الرئيسية

أصابع الإدارة على الزناد.. إجراءات انتقامية تلاحق كاشفي الفساد

توصل مصطفى زروال يوم فاتح نونبر الجاري بخبر وضع مدير المستشفى الإقليمي السلامة، بقلعة السراغنة، شكاية ضده بتهمة التشهير، وذلك على خلفية نشره مساء 28 أكتوبر الماضي، خلال تواجده رفقة أحد أقاربه بالإنعاش، صورة من قسم المداومة مرفوقة بتدوينة على حسابه الشخصي على منصة فيسبوك يصف فيها "تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وغياب الكراسي إلى جانب الإضاءة الخافتة والضغط الذي تعرفه المصلحة في ظل وجود طبيبة مداومة واحدة وممرض واحد".

سامي صبير

يقول المدون والناشط الحقوقي زروال في تصريح لمنصة هوامش “علمت من بعض الأصدقاء العاملين بالمحكمة بوضع شكوى ضدي من طرف إدارة المستشفى بتهمة التشهير، رغم أن التدوينة لم تستهدف أي شخص بإسمه أو صفته وكان بالأحرى إصلاح الوضع عوض متابعتي”.

أعادت متابعة الناشط الحقوقي للأذهان واقعة ما عرف إعلاميا بـ “فضيحة مول الزفت” التي شهدتها مدينة جمعة سحيم سنة 2016، حيث تم اعتقال الشاب عبد الرحمان المكراوي، بعد نشره مقطع فيديو يفضح التلاعب في صفقة تعبيد أحد الشوارع، والتحقيق معه ثم الإفراج عنه. 

كما أثارت هذه الواقعة نقاشا واسعا في مواقع التواصل الإجتماعي، ودفعت عددا من الهيئات الحقوقية والمدنية إلى الإحتجاج على متابعة مصطفى زروال، واعتبارها محاولة للتستر وقمع فاضحي الفساد. نقاش رافقه تداول صور تكشف تردي الخدمات المقدمة للمواطنين بالمستشفى المذكور، كما أعاد إلى الواجهة موضوع الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد في المغرب.

بين زروال والمكراوي وآخرين سيناريو يتكرر

ثلاث سنوات مرت على اعتقال الشاب عبد الرحمان المكراوي، بسبب دعوى قضائية تقدم بها المجلس الجماعي لجمعة سحيم بإقليم آسفي سنة 2016، بعد نشره لمقطع فيديو يكشف فيه ما عرف بـ”صفقة الزفت المغشوش”؛ ليتكرر السيناريو بعد اعتقال الدرك الملكي الشاب جواد مجاهد، بجماعة ثلاثاء لولاد التابعة لإقليم سطات سنة 2019، إثر تصويره ونشره لمقطع فيديو داخل أحد المستودعات يوثق عملية تفريغ كميات من الدقيق المدعم في أكياس إحدى الماركات المسجلة بغرض إعادة بيعه، ليتحول من فاضح للفساد إلى متهم، وذلك قبل التراجع عن متابعته والإفراج عنه.

نفس الأمر يتكرر، بعد مرور ثلاث سنوات أخرى، حيث رفع مدير المستشفى الإقليمي لقلعة السراغنة دعوى قضائية، مطلع نونبر الجاري، ضد المدون مصطفى زروال بتهمة التشهير؛ هذا الأخير أكد خلال لقائنا به أن نيته كانت “أن تنتبه إدارة المستشفى للوضع وأن تتداركه ولكن للأسف فوجئت برفع شكاية ضدي” مضيفا “ما يعيشه المرضى داخل المستشفى من واقع مزر سبق أن نشره المجلس الأعلى للحسابات في تقرير مفصل”.

وبالفعل أصدر المجلس الأعلى للحسابات، سنة 2018، تقريرا مفصلا تناول الاختلالات التي يعرفها المستشفى الإقليمي السلامة بقلعة السراغنة. ومما جاء فيه بخصوص وحدة المستعجلات “ضيق الفضاء المخصص لاستقبال المرضى، مما يؤدي إلى حدوث ازدحام على مستوى المدخل، وعدم توفر قاعة الفحص على الوسائل الضرورية من أجل عزل الحالات المعدية”؛ بالإضافة إلى مجموعة من النقائص وهو الأمر الذي وثق استمراره الناشط الحقوقي زروال في تدوينته.

“حق أريد به باطل!؟”

تدوينة زروال كانت موثقة بالصور من عين المكان؛ ولكن الغريب، بالنسبة له ولمن يساندونه، أن الرد كان بالمتابعة القضائية بتهمة التشهير. يقول “تدوينتي كانت خالية من الإشارة إلى شخص المدير أو صفته بالإضافة إلى أن هناك إجماعا على تردي الأوضاع داخل المستشفى، ولكن للأسف نواجه ونجابه بمحاولة إسكات أي شخص حاول تسليط الأضواء على الاختلالات والنواقص باللجوء إلى مسطرة التشهير”. 

ويعتبر القانون الجنائي المغربي جريمة التشهير كل ما من شأنه المس بالحياة الخاصة للأفراد والسب والقذف في حقهم، مع الإشارة إليهم بالإسم أو الصفة، حيث ينص في الفصل 447، على أنه “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”.

واعتبر الناشط الحقوقي عمر أربيب، في تصريح لهوامش، أنه “يتم في الواقع تكييف مفهوم التشهير حسب الأهواء، فغالبا ما لا يتم تفعيل جنحة التشهير إذا كان الضحية صحافيا أو ناشطا حقوقيا أو سياسيا أو نقابيا مدرجا ضمن المعارضين لخطاب الدولة، والذي قد يصل الحد في التشهير به إلى المس بسمعته الشخصية وسمعة أسرته ونشر الأضاليل بمواقع أصبحت تحترف ذلك؛ في حين تتم متابعة مواطن حول شريط يوثق انتهاكات صريحة للأشغال في طريق أو قنطرة عمومية تنهار، ليبقى فضح الفساد ونهب المال العام مجرّما”.

وأضاف أربيب أنه من “الأكيد أن الهدف من المتابعات هو تكميم الافواه، والتحكم في الفضاء الرقمي والإعلامي، بعد التحكم والسيطرة على الفضاء العام بأساليب القمع، وتغليب المقاربة الأمنية في كلا الحالتين”؛ مشيرا إلى ضرورة توفر “ضمانات قانونية تحمي المبلغين عن احتمال ارتكاب انتهاكات أو جرائم من طرف القائمين على إنفاذ القانون والمسؤولين في مواقع القرار”.

وقامت منصة هوامش بعدة محاولات للاطلاع على موقف إدارة المستشفى الإقليمي، ولكن تعذر علينا مقابلة المدير. وبعد أن تمكنا من التواصل معه هاتفيا أكد لنا أن الأمر يتطلب الحصول على رخصة من المندوبية الإقليمية للصحة قبل الإدلاء بأي تصريح. وخلال مقابلتنا للمندوب الإقليمي وجهنا بدوره إلى وزارة الصحة من أجل الحصول على ترخيص له بالحديث إلينا؛ بعدها بعثنا بطلب عبر البريد الإلكتروني الرسمي للوزارة من أجل السماح لنا بإجراء المقابلة إلا أننا لم نتوصل بأي رد.

من المتابعة القضائية إلى المتابعة الإدارية 

لا تختلف وقائع قصة زروال عن ما حدث لأحمد أرفود، الذي يعمل أستاذا في سلك التعليم الإبتدائي، بجماعة أولاد علي التابعة لإقليم السراغنة. فقد تمت مساءلته هو الآخر بناء على تدوينة ساخرة نشرها عبر حسابه على منصة فايسبوك يوم 20 شتنبر الماضي. تدوينة وصف فيها الوضع المتهالك للأقسام، وغياب المرافق الصحية، وطريقة تسيير المؤسسة التعليمية التي يشتغل فيها؛ مرفوقة بصورة تظهر وضعية القسم.

يوم 27 أكتوبر الماضي وجهت نيابة التعليم استفسارا للأستاذ أحمد أرفود، بشأن مراسلة لمدير المؤسسة بتاريخ 21 من نفس الشهر، أي بعد مرور شهر على نشر التدوينة، بدعوى قيامه بعدة “تصرفات لاأخلاقية ولاتربوية اتجاه الوحدة المدرسية التي يشتغل فيها والمس بكرامتها دون حياء، والتعدي على ممتلكات المؤسسة والمساهمة في إهانتها والنيل منها” من خلال تصوير حجرة الدراسة بطريقة ساخرة وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعليقا على قرار لجوء المدير الإقليمي للتعليم بقلعة السراغنة إلى متابعة أرفود إداريا، استغرب إدريس بحماد، الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي (FNE)، في تصريح لمنصة هوامش، (استغرب) القرار وكيف تحول المعني بالأمر إلى متابع إداري عوض الإشادة بعمله على كشف سوء التدبير واصفا ذلك بـ “محاولة لتكميم الأفواه، ودفع الآخرين إلى التراجع عن التفكير في كشف الأوضاع المزرية للفضاءات التي يشتغلون فيها”؛ مضيفا “أنه كان يفترض من المديرية الإقليمية معاينة وضعية المؤسسة التعليمية التي نشر الأستاذ صورها، والوقوف على الوضع المتردي والاختلالات التي تعيشها، عوض متابعته بناء على مراسلة للمدير، رغم أن الصورة كانت تتحدث عن نفسها”.

وتبعا لذلك أصدر المكتب الإقليمي لنفس النقابة، بلاغا يصف فيه الإجراء المتخذ ضد الأستاذ تضيقا واعتداء على حرية التعبير والنشر، وأيضا محاولة للقمع والترهيب؛ مشيرا إلى أنه لا يوجد أي مرجع قانوني يجيز للمديرية التلصص على الصفحات الشخصية بمواقع التواصل لموظفيها.

وأفاد المكتب النقابي أنه كان الأجدر بالمديرية التدخل لتصحيح الوضع، والقيام بالمهام المنوطة بها، خدمة للصالح العام ومصلحة المتعلمين، عبر إصلاح الأرضية المتهالكة والجدران المتآكلة للقسم.

ومن جهته اعتبر المدير الإقليمي للتعليم، خلال لقائنا به، أن المسألة تتعلق بمسطرة إدارية عادية، ورفض الإدلاء بأي تصريح في الموضوع.

“حملة انتقامية وطرد”

ليست حالة الأستاذ أحمد أرفود الحالة الوحيدة التي يتعرض فيها كاشف للفساد للمتابعة الإدارية، فبعد مرور سنتين على “فضيحة” تعرض مجموعة من الموظفات داخل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان للتحرش الجنسي، عقب تقديم أربع موظفات شكايات بشأن تعرضهن للتحرش الجنسي من قبل المسؤول السابق على قسم الشؤون الإدارية والمالية ابتداء من سنة 2014، انطلقت حملة من المتابعة في حق الضحايا والشهود.

وبعد أن أعلنت المندوبية، نهاية سنة 2020، عن تشكيل لجنة وفتح بحث في الموضوع، مع تقدم المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان باعتذار للموظفات ضحايا التحرش، وإحالة الملف على النيابة العامة لإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في القضية، كشفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في العاشر من الشهر الجاري، عن انطلاق ما وصفته بـ “الحملة الإنتقامية في حق المصرحين”.

وحسب بيان، توصلت منصة هوامش بنسخة منه، فقد “عمدت المندوبية إلى توقيف موظف عن العمل كان شاهدا في قضية التحرش الجنسي التي شهدتها المندوبية، كما تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التعسفية في حق موظفة كانت ضمن ضحايا التحرش الجنسي، حيث بعد تعرضها للاستفزازات والتهديد، تم إغلاق مكتبها والعبث بأدواتها المهنية وأغراضها الشخصية، فضلا عن حرمانها من الترقية ومن المنحة الدورية لمدة تفوق السنة، واستعداد الإدارة لعزلها من خلال اتخاذ إجراءات تعسفية تتمثل في تقييم عملها بتنقيط 20/7”.

وأضاف البيان أنه تم اتخاذ عدد من “الإجراءات الانتقامية في حق أعضاء المكتب النقابي، المنضوي تحت لواء النقابة الوطنية لموظفي وموظفات المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، من بينها وضع ستة أعضاء للمكتب في لائحة إعادة الانتشار، من أجل إلحاقهم بقطاعات وزارية أخرى، وهو ما تم بالفعل في حق خمسة أعضاء منهم، في حين ما تزال وضعية الكاتب الوطني للنقابة معلقة لحدود الآن”.

وطالبت الجمعية “بوقف كل أشكال التضييق والانتقام من الموظفين المعنيين، وعدم التمييز في الشغل على أسس غير مهنية، واحترام الحق في الانتماء النقابي وممارسة الحريات النقابية، والتراجع عن كل الإجراءات التعسفية والانتقامية التي تم اتخاذها ضد ضحايا التحرش الجنسي وفاضحيه وضد أعضاء المكتب النقابي”.

ضعف في الحماية وفقدان الثقة

في نفس السياق رصد التقرير السنوي 2021 الصادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وهي هيئة دستورية، حول تشخيص واقع التبليغ عن أفعال الفساد، “وجود ضعف كبير لمعدلات التبليغ عن أفعال الفساد، سواء من طرف سائر الأشخاص الذاتيين والمعنويين، أو غيرهم من الموظفين”، وذلك راجع وفق التقرير إلى عدم الشعور بالأمان والخوف من الضغوطات وأشكال الإنتقام، إلى جانب فقدان الثقة وضعف الوعي بالضرر الذي تلحقه أفعال الفساد بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للبلاد.

وأشار التقرير إلى “غياب تام للحماية الإدارية من أشكال الانتقام المهني التي يمكن أن يتعرض لها المبلغ عند إقدامه على التبليغ عن أفعال الفساد”، كما تم الوقوف على القصور الملحوظ في الإجراءات والآليات الضرورية الضامنة لفعالية حماية المبلغين، خاصة ما يتعلق منها بغياب منظومة مؤسساتية متكاملة تضم جهازا مستقلا يضطلع بالسهر على توفير ضمانات الحماية لفائدة ضحايا الانتقام المحتمل من التبليغ.

وأضاف التقرير أن “تدني منسوب الثقة في المؤسسات ومصداقية السياسات العمومية يأتي في مقدمة الأعطاب، التي تحول دون انبثاق التزام فاعل للمواطن في محاربة الفساد والتبليغ عنه”.

وأكدت نتائج البارومتر العالمي الخاص بإفريقيا، برسم سنة 2019، أن 74 في المائة من المستجوبين المغاربة اعتبروا الحكومة غير فعالة في مكافحة الفساد، مقابل 13 في المائة أقروا بفعاليتها.

وفي هذا الشأن تقدمت منظمة الشفافية المغرب – ترانسبرانسي بمذكرة أولية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش تدعو من خلالها إلى مراجعة قانون 2011، المتعلق بحماية ضحايا وفاضحي الفساد، وكذا مراجعة القانون رقم 13-31، المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، برفع الاستثناءات العديدة غير المبررة، وخاصة إلغاء الردع من خلال الملاحقة الجنائية لمستعملي المعلومة في حالة ما لم ترق للإدارة المعنية، واعتبرت المنظمة أن “نتائج تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بعد ست سنوات من اعتمادها في دجنبر 2015 أكثر من محبطة”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram