عماد استيتو
من بين الإجراءات البديلة لمواجهة شح المياه وشبح عطش مرتقب، يبرز خيار حصاد مياه الأمطار، لاستعماله في السقي أو الاستعمال المنزلي، غير أن تطوير ممارسة تجميع مياه الأمطار لا يزال محدودا، حسب اتفاق الخبراء، رغم التاريخ الكبير الذي راكمه المغرب في مجال تخزين أمطار المياه منذ القدم في “المطافي” والخزانات، وهي الممارسة التي لا تزال قائمة خصوصا في المناطق القروية.
وخلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تداخل مجموعة من العوامل، التي تؤثر على عدم تبني منظومة فعالة لتجميع مياه الأمطار، منها تعدد المتدخلين، وكذا الكلفة المرتفعة لاقتناء التكنولوجيا، وغياب دعم المعدات اللازمة، ونقص البحث الأكاديمي في المجال.
وذكر المجلس، في وثيقة صادرة مؤخرا، أنه يتم عموما تصميم غالبية أحواض تجميع مياه الأمطار في المغرب لمحاربة الفيضانات، وليس من أجل التثمين.
“على امتداد العقود الماضية، تمحور تدبير مياه الأمطار في الحواضر حول التصميم والاستغلال الأمثل للشبكات. غير أن الجماعات الترابية تواجه إشكالية اهتراء وتهالك البنى التحتية، والتوسع العمراني، فضلا عن الفيضانات. كما أن نموذج التجميع في شبكة موحدة، تتضمن قناة وحيدة توصل إلى محطة المعالجة، بدأ يختفي، حيث باتت الشبكات المنفصلة أكثر فائدة لأنها تقلص من حجم مياه الأمطار في شبكة المجاري، كما أن كلفة معالجتها أفضل”، يستطرد المجلس دائما.
ففي الدار البيضاء، تحولت أحواض تجميع مياه الأمطار في الحي الحسني، مطلع شهر مارس، إلى بؤرة ملوثة تملأها النفايات، وتتكاثر فيها الحشرات والفيروسات، وذلك لكون تشييد الحوض لم يتماش واستراتيجية الربط مع شبكة التطهير.
كما يعيق عدم أجرأة المادة 62 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، والتي تمنح من خلالها الدولة مساعدة تقنية ومالية لمن يرغب في جمع ماء المطر وتثمينه، الاستفادة بشكل فعال من هذا الخيار.
رغم حجمها الذي يبدو منخفضا، يمكن للمياه العادمة المساهمة بشكل ملحوظ في تخفيض العجز، عبر تقليل الكميات المخصصة للشرب، والصرف الصحي، والمستخدمة لسقي المساحات الخضراء. وينص المخطط الوطني للماء على إعادة استعمال 340 مليون متر مكعب في السنة من هذه المياه بعد تنقيتها.
وبفضل المخطط الوطني للتطهير السائل المندمج سنة 2018، وصل معدل الربط بشبكة التطهير إلى 80% سنة 2020.
ووصل عدد محطات معالجة المياه العادمة إلى 153 محطة، بسعة 3.38 مليون متر مكعب، 78 بالمئة يدبرها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، فيما تتكلف الوكالات المستقلة التابعة للمكتب والجماعات والشركات الخاصة للتفويض الجماعي بتدبير الباقي.
مع ذلك، لا تزال جودة المياه المعالجة رديئة بسبب ضعف أداء محطات المعالجة، وعموما يمكن تلخيص مشاكل القطاع حسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فيما يلي :
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تغيير نموذج تدبير المياه العادمة، من “المعالجة والتخلص” إلى نموذج إعادة الاستخدام قائم على إعادة تدوير الموارد واستردادها.
عموما، لا تزال إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة في الفلاحة بالمغرب جد محدودة، وذلك بسبب انعدام آليات مؤسساتية وقانونية، تنظم عملية اقتسام التكاليف بين مدبري محطات المعالجة والفلاحين، ذلك أن القرار 1276.01 يحدد معايير جودة المياه المستعملة للسقي، دون التطرق إلى المياه العادمة وإعادة استعمالها في الفلاحة على وجه التحديد.
ويرى المهندس الباحث في مجال الري، عبد الرحيم الهندوف، أن المغرب بحاجة إلى مخطط وطني على المدى البعيد لاستغلال المياه العادمة، حيث يسجل أن أكثر من 60% من المياه العادمة، على مستوى الشريط الساحلي بين القنيطرة والدار البيضاء، لم تعالج ولم تتم الاستفادة منها، بينما كان من الممكن استغلالها في سقي عدد من المزروعات التي لا تتضرر بالمياه المعالجة من بينها الحبوب.
وتعتبر الأحواض المائية لسبو، وتانسيفت، وسوس ماسة درعة، وأم الربيع، الأحواض الرئيسية المنتجة للمياه العادمة المعالجة، حيث تمثل نسبة 75 % من الحجم الإجمالي، ويهدف الجزء الكبير من هذه البنيات التحتية إلى تلبية حاجيات سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف.
وفيما يخص إعادة الاستعمال في القطاع الصناعي هناك نموذج الحوض المائي أم الربيع، حيث يقوم المكتب الشريف للفوسفاط بإعادة استعمال المياه العادمة لغسل الفوسفاط، انطلاقا من محطات خريبكة وبن جرير واليوسفية.
ويهدف المغرب إلى إعادة استعمال 325 مليون متر مكعب من المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، أو تغدية المياه الجوفية بحدود سنة 2030.
وعلى سبيل المثال، يتوقع حوض سبو تخصيص 10 ملايين متر مكعب من المياه العادمة المعالجة، لتغذية المياه الجوفية من أصل 59 مليون متر مكعب لإعادة استخدامها بحلول سنة 2030.
وفي نهاية المطاف، تعد تغذية المياه الجوفية بالمياه العادمة حلا مستدامًا للخصاص المتزايد في الماء. وتمكن من تحسين قدرة تنقية التربة، لتقليص الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، ومحاربة اجتياح مياه البحر في المناطق الساحلية، وتخزين المياه للفترات التي يرتفع فيها الطلب.
ويمكن أن يساهم استخدام المياه التي يتم تدويرها في الأنشطة الفلاحية والصناعية والسياحية وغيرها، في تدبير وترشيد استهلاك هذا المورد الطبيعي. وبالمقارنة مع عمليات التصريف، فإن إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة كفيل بتقليص أحجام المياه العادمة، التي يتم تصريفها في الوسط الطبيعي دون معالجة مسبقة.
غير أن الرهان الأكبر من طرف الدولة يبقى على خيار تحلية المياه، الذي يتجه شيئا فشيئا ليصبح خيارا استراتيجيا.
وتؤكد الاستراتيجية الوطنية للماء 2009-2030 على ضرورة تعبئة 400 مليون متر مكعب من المياه سنويا في أفق 2030. لكن هذا الهدف لا يزال بعيد التحقق، حيث يتوفر المغرب حاليا على 9 محطات فقط لتحلية المياه، تبلغ قدرتها الإنتاجية الإجمالية 147 مليون متر مكعب سنويا، منها 85 مليون متر مكعب سنويا موجهة للماء الصالح للشرب.
ورغم انخفاض تكلفة تحلية المياه عالميا، إلا أنها بالنسبة للسياق المغربي تتطلب قدرات مالية هائلة وتطويرا مستمرا للأبحاث العلمية، وهو ما لا يستطيع القطاع العام، ذي الموارد البشرية المحدودة، توفيره. لذلك اتجهت الدولة إلى الشراكة مع القطاع الخاص.
وتعتبر محطة اشتوكة ايت باها، التي بدأ العمل بها سنة 2022، إحدى أبرز وأكبر محطات تحلية المياه في البلاد وفي إفريقيا، وبلغت تكلفتها وفق بيانات رسمية 4.41 مليار درهم، منها 2.35 مليار درهم مخصصة لمكون الري، و 2.06 مليار درهم مخصصة لمياه الشرب.
وتبلغ سعة المحطة، التي بدأت فعلا في تغطية النقص الحاصل في التزود في الماء الصالح للشرب في أكادير، 275 ألف متر مكعب في اليوم كمرحلة أولى، على أن تصل إلى سعة 400 ألف متر مكعب يوميا على المدى البعيد.
وحسب التوقعات، ستوفر المحطة، وهي ثمرة شراكة بين القطاع العام ومجموعة إسبانية، الماء الصالح للشرب لحوالي 800 ألف شخص في مرحلة أولى، على أن توفر مياه السقي لـ 15 ألف هكتار.
وتم إعطاء الانطلاقة لعدة مشاريع أخرى تهم محطات تحلية مياه البحر بعدة مناطق في المملكة، والتي تمت برمجتها في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، أهمها محطة في جهة الدار البيضاء – سطات بسعة تقدر بـ300 مليون متر مكعب في السنة، حيث تهدف الاستراتيجية الوطنية إلى بناء 20 محطة في أفق سنة 2030.
غير أن هذا الخيار يطرح عدة إشكالات، ليس أقلها عدم تكافؤ الفرص بين الفلاحين الصغار والكبار. وقد تعالت بالفعل أصوات الفلاحين الصغار في منطقة سوس، المنتجين للمواد الموجهة للسوق الداخلية، والذين لن يكون بإمكانهم دفع كلفة المياه المحلاة، على عكس المستثمرين في المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية جدا، وتحديدا الموجهة إلى التصدير.
وقد أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن تقوم الدولة بدعم الفلاحين المتوسطين والصغار، حتى يتمكنوا من الحصول على التمويلات والإمكانات التقنية للفلاحة المرتبطة بتحلية مياه البحر، علما أن هذه الفئة كانت الأكثر تضررا من تراجع مستوى الفرشة المائية، بل وتحول بعضهم إلى عمال زراعيين لدى الضيعات التصديرية الكبيرة.
فعلى سبيل المثال تم تحديد ثمن بيع الماء المحلى للاستعمال في السقي، انطلاقا من محطة اشتوكة، في 5.4 دراهم للمتر المكعب ( كان الثمن سابقا يتراوح بين 1.5 – 3 دراهم)، على أن يوقع المستفيدون اتفاق انخراط لست سنوات فلاحية مع شركة “أمان البركة”، وهي إحدى فروع شركة ابينغوا الاسبانية، بالإضافة إلى دفع مقابل اكتتاب يقدر بـ 10 آلاف درهم عن كل هكتار.
وبالنسبة لكثير من الخبراء، فإنه لا يتعين اللجوء إلى محطات تحلية مياه البحر إلا بعد استنفاذ جميع الخيارات المستدامة، كالاستعمال العقلاني للماء وإعادة استعمال المياه العادمة. وفي حالة اللجوء إلى هذا الخيار، فإنه يتعين توجيهه فقط لسد الخصاص في التزود بالماء الصالح للشرب.
فعبد الرحيم الهندوف، يعارض بشدة استعمالها في السقي الزراعي، نظرا لتكلفة إنتاجها المرتفعة جدا، والتي لا تقل عن 10 دراهم للمتر مربع، ويعتبر أن “توجيه استعمال الماء المحلى إلى الفلاحة كارثة، ولا يجب أن ننسى أن العتاد المستعمل في السقي والبذور يتم استيرادهما من الخارج، والدولة تؤدي النصيب الأكبر من كلفة هذه العملية، خصوصا أنه يمكننا توفير حاجياتنا من الماء الصالح للشرب، حتى دون اللجوء لخيار تحلية البحر، إذا أجدنا التخطيط والاستباق، ذلك أن الأرقام معروفة ومضبوطة، لكننا للأسف ما زلنا نغرق في التدبير السنوي واللحظي”.
بدوره يدعو الخبير الهولندي مارسل كوبر، الذي اشتغل لسنوات في المغرب، إلى تجنب الاعتماد على خيار تحلية المياه، “إذا حافظت على مواردك الاستراتيجية، وهي المياه الجوفية لن تكون في حاجة إلى محطات تحلية المياه .. هناك خيارات يجب القيام بها، الإعلان عن استثمارات في تحلية الماء يشير إلى أننا بصدد إصلاحات باراميترية فيما يتعلق بموارد الماء الأخرى”، يشرح كوبر في مقابلة صحفية سابقة.
وللتوجه إلى تحلية ماء البحر انعكاسات بيئية خطيرة كذلك، وهو ما كشفه تقرير صادر عن الأمم المتحدة سنة 2019. وقال التقرير إن قرابة 16 ألف محطة لتحلية المياه، في جميع أنحاء العالم، تنتج كميات أكثر من المتوقع من المياه شديدة الملوحة (مخلفات)، ومواد كيماوية سامة مثل الكلور والنحاس، مما يشكل خطرا على البيئة.
وأوضحت الدراسة أنه لكي تنتج محطات التحلية 95 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، فإنها تنتج أيضا 142 مليون متر مكعب من المياه شديدة الملوحة كل يوم، أي بزيادة 50 في المئة عن التقديرات السابقة.