الرئيسية

روبورتاج | عزلة تيديلي: الوجه “المخيف” لبياض الثلج في مناطق الجنوب الشرقي 

منذ أسبوع، كست الثلوج، التي انتظرها الناس طويلا، جبال الأطلس، غطت المزارع الصغيرة والمنازل والمقابر والطرقات بشكل لم تشهد له بعض المناطق مثيلا طيلة العقد الأخير. مما حول الوضع إلى كابوس حقيقي يهدد الساكنة.  

عبد العالي منتصر 

تنفس الفلاحون الصعداء بعد التساقطات المطرية المهمة التي تهاطلت على المزارع والمداشر والقرى، وفرح الأطفال بسقوط الثلوج في  بعض مناطق الجنوب الشرقي، لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات  كـما حدث في منطقة “بومالن دادس”. 

وتكتسي التساقطات المطرية والثلجية الأخيرة، أهمية خاصة، لأنها تأتي في ظرفية تعرف فيها الأسعار التهابا غير مسبوق، بالإضافة إلى معضلة الجفاف التي استنزفت مخزون السدود والفرش المائية، بل ووصلت إلى مدى يهدد ”الأمن المائي” بالمغرب. 

لكن منذ أسبوع، كست الثلوج، التي انتظرها الناس طويلا، جبال الأطلس، غطت المزارع الصغيرة والمنازل والمقابر والطرقات بشكل لم تشهد له بعض المناطق مثيلا طيلة العقد الأخير.

للثلوج وجه آخر..

بعيدا عن البياض الناصع المزين لجنبات الطرق وأعالي المباني والمزارع الجبلية، تعيش الساكنة في الجنوب الشرقي وبالتحديد في منطقة تيديلي، قصصا مغايرة مع الثلوج السميكة والتي فاقت مترا ونصف المتر. 

فقد تسبب هذا الوضع في عزلة تامة للسكان بسبب انقطاع الطرق الفرعية والطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين مراكش وورزازات، وزاكورة، وبومالن دادس، وتنغير وتازناخت….  وتسبب انقطاع الطريق لمدة ثلاث أيام، في تحويل سكّان هذه المداشر إلى أشباح منعزلين تماما عن العالم، في منطقة “شبه منكوبة” بالنظر إلى حجم كثافة الثلوج.  

الطريق.. مقطوعة إلى حين 

وأنت قادم من مراكش على متن حافلة، تضيق بك الطريق شيئا فشئيا، لأنك تودع  الصورة التي رسمتها عن مدينة عملاقة مثل مراكش وتدخل غمار تجربة الدواوير المعزولة في هوامش الجبال الوعرة، والمنعرجات الخطيرة في ”تيزي ن تيشكا”، المنطقة الأكثر علوا بالمغرب بـارتفاع 300 2 مترا.

 قبل الوصول إليها، عادة ما تتوقف الحافلات في  “تادارت” (الدار) وهي محطة صغيرة على جنبات هذه الطريق، تشغل ما يزيد عن 50 شخصا من أهالي الدوار الواقع عند سفح جبل صغير من جبال الأطلس المتوسط. 

يعمل الشبان والكهول والنساء في طهي الطعام، وبيع اللحوم، وشيها، وبيع الخضر والفواكه للمسافرين. دائما ما  يجعل مزيج صوت الموسيقى الأمازيغية ومحطات الراديو المختلفة،  هذه المحطة مكانا يجذب سائقي الحافلات للتوقف وأخذ قسط من الراحة. 

المكان أشبه بمنتجع وسط هذه الجبال البيضاء، إضافة إلى كونه مكانا للراحة وتناول الوجبات بالمجان بالنسبة لسائقي الحافلات. عادة ما يكون السائق معفيا من دفع مصاريف الأكل والشاي، فبمجرد وقوفه يقدم خدمة كبيرة للباعة وأصحاب المطاعم، بعد أن يجلب لهم أكثر من 40 زبونا في كل رحلة. لكن هذه المرة المكان بارد جدا، وحركة المرور متوقفة وبدأ المسافرون يتبادلون أطراف الحديث حول متى يمكن أن يفتح معبر الجنوب الشرقي المعروف بـ “تيشكا”؟ 

انقطعت الطريق بسبب الثلوج، المكان أشبه بسوق ممتدة، الحافلات متوقفة والناس في كل مكان، ينتظرون فتح الطريق للوصول إلى الجهة الأخرى من المغرب. الجنوب الشرقي. 

منظر السيارات والحافلات متوقفة على الطريق وجنباتها منذ ساعات، ينذر بالأسوأ، وهناك، يقف السائقون قرب مقهى صغير، يجرون اتصالات بين الفينة والأخرى لمعرفة المستجدات، دون القدرة على التقاط الشبكة بشكل جيد. 

لا وجود لأي مدفأة هنا. الناس يقتربون من صاحب المجزرة لشواء ”الكوطليت” (لحم) كما يطيلون الوقوف بجانب “المجمر” من أجل التدفئة أيضا. الطقس بارد جدا، بينما أثمنة الخبز ترتفع بشكل هستيري، بسبب ندرته وجشع بعض البائعين. 

في عمق جبال الأطلس، أسود يقاومون العزلة 

 على بعد 30 كيلومترا من محطة الاستراحة “تادارت” يوجد دوار تيديلي وهو قرية تنتمي إلى إقليم ورزازات، جهة درعة تافيلالت. 

تعيش حوالي 3 ألاف أسرة في هذا المكان، حالة العزلة التامة التي تعيشها الأسر جعلت المنطقة شبه خالية. فيما تخفي صالات البيوت قصصا لمقاومة البرد أبطالها أسود مختبئة في عرائنها تلتمس يد العون. 

بعد سقوط الثلوج بمقاييس مهمة، تحولت هذه المنطقة الجبلية إلى قرية شبه مهجورة، رغم أن مركزها  يعد محطة هامة للشاحنات والسيارات منذ فترة الإستعمار الفرنسي إلى اليوم.

انتشال السكان من الهامش.. مشروع مؤجل

منذ الخمسينيات من القرن الماضي، كانت تيديلي ستتغير لو نجح فيها بناء مشروع مهم للمنطقة، ويتعلق بـ نفق “تيديلي” الذي تعود فكرة إنشائه إلى الفترة الإستعمارية كما أشار إلى ذلك محمد الناصري، «أمغار» قبيلة «تكاديرت» (شيخ القبيلة)، وذكر في تحقيق نشر في 05 – 09 – 2012  لجريدة المساء أن بداية الأشغال في النفق،  كانت “ما بين سنتي 1954 و1955، حيت قامت السلطات الفرنسية بجلب مجموعة من الآليات العملاقة التي لم يكن سكان المنطقة قد رأوا مثلها من قبل، وبدأت في أشغال الحفر التي امتدت مدة سنة ونصف السنة تقريبا، قبل أن تتوقف الأشغال فجأة بعد اقتراب عودة الملك محمد الخامس من المنفى، لتتوقف الأشغال نهائيا مع حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، رغم ما قيل حينها عن كون الفرنسيين أنجزوا 14 كيلومترا من النفق”.

الحلم المؤجل كان عبارة مشروع نفق كبير يخترق جبال الأطلس، ويغني عن المنحدرات والمنعرجات الخطيرة التي تسببت في وفاة المئات في حوادث السير، وفك العزلة عن ورزازات الكبرى.  في 2012 عرفت هذه الطريق أكثر حادث سير في المغرب ترويعا، فقد توفي  42 شخصا يوم الثلاثاء 4  شتنبر،  إثر انزلاق حافلة  في هاوية “تيزي ن تيشكا”. 

عجلت هذه الحادثة بعودة الحديث آنذاك على موضوع فتح نفق تحت أرضي بين تدارت وتيديلي، يساهم في انسياب حركة المرور والتقليل من حوادث السير المروعة. هذا المشروع الذي اختفى في رفوف وزارة التجهيز والنقل وتحول إلى مجرد “توسعة الطريق الوطنية رقم 9”.

تيديلي.. 3 أيام من العزلة 

في تيديلي لا لون يضاهي بياض الثلج الناصع. المنطقة تعرف في فصل الشتاء تساقطات ثلجية باستمرار، لكنها هذه المرة كانت فوق المتوقع، تساقطات فاقت 150 سنتمترا، وأغلقت أبواب المنازل والنوافذ والطرقات والمسالك. لم يستطع فلاح بسيط أن يصل إلى قطيع الغنم الموجود في رحبة صغيرة وراء البيت. ولم يتعود السكان الذين يصل عددهم إلى 15 ألفا، على هذا الكم الهائل من الثلوج. 

في هذه البوادي الجبلية، درجة الحرارة داخل البيت لا تختلف عن خارجها، أصوات زمهرير الرياح وحدها من في الخارج. أغلب السكان لزموا منازلهم منذ 3 أيام، وبدأت المؤونة تقل شيئا فشيئا مع مرور الوقت. الساكنة في تيديلي تتسوق مرة واحدة في الأسبوع، يصادف السوق الأسبوعي يوم الأحد، مرت تقريبا 6 أيام على يوم السوق، والهم الأكبر الآن هو جلب المؤونة والصمود في وجه هذا البرد القاسي. 

الكهرباء التي وصلت إلى المنطقة قبل سنوات قليلة، تنقطع بشكل متكرر. هذه المرة انقطعت ليومين متتاليين، بطاريات الهواتف توشك على لفظ شحناتها الأخيرة، وقنينة الغاز بدأت تفرغ، مركز القيادة الوحيد، الذي  تتواجد فيه أدوات الأشغال العمومية، يبعد حوالي 30 كلم. 

محمد بنعلي أحد سكان المنطقة قال في رسالة اطلعت عليها هوامش أنه يود نقل معاناة سكان دواوير جماعة تديلي بورزازات، وأضاف “اليوم مرت 3 أيام على انقطاع شبكة الاتصالات وشبكة الكهرباء والطريق الرابطة بين مركز تديلي والطريق الرئيسية الرابطة بين مراكش وورزازات.الثلوج التي تجاوزت حسب الصور التي وصلتني من قبل من عندهم ألواح الطاقة الشمسية المتر و 20 سنتمتر و مازالت التساقطات الثلجية مستمرة”.

من بين أكبر المتضررين خلال الأيام الثلاثة الماضية، المرضى والنساء الحوامل، ووثقت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حالات تستدعي تدخلا عاجلا. 

السلطات سخرت إمكانيات ضعيفة 

بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو تدعو إلى إنقاذ السكان العالقين تحت وطأة الثلوج، قال أحد سكان المنطقة عبر صفحة تيديلي تستغيث على الفايسبوك لقد “تم التدخل لكن ليس بالقدر الكافي، فالتقدم بطيء جدا لأن الآليات المسخرة غير قادرة على ذلك الكم الهائل من الثلوج، الثلوج سميكة وكثيفة وتزن الأطنان، لذلك يتطلب الأمر آليات ثقيلة ومتينة مزودة بالسلاسل ليتسنى لها التحرك بثبات ، لاسيما أن الرياح ستصعب الأمر، لأن الثلج سيتحجر مع مرور الوقت”. يقول المتحدث. 

بعد ثلاثة أيام من العزلة أفاد بلاغ صادر عن مؤسسة محمد الخامس للتضامن أن الملك أعطى تعليماته بإطلاق عملية مساعدة عاجلة لفائدة السكان المتضررين من موجة البرد الحالية والتساقطات الثلجية. وأوضح البلاغ أن المؤسسة سترسل مساعدات عن طريق الجو، عبر تعبئة طائرات القوات المسلحة الملكية لهذا الغرض. 

وتناقلت وسائل إعلام أن أول طائرة محملة بمنتجات غذائية وأغطية، حطت بمطار ورزازات الدولي. غير أن هذه الإجراءات المؤقتة غير كافية لانتشال المنطقة من الفقر و التهميش وعزلة اقتصادية ضربت المنطقة منذ عقود.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram