الرئيسية

هوامش تحاور يونس أوعلي.. أصغر حائز على جائزة كتارا للرواية

"لم أولد بقرية فيها كتب بيد أنني، كما قالت مود كيسيي، ولدت بقائمة قراءة لن أنتهي منها أبدا. لقد علمتني القرية معنى أن أكون راويا". بهذه الجملة يقربنا يونس أوعلي من مساره نحو الكتابة، مسار توج بالفوز بجائزة كتارا للرواية العربية، في دورتها السابعة سنة 2021، عن روايته " أحلاس، ذاكرة أليمة المدى". لينال بذلك لقب أصغر متوج بالجائزة منذ افتتاحها. القرية التي تقع على هامش الخريطة، حيث لا كتب ولا مكتبات هناك، لم يكن يونس يدري بأنها ستمنحه دفعة قوية، وستزرع بداخله البذرة الأولى لكاتب يروي الحكايات ويخلق الاستثناء.

مريم أبروش

يقال بأن الكاتب الجيد هو بالضرورة قارئ جيد، وهو الأمر الذي يؤكده يونس لمنبر هوامش في لقاء خاص. يقول “لم أكتب من أجل أي شيء، كانت الكتابة عرضا جانبيا للقراءة. وحين تلقيت خبر التتويج بجائزة كتارا، قفزت إلى ذهني أشياء كثيرة، حكايات الجدة وقصاصات الجرائد كانت إحداها، إذ إنني لم أكن أتوقع أن الطفل الذي كان يقرأ أخبار الكتّاب على الجرائد، سيصير تتويجه خبرا على صفحاتها. كما لم أكن أحلم قبل ذلك أن أتحول من شخص يقطف الحكايات من فم الجدة إلى شخص يسردها”. 

طفولة على الهامش

ولد يونس نهاية خريف سنة 1997 في قرية نائية قرب مدينة ميدلت. ترعرع وكبر شأنه شأن سائر أطفال القرية. خلقت ظروف القرية الاستثناء في مسار يونس منذ نعومة أظافره، إذ لم يكن في البيت كتاب واحد، بل يكاد يجزم أن بيوت القرية كلها كذلك. فالقرية لم تدفعه إلى قراءة الكتب والروايات، لكنها دفعته نحو مشاهدتها في حقول القمح وبين الأشجار، وفي مراقبة المعيش اليومي للفلاح الذي يحرث أرضه، والراعي الذي يرعى قطيعه، وربة البيت التي تحمل العشب والحطب فوق ظهرها.

لم يبدأ يونس بقراءة قصص جحا ومجلة ماجد والعربي، كما يفعل الصغار عادة، بل بدأها مباشرة مع الجرائد. حرص يونس على جمع الجرائد من تحت أشجار التفاح دُبر كل موسم جني، حيث كان العمال يستعملونها لتغليف الصناديق. يحكي يونس لمنصة هوامش بابتسامة يستذكر بها طفولته “ولدتُ في قرية نائية يصعب فيها الحصول على قصص الأطفال. لذلك كنت أعوضها بالجرائد التي أجمعها. كانت بالنسبة لي بوابة أنظر من خلالها إلى العالم، فأقرأ منها بشغف كبير ما خطته أيادي المبدعين في ملاحقها الثقافية. لقد كانت وسيلة لإشباع شغفي المبكر بالقراءة، دون أن أعرف حينها بأن القدر يوجهني بالتدريج نحو الانشغال بالأدب قراءة وكتابة”. 

واظب يونس على قراءة الملاحق الثقافية، فكانت تلك الزاوية جزأه المفضل من الجريدة، يقرأ منها الشعر والقصة والخواطر، ويطلع من خلالها على جديد الثقافة وإصدارات المبدعين وأخبارهم. شغفٌ لم يكن يدري إلى أين سيفضي به.

صحيح أن البيت لم يكن يتوفر على كتب، لكن كانت به حكواتية مميزة، لم يستشعر جمالية القصة إلا معها. لقد لعبت الجدة دورها الكامل في حياة يونس، إذ كانت هي الحاضنة والحكواتية.  فحينما تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير في فصل الشتاء، كانوا يجتمعون حول الفرن الخشبي، تدفئهم حكايا الجدة الخيالية، لتروض خياله وتدربه على التحليق. لقد منحته حكايا الجدة ما يحلو ليونس أن يصفه بـ”البساط السحري”. يحكي يونس “كانت الأقدار لطيفة معي، فكانت جدتي حينذاك ما يمكن أن أشبهه بشهرزاد الأمازيغية، فقد كانت تعرف كيف تبني قصصها ببساطة وإتقان شديدين، وتمارس الحكي كما لو أنها تمارس نشاطا دفاعيا تجابه به العزلة والملل وبرودة الأجواء”.

اللقاء الأول بالكتاب

لم يقرأ يونس رواية إلى أن وصل في تعليمه إلى المرحلة الإعدادية. ففي سنته الثالثة إعدادي قدم له القدر روايةً كانت هي بوابته إلى عالم قراءة الأدب من أوسع أبوابه. رواية “محاولة عيش” لكاتبها المغربي الراحل محمد زفزاف، كان اللقاء الأول مع صفحات تترجم خيال كاتب يبعد عن يونس بمئات الكيلومترات وعشرات السنين، إلا أنه وللمرة الأولى استشعر أثر ما وصفه بـ”سحر الرواية”. 

يحكي يونس “كان لرواية محاولة عيش أثر السحر على حياتي، لقد رافقت البطل حميد في رحلة محاولته للعيش في هامش يكتب عنه زفزاف ببراعة منقطعة النظير، وعشت حياة سكان «البرّاكيات» وصراعهم من أجل أبسط شروط العيش الكريم”. ويضيف قائلا “لم أقرأ الرواية إلا بعد نهاية الموسم الدراسي، مع أنها كانت جزءا من المقرر الدراسي، لأني أومن بأن القراءة فعل إرادي يتحول في صيغة الأمر إلى وسيلة للتعذيب، فلا أستسيغ فكرة مقايضة فعل القراءة بالمعدل لنصنع جيلا قارئا، لأن كلُّ ما نحتاجه هو زراعة الشغف في الناشئة. غير ذلك، فالأشياء تنتهي عند نهاية ما وجدت لأجله، كأن نقرأ لاجتياز الامتحان فقط”. مثلت تلك الرواية الدفعة ليونس، لتصبح القراءة بعدها طقسا يوميا يقيس به مدى جودة يومه.

انتقل يونس إلى مدينة أكادير، وانفتح على أجناس كتب مختلفة، من روايات ودواوين شعرية وكتب فكرية. يقول في هذا الصدد “فتح لي انتقالي إلى أكادير آفاقا أوسع، فقد وفرت لي الوسائط الإلكترونية من الكتب والمقالات والجرائد ما أروي به شغفي، وأجابه ما تفرضه البيئة الجديدة من عزلة وصعوبة في التأقلم”. قرأ يونس من الأدب العربي، بشكل خاص، ما كان محاطا بهالة إعلامية كبيرة وشهرة واسعة. 

فتحت شهية كاتبنا للقراءة؛ لينتقل إلى اكتشاف الأدب العالمي. بدأ مع روايات الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. في هذا السياق يقول “دوستويفسكي كان ذاك الشخص الذي أنقذني، ومعه اكتشفت نوعا آخر من الأدب، فتعلمت منه كيف يكون الغوص في النفس البشرية بكامل تقلباتها وصراعاتها وتناقضاتها وعلاقاتها بمن حولها؛ وكان بالنسبة لي كما وصفه فرويد: أول إنسان أعطانا فكرة عن الناس الذين هم نحن”.

الأدب الروسي كان بحرا شاسعا ومتفردا تعرف من خلاله يونس على تشيخوف وتوليستوي وغوغول وليرمنتوف وغيرهم من الكتاب الروس. وكان بوابة لمعرفة نوع آخر من الأدب: الأدب العالمي الذي أصبح ينال حصة الأسد فيما يقرؤه. يضيف يونس قائلا “هي روايات لن تستطيع قراءتها دون أن تنتابك فوضى من المشاعر، لأنها روايات خُتمت بطابع يُشهد له بالتفرد بعبارة: صُنع في روسيا”.

خطأ في التوجيه الدراسي

صنع يونس أوعلي لنفسه عالما خاصا ينفرد فيه مع الكتب والروايات، إذ لم تكن القراءة بالنسبة له هواية بقدر ما كانت متنفسا ينقذه من رتابة يومه الدراسي. 

ولج جامعة ابن زهر سنة 2015، وكان من المفروض والمتوقع أن يتخصص في شعبة أدبية تتعلق بعلم الاجتماع أو الدراسات العربية أو الفلسفة أو حتى التاريخ؛ لكن البوصلة أخطأت التوجيه واختار دراسة القانون دون أن يكون شغوفا به. تخصص جعل علاقته أوطد مع الكتب، إذ كان يهرب من تعقيد مراجع القانون ونصوصه إلى رحابة الرواية والشعر والقصة؛ من جفاء لغة القانون إلى جمالية وعمق لغة الأدب والفلسفة وعلم النفس الاجتماعي. يقول “كنت أهرب من الجامعة بعد كل حصة، مبتعدا عن أجوائها وعن بعض الأشخاص ممن يعملون بمبدأ (بضاعتنا ردت إلينا) ويعتقدون أن الحقيقة توجد حصرا في كتبهم، وأن أي اجتهاد من خارجها يعتبر موجبا للرسوب، أشخاص لا يمكنك أن تنال نقطا متميزة في موادهم إلا إذا كُنتَ تقدم خدمات خاصة، كحامل حقائب أو مخبر خاص”.

سرعان ما خلع يونس زي القانونيين بعدما حصل على شهادة الإجازة، ليرتدي معطف الأديب وقبعته وهو بالكاد يقبل على العشرين من عمره، إذ لم يعد يقوى على السير في مسار اختاره، فقط لأنه سمع بأن فرص الشغل فيه متوفرة.

بالموازاة مع رتابة الدراسة، تعرف يونس عن طريق الصدفة على مجموعة “القراء”، وهي مجموعة من الشباب المهتمين بقراءة الكتب ومناقشتها، والذين يلتقون أسبوعيا بمقهى بمدينة أكادير لمناقشة كتب من مختلف المجالات. مجموعة جعلت يونس ينتقل من سحر قراءة الكتب إلى متعة مناقشتها.  يقول “أتاحت لي اللقاءات مع شباب مجموعة ’’القراء‘‘ فرصة التعرف على كتب متميزة في كل المجالات، وفيها قرأت لنيتشه أول مرة، ثم لروسو وكازانتزاكس وهمنغواي وساراماغو وكافكا… وغيرهم الكثير. وأكثر من ذلك، منحتني عيونا أخرى أنظر بها إلى تلك الكتب من زوايا وخلفيات متعددة، وكثيرا ما نبهتني مداخلات الأصدقاء إلى أشياء أغفلتها في الكتب التي ناقشناها”.

 يسترجع معاذ أدب، أحد مسيري مجموعة القراء، في مقابلة معنا، أول لقاء له مع يونس، يقول “التقيته لأول مرة بأحد لقاءات مجموعة القراء بمدينة أكادير، بمناسبة إصداره مجموعة الخواطر ’’جسد بلا روح‘‘. كان اللقاء الأول الذي جعلني أوقن بأن ليونس شيئا عظيما سيضيفه في مجال الكتابة”. وبابتسامة يضيف “يونس شخصية بسيطة ومركبة في نفس الوقت، هو يتميز بشخصية هادئة، مع أنه مرح واجتماعي بشكل رائع”.

لم تكن الكتابة حلما

“أن أكتب لم يكن حلما في الطفولة، وهو ليس شيئا جديرا بالافتخار أكثر من أن يكون المرء قارئا، كانت حادثة قدرية دفعتني إليها الحياة” يقول يونس.

في سنة 2017، تشجع يونس وجمع الخواطر التي كتبها في مراحل متفرقة من حياته في كتاب عنونه ب “جسد بلا روح”. كانت تلك التجربة تمرينه الأول على الكتابة. كما دخل مجال التدوين، ومارس التدوين على فترات متقطعة على منصتي زوايا وساسة بوست. قدم من خلالهما مراجعات ومقالات عن بعض الكتب التي قرأها، والتي أحب مشاركتها مع الآخرين.

بعدما روض الكاتب الشاب قلمه، شرع في تسويد مشروعه الروائي الأول، والذي استنزف من عمره ثلاث سنوات بأكملها. لم يخش يونس أن يتحدى نفسه ولو في التجربة الأولى، فاختار أن يسافر بشخصياتها و أحداثها لبلدان مختلفة، حيث تعدد أمكنة وقوع أحداث الرواية، الأمر الذي تطلب منه الكثير من البحث، خاصة عن خصوصيات أماكن تقع خارج المغرب (كازامانس بالسنغال، الجيزة بمصر، بغداد والموصل بالعراق…). وكذا عن تاريخ قريتي أحولي وميبلادن، ضواحي ميدلت، اللتين تحولتا إلى منطقتين مهجورتين إثر إغلاق شركة المناجم لأبوابها هناك. يقول يونس”ولأني شخص لا يسرف في الكتابة ولا يستعجلها؛ كانت تمر علي أسابيع، بل أشهر، وأنا أقرأ وأبحث دون أن أكتب، وهو ما ساعدني على بلورة تصور شامل منذ البداية عن مسار الرواية، التي تحولت في ما بعد إلى مشروع أعرف جيدا إلى أين أسير به”.

لم تكن مسيرة الكتابة باليسيرة، فقد جمع يونس من أجل روايته ما يكفي من المعطيات والحقائق في فترة كان مطالبا فيها أيضا بإنجاز بحث التخرج بكلية الحقوق. ولم يلبث أن تحرر من الالتزامات الدراسية حتى تفرغ للكتابة التي تطلبت سنتين، إضافة إلى أشهر طويلة من القراءة وإعادة الصياغة، تلتها أشهر أخرى من العمل على تدقيقها لغويا من طرف الأستاذ والشاعر محمد تايشنت، الذي لم يبخل عليه بنصائحه وتوجيهاته. 

“أعتبر يونس أوعلي روائيا حقيقيا” بهذه العبارة يبدأ حديثه، مع هوامش، محمد تايشنت، أستاذ اللغة العربية، والمشرف على التدقيق اللغوي لرواية “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى”. ويسترسل “لقد التقيته أول مرةٍ وهو يداعب فكرةً في ذهنه، يحملها معه أينما ولى وجهه، ويقلبها على وجوهها كلها، ويجعل لها نسلاً ولوداً. إنه مشغول دائما بالأفكار، يدونها، ويبني بها ولها عوالم خاصة”. ويضيف قائلا “حين التقيه أخبرني أنه على وشك أن يكتب أحداثا تجسد فكرةً ما. وهو حريص على البحث في التاريخ، وفي الجغرافيا، وفي الأعلام، والأدب، فتراه يدون تفاصيل كثيرة عن أمكنةٍ قرأ عنها دون أن يزورها، وحين تقرأ تلك التفاصيل ستقسم أن الرجل عاش ردحا غير يسير من الزمن هناك. هكذا هو الروائي، يملك فكرةً، يطورها، ويبحث فيها، ويعيشها”. 

الجائزة وأزمة النشر

لم تذهب ثلاث سنوات من البحث والكتابة هباء، فقد توجت روايته “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى” في النهاية بجائزة كتارا للرواية العربية، بدولة قطر في نسختها السابعة سنة 2021، عن فئة الروايات غير المنشورة وفضلا عن ذلك يكون يونس أصغر من يُتوج بها منذ انطلاقها.

“كنت قد نسيت أنني تقدمت للجائزة، ولم أكن أنتظر نتائجها. في ذلك الصباح، قبل موعد الإعلان، كنت أستعد للخروج، حين شعرت باهتزاز الهاتف في جيبي، كان رقم المتصل غريبا ويحمل رمز اتصال خاص بدولة قطر. لحظتها تذكرت الأمر. وطول الدقائق الفاصلة بين إخباري بالتتويج على الهاتف وتوصلي بالرسالة على الإيميل، وقفت مشدوها غير مصدق. إذ كنت أتوقع أي شيء من الرواية الأولى، إلا أن تتوج بالجائزة.”

في المقابل يؤكد يونس أنه لا يكتب من أجل الجوائز، ويوضح في هذا الصدد “الكتابة كانت دائما، بالنسبة لي، وسيلة أرتاح بها من ضغوط الحياة. أعلم أن جائزة بهذا الحجم لها لجنة مستقلة تختار أجود ما كتب من بين مئات الروايات المرشحة، لكنني لا آخذ الأمر باعتباره إنجازا عظيما، بقدر ما أعتبره دفعة معنوية لمواصلة العمل على مشروعي الأدبي، واعترافا كبيرا بالمجهود الذي بذلته طيلة ثلاث سنوات”. 

منذ سنة 2018، بدأ إلحاح القلم يصر عليه، ليتطور الأمر شيئا فشيئا من مجرد فكرة إلى رواية، فكرة نقل معالمها الكبرى إلى مذكرة صغيرة على شكل عوارض (الأمكنة، الشخوص، الموضوعات، التقنيات، شكل البناء السردي …)، ثم بعدها شرع في التوسع في هذه العوارض بحثا وكتابة. 

قبل الحصول على الجائزة، سلك يونس طريق النشر الوعر، واصطدم بواقع النشر في العالم العربي، خاصة أنها روايته الأولى، إذ كان طموحه حينها يتلخص في الحصول على ناشر «محترم» لا يضيع معه ما بذله من جهد، دون أن يضع في الحسبان أنه قد يشارك في مسابقة ما. 

أن ينشر كاتب روايته الأولى مهمة صعبة جدا، وهذا ما عايشه يونس في طريقه للبحث عن الناشر. فقد أنهى الرواية، لسوء الحظ، في عز جائحة كورونا، حيث شُلّت حركة النشر في الوطن العربي مع إلغاء المعارض الدولية وإغلاق المكتبات، وهو ما جعل من النشر مهمة مستحيلة حينها. وبعد عودة الحياة الثقافية إلى طبيعتها مع بداية العام الجاري، راسل مجموعة من دور النشر، بعضها أجابه بعد مدة طويلة معتذرا عن نشرها، والبعض الآخر لم يكلف نفسه عناء كتابة أي رد لحدود اليوم. وبعد أشهر، وافقت دار نشر مصرية على نشرها شريطة المساهمة ب 700 دولار، في وقت لم يكن بجيب يونس أكثر من 70 درهما. 

يقول يونس “اليوم، للأسف، أصبحت دور النشر تعطي أهمية كبيرة للمترجَم على حساب المؤلَّف، لذلك يجد الكتاب الشباب صعوبة بالغة في نشر أعمالهم، رغم أن بعضا منها قد يهم القارئ العربي، أكثر من أعمال تترجم وتوزع فقط لأن على أغلفتها أسماء غربية”.

رواية “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى”

تناقش الرواية سؤال الهوية بالأساس، وتلقي الضوء على الأعطاب النفسية التي تصيب الإنسان في طفولته، ومدى تأثيرها على قراراته طوال حياته، خاصة من خلال شخصية أحلاّس، شخصية وجدت نفسها تدفع ثمن نشوة عابرة لسيد فرنسي وأم مغربية.. فر كلاهما بعد ذلك إلى قدره، ليجد نفسه وحيدا يجابه قسوة قدره. سيرة هذه الشخصية التي تكتب عنها صديقته بسمة، هي شخصية حافلة بالتناقضات، مخرّبة نفسيا ومحملة بقلق وجودي يدفعها للتساؤل عن جدوى حياة محسوم فيها البؤس سلفا. كل شخصيات العمل تفرقها المسالك، وتوحدها الهشاشة النفسية الموروثة من الطفولة المعطوبة.

يقول يونس عن الكتابة “إن الحمى والأسف والتعلق … وغيرها من المشاعر الإنسانية هي ما يجعل من الأدب شيئا ساحرا، إذ ينقلك، بواسطة اللغة وحدها، من حياتك إلى حياة غيرك كشخصية تعيش داخل سلسلة متوالية من الجمل التي تشكل عالما خاصا، لأن النص الأدبي لا يقرأ عن طريق العقل فقط، بل بالجوارح جميعِها كما تقول الكاتبة الكويتية بثينة العيسى”.

وفي هذا الصدد، يقول محمد تايشينت: “قبل أن أقرأ رواية “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى” حدثني يونس عن فكرتها الأساس، وناقشناها، وكان مؤمنا بهذه الفكرة إيمانا قويا: فكرة الهوية، والانتماء، ومقاومة الحياة، والسعي الدائم إلى ترميم الانهيار، وإصلاح الأعطاب. هي أشياء نعيشها جميعاً بدرجات متفاوتة، لصيقة بنا، وبوجداننا. ولذلك فإن بإمكان هذه الرواية أن تمس وجدان أي قارئ كيفما كان، وأن تحفز إحساسات كثيرةً لديه. بإمكانها ذلك لأن الاشتغال التقني على الفكرة قوي، وهذا وجه آخر لجدارة الروائي بهذه الصفة، أي أن يكون مهندسا بارعاً، تقنياً مُجيداً، خبيراً باللغة وأساليبها، ممسكاً بالبلاغة، عالما بالسرد وطرائقه، وقادراً على ترك دمغته في صناعة المتخيل”.

تمنح القراءة لأوفيائها حياة جديدة، ويكتشفون من خلالها زوايا لا يعرفونها عن الحياة عامة، وعن الإنسان بشكل خاص، وكلما تقدّم القارئ في القراءة عرف أن معرفة هذا الواقع هو، بشكل أو بآخر، طريق لاكتشاف ذاته. وعندما نفهم ذلك لن نستغرب حين يقدم لنا الهامش الجغرافي والاجتماعي نوابغ ومبدعين ومفكرين في شتى المجالات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram