الرئيسية

إهدار المياه في المغرب .. طابوهات مسكوت عنها في التقارير الرسمية

بينما يعيش المغرب حالة من الإجهاد المائي، تستمر كبريات شركات استخراج المعادن في استنزاف الفرشة المائية، دون حسيب أو رقيب، رغم احتجاجات الساكنة المحلية، والنماذج التي سنستعرضها مجرد غيض من فيض.

عماد استيتو

يعرض هذا المقال، بشكل مختصر، ثلاثة نماذج من جوانب إهدار الثروة المائية، تتعمد التقارير الرسمية تجاهلها بسبب مكانة وطبيعة الفاعلين فيها.

مناجم تقضي على الفرشة المائية

في إفران الأطلس الصغير، التي يسكنها حوالي 11 ألف نسمة، والتي تقع في إقليم كلميم، يستمر منجم “وانسيمي”، لاستخراج النحاس، في استغلال الفرشة المائية للمنطقة منذ سنة 2007، ما تسبب، حسب شهادات فاعلين جمعويين بالمنطقة، في نضوب عدد من العيون بشكل نهائي كعين “اكري ايمقورن” وعين “تمنط”، وتراجع صبيب أخرى كعين “اغنوست” وعين “بوفردو”. إلى ذلك تم تسجيل نضوب حوالي عشرة منابع للمياه السطحية خلال العقد الأخير. وتراجع منسوب المياه الجوفية حيث أصبح استخراج الماء يتطلب حفر 130 مترا على الأقل.

وتسبب استنزاف الفرشة المائية كذلك في الإضرار بالنشاط الفلاحي في المنطقة، التي كان يضرب بها المثل سابقا، حيث كان سوقها المحلي سابقا يعج بالمتسوقين الباحثين عن منتجات محلية طبيعية، وعلى رأسها زيت الزيتون.

وفي إميضر، تحتج الساكنة منذ عقود على استمرار استنزاف منجم الفضة التابع للهولدينغ الملكي للفرشة المائية للمنطقة، عبر حفر آبار غير قانونية.

و استنزف المنجم احتياطيات المياه بالمنطقة لعقود من الزمن، ودمر مجتمعها الزراعي، باستخدام 1555 مترًا مكعبًا من الماء يوميًا، وهو ما يعادل 12 مرة الاستهلاك اليومي للقرية.

وفي أكدز ورغم الجفاف الحاد الذي تعرفه واحة مزكيطة ، تم الترخيص لشركة سوميفير، نهاية شهر شتنبر من السنة الفارطة، بحفر بئر بمنطقة “تكاترت” لاستغلال مياهها في منجم الذهب بالبليدة.

تسليع منابع المياه

بدورها لازالت كبريات شركات المياه المعدنية المعبأة ماضية في الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، رغم الوضعية المائية الحرجة، والعطش الذي يتهدد الساكنة المحلية التي توجد هذه المنابع على أراضيها.

وسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن استنكرت خوصصة وتفويت وتسليع منابع المياه، مشيرة إلى أن شركات المياه تدر أرباحا خيالية على مستغلي مياه المنابع والمياه الجوفية. “حيث استطاعت بعض العائلات من خلالها أن تبني إمبراطوريات مالية شملت أنشطتها الاقتصادية كل المجالات، واخترقت أسهمها كل القارات والأبناك الدولية، فيما يعيش أصحاب الأرض، من السكان الأصليين، مآسي الفقر والجوع والعطش بسبب استنزاف ثرواتهم، ومنعهم من التمتع بها، ومن حفر الآبار في أراضيهم، وانقطاع الماء الصالح للشرب لمدة تصل إلى 16 ساعة في اليوم”.

وتستحوذ شركة “أولماس سيدي علي” المملوكة لعائلة بنصالح، و التي تبيع مياه “سيدي علي ” و “ولماس”، على 60 % من سوق المياه المعبأة في المغرب، وبسبب نشاطها استنزفت الفرشة المائية لعشرات الآبار.

وتعيش قرية “بن صميم”، القريبة من مدينة إفران، نفس الإشكالية مع مياهها الطبيعة، التي تسوقها إلى حدود اليوم الشركة الأورو-إفريقية للمياه تحت اسم “عين أفران”.

على المنوال ذاته جفت عين السلطان، أشهر العيون بمدينة إيموزار وبالمغرب، حيث كان صبيبها يصل إلى 20 مترا مكعبا في الثانية. وبدأت مشاكل عين السلطان بالتعاقد مع الشركة الخاصة “الكرامة”، المملوكة لعائلة الشعبي، لاستغلال مياه العين، حيث ظلت الشركة تسحب ما يعادل 33 مليون لتر سنويا.

زراعات دخيلة

ومن مظاهر الاستنزاف المفرط للفرشة المائية إدخال منتجات جديدة، شبه صناعية، في المنظومة الفلاحية المغربية، رغم استنزافها المفرط للفرشة المائية، من قبيل الأفوكادو والبطيخ الأحمر.

وحسب الموقع المتخصص EAST FRUIT فإن المغرب مرشح لتحطيم رقمه القياسي على مستوى تصدير الأفوكادو، خلال سنة 2023. وحسب نفس المصدر، فإن المغرب قام بتصدير 35 ألف طنا، في الفترة الممتدة من يوليوز 2022 ويناير 2023، بزيادة 60 بالمئة عن السنة الماضية، وأصبح المغرب تاسع مصدر للفاكهة على المستوى العالمي. وأنتج المغرب حوالي 40 ألف طن خلال الموسم الفلاحي الحالي.

وتستهلك هذه الفاكهة الاستوائية حوالي 1200 لتر من الماء لإنتاج كيلوغرام واحد، وقد تصل إلى 2000 لتر في السنوات التي تتميز بتساقطات ضعيفة.

ورغم الدعوات المتزايدة لوقف زراعة الأفوكادو، فإن الحكومة اكتفت فقط باستثنائها من الدعم المخصص لمشاريع الري الموضعي. وقال نزار بركة وزير التجهيز والماء، في ندوة صحفية، إن حكومته تدعم منطق الضبط وليس حذف أو تجريم زراعة الأفوكادو، وأوضح قائلا : “إذا كانت هناك إمكانية لزراعة الأفوكادو، فستُزرع، ولكن بشرط أن نراقب عدادات الماء، حتى لا تتجاوز مستوى الاستهلاك الذي سيضر بالفرشة المائية.. نشتغل حاليا على فكرة إقامة توزيع ترابي، لمعرفة أي الأحواض قادرة على تحمل زراعة الأفوكادو، وأيها غير قادر على ذلك”.

وفي واحات الجنوب الشرقي للمملكة (زاكورة، بودنيب، أرفود، طاطا) يناضل السكان المحليون منذ سنوات ضد استمرار زراعة البطيخ الأحمر والأصفر، التي لا تلائم خصائص منطقتهم ولا مناخها، حيث توسعت المساحات المزروعة، وارتفع عدد المستثمرين في هذه الزراعة المدرة للدخل، بشكل ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة.

ونجحت التحركات الاجتماعية، في كل من زاكورة وطاطا وكلميم، في استصدار قرارات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية بالمنع المؤقت لهذه الزراعة الموسمية المستنزفة للماء، في مناطق تعرف خصاصا على مستوى الماء الصالح للشرب أيضا.

ورغم هذه القرارات المتأخرة، إلا أن شهادات متواترة كشفت عن انتقال كبار الفلاحين المستثمرين في القطاع إلى مناطق أخرى، حيث شرعوا في استئجار أراض سلالية، في واحات “أفلا إغير” و “تاسريرت” و”تغجيجت” و”أداي” بغرض تجهيزها لهذه الزراعة.

وتبرز إشكالية زراعة نخيل التمور في بعض الواحات الجديدة، والتي بدأت عمليا بالقضاء على الواحات التقليدية المجاورة للأودية، كمثال واحة أوفوس في الراشيدية مثلا، حيث تستنزف هذه الواحات العصرية الكبرى الفرشة المائية دون أي مراقبة.

ويعتقد المهندس الباحث في مجال الري، عبد الرحيم الهندوف، أن الإشكال في حد ذاته ليس هذه الزراعات، ولكن في مناطق زراعتها وفي توقيت زراعتها. 

وقال الهندوف في تصريح لـ “هوامش” إنه “على عكس الاعتقاد السائد، فزراعة البطيخ الأحمر والأفوكادو لا تستهلك كمية من الماء أكبر مما تستهلكه الحبوب والحوامض مثلا، فالبطيخ الأحمر يستهلك حوالي 3 آلاف إلى 4 آلاف متر مكعب سنويا، مقابل 7 آلاف متر مكعب سنويا بالنسبة للحوامض”.

وأضاف المتحدث أن “خطورة زراعتها متمثلة في زراعتها في مناطق تعاني ندرة مياه ويجب أن تكون فيها الأولوية موجهة للماء الصالح للشرب، كما هو الحال في زاكورة، فضلا عن بداية تسويقها بشكل مبكر في السنة، في شهري فبراير ومارس، لبيعها بثمن مرتفع”.

ويرى الهندوف أن “الحل هو أن ننتقل من الزراعة الصيفية إلى الربيعية، فعندما نقوم بزراعة البطيخ في مارس، فإنه لن يستهلك سوى 1000 متر مكعب، أما بالنسبة للنخيل فيتعين زراعته داخل الواحات لا خارجها”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram