هوامش
تشير أصابع الاتهام إلى قطر بتقديم رشاوى لنواب من البرلمان الاوروبي مقابل التأثير على تقارير وسياسات الاتحاد لصالح الدولة الخليجية، رغم أن القانون الأخلاقي للبرلمان الأوروبي يمنع تلقي هدايا “تزيد قيمتها عن 150 يورو”.
“دير شبيغل” الألمانية، قالت إن فضيحة رشوة قطر للبرلمان الأوروبي “ستورط المغرب أيضًا في مؤامرة الفساد لكسب ثقل سياسي واقتصادي في بروكسل”.
وتشير وثائق التحقيق، التي اطلعت عليها الصحيفة الألمانية الأكثر شهرةً، إلى أن النائب الإيطالي السابق بيير أنطونيو بانزيري كان سيقبل أموالاً من كل من قطر والمغرب، لـ”لتأثير على قرارات سياسية معينة من البرلمان الأوروبي”.
ويظهر السفير المغربي في بولندا، عبد الرحيم عثمون، كشخصية ذات صلة بالتحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام البلجيكي في مزاعم إرشاء أعضاء البرلمان الأوروبي من قبل قطر والمغرب.
عثمون؛ المشتبه في تمويله لواحد من المتورطين في الفضيحة، وهو أنطونيو بانزيري؛ تقدمه الصحافة المغربية على مدى سنوات، على أنه صاحب العديد من النجاحات الدبلوماسية أمام البرلمان الأوروبي، الذي أشاد في عدة مناسبات بالتقدم الذي أحرزه المغرب في مجال حقوق الإنسان.
صحيفة “إِلْباييس” الإسبانية، قالت إن “ما لم يظهر قط هو أن عثمون غارق في شبكة من الرشوة للبرلمانيين الذين حقق معهم مكتب المدعي العام البلجيكي”.
وبحسب ما كشفته صحيفة “لوسوار” (Le Soir) البلجيكية هذا الأسبوع، يوجد ضمن “هذه الشبكة اثنان من جهاز المخابرات الخارجية المغربية (المديرية العامة للدراسات والمستندات) DGED”.
وكشفت صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، أن “الاسمين اللذين دققت فيهما المحاكم البلجيكية هما رئيس جهاز المخابرات الخارجية ياسين المنصوري، والعميل محمد بلحرش”.
وأشارت “إلباييس” إلى أنها اتصلت هاتفيا بممثلي وزارة الخارجية المغربية والدبلوماسي عبد الرحيم عثمون نفسه ولكنهم “لم يعلقوا على اتهامات الرشوة التي تتنافى مع روح المؤسسات الأوروبية”.
عبد الرحيم عثمون، 66 عامًا، لم يكن دبلوماسيًا في الأساس، لكنه سياسي مارس فنون الدبلوماسية وكسب التأييد لأكثر من عقد من الزمان، من خلال اللجنة البرلمانية المختلطة للمغرب والاتحاد الأوروبي، التي تم إنشاؤها في عام 2010، والتي عين عثمون على رأسها ما بين 2011 إلى 2019.
وفي هذا النوع من اللجان، ينتخب المغرب ممثليه وكذلك يفعل الاتحاد الأوروبي، دون أن يكون لأي من الطرفين حق النقض ضد الآخر.
وتواصلت صحيفة “إِلْباييس”، مع سياسية إسبانية مقربة من عثمون، هي أيالا سيندر، والتي كانت عضوًا في المعارضة في مجلس مدينة سرقسطة منذ عام 2019.
وبعد اطلاعها على موضوع اتصال “إِلْباييس” – علاقة عبد الرحيم عثمون مع البرلمانيين الأوروبيين – قالت أيالا سيندر إنها ليست قادرة على الحديث في ذلك الوقت، وستعاود الاتصال، ولكنها رفضت في وقت لاحق الرد على الهاتف.
وكانت هذه الاشتراكية عضوًا في البرلمان الأوروبي لمدة 15 عامًا، بين 2004 و2019، وفي عام 2018، تعرضت لانتقادات من الجمعيات الموالية للبوليساريو، عندما أشارت إلى الصحراء في البرلمان الأوروبي بنفس المصطلح الذي تستخدمه الدولة المغربية “الأقاليم الجنوبية”.
وانتشرت كلمتها المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قالت فيها إنه “ليس من شأن الاتحاد الأوروبي أن يتخذ قرارات أو يحل مشكلة الصحراء، ومن ناحية أخرى، الأمر متروك لنا لعدم إحداث مشاكل كبيرة، سواء لمواطني الأقاليم الجنوبية أو للحكومة أو المملكة المغربية نفسها”.
وقبل عام، سافرت أيالا إلى الرباط كرئيسة للجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وأعلنت أن البلاد “التزمت بشدة بإرساء أسس سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية”، بحسب قصاصة لـ”وكالة المغرب العربي للأنباء”، الرسمية، منشورة على موقع السفارة المغربية بمدريد.
وإلى جانب مشاركته في اللجنة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، تحدث السياسي المغربي، عبد الرحيم عثمون؛ الذي أمضى قرابة 26 عامًا من حياته في فرنسا، عن عمله كعضو ضغط في شتنبر 2017 في الأسبوعية المغربية “تيل كيل”.
وأشار إلى اتفاقيات الزراعة والصيد التي تفاوضت عليها الرباط مع بروكسل آنذاك، مشددًا على أن “المغرب هو الشريك المميز للاتحاد الأوروبي، لكن لدينا دور اللوبي (جماعة ضغط) هو الدفاع عن مصالح المملكة”.
وحافظ عثمون، وفق “إِلْباييس”، “على علاقة ممتازة مع النائب الاشتراكي الإيطالي آنذاك أنطونيو بانزيري”، والذي يُشار إليه في التحقيق على أنه العقل المدبر لشبكة الرشوة القطرية عن طريق المغرب.
وشغل بانزيري، من بين مناصب أخرى في البرلمان، منصب رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان (2014-2017)، وكان عضوًا في هذه الهيئة حتى عام 2019، ورئيس مفوضية العلاقات مع المغرب العربي بين عامي 2014 و2017.
واتهم القضاء البلجيكي بانزيري، يوم الاثنين، بالتورط فيما بات يعرف الآن باسم “قطرغيت”، بعد أن صادرت الشرطة 600 ألف يورو نقدًا في منزله.
ولم تظهر أي معلومات، يوم الاثنين، عن تورط المغرب في هذه الفضيحة، ولكن منذ ذلك اليوم، توقف عبد الرحيم عثمون، الذي لا يزال سفيرًا للبلاد في بولندا، عن النشر على حسابه الشخصي على منصة فايسبوك، حيث كان عادة غزير المشاركات.
وسلق أن أجرت صحيفة “لوماتان”، سنة 2013، مقابلة مع عثمون، البرلماني المغربي آنذاك، حيث أشار إلى ثلاثة “انتصارات دبلوماسية” حصل عليها في البرلمان الأوروبي.
أحدها، وفقًا لعثمون، كان تقرير أنطونيو بانزيري عن سياسة الجوار الأوروبي (ENP)، التي تحكم علاقات الاتحاد الأوروبي مع 16 من أقرب شركائه الجنوبيين والشرقيين.
وفي عام 2017، أثناء رئاسة بانزيري للجنة الفرعية لحقوق الإنسان، أشاد عثمون أيضًا في مقابلة مع لوسيت أنفو (lesiteinfo) بالتقرير المتعلق بهذا الأمر، والإصلاحات التي أدخلها بانزيري في ذلك التقرير.
وفي نونبر 2016، اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية، المعروفة باسم “حراك الريف”، شمال المغرب، مما أدى إلى اعتقال مئات الشباب، وفي عام 2018، حُكم على خمسين شخصًا بالسجن لمدد تتراوح من عام إلى عشرين سنة، كما هو الحال في قضية أربعة من أبرز نشطاء الحراك.
وكان بين المدانين الصحافي حميد المهداوي، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لتلقيه مكالمة، اعترضتها المخابرات المغربية، حيث أخبره أحد سكان الريف من أوروبا أنه مستعد لإدخال دبابة للريف.
المهداوي خرج بعدما قضى ثلاث سنوات في السجن، فيما لايزال زعيم الحراك، ناصر الزفزافي، يقضي في السجن عقوبة 20 عامًا، “دون أن يدين البرلمان الأوروبي القمع في الريف ولا الأحكام الصادرة”، وفق تعبير “إِلْباييس”.
بالمقابل، تضيف الصحيفة، أظهر البرلمان الأوروبي صلابته، في أكتوبر 2020، تجاه الجزائر من خلال قرار بشأن “تدهور أوضاع حقوق الإنسان”، بعد الاحتجاجات التي بدأت في مارس 2019 بعد مظاهرات ما يعرف باسم “الحراك الجزائري”، الذي طالب بديمقراطية حقيقية.
في تلك الأثناء، وافق البرلمان الأوروبي على قرار ضد النظام الجزائري، بأغلبية 669 صوتًا مقابل 3 أصوات وامتناع 22 عن التصويت. ودعا في قراره إلى الإفراج العاجل عن جميع “معتقلي الرأي” بمن فيهم عدة صحفيين.
ودرس عثمون في معهد باريس للإحصاء، كما تقول الأسبوعية المغربية “ماروك إيبدو” (Maroc Hebdo)، في مارس الماضي، مضيفةً أنه عمل في فرنسا كرجل أعمال ناجح في قطاع الفندقة، وفقًا لـ“ماروك ديبلوماتيك” (Maroc Diplomatique) فقد بدأ العمل السياسي في عام 1984 مع حزب الاتحاد الدستوري.
وفي عام 2008 انضم إلى حزب الأصالة والمعاصرة (PAM)، الذي اشتهر أيضًا باسم “حزب صديق الملك”، نسبة إلى مؤسسه، فؤاد عالي الهمة، مستشار وصديق الملك محمد السادس.
موقع “ماروك إيبدو”، الذي يصفه بأنه “خبير في العلاقات ومجموعات الضغط“، أكد أنه “يمكنه الوصول إلى أعضاء البرلمان الأوروبي من جميع التشكيلات السياسية”، فله “مئات الأصدقاء من اليمين الأوروبي”.
وتم توشيح عثمون بوسام جوقة الشرف الفرنسية عام 2011، من الرئيس الفرنسي آنذاك، المحافظ نيكولا ساركوزي، وكان أول سياسي مغربي يستلمها.
وتشير عمليات التنصت، التي أجراها مكتب المدعي العام في ميلانو، والوثائق المسربة إلى الصحافة الإيطالية، إلى وجود صلة مغربية بفضيحة “قطرغيت”.
وحسب القضاة، فإن المتهمين لم يكونوا على علم بالفساد فحسب، بل “شاركوا أيضًا في نقل الهدايا” التي يُزعم أنهم تلقوها عن طريق المغربي عبد الرحيم عثمون، سفير الرباط في بولندا.
قضية “قطرغيت”، تشير إلى نائبة رئيس البرلمان الأوروبي السابقة إيفا كايلي، التي وضعت رهن في الحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى قطر، وإلى المغرب كجهة فاعلة أخرى، تمكنوا من إختراق البرلمان الأوروبي للتأثير على تقاريره وقراراته لصالح الدولتين.
وتمكنت السلطات الأوروبية من حجز 600 ألف يورو في منزل أحد المشتبه بهم، ومئات الآلاف من اليورو في حقيبة مصادرة من غرفة فندق في بروكسل، ونحو 150 ألف يورو في شقة تابعة لعضو بالبرلمان الأوروبي.
أما من يوصف بالعقل المدبر للفضيحة، وهو الإيطالي بيير أنطونيو بانزيري، عضو البرلمان الأوروبي السابق فقد صادرت الشرطة منه 700 ألف يورو في منزله، وهو أيضًا رهن الاحتجاز.