على القرار ونحروا الأضاحي بعيدا عن أعين السلطات. 

وكانت المرة الثالثة والأخيرة عام 1996، بسبب موجة جفاف “كارثية” ضربت البلاد، وخرج حينها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عبد الكبير العلوي المدغري، ليتلو خطابا نيابة عن الملك الحسن الثاني، جاء فيه أن “سنوات الجفاف التي مرّت بالمغرب، خاصة عام 1995، تدفع إلى قرار إلغاء ذبح الأضاحي، لأن ذبح الأضحية سنة مؤكدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق”.

500 درهم.. الحكومة تدعم المستوردين

قررت الحكومة تقديم دعم مالي لمستوردي الأغنام خلال فترة عيد الأضحى مقداره 500 درهم لكل رأس مستورد من الخارج. وفي هذا الإطار أكد رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين بقطاع المواشي، محمد جبلي، أن الحكومة المغربية قررت تسليم الدعم للمستوردين بشرط أن تباع الأضحية، ما بين 50 إلى 55 درهم للكيلوغرام الواحد.

وأضاف رئيس الفيدرالية في تصريحات إعلامية، أن “الدولة دعمت المستوردين لتساعدهم على تسهيل عملية الاستيراد، لأن أثمنة الأغنام مرتفعة الآن في الخارج، بسبب الإقبال الكبير على استيرادها من طرف عدد من الدول الإسلامية الأخرى”.

وأوضح جبلي أن “عملية الدعم ستساهم في توفير الأضحية دون أن تضر بالقطيع الوطني أو الكساب الذي بذل مجهودا كبيرا لتوفير الأضحية”، موضحا أن المغرب “سيقوم باستيراد ما بين 5 إلى 10 في المائة من حاجياته لمناسبة العيد، فيما يغطي السوق الوطني الباقي”.

وبالنسبة لأثمنة بيع الأضحية، توقع جبلي أن يتراوح سعرها ما بين 60 إلى 70 درهم للكيلوغرام بخصوص القطيع الوطني، مشيرا إلى أنها “لن تتعدى 55 درهم للكيلوغرام الواحد بالنسبة الرؤوس المستوردة”.

وفتحت الحكومة الباب أمام المهنيين من أجل استيراد الأغنام من إسبانيا والبرتغال ورومانيا، لافتة إلى أن تدخل الوزارة الوصية على القطاع من شأنه الحفاظ على استقرار الأسعار.

فيما راسل المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، المستوردين المغاربة، من أجل ملء طلبات الاستيراد التي تتضمن جميع تفاصيل العملية، بما يمكنهم من الاستفادة من الدعم الاستثنائي الحكومي، المتعلق بخفض رسوم الاستيراد للحفاظ على استقرار أسعار البيع بالأسواق.

وتوقعت الهيئات الفاعلة في قطاع المواشي أن يتعدى القطيع الوطني في هذه السنة 6 ملايين رأس من الغنم والماعز؛ فيما لن يتجاوز الطلب 5 ملايين كما في السنوات الماضية. كما أقرت أن النقص الحاصل هذه السنة في رؤوس الأغنام والماعز يتراوح بين 5 و8 في المائة، بالمقارنة مع السنوات المنصرمة، لكنها اعتبرت أن الاستيراد الخارجي سيخفف الضغط على القطيع الوطني الذي تضرر من تداعيات الجفاف.

الوسطاء.. آفة السوق

نبهت جمعية حماية  المستهلك إلى تلاعب الوسطاء بأسعار أضاحي عيد الأضحى، رغم الدعم الحكومي المقدم للمهنيين من أجل استيراد الأغنام. ودعت إلى التطبيق الصارم للقانون، بغية الحد من ممارسات المضاربين التي ترفع الأسعار كل سنة. واعتبرت الجمعية أن الدعم المالي الذي منحته الحكومة لمهنيي المواشي يستدعي تحديد أسعار الأغنام قبل حلول عيد الأضحى، مؤكدة أن الدعم المالي يفرض “تسقيف الأسعار” في مجال بيع الأضاحي، بالنظر إلى خصوصية هذه السنة التي تميزت بغلاء المعيشة.

وشددت الجمعية على  أن الوسطاء يرفعون الأسعار بشكل غير مقبول، الأمر الذي يدفع المستهلكين إلى الاقتراض لشراء أضحية العيد، مبرزة أن الحكومة مطالبة بتفعيل لجان وزارة الداخلية لضبط الأسعار في الأسواق.

وقال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في تصريح لمنصة “هوامش”، إن “ممارسات المضاربين والوسطاء تكون شائعة خلال عيد الأضحى، بل تحولت إلى مهنة موسمية لمن لا مهنة له، مما يتسبب في رفع الأسعار بشكل غير قانوني، ويكون الزبون هو ضحية هذه التلاعبات”. 

وأضاف الخراطي “الحكومة منحت للمهنيين دعما ماليا، يصل إلى 500 درهم عن كل رأس غنم يتم استيراده من الخارج، وتحديدا من إسبانيا ورومانيا والبرتغال، وهذا يفرض ضرورة مراقبة الأسعار لأن الأمر يتعلق بدعم حكومي رسمي”. وتابع قائلا “السلطات العمومية يجب أن تحدد متوسط الأسعار لبيع الأضاحي حتى يكون المستهلك على بيّنة من الأثمان”، لافتا إلى أن “الحكومة كان عليها أيضا دعم الفلاحين الصغار الذين لم يستفيدوا من أي دعم مالي رغم تبعات الجفاف”.

وأردف رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك “الحكومة أهملت الكسّابة طيلة العقود الماضية، رغم دورهم الأساسي في تأمين أضاحي العيد، لكن مع توالي سنوات الجفاف تأزمت وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية أكثر، مما يتطلب تخصيص دعم مالي استثنائي للفلاحين الصغار، وليس الكبار”.

وأضاف نفس المتحدث “المنتوج الوطني من القطيع ليس متوفرا بالشكل المطلوب في هذه السنة، مقارنة مع السنوات الماضية، مما دفع الحكومة إلى الاستيراد من الخارج لتغطية الخصاص الحاصل”، وهذا يطرح “ضرورة تعديل السياسة الحكومية الخاصة بقطاع المواشي في السنوات المقبلة، على غرار القطاع الفلاحي لتحقيق السيادة الغذائية”.

وتبقى آمال المغاربة معلقة بين مجموعة من الأخبار التي تروج حول إمكانية إلغاء عيد الأضحى في المغرب ومناداة الفلاحين بإنقاذ الموسم، وتبقى هذه الخطوة رهينة كسابقتها بالقرار السيادي للمملكة. وفي ظل ما يعيشه المغرب من توالي مواسم شح الأمطار يجد الفلاحون المغاربة أنفسهم أمام موقف صعب يحتاج إلى تدبير معقلن من طرف المسؤولين على القطاع من أجل تجاوز الأزمة.

ويبقى رهان المغرب قائما على استيراد رؤوس الماشية من خارج الوطن، الشيء الذي خلق جدلا كبيرا وسط المغاربة فيما يتعلق بالسلامة الصحية لهذه القطعان، بعد قرار الحكومة المغربية الاعتماد على الخرفان الإسبانية والرومانية، خاصة لما يرافق هذه المناسبة من اهتمام كبير لدى الأسر المغربية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram