الرئيسية

أولاد تايمة – اعتصام عمال وعاملات تعاونية “صوفيا سود” بعد تشريدهم

الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، للتو وصلت رشيدة، إحدى العاملات الزراعيات الموسميات بتعاونية صوفيا سود، متعبة من طول الطريق وحرارة شمس لافحة، لتنضم إلى زميلاتها وزملائها من العاملات والعاملين المعتصمين أمام مقر التعاونية. أمام مقر تعاونية صوفيا سود، يعتصم ما يقارب 140 عاملة وعامل زراعي موسمي ، وذلك منذ يوم الثالث عشر من شهر أكتوبر، من أجل المطالبة بإعادتهم للعمل و بالحصول على التعويضات المستحقة عن سنين من العمل بهذه التعاونية الفلاحية .

مريم أبروش

“لقد مللت تماطل المسؤولين، المعيشة في غلاء متزايد، ويلزمني أن أسدد نفقات الدواء والمعيشة؛ فبعد خمس وعشرين سنة من العمل بهذه التعاونية أجد نفسي اليوم مشردة في الشارع”. بهاته العبارات تصف رشيدة الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها، بعدما تم تسريحها من العمل دون سابق إنذار ودون أي تعويض. ثم تضيف “غي قلة الصحة اللي ربحت معاهم، الله ياخذ فيهم الحق، حسبي الله ونعم الوكيل”. 

أمام مقر تعاونية صوفيا سود، يعتصم ما يقارب 140 عاملة وعامل زراعي موسمي ، وذلك منذ يوم الثالث عشر من شهر أكتوبر، من أجل المطالبة بإعادتهم للعمل و بالحصول على التعويضات المستحقة عن سنين من العمل بهذه التعاونية الفلاحية .

برّاكة” الاعتصام

على بعد 44 كيلومترا من مدينة أكادير، وتحديدا بمنطقة أولاد تايمة بهوارة إقليم تارودانت، أمام التعاونية الفلاحية SOFIA SUd (صوفيا سود)، يعتصم عشرات من العمال الزراعيين، عمال وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين دون عمل ولا تعويضات عن سنين قضوها في خدمة هذه التعاونية الفلاحية، قبل أن ترميهم للشارع دون أي سابق إنذار بذريعة أنها تعاني من أزمة مالية خانقة.

على جانب الطريق الرئيسية، وغير بعيد عن جماعة سيدي بوموسى، أقيمت “برّاكة” (كوخ) صغيرة أمام مقر تعاونية “صوفيا سود” بأولاد تايمة. هذه “البرّاكة” هي “مقر” عشرات من العاملين والعاملات الزراعيات الموسميات الذين يخوضون اعتصاما مفتوحا، بعد أن وجدوا أنفسهم بدون عمل ولا تعويض يذكر؛ “حنا تشردنا للشارع.. مابقاش لينا غي نخرجو نسعاو ..حنا ما بغينا والو بغينا غير حقنا”، بحرقة تصرخ رشيدة، والتي أفنت زهرة شبابها في خدمة التعاونية، لتخرج من بعد كل هاته السنوات بجملة من الأمراض المزمنة دون أي تعويض، موضحة أن السيل قد بلغ الزبى، وبأنه لا مجال التراجع دون انتزاع حقوقهم المهضومة.

يعتصم ما يقارب 140 عاملا وعاملة موسميين أمام مقر التعاونية، منذ أكثر من أسبوعين إلى حدود يوم الثلاثين من الشهر الجاري، وكلهم إصرار على مواصلة النضال من أجل انتزاع حقوقهم، “نحن لا نريد بهم أي سوء، نحن مسالمون، كل ما نطالب به هو تعويضنا وحسب.” هكذا يصرخ أحد العمال.

عمال مشردون ومسؤولون يماطلون

فور وصولنا، التقينا بحسن الحويجب، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي فرع أولاد تايمة، الذي تحدث إلينا عن سبب الاعتصام وأصل المشكل؛ يقول الحويجب “بدأ الإشكال منذ السنة الماضية، حين استيقظنا ذات صباح على خبر توقف عمل المحطة بشكل مفاجئ، دون تقديم أي إنذار أو إشعار للعمال والعاملات، ولا لمندوبي الأجراء ولا حتى للنقابة. لم يتم إخبارنا بأي شكل حتى فوجئنا بأنهم لم يجلبوا السلع (الحوامض) للتلفيف، بذريعة أن التعاونية تمر من أزمة مالية خانقة وبأنها على حافة الإفلاس”. 

تقاطع رشيدة حديثنا، وبنبرة انكسار ممزوجة بغضب تقول: “لقد تم رمينا إلى الشارع دون إنذار ولا تعويض، ونحن الآن غارقون في ديون لا ندري كيف نسددها، لقد تشردنا.. لقد تشردنا..حسبي الله ونعم الوكيل”.

يسترسل الحويجب في حديثه إلينا “عقدنا العديد من اللقاءات على المستوى المحلي والإقليمي، وكذلك لقاءات مع مندوبية التشغيل بتارودانت، وتوصلنا السنة الماضية لحل مؤقت يقضي بأن يأخذ كل عامل وعاملة سلفا بمبلغ قدره 1000 درهم في السنة بمجموع 160 عاملا وعاملة موسميين و50 عاملا رسميا يشتغلون بالتعاونية”. 

ويضيف قائلا: “في بادئ الأمر، تعامل العمال مع الوضع بنية حسنة، على أساس أنهم سيصبرون لسنة كاملة مقابل 1000 درهم كسلف، على أمل أن يجد مسؤولو التعاونية حلا جذريا لهذه المعضلة؛ إلا أنه وفي بداية سنة 2022 قمنا بمراسلة رئيس التعاونية والمسؤولين عنها، لإيجاد حل لهؤلاء العمال والعاملات، وبالفعل انعقد على إثر هذه الرسالة لقاء على مستوى دائرة أولاد تايمة، وكذلك على مستوى قيادة عين شعيب، إلا أن المسؤولين عن التعاونية ما زالوا يماطلون كالعادة دون تقديم أي حل ملموس”.

ما وصفه الحويجب، وما يصفه المعتصمون بالتماطل والوعود الواهية دفع العمال والعاملات إلا الخروج للدفاع عن حقوقهم، خاصة في غياب أي فرص للعمل وضياع لحقوقهم القانونية. 

لقمة عيش مرة

يتوزع المعتصمون على فريقين، فريق العاملات الزراعيات وهؤلاء يعتصمن أمام مقر التعاونية نهارا، ليستلم الدور عنهن فريق العمال الزراعيين الذين يعتصمون طول الليل. ويمكنك  أن تسمع أصوات العاملات وهن يصرخن بحرقة وقهر “الباطرونا حميتُوهُم والعمال شردتوهم.. لباطرونا حميتوهم والعمال شردتوهم.”

تحدثنا مع السعدية، إحدى العاملات الموسميات بالتعاونية، في لحظة قهر وغضب تصرخ قائلة: “لن أتزحزح من هنا ولو أعدموني، ولو هددوني بالسلاح، ليس لدي ما أخسره، هذا حقي ولن أتنازل عنه أبدا.” 

عملت السعدية بالتعاونية لما يزيد عن خمس وعشرين سنة، أفنت عمرها في تغليف البرتقال بهذه التعاونية؛ وبالرغم من عدم استجابة التعاونية الفلاحية لمطالبهم في توفير وسيلة نقل آمنة، لم تتوانَ السعدية عن المجيء والعمل رغم الظروف القاسية وطول ساعات العمل. 

تقول السعدية في هذا الصدد، “لقمة العيش مرة، فما عسانا نصنع، لقد كنا نأتي من بيوتنا مشيا على الأقدام لمسافات طويلة، معرضات أنفسنا لشتى أنواع الخطر من تعرض للسرقة أو الاعتداء من قطاع الطرق؛ لكن ليس بيدنا حيلة، لا أحد سيقدم لي كسرة خبز إذا توقفت عن العمل؛ هذا مصدر رزقي الوحيد بالرغم من كل هذه الظروف.”

تنادي علينا فاطنة التي لا تستطيع الوقوف بسبب مرض على مستوى الركب، لذلك فهي تفترش حصيرا. هذه المرأة التي تبلغ 57 سنة من العمر، عملت بالتعاونية مدة 20 سنة والآن تجد نفسها بدون عمل ولا تعويضات، تقول: “لا نطلب أي شيء خارج عن القانون، ولا نريد لرئيس التعاونية السجن ولا أي مكروه كل ما نطالب به هو حقنا.”

حديث فاطنة إلينا شجع زميلاتها على البوح. انضمت إلينا عتيقة، أم لثلاثة أبناء، والمعيلة الوحيدة للأسرة بعدما أجرى زوجها عملية على مستوى القلب. بدأت عتيقة العمل في التعاونية للمرة الأولى وهي ما تزال طفلة لم تتجاوز اثني عشر ربيعا، فمنذ 1986 وهي تعمل كعاملة زراعية في تغليف البرتقال؛ وبالرغم من أن مدخولها كان زهيدا للغاية، إلا أنها كانت تصبر على الوضع وتأمل أن تتحسن وضعيتها مستقبلا.

“خذانا لحم ورمانا عظم”

يؤكد المعتصمون أن التعاونيات الفلاحية وكذا الضيعات الفلاحية تفضل توظيف الشباب؛ وذلك راجع لحاجتهم لعمال يتمتعون ببنية جسمانية وحالة صحية جيدة، قصد تحمل عناء العمل المضني. كما أن الضيعات ومحطات التلفيف عادة ما ترفض استخدام العمال والعاملات الذين تجاوزوا 40 سنة؛ الأمر الذي يعتبره المحتجون استغلالا بشعا لصحتهم، إذ أنه وحالما يتعرض أحدهم لمرض بسبب انعدام الظروف الملائمة للعمل أو كبر أحدهم سنا، يتم الاستغناء عنه بشكل متحايل دون أي تعويض يذكر.

تقول السعدية “خدمو بينا مللي كنا صغار، ومللي كبرنا ومرضونا لاحونا”، وتضيف قائلة بحرقة “لم يعد يقبلنا لا للحوار ولا للعمل، عملنا في حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ولم نشتك يوما، لم يوفر لنا النقل وصبرنا؛ العديد من النساء تعرضن للسرقة والتحرش بل وللاغتصاب ولم نتكلم، نخرج بعد منتصف الليل من التعاونية ونعود إلى بيوتنا في طريق عبارة عن خلاء، ومع ذلك صبرنا، لقد طردنا للشارع. 

وتختم حديثنا بمرارة “شرفنا ومرضنا فين غادي نمشيو، نمشيو نطلبو؟ هاد الراجل حكرنا، بغا اخدمنا مرحبا، مابغاش اعطينا حقنا ونمشيو”، مؤكدة أنها لا تملك ما تخسره، “ليس لي لا ابن ولا ابنة، والآن أصبحت بلا عمل ولا دخل مادي”، تقول السعدية.

جل هؤلاء العمال والعاملات يفوق سنهن الخمسين سنة، أفنوا زهرة شبابهم في خدمة هذه التعاونية، وخرجوا في نهاية المطاف بحقيبة أمراض مزمنة من ارتفاع ضغط ومرض السكري وهشاشة في العظام وأعطاب في المفاصل. وحتى حين يحاول بعضهم دق أبواب تعاونيات ومصانع أخرى يتم رفضهم. فمحطات التلفيف تبحث هي الأخرى عن فتيات صغيرات في السن لتكرار نفس السيناريو.

من قلب هذا الاعتصام، يوضح لنا حسن العجيلي، مندوب الأجراء، والذي اشتغل بالتعاونية لما يزيد عن الثلاثين سنة، أنه “طول هذه السنوات اشتغل العمال في ظروف هادئة، لم يحاولو افتعال المشاكل ولطالما حافظوا على السلم الاجتماعي، رغم عدم توفرهم على العديد من الحقوق البسيطة والتي على رأسها وسيلة النقل”.  

ويضيف محدثنا “بالرغم من كل هذه الانتهاكات، إلا أننا كنا دوما محافظين على سمعة المحطة والتي تعد من أحسن المحطات في المنطقة على مستوى الإنتاج، وكنا محافظين على السلم الاجتماعي وسيرورة العمل. لكن الصبر قد نفذ ولم يبق لنا من حل سوى الاعتصام رفضا لما نتعرض له من قهر وظلم”.

العمال يشككون في ادعاء الإفلاس 

يكذب العمال ادعاء التعاونية الإفلاس، والدليل أنها ما تزال تشتغل ليومنا هذا. ويؤكدون أن التعاونية ما تزال تنتج البرتقال، إلا أنها ترسله ليتم تلفيفه في محطات تلفيف أخرى، أضف إلى أن التعاونية بدأت في تأجير ثلاجات التخزين الخاصة بها لفائدة تعاونيات أخرى مختصة في إنتاج البطاطس. 

ويؤكد الكاتب المحلي للنقابة الوطنية حسن الحويجب أن “الإفلاس ما هو إلا ادعاء، فالتعاونية ما تزال تشغل عمالا رسميين في ظروف طبيعية، إضافة على أنها تؤجر المجمدات لفائدة تعاونيات أخرى، وتستعملها في تخزين البطاطس؛ علما على أنها على المستوى القانوني تشتغل في الحوامض وحسب”.

وحسب نفس المتحدث فإن “هذا يؤكد أن التعاونية لا تمر من أزمة مالية، بل تحاول التملص من واجباتها أمام عمالها وعاملاتها”. ويضيف قائلا “كيف سنصل لحل مادام المنتوج الرهين بتشغيل العمال والعاملات يتم تحويله إلى محطات أخرى؛ وكيف سنصل لحل والتعاونية تؤجر مجمداتها لجهات أخرى؟”.

منذ أن بدأ اعتصام العمال والعاملات أمام التعاونية، وهم يتعرضون لضغط من طرف السلطات، قصد إخلاء “البراكة” وفض الاعتصام. يوضح الحويجيب في هذا الصدد قائلا “إن الاعتصام حق مشروع في القانون المغربي. وقد تعرض العمال للتهديد من طرف موظف بالعمالة، حضر عشية يوم السبت الماضي ليهددهم ويأمرهم بإخلاء المكان وفض الاعتصام، إلا أننا نصر على الدفاع عن الحق مهما كان الثمن، فالعمال وعلى مدار سنين من العمل بالتعاونية لم يخرجوا يوما في اعتصام أو مظاهرة، مما يدل على أن السيل قد بلغ الزبى، وأن العمال لن يتحملوا مجددا الظلم والقهر بعد سنين من الصبر”.

ويضيف الحويجب قائلا: “الاعتصام حق فهو وسيلة للضغط، وما نطالب به مشروع وطبيعي. نحن نطالب بحوار جاد مع كل المتعاونين بالتعاونية، لندرس إمكانية إعادة تشغيل هؤلاء العاملين والعاملات، أو أن يتم تعويضهم عن سنوات عملهم. وهذا حل واقعي ومنطقي ومشروع. نحن مستعدون دوما للحوار، لكن في ظل هذا التجاهل سنقدم على كل الأشكال النضالية، حتى تحقيق كافة المطالب المشروعة”.

وقصد مقاربة الموضوع بشكل شامل من خلال الاستماع إلى جميع الأطراف المعنية، حاولنا التواصل مع رئيس تعاونية “صوفيا سود” لفهم الموضوع بشكل أعمق، والاطلاع على الحلول التي تقترحها التعاونية، إلا أنه لا تجاوب لحدود اللحظة، رغم تحديده لموعد من أجل اتصال هاتفي مع هوامش، إلا أن هاتفه ظل مشغولا. وحاولنا التواصل معه مرة أخرى، إلا أنه تعذر علينا الوصول إليه ونقل روايته.

الشمس تشارف على المغيب، وبدا الإرهاق واضحا على وجوه العاملات اللواتي يتأهبن لمغادرة المعتصم، بعد يوم طويل تحت وطأة شمس حارقة. بدأ زملاؤهن (الرجال) يتوافدون ليستلموا المناوبة، سيقضون الليلة هنا يحرسون ‘البراكة” ويحرسون معها آمالهم بالإنصاف. 

نحن أيضا نستعد للمغادرة، تودعنا العاملات بالدعاء والأمل، نظراتهن تمزج بين الإحساس باليأس بسبب تماطل المسؤولين وبين الشعور بأن صوتهم الذي استأمنونا عليه سيصل ويحدث فرقا. 

على طول الطريق، بين أولاد تايمة وأكادير، تنتشر ضيعات فلاحية ومزارع تشغل عمالا وعاملات، وشأن معظمهم كشأن المعتصمين أمام مقر تعاونية صوفيا سود، فجأة يجدون أنفسهم بلا عمل ولا تعويضات عن سنوات الكد ولا فرصة عمل أخرى، لذلك يقعون ضحية لتجاوز أو التلاعب بالقانون أو فريسة غياب قوانين تحمي هذه الفئات التي تكدح طول عمرها كي تحافظ فقط على هشاشة وضعها.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram