الرئيسية

“المغرب لا يريدنا”.. مهاجرون يرغبون في العودة إلى بلدانهم بعد فشلهم في الوصول إلى أوروبا

في رحلتهم الطويلة إلى أوروبا، يعبر عشرات الآلاف من المهاجرين آلافًا من الكيلومترات عابرين دولا وحدودا في مغامرة لا تخلو من مخاطر؛ في طريق عبورهم يتعرضون للعنف والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، بعضهم تجاوزها ونجح في بلوغ هدفه، والآخرون أنهكهم الوضع الذي وجدوا فيه أنفسهم، فلم يعودوا يرغبون سوى بالعودة إلى بلدانهم.

“هوامش”: سعيد المرابط 

من المغرب، حاول مامادو، (اسم مستعار)، الوصول إلى أوروبا عن طريق البر والبحر، نجح مرتين في دخول سبتة، ولكنه عقب كل محاولة، كان يسقط في أيدي الشرطة الإسبانية التي تعيده إلى المغرب.

حلم الوصول إلى أوروبا جعل مامادو يستقل قاربًا ـ رفقة مهاجرين آخرين ـ من أجل الوصول إلى جزر الكناري، لكن سوء الأحوال الجوية تسبب في إضاعتهم للطريق وقضاء خمسة أيام في المحيط، إلى أن تم إنقاذهم من قبل خفر السواحل المغربي. في تلك الرحلة، توفي عشرة أشخاص كانوا برفقته على متن نفس القارب.  

يشعر مامادو بحزن شديد، لأنه لم يكن محظوظًا بما يكفي للوصول أوروبا، على غرار أصدقائه الذين عبروا، ويلخص حياته في المغرب لـ”هوامش” على أنها “معاناة يومية حقيقية”.

عبور الصحراء وجحيم المغرب 

قبل خمس سنوات، غادر غينيا كوناكري، وهو الآن ينتظر اللحظة التي سيتمكن فيها من العودة إلى الوطن. عندما “لا يكون هناك حل، لا يوجد شيء نفعله… هذه هي الحياة”، هكذا يرثي مامادو، حاله وحظه العاثر، موضحًا أن والده مريض “أريد رؤيته مرة أخرى قبل أن يموت”.

محدثنا يبلغ من العمر 27 عامًا، وهو أصغر أفراد أسرته؛ بعد مغادرته توفي شقيقاه، “لهذا السبب قررت أنه إذا مات والدي، فيجب أن أكون حاضرًا، حتى لو عشت الفقر مدى الحياة”.

يؤكد هذا الشاب، أن المرور عبر دولة مالي أصبح “خطيرًا للغاية بسبب المافيا التي إن وقعت بين أيديها تبيعك لأشخاص آخرين، يضعونك في السجن ولا يمكنك الخروج إذا لم يدفع عنك أحد الفدية”.  

عبر الشاب الصحراء الكبرى في رحلته الطويلة، سيرًا على الأقدام، بعد تعرضه للسرقة، ولم يبق لديه ما دفعه لعصابات تهريب البشر.

مشى لأكثر من أسبوعين عبر الصحراء، “الشخص الذي كان يرافقني تركته ورائي ولا أعرف إن كان الآن حياً أم ميتًا، فهناك يبحث الجميع عن طريقهم للبقاء على قيد الحياة”.

عندما حاول العبور من الجزائر إلى المغرب عبر منطقة قريبة من مدينة وجدة “كان الأمر أشبه بفيلم”، على حد قوله.  

للوصول إلى وجدة كان عليه تجاوز سياج حدودي، “إذا قبضت عليك الشرطة الجزائرية، ستتعرض للضرب ثم يقومون بإرسالك إلى الصحراء، على بعد مئات الكيلومترات” يقول محدثنا.

نجح مامادو في المحاولة الثالثة، وحين دخل إلى المغرب، انطلق باحثًا عن وسيلة للوصول إلى إسبانيا، أربع سنوات من البحث عن حياة، في مغامرةٍ اتسمت بـ”الكثير من الترحيل القسري للشرطة بعيدًا عن الحدود”.

قفز مرتين على سور سبتة، “دخلت بمحاذاة الغابة الكبيرة، مع أشخاص آخرين، مشيت ثلاثة كيلومترات عبر غابة سبتة حتى قبضت عليّ الشرطة الإسبانية، وأعادتني إلى المغرب. الشرطة المغربية بدورها وضعتني في حافلة أخذتني إلى طانطان، التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر جنوب البلاد” يشرح لهوامش.

المرة الثانية التي تمكن فيها من دخول سبتة كانت نهاية عام 2021، وللمرة الثانية تم توقيفه، ليطبقوا معه عملية “العودة الساخنة”، الإسم الإعلامي لما يصفه الحقوقيون بـ”العودة القسرية”، والتي تعني العودة السريعة قبل أن يجف عرق المهاجر.

في المغرب، عمل في عدة مناسبات في الفلاحة، بحقول الطماطم في منطقة أيت عميرة، قرب مدينة أكادير الجنوبية.  

هناك كان يتقاضى “ستين درهما في اليوم”،  مقابل العمل ثماني ساعات يوميًا دون توقف حتى في عطلة نهاية الأسبوع.  

يقول مامادو لـ”هوامش”، أنه “عندما لا تكون لديك وثائق، فإنك لا تتمتع بإنسانيتك، فأنت في الجحيم ولا يمكنك حتى التحدث إلى الشرطة إذا واجهت مشكلة”.

مغامرة جزر الكناري وقرار العودة الطوعية 

استخدم مامادو المبلغ الذي ادخره من عمله بأكادير، ليسافر إلى مدينة الداخلة، في أقصى جنوب الصحراء، ومن شبه الجزيرة تلك، حاول العبور إلى جزر الكناري في يناير 2022، صدفة دون أن يكون قد أعد للأمر.

“أرسلني أحد الأصدقاء لأراقب المكان عندما كان القارب يغادر الشاطئ، لكن عندما وصلت إلى المكان، استغللت الفرصة وصعدت على متنه”، يقول الشاب لـ”هوامش”.

في تلك الرحلة، التي خاضها مصادفةً كانت الأقدار تخبئ له مالم يكن في الحسبان، “الله وحده هو الذي أنقذني، كان برفقتي على متن القارب 48 شخصا، من بينهم نساء وأطفال… وبعد يومين من الإبحار، ضللنا الطريق بسبب الأمواج القوية وقررنا الالتفاف والعودة”.

“إجمالاً، أمضينا حوالي خمسة أيام في البحر، كان الكثيرون خائفين، يبكون، قفز بعضهم مباشرة إلى الماء ومات آخرون في القارب، لم يكن لدينا ماء ولا طعام”، يحكي مامادو.

في تلك الرحلة فقد عشرة أشخاص حياتهم، “اعتقدت أننا جميعًا سنموت هناك، وكنت أكرر لا إله إلا الله محمد رسول الله… وأخيرًا، عثرت علينا البحرية الملكية وأنقذتنا”.

وعندما عاد إلى الداخلة اتخذ قرار العودة إلى وطنه، خصوصًا عندما علم بمرض والده، البالغ من العمر تسعين عامًا.  

تمكن من الوصول إلى الرباط وهناك طلب من “المنظمة الدولية للهجرة”، التابعة للأمم المتحدة “العودة الطوعية” إلى وطنه.

حالة مامادو ليست فريدة، ففي العام 2022، عاد 2457 مهاجرا، كانوا في المغرب، طواعية إلى بلدانهم الأصلية، وفقا لآخر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة.  

ويشير التقرير إلى أن غالبية العائدين من ساحل العاج وهم “657 شخصا”، وغينيا “598 شخصا”، والسنغال “367 شخصا”.

وتمثل هذه الإحصائيات أعلى رقم منذ إطلاق برنامج “العودة الطوعية”، الذي يموله الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية أخرى مثل إسبانيا، منذ سنة 2005.

إبراهيمَا، مهاجر غير نظامي من غينيا كوناكري، اتخذ نفس القرار، على غرار مامادو، عندما كان في مدينة العيون، بعدما “حاولت مرارا وتكرارا، الهجرة كما فعل أصدقائي الذين وصلوا إلى أوروبا، لكنني لم أنجح”.

“إذا واصلت المحاولة فقد أموت يومًا ما في عرض البحر، وسينتهي كل شيء، لذلك أعتقد أن نصيبي ليس هنا” يقول المهاجر الغيني.

إبراهيمَا، البالغ من العمر 38 عاما هزيل جسديا، ومتعب نفسيا، ويعيش في منزل صغير يتقاسمه مع ثلاثة أشخاص آخرين في حي “التقدم”، وهو أحد أفقر أحياء الرباط.  

يقول إبراهيما إنه قلق لأنه لا يعرف كيف سيتمكن من دفع الإيجار، وإنه بالكاد يغادر شقته خوفا من أن تعتقله الشرطة لعدم توفره على وثائق نظامية.

منذ أن غادر بلاده بالطائرة، مرت ست سنوات على تجربة الهجرة الفاشلة، والمجازفات المتعددة، والعودة من جديد في كل مرة.  

أمضى الرجل ثلاث سنوات في العيون، وهناك حاول عدة مرات العبور في أحد القوارب التي تنطلق باتجاه جزر الكناري، ولكن في كل المحاولات كان يوقفهم رجال إنفاذ القانون المغاربة قبل الإبحار، أو تنقذهم البحرية الملكية في عرض المحيط.

ويقول هذا المهاجر، أنه تعرض للنصب والاحتيال، ونهب منه “مبلغ 15 ألف درهم مغربي”، دفعها لوسيط مقابل تهجيره عبر البحر، استلمها منه واختفى.  

يذكر إبراهيما، أن “أسوأ محاولة كانت عندما ضللنا في البحر ثلاثة أيام على غير هدى”، قبل أن ينقذهم صيادون مغاربة.

ويحكي أنه في معظم الأوقات، كانت السلطات ترسلهم بالحافلات إلى مدن متفرقة من البلاد، على بعد مئات الكيلومترات من المدن المعروفة بنشاط الهجرة.

ويتذكر عندما كان في طنجة، كيف “اقتحمت الشرطة المنزل الذي كنا ننام فيه عند الفجر، كسروا الباب، وأوقفونا ورحلونا جميعًا إلى تيزنيت”، حوالي 900 كيلومتر جنوبا، “كان ذلك في رمضان”، على حد قوله.

الآن ينتظر إبراهيمَا في الرباط لحظة عودته إلى غينيا كوناكري، وبمجرد “وصولي إلى بلادي، سأبدأ مشروعا تجاريا صغيرا” بواسطة المساعدة المالية التي سيتلقاها من المنظمة الدولية للهجرة.

يريد محدثنا العودة لأنه تعب، كما يقول، فضلا عن رغبته في رؤية طفليه، الذين يبلغان 11 سنة و10 سنوات، لقد اكتفى بمشاهدتهما يكبران من خلال الصور فقط في السنوات الخمس الماضية، “كنت أرغب في الوصول إلى أوروبا وإرسال الأموال لهما، كنت سأفخر بذلك، لكن ذلك لم يكن ممكنًا وهذا يؤلمني كثيرًا”.

المغرب لا يريدنا 

حاول الفتى أحمد، القادم من دارفور، القفز فوق سور مليلية في 24 يونيو من السنة الماضية، لكنه لم ينجح، فنُقِل فيمن نقلوا بعيدًا عن الناظور، وها هو اليوم يعيش في شوارع الدار البيضاء.

بالقرب من محطة “ولاد زيان” الطرقية، بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، يحكي أحمد لـ”هوامش”، بكثير من الوجع والأسف رحلته من بلاده التي مزقتها الحرب، “كانت الخطوة الأولى في رحلتي هي ليبيا، لقد وصلت إلى هناك دون معرفة لا بالبلد ولا بلغته”.

ويسرد أحمد ما جرى له في ليبيا “هناك أخذوني إلى مكان يشبه السجن، مكون من ثماني غرف، وهو بعيد جدًا عن مدينة بنغازي، فقضيت هناك 6 أشهر، أتناول المعكرونة فقط، وبعد 5 أشهر أعطوني هاتفًا صغيرًا  اتصلت بصديق تكلف بدفع فدية مقابل حريتي”.

بعد تحريره بدأت رحلة أخرى إلى المغرب مرورا بالجزائر، وهناك اكتشف أن الجزائريين “لا يحبون المهاجرين السود، إذا أوقفوك يلقون بك إلى النيجر، إنهم لا يسمحون لأحد بالبقاء في بلدهم”.

في المغرب، عاش حياة قاسية، فقد تعرض مرارا “للعنف والعنصرية” كما يقول، مشيرا إلى أن طالب اللجوء في المغرب “ليست لديه أية مساعدة، والمفوضية لا تمنح سوى 300 درهم للقاصرين، وهو مبلغ لا يكفي  لاستئجار غرفة”. 

ويؤكد الفتى أنه قرر العودة لبلاده، بعدما خاب أمله في تحقيق حياةٍ أفضل، “المغرب دولة غير آمنة بالنسبة لنا، نحن نتعرض للعنف من مواطنين، وعندما نذهب إلى المفوضية للتبليغ عن ذلك، يوجهوننا إلى الشرطة ولا يسمحوا لنا بالدخول إلى مقرها، أما الشرطة المغربية فتطالبنا بالمغادرة والعودة إلى السودان، المفوضية لا تحمينا والمغرب لا يريدنا”.

“أريد أن أعود إلى بلدي، أنا في حالة صدمة، فمنذ الـ24 من يونيو 2022، لا أستطيع النوم، وأعاني العديد من المشاكل الصّحية، في المستشفى حددوا لي موعدًا بعيدا جدا، بعد 6 أشهر. ذهبت إلى مستشفى المفوضية وطلبت العلاج لكنهم قالوا لي ‘ليس لدينا أي علاج’. بالمستشفى أخبرتهم أنني لاجئ وأحتاج الدواء، فقال لي الطبيب ‘تلك حياتك’. الآن أريد أن أذهب إلى بلدي لأن المغرب بلد آمن لأبنائه فقط وليس آمنًا للمهاجرين”، يسرد الفتى السوداني أحمد، مبرزا جزءا من معاناته في المغرب.

يحكي لنا محدثنا أحد المواقف التي جعلته يقدر أن “المغرب ليس آمنًا” بالنسبة له كمهاجر، “ذات صباح أتى عناصر شرطة وسألونا إن كنا سودانيين… أجبنا ‘نعم نحن كذلك’… فأخذونا إلى مركز الشرطة رقم 4 بالقرب من محطة حافلات الرباط، رغم أننا نتوفر على وثائق اللجوء، وعندما سألناهم عن السبب قالوا هذا عملنا. وأخذوني مع 67 سودانيًا آخرين في الخامسة صباحا ونقلونا إلى تيزنيت بالجنوب، بعد أن أخذوا أوراقنا وضربونا بشدة”.

“هناك عنصرية بالمغرب لكنها غير مرئية، ليس كل المغاربة عنصريين، ولكن هناك من لا يحبوننا وعندما يروننا يبصقون في وجوهنا؛ أحيانًا يهاجموننا في الليل ويسرقون أغراضنا وهواتفنا. ذات ليلة جاء بعض المغاربة مسلحين، يريدون سلبنا، اعتدوا علينا بالضرب، وعندما ذهبنا إلى الشرطة للتبليغ عنهم قالوا لنا ارجعوا إلى السودان، ولم يفعلوا شيئًا”.

حالة أحمد بدورها ليست وحيدة، إذ كشف تقرير المنظمة الدولية للهجرة عن “عودة 56 مهاجرا سودانيا لبدهم”، إذ “تضاعف عدد الراغبين منهم بالعودة إلى وطنهم، خاصة بعد أحداث مليلية”.

وتقول المنظمة أن “طلبات العودة الطوعية للمهاجرين في المغرب تضاعفت خلال العامين الماضيين”، وذلك بين يناير 2021 وأكتوبر 2022.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram