الرئيسية

مغرب-غيت (1)|.. نواب أوروبيون تحت تأثير المملكة الشريفة

على بعد 2019 كيلومترا من الرباط، يوجد مقهى - حانة ذات أهمية خاصة لدى السلطات المغربية، تقع داخل مقر البرلمان الأوروبي، ويتعلق الأمر بالحانة التي يرتادها نواب ستراسبورغ. في الجوار، يخبرنا العديد ممن تحدثوا إلينا، من العاملين في المؤسسات الأوروبية، أنهم غالبا ما يلاقون هناك مبعوثي المملكة الشريفة.

غايل دو سانتيس (لومانيتي)- ترجمة أحمد بن الصديق ( هوامش بتصرف وبالاتفاق مع جريدة l’Humanité)

من اتفاقيات الصيد البحري، بين الاتحاد الأوروبي ونظام محمد السادس، إلى رفض إدراج الناشطة الصحراوية سلطانة خيا ضمن المرشحين النهائيين لجائزة ساخاروف، تظل سلطات هذا البلد الشمال-إفريقي موضوع تساهل كبير من طرف أعضاء البرلمان الأوروبي.

على بعد 2019 كيلومترا من الرباط، يوجد مقهى – حانة ذات أهمية خاصة لدى السلطات المغربية، تقع داخل مقر البرلمان الأوروبي، ويتعلق الأمر بالحانة التي يرتادها نواب ستراسبورغ. في الجوار، يخبرنا العديد ممن تحدثوا إلينا، من العاملين في المؤسسات الأوروبية، أنهم غالبا ما يلاقون هناك مبعوثي المملكة الشريفة.

في عدة مناسبات، أفلح هؤلاء المبعوثون في التأثير على عملية التصويت من خلال الضغط على البرلمانيين عبر “اللوبي”، والضغط هنا أي “Lobbying”، هي كلمة مستوحاة من القاموس الإنجليزي وتعني “فضاء يوفر مساحة تؤدي إليها غرف أخرى  أو عدة ممرات”.

أظهر تحقيق القضاء البلجيكي في ملف ما يعرف بمصطلح  قطر-غيت [فضيحة قطر] الذي كشف عن شبهة وجود شبكات فساد قطرية داخل المؤسسة الأوروبية، أن هذه الدولة ليست الوحيدة المعنية، لأن الشبكات موضوع النقاش تشتغل أيضًا لخدمة مصالح المغرب، وهي نقطة انطلاق بحث المحققين.

هذا البلد ذُكر في مذكرة توقيف الشخص الذي يظهر في صلب عملية التأثير على التصويت، بيير أنطونيو بانزيري، الذي حاوره زملاؤنا في مجلة “بوليتيكو”. عضو البرلمان الإيطالي السابق الذي كان على رأس اللجنة البرلمانية المشتركة المغرب-الاتحاد الأوروبي قبل سنة 2019. وفي اتصال معه، أشار محاميه إلى أنه لا يريد الإدلاء “بأي تعليق في هذه القضية”. وفي غياب قرار قضائي يتمتع الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التحقيق بقرينة البراءة.

قصة عشق طويلة

تربط  “مشاعر حب” منذ فترة طويلة بين السلطات المغربية والمجموعات البرلمانية الرئيسية الثلاث في البرلمان الأوروبي؛ ويبدو أنه لا يمكن المساس بمصالح الرباط، وفي الوقت الذي يصوت فيه البرلمان الأوروبي، في كل دورة، على قرارات في مصلحة النشطاء المعنيين بوضعية حقوق الإنسان أو الاعتقالات التعسفية في مختلف البلدان، “لم يحدث أبدا، خلال عشرين عاما، أن حدث التصويت على مثل هذه  القرارات  بشأن المغرب”، تؤكد موظفة في البرلمان لصحيفة لومانيتي.  

وحتى بعد اندلاع فضيحة المغرب-غيت، فإن جزءا كبيرا من النواب يعيقون إدانة الرباط. وهذا ما حدث يوم الجمعة 15 ديسمبر، حين قدم اثنان من أعضاء البرلمان الأوروبي، هما الشيوعيان الإسبانيان من مجموعة اليسار (مجموعة اليسار الأوروبي الموحد سابقا)، مانو بينيدا وسيرا ريغو، تعديلا على القرار الذي يدين تصرفات قطر.

ويقترح التعديل أن يعبّر البرلمان عن “قلق كبير من المزاعم بشأن محاولة المغرب التأثير على النواب (…) من خلال عمليات إرشاء”، و”يدعو إلى تطبيق تدابير تتناسب مع تلك المطبقة على ممثلي المصالح القطرية أثناء التحقيقات”.

وبعبارة أخرى، يطلب التعديل منع جماعات الضغط لصالح المغرب من دخول مبنى البرلمان، في فترة التحقيق. وصوتت “أغلبية حزب الشعب الأوروبي” (اليمين) و “غالبية التجديد” (الوسط الليبرالي) و”غالبية الاشتراكيين” ضد هذا المقترح، في الجلسة العامة، حسب ما أكده ميغيل أوربان، عضو البرلمان الأوروبي الإسباني من مجموعة اليسار.

وتضيف زميلته البيئية البلجيكية، ساسكيا بريكمونت، بأسف”لم نحصل على أغلبية لإدراج المغرب في مسألة التدخل”. وتجدر الإشارة إلى أنه في هذا التصويت، صوت الاشتراكيون الفرنسيون مع أعضاء اليسار ضد زملائهم في المجموعة. وجادل النواب المنتخبون الذين رفضوا هذا التعديل بأنه لا يمكن توجيه أي اتهام للمغرب في الوقت الراهن؛ بينما كان التحقيق البلجيكي في الأصل يتجه نحو شبكات التأثير المغربية.

المسألة المتعلقة بتأثير جماعات الضغط المغربية في البرلمان الأوروبي ليست جديدة، حيث أنه في 27 نونبر 2018، أرسل رئيس مجموعة الخضر، فيليب لامبرتس، رسالة في الموضوع إلى رئيس البرلمان حينها، أنطونيو تاجاني، وزير خارجية برلسكوني الحالي في إيطاليا.

وتساءل لامبرتس في رسالته عن حقيقة أن ثلاثة برلمانيين ليبراليين، كانوا أعضاء في مجلس إدارة مؤسسة أوروميدا  EuroMedA، وهي جمعية بموجب القانون البلجيكي مرتبطة بالسلطات المغربية، ويتعلق الأمر بالفرنسية باتريسيا لالوند، والرومانية رامونا مانيسكو (التي كانت وزيرة الخارجية لمدة أربعة أشهر في عام 2019)، والبلجيكي فريديريك ريس (الذي كان وزير الدولة للشؤون الأوروبية لبضعة أشهر في عام 2004).

ولم يذكر أحد من الثلاثة  هذا الالتزام “في تصريح مصالحهم”، كما أوضح فيليب لامبرتس في رسالته. ومع ذلك، يشير النائب البلجيكي، إلى مشاركة باتريسيا لالوند في اجتماعات لجنة التجارة الدولية ولجنة الشؤون الخارجية.

بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تضمين مؤسسة أوروميدا، التي أنشأها عضو البرلمان الأوروبي، الاشتراكي الفرنسي جيل بارنيو، من 2009 إلى 2019، في لائحة  اللوبيات. “لم نتوصل أبدا برد على هذه الرسالة، ولا تزال هواجسنا مستمرة لأن بعض النواب السابقين، موضوع السؤال، ما زالوا أعضاء في نفس مجلس الإدارة “، وفق ما أبلغنا مكتب فيليب لامبرتس عبر البريد الإلكتروني.

وعند الاتصال بهم، لم يرد الأشخاص المشار إليهم في الرسالة. فيما أشارت الكتابة الخاصة لأنطونيو تاجاني أن “مشاركة البرلمانيين في الجمعيات السياسية، والمنظمات غير الحكومية، لا يمكن أن تؤدي بشكل اعتباطي إلى تحريات من طرف رئاسة البرلمان”.

لا تزال شبكات نفوذ المغرب في البرلمان الأوروبي غامضة؛ حيث أن مؤسسة أوروميدا ليست المنظمة الوحيدة التي لم تسجل في لائحة مجموعات الضغط الرسمية؛ فهذا نفس شأن المنظمة غير الحكومية Fight Impunity “مكافحة الإفلات من العقاب”، التي يرأسها المتهم الرئيسي في فضيحة  قطر-غيت، بيير أنطونيو بانزيري، إذ أنها هي الأخرى غير مسجلة.

هذا النوع من التأثير يوفر حماية للمغرب. في أبريل 2021، ذهب إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، إلى إسبانيا من أجل العلاج. وابتداء من 17 مايو، حدث ارتفاع  مهول في عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون الحدود من الأراضي المغربية إلى جيب سبتة.

من بين العابرين، كان هناك أطفال أُبلغوا أنهم ذاهبون في رحلة مدرسية وسيحضرون مباراة كرة قدم مع مشاهير اللاعبين… وردا على ذلك، أعدّ البرلمان قرارا يتضمن هذه المعطيات، يدين فيه تصرفات المغرب ويساند سلطات مدريد.

في تحد للقانون الدولي

كان التصويت على التعديلات حول هذا الموضوع مثيرا للاهتمام. حيث اقترح البرلماني ميغيل أوربان، عن حزب بوديموس، تعديلا يندد بكون الأوروبيين “تاريخيا تجاهلوا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام المغربي” مع إدانة القمع.

صوت 65 نائبا فقط، معظمهم من الممثلين المنتخبين لمجموعة اليسار والاشتراكيين الفرنسيين، لصالح التعديل. وصوت 523 نائبا ضده. «قدمت مجموعتنا السياسية مقترح إعلان يركز على موضوع حقوق الإنسان والسجناء السياسيين، إلخ. كان يتحدث عن حرية الصحافة، عن السجناء… كل هذا تم رفضه من طرف المجموعات الرئيسية، الاشتراكيين والليبراليين واليمين»، يقول ميغيل أوربان متحسرا .

أرادت الغالبية العظمى من البرلمان أن يقتصر النص على إدانة استغلال مشكلة الهجرة. “بعض المنسقين لم يرغبوا أصلا في إصدار قرار ضد المملكة المغربية”، تؤكد نورا مبارك، نائبة اشتراكية فرنسية. عندما سألنا رؤساء المجموعات الاشتراكية والليبرالية (التجديد) واليمينية (حزب الشعب الأوروبي) عن هذا الموضوع،  وغيره من الأحداث الواردة في هذا المقال، لم يجيبوا بشيء.

أما اليمين المتطرف فهو يدعم دائما مواقف المغرب. فقد قدم الفرنسي تييري مارياني (RN) والنمساوي هارالد فيليمسكي (FPÖ) تعديلا رفضه البرلمان ضد “الإجراءات المبهمة لجبهة البوليساريو في الأشهر الأخيرة، وبشكل خاص دخول زعيمها إبراهيم غالي، بصفة غير قانونية، إلى منطقة شنغن”، وهو التعديل الذي يزعم، في تحدّ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة أن “43 دولة تدعم موقف المغرب” فيما يتعلق بحل النزاع في الصحراء.

تساهل غير مفهوم

بعد شهر، تفجرت قضية أخرى مع المخزن، حيث تحدثت منظمة العفو و17 صحيفة دولية عن تورط المغرب في استخدام  برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس. وأشارت إلى أنه من المرجح أن تكون الأجهزة المغربية استعملت هذا البرنامج، الذي طورته شركة NSO الإسرائيلية، للتجسس على بعض القادة الأوروبيين.

واعتبرت الرباط أن هذه الاتهامات “مزاعم كاذبة ولا أساس لها”. وفي مارس 2022، قضت محكمة باريس بعدم قبول شكاية التشهير التي رفعها المغرب ضد وسائل إعلام وغيرها، بما في ذلك l’Humanité. ولم تكن  الرباط هي الوحيدة التي تلطخت بهذه  الفضيحة.

خارج الاتحاد الأوروبي، شعرت إسرائيل ورواندا بالحرج. من بين بلدان الاتحاد السبعة والعشرين، كشف التحقيق أن المجر وبولندا واليونان استعملوا أيضا بيغاسوس. “طلبت مجموعتي البرلمانية (الخضر) والليبراليون تشكيل لجنة تحقيق (..) كان علينا أن نتفاوض بشراسة كي يشمل التفويض دولا أخرى خارج الاتحاد الأوروبي، أي تلك التي يشتبه في تدخلها في شؤون أوروبا”. تقول ساسكيا بريكمونت، النائبة البلجيكية عن حزب الخضر وعضو اللجنة.

في الوقت الحالي، إذا ما قامت لجنة برلمانية بالفعل بزيارة إسرائيل، فإن “جلساتنا لا تتعلق بالتدخل الأجنبي من بلدان مثل رواندا أو المغرب”. لقد اتضح، حتى الآن، أنه من المستحيل العثور على أغلبية في اللجنة لوضع الموضوع على الطاولة ، تؤكد النائبة البرلمانية.

نحن أمام تساهل غير مفهوم، خاصة وأن التقرير الأولي للجنة التحقيق ينص على أنه “يعتقد على نطاق واسع أن السلطات المغربية استهدفت رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، ووزيرة الدفاع مارغريتا روبلز، ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، مثلما حدث مع الرئيس الفرنسي ووزراء الحكومة الفرنسية”،  إضافة إلى التنصت على رومانو برودي، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية. كل شيء يحدث وكأنه لا ينبغي أبدا إزعاج المغرب، هذا الوضع يتناقض مع موقف البرلمان ضد الصين وروسيا.

وفي حلقة أخرى، لم يتم توجيه الإتهام إلى المغرب في اللجنة البرلمانية. في عام 2021، مع مجموعة اليسار، “اقترحنا منح جائزة ساخاروف لسلطانة خيا”، وهي ناشطة صحراوية قيد الإقامة الجبرية، يتذكر ميغيل أوربان. وكانت المرأة قد تعرضت “للاعتداء والاغتصاب من قبل عناصر النظام”، وتعرضت والدتها البالغة من العمر 84 عاما للضرب. وقد تم اختيارها من بين المرشحين النهائيين الثلاثة لجائزة حقوق الإنسان التي يمنحها البرلمان الأوروبي، “كانت ستتلقى دعوة رسمية إلى البرلمان، كان من الممكن أن يكون هناك مؤتمر صحفي، ستكون فضيحة ذات تداعيات دولية” يقول عضو البرلمان الأوروبي.

ولم يتوفر اليسار على العدد الكافي من النواب في لجنة حقوق الإنسان لتأهيلها (سلطانة خيا) من بين المرشحين النهائيين الثلاثة، الذين كان من المقرر اختيار الفائز بالجائزة منهم. مع حصولها على  16 صوتا، كانت متعادلة مع الانقلابية جانين أنيز، التي اقترحها اليمين المتطرف، والتي أطاحت بالرئيس الاشتراكي البوليفي إيفو موراليس. يقول ميغيل أوربان: “مع أصوات الليبراليين الذين وعدوا أن  يدعمونا، الخضر والاشتراكيون، كان بوسعنا أن نفوز”. بعد نهاية  الجلسة، انضم معظم أعضاء البرلمان الأوروبي الاشتراكيون  إلى ترشيح اليمين المتطرف.

يتشارك الاتحاد الأوروبي والمغرب المصالح في موضوع الهجرة والتجارة، والمجموعات الكبرى في البرلمان الأوروبي لها نفس الاهتمام. في 12 ديسمبر 2019 ، صوتت الجمعية العامة بأغلبية 415 صوتًا و 189 ضد اتفاقية الصيد.

ويبدو أن المغرب من أكثر الدول قدرة على الدفاع عن مصالحه مع الاتحاد الأوروبي. “من  الجانب المغربي، هذه المجموعة من الأصدقاء واضحة جدا”، يقول المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة للصحراء الغربية، فرانشيسكو باستالي، لجريدة ديمكراسي ناو Democracy Now  ! إنهم لا يوجهون الأموال أو الموارد فحسب نحو المغرب، بل يسهلون أيضا الاختيار والاتصال بالبرلمانيين الذين قد يكونون فاسدين بناء على مسؤولياتهم في البرلمان. (…) ويصنعون الفرص للبرلمانيين ليتم الاتصال بهم في المناسبات أو الرحلات إلى الخارج.

بالنسبة لوزير الخارجية اليوناني السابق، النائب قبل عام 2014، جورجيوس كاتروغالوس، فإن السؤال الذي أثارته التحقيقات الجارية أوسع: “كانت ممارسات الضغط هذه وتأثير المال في السياسة معروفة، لكنني كنت أعتقد أن المبالغ أكثر تواضعا”، كما يقول النائب السابق عن سيريزا. “هناك مقترحات لإنشاء لجنة أخلاقيات أكثر فعالية. لكن المشكلة أكثر خطورة: ما هو على المحك هو الترابط بين عالمي الأعمال والسياسة. ومن الصعب جدا السيطرة عليها لأن هذا هو جوهر الرأسمالية”. وبالتالي فإن المؤسسات الأوروبية عرضة لجميع أنواع التأثيرات والضغوطات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram