الرئيسية

بنات الجبال: حرمان من التمدرس وواقع ينتظر الإفراج

"كنت الأصغر ضمن إخوتي، كان حلمي إتمام الدراسة إلا أنني، عندما زوجني والدي، توقفت عن الدراسة. أختي التي تكبرني سنا هي الأخرى تزوجت في سن مبكرة ولم يُسمح لها بدخول المدرسة. درست في المسجد ثم تزوجت في "الفيلاج"، بعد ثلاثِ سنوات انفصلتُ عن زوجي وعُدت للمنزل" تحكي فاطمة.

هوامش تبحث في معاناة التلميذات بقرى جهة بني ملال خنيفرة

أسامة باجي

“عُدت للدراسة بعد الانقطاع، أتابعُ دراستي بمؤسسة للتربية غير النظامية وأحاول استكمال دراستي وتحقيق حُلمي”، كان هذا حديثُ فاطمة، 20 سنة (اِسم مستعار) من منطقة بإقليم خنيفرة. تسترجع فاطمة بمرارة توقفها عن الدراسة وتقول: كنت في سن 16 من عُمري حينما غادرت حجرات الدراسة رغما عني. تمَّ تزويجي لرجل يقربُ للعائلة، لم يكن بإمكاني أن أرفض هذا الزواج كي لا أخرج عن طاعة الوالد، غادرت حُجرات الدراسة بحسرة كبيرة. كان أملي أن أكمل دراستي وألجَ الجامعة، إلا أنَّ للعائلة رأي آخر، بكيت كثيراً لكن “آش عند الميت ما يقول قدام غسالو وأنا غا بنت وصغيرة”. 

“هذا حال مُعظم بنات القرية؛ إما يُحرمن من متابعة الدراسة من البداية أو يتابعن الدراسة وصولاً إلى السنة الثالثة إعدادي، فيرفض بعض الآباء إرسال بناتهن إلى القسم الداخلي عكسَ الذكور، باستثناء بعض الأسر الميسورة التي ترسل بناتها لمتابعة الدراسة، فيما أخريات لا يرين المدرسة أو الإعدادية إلا من بعيد خارج السور”.

موضوع يؤكده أشرف حكم، أستاذ التعليم الابتدائي الذي قضى 6 سنوات في مداشر إقليم مدينة أزيلال بجهة بني ملال خنيفرة، حيث يؤكد أن هناك تحديات أعمقَ من الهدر المدرسي، ويقول “إن هناكَ مشاكل عميقة كالبنية التحتية، وعلى سبيل المثال الطريق المؤدية إلى مكان الدراسة، فضلا عن عزلة أخرى وهي صعوبة تغطية شبكة الانترنيت”.

يقول أشرف لهوامش: “هناك اكتظاظ بالنظر إلى عدد المتمدرسين، ومشكل الهدر المدرسي، حيث إن عددا من الأسر تجعل من أبنائها مصدرا للدخل المادي؛ بل حتى إن تواجدَ الابن بالمدرسة أحياناً يكون مرتبطا باستفادته من برنامج تيسير”.

أما زينب سقارة، أستاذة التعليم الابتدائي بمركز تيزي نيسلي، فتقول في حديثها لهوامش إنها واجهت “مشكل الهدر المدرسي عند الفتاة القروية حينما كنت أدرّس المستوى السادس الابتدائي. كان التلاميذ يأتون من مناطق مجاورة بعد أن كانوا يدرسون في الفرعيات، ليُصبحَ فيما بعدُ من الضروري التنقل إلى مركز تيزي نيسلي”.

تؤكد زينب أن كلُّ شيء متوفر في القسم الداخلي، وفي نهاية الأسبوع تعود التلميذات إلى بيوتهن، إلا أننا نتفاجأ بانقطاعهن عن الدراسة، على الرغم من محاولات إدماجهن؛ وعندما نبحث عن الأسباب فإننا نجد أن هناك إشكالات أسرية، حيثُ يعتقد بعض الآباء أن البنت حتى وإن درست لن تجديها الدراسة نفعا.

وتضيف المتحدثة: “بالرغم من إطلاق برنامج تيسير الذي ساهم في تحفيز عدد من الأسر للسماح لبناتهن بمتابعة الدراسة، إلا أن أغلب الأسر تجدها متشبثة بفكرة أن تعليم الفتاة لا يفيد الأسرة، ومن الأفضل لها ولأسرتها أن تكتفي بالمساعدة في أشغال البيت”. حسب زينب، رُبما يعود الأمر لغياب عنصر الثقة عند البعض، حيث يشككون في القسم الداخلي تحت ذريعة أنه من الممكن ألاَّ تكون التلميذة في أمان.

بالعودة للأرقام الرسمية، فإن المندوبية السامية للتخطيط كانت قد بينت، في تقرير أعدَّته بعنوان “المرأة المغربية في أرقام، عشرون سنة من التطور” أن نسبة التمدرس عند الفتيات الصغيرات من 6 إلى 11 سنة بالمغرب قد حققت ارتفاعا مهما خلال السنوات العشر الأخيرة، بحيث وصلت إلى 100% سنة 2020 بعد أن كانت تبلغ 80.6% سنة 2000. 

كما ارتفعت نسبة الولوج إلى التعليم في صفوف الإناث من باقي الفئات العمرية، حيث انتقلت نسبة تمدرس الفتيات في سن 15 إلى 17 سنة في الوسط الحضري من 56.3% سنة 2000 إلى 90.5% في 2020، وانتقلت في الوسط القروي من 6.1 سنة 2000 إلى 39.2% سنة 2020.

التقرير أشار إلى أن هذا التقدم في نسب التمدرس في التعليم الأولي والابتدائي، تقابله مؤشرات هدر مدرسي أكثر تذبذبا في المستويات اللاحقة. وسجل التقرير نسبة هدر مدرسي أقل في صفوف الفتيات من سن 15 إلى 17 سنة في الوسط الحضري مقارنة مع أقرانهن الفتيان، حيث تصل نسبة تمدرس الفتيات من هذه الفئة إلى 90.5% بينما تتراجع نسبة الفتيان إلى 85.7%.

إلا أن الرقم الذي يطرح أكثر من سؤال مرتبط بتمدرس الفتيات في الوسط القروي، حيثُ يغادرن الدراسة أكثر من الذكور، ضمن فئة 15 إلى 17 سنة دائما، حيث تتراجع نسبة الفتيات القرويات المتمدرسات إلى 39.2% مقارنة مع الفتيان المتمدرسين الذي يسجلون بدورهم تراجعا في نسبة التمدرس إلى 50.5% (سنة 2020).

سياسة عمومية إقصائية

ثورية تناني رئيسة جمعية مبادرات لحماية حقوق النساء في بني ملال تتساءل في حديثها لهوامش: “إذا أخذنا فقط نموذج الإعلام، هل تخصص الدولة برامج لتعبئة المجتمع من أجل النهوض بتدريس الفتيات القرويات؟ هذا أمر مهم من أجل الحد من الهدر المدرسي لدى الفتيات، وهذا يُسائل الدولة لأنه يتم تسجيل عدد من الفتيات في مستويات التعليم الابتدائي، ويتقلص هذا العدد مع الصعود لمستويات أعلى”. 

وتضيف تناني “إن مواجهة الهدر المدرسي تكون بفهمه وتفكيك أسبابه، وربما نَجد خلاصات أهمها أن ضحايا هذا العنف من الطبقة المسحوقة، إذ من الصعب أن يكون الهدر عند طبقات اجتماعية أخرى، وهذا ظلم تتحمل الدولة مسؤوليته”.

بالعودة لبرنامج تيسير، فإن وزارة التربية الوطنية كانت قد أطلقت البرنامج خلال شتنبر 2008 للحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي. وقد حُددت المنحة الشهرية لكل تلميذ وتلميذة في المستويات الأول والثاني في 60 درهم شهريا أما المستويات الثالث والرابع، فتُقدر المنحة ب 80 درهم وفي المستويات الخامس والسادس قدرت المنحة ب 100 درهم شهريا؛ أما السلك الإعدادي فتُقدر المنحة الشهرية لكل تلميذ في جميع المستويات بـ 140 درهم شهريا عن كل تلميذ وتلميذة. 

وتغطي هاته المنحة الشهرية عشرة أشهر من السنة الدراسية، على أنه يتم احتساب المنحة كل شهرين، شريطة عدم تغيب المتعلم أكثر من 4 مرات في الشهر. وبالنظر إلى الأرقام، يمكن أن نستنتج أن هناك مقاربة واحدة موجهة للتلاميذ والتلميذات، عكس المقاربات التي يجب أن تستهدف كلا على حدة، وهذا ما أجابت عنه مريم ابليل، الباحثة في القانون العام والعلوم السياسية، التي اعتبرت في حديثها لهوامش أن إشكال إدماج الفتاة في السياسات العمومية، مرتبط بالسياسات الموجهة للانقطاع عن التعليم. إلا أنها تعمل بشمولية ولا تستهدف الفتيات، حيث ترى أنه “في المغرب، لا توجد سياسات عمومية موجهة للفتاة القروية التي تجد نفسها في مواجهة الفقر. فضلا عن النظام الأبوي الذكوري، والمناخ، وهشاشة البنية التحتية”.

وتعليقا على الدعم المقدم من طرف الوزارة الوصية، يقول الفاعل التربوي والحقوقي عبد الوهاب السحيمي إن “على الدولة اعتماد برامج تمكن التلميذة القروية من حقها في التمدرس، ويجب أن يكون ضِعف ما يقدم للتلاميذ الذكور، لأن حظوظ التحاق التلميذة بالمدرسة ضعيفة وضئيلة وبالتالي يجب تشجيعها بتمييز إيجابي”.

ويرى السحيمي أن النقابات تعتبر نفسها غير معنية بهذا الموضوع، لكونها غارقة في مشاكل ذاتية وصراعات الزعامات، “ليسَ لديها الوقت للتفرغ لهاته الملفات، والأمر نفسه بالنسبة للأحزاب التي لا أثر لها في هذا الملف الشائك؛ فضلا عن جمعيات المجتمع المدني. إلا أنه هناك مبادرات معزولة تناضل في هذا الصدد”. ويضيف المتحدث “هاته الظاهرة تؤرق بال المغاربة، ولعل رقم مغادرة 300 ألف تلميذ وتلميذة سنويا خير دليل، حيث أن معظم المغادرين والمغادرات من المناطق القروية والجزء الأكبر منهم فتيات”.

هل هو عنف مبني على النوع؟

يعرّف العنفُ القائم على النوع الاجتماعي أنّه أيّ فعل مؤذٍ يُرتكب ضدّ إرادة الشخص. وهو مبنيٌّ على الفروق بين الذكور والإناث التي يُعزى وجودها لأسباب اجتماعية، وهو عنفٌ قائم على الأدوار الاجتماعية بين الذكر والأنثى، كما تراها الثقافة المحلية، ورغم أنّ الغالبيّة العُظمى من ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في مختلف الثقافات هن الفتيات والنساء، إلا أنّه ليس منحصرا على الإناث فقط، بل يشمل الذكور أيضا، وهذا هو جوهر اختلافه عن مصطلح العنف ضد المرأة.

حسبَ المفوضية السامية للاجئين، ينقسمُ العنف المبني على النوع إلى أقسام، وهي الاغتصاب، والاعتداء الجنسي، والاعتداء الجسدي، والزواج القسري، وتزويج الأطفال، والحرمان من الموارد أو الفرص أو الخدمات أي العزلة، والمقاطعة الاجتماعية والاقتصادية، والحرمان من الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.

وحسب تقسيم أنواع العنف المبني على النوع، فالحرمان من الدراسة يعتبر في حد ذاته حرمانا مبنيا على النوع الاجتماعي، وهذا ما تجيب عنه مريم ابليل مشيرة إلى أن الفتاة تعاني من العنف المبني على النوع من خلال اشكالية الانقطاع عن التمدرس، وهشاشة البنية التحتية في المناطق القروية، والثقافة المجتمعية، وتزويج القاصرات، فضلاً عن الإشكال الاقتصادي، والعامل المناخي؛ وهذه العناصر تزيد من تعقيد الإشكال الذي يستوجب مقاربة شمولية لمحاولة إنجاحه.

أما تناني، فتعتبر أن الدولة صادقت على مجموعة من الاتفاقيات، منها حقوق الطفل والطفلة، وأهم حق هو الحق في التمدرس؛ لكن لا وجود لهذا الحق. “وإن كان فإننا نجد معه نوعا من التمييز، فضلا عن غياب المرافق الصحية وغيرها من الولوجيات. والأكثر من هذا أن هناك تمييزاً مجالياً تؤدي ثمنه الفئات الفقيرة في الجبال” توضح المتحدثة.

مشاكلُ اجتماعية

لا تُرجع تناني الهدر المدرسي عند البنات إلى التقاليد والأعراف، حيث تقول “لست مع مقاربة تتهم التقاليد والأعراف التي تمنع تدريس الطفلات، بل المشكل يعود للدولة، ولو كانت لها الإرادة لسعت لتعميم التعليم. وبالعودة لشعار الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، التي انطلقت تحت شعار (لنتحد جميعا ونناضل من أجمل مناهضة العنف ضد الفتيات والنساء) يجب أن نسائلها حول وصولها إلى المناطق القروية، لأن ما تعيشه الفتيات في هاته المناطق فظيع جدا”.

أما السحيمي، فيقول إن هناك إكراهات عدة تحول دون تمدرس الفتاة القروية والتحاقها بالمدرسة، من بينها ضُعف الدخل المادي للأسر حيث تعيش عوزاً ووضعا ماديا صعباً. 

من جهتها، أشارت ابليل إلى أن أغلب نساء ورجال التعليم بالقرى يعملون في ظروف صعبة، فهناك الاكتظاظ، وجمع أكثر من مستوى في فصل دراسي واحد، وغياب السكن الوظيفي، وتقول “التشجيع من طرف الأساتذة عامل مهم، لكننا في كثير من الأحيان نجد الأستاذ نفسه يحتاج للتشجيع، من أجل الاستمرار في هاته الظروف الصعبة”.

الهدر واحد والأسباب متعددة

تربط تناني انقطاع التلميذات عن الدراسة بتزويجهن، مشيرة إلى أنهن مهددات بالتزويج بسبب ضعف إمكانيات الآباء، الذين يصعب عليهم توفير المتطلبات اللازمة لإتمام الدراسة بعيدا عن الأسر؛ “أغلبهن يقفن عند المستويات الابتدائية وأحيانا الإعدادية، وهذا أحد أهم أسباب تزويج التلميذات”. كما تربطه بالمشاكل التي يعرفها النظام التعليمي الذي تعتبر أنه “نظام قائم على الخوف والإخضاع، فضلاً عن عامل الخوف عندَ الطفلات، وإشكالية غياب المعيل ومن يساعد الأسر في أشغال البيت”.

خلالَ حديثها لهوامش، تذكَّر تناني بحرقة صعوبة حديث الآباء عن بناتهن، وتقول “بعض الآباء بمرارة شديدة يرُدون الأمر إلى الفقر وهو تحد صعب، وهناك من يرسلون بناتهم للعمل في البيوت”. وترجعُ تناني مشكلَ العنف المبني على النوع إلى السياسات العمومية التي نهجتها الدولة، والتي ساهمت في تعميق الأزمة. بل حسب المتحدثة “المخططات التي وضعتها الدولة كبرنامج تيسير لم تعد ناجعة لأنها غير صالحة”.

ما العمل؟ 

لِحل هذا الإشكال، يقترح السحيمي ضرورة تشييد المزيد من دور الطالبات، وتقوية الطرقات وتسهيل وصول النقل إلى كل القرى المغربية؛ فضلاً عن ضرورة التوعية عبر وسائل الإعلام العمومي من خلال تقديم برامج ووصلات تحث الأسر على ضرورة إبقاء التلميذة في المدرسة، إضافة إلى التوعية من خلال المساجد وخطب الجمعة لما لها من قيمة.

أما مريم ابليل فتقول: “يجب على الدولة التفكير في مقاربة شمولية تستهدف تمدرس الفتيات في العالم القروي. غير هذا لن تكون هناك إلا حلول ترقيعية توصل الفتاة إلى المستوى السادس لتنقطع عن الدراسة، أو رفض الآباء للداخليات، أو مجيء عريس ليتم تزويج تلك القاصر بإذن من القاضي؛ أو لأي سبب من الأسباب الأخرى”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram