الرئيسية

قهوتك على الطريق.. مشاريع للكفاف لا تؤمن تغطية اجتماعية

يسارع محمد لركن سيارته على جانب الطريق الوطنية رقم 8، ويركنها بشكل متعامد بحيث يفتح صندوق السيارة على الطريق مباشرة، غير بعيد عن نادي الفروسية ببني ملال. يشكل هذا المكان قبلة للراغبين في ممارسة الرياضة أو المشي، فيما يجده العشاق مكانا مناسبا للتعبير عن مشاعرهم وتبادل أطراف الحديث بعيدا عن ضجيج المدينة وزحامها وأعينها أيضا. وحده محمد يأتي هنا لغرض آخر وهو لا يخفي سعادته بتوافد الزوار على المنطقة.

عبد اللطيف المرتضى

يتواجد محمد (30 سنة) يوميا على جانب هذه الطريق، بحثا عن لقمة العيش له ولأسرته المكونة من 3 أفراد، حيث ينتظر زبناءه من مستعملي الطريق والمارة المدمنين على القهوة التي يحضرها بعناية ودقة كبيرتين، ويقدمها في فناجين ورقية بسعر 7 دراهم للفنجان، مع الحرص على نظافة المحيط والمعدات التي يستعملها.

مقهى الأربعة أرجل

يقف محمد بجانب سيارته أو بالأحرى مقهاه المتنقل. يضع على السيارة علامات بعض الشركات المختصة في بيع القهوة. أخبرنا أنه يمتهن هاته الحرفة منذ سنتين. ويبدو أنه اختار موقعه بكثير من الذكاء، بالنظر للكم الهائل من مستعملي الطريق، بالإضافة إلى  مقرات بعض الشركات المتواجدة بالمنطقة الصناعية.

يقول محمد إن “الفكرة تم اقتراحها علي من طرف الأصدقاء خلال الجائحة، ودبرت المبلغ المطلوب وبدأت العمل. رغم أنني كنت متخوفا من عدم نجاح الفكرة، لكن الحمد لله كسبت زبائن أوفياء نظراً لتعاملي الجيد معهم، وحرصي الشديد على جودة القهوة، مما أكسبني سمعة طيبة وسيرة حسنة بين مستعملي الطريق، خاصة المهنيين”.

ويوضح محمد أن مشروعه الصغير يستجيب لطلب مستعملي الطريق بدرجة أولى. “زبائني أغلبهم  سائقون مهنيون، يفضلون القهوة التي نعدها بسرعة، إضافة طبعا إلى العاملين والموظفين الذين يستعملون الطريق بشكل شبه يومي” يقول محدثنا.

لا يجني محمد أرباحا كبيرة من مشروعه الصغير، لكنه يحصل على ما يسد حاجته وحاجة أسرته. يقول “بصراحة مدخولي غير مستقر،  ولكن عموما الحمد لله أستطيع ضمان قوتي  اليومي، رغم كل الإكراهات”.

لم يكن حجم مستعملي الطريق هو دافع محمد الأول، لبدء مشروع المقهى المتنقل، بل انخفاض كلفته مقارنة مع مقهى “قار”. يوضح قائلا “أصبح من الصعب الحصول على محل وسط المدينة، في ظل ارتفاع السومة  الكرائية خصوصا في الشوارع  الرئيسية، بالإضافة إلى مجموعة من التكاليف المرتبطة بالمحل، والضرائب وأشياء أخرى”.

السرعة والجودة

ياسين، أستاذ للتعليم الابتدائي، من الزبناء الأوفياء لمحمد، يقول إنه يفضل تناول القهوة على الطريق، لتوفير الوقت بحكم العمل واستعماله اليومي لهذه الطريق، إضافة إلى السعر الذي يراه جد مناسب، فضلا عن الجودة. ويضيف ياسين “الجميل بالنسبة لي هو عدم ضياع الوقت، أشربها وأنا على الطريق، بالإضافة الى أن التعامل مع هؤلاء البائعين أعتبره إنسانيا، لأنهم لا يتوفرون على محلات، وليس لديهم مدخول قار، ويعيلون أسرا بهذه المهنة. كما أنهم يقدمون القهوة بأقل من أسعار المقاهي داخل المدينة”.

بدوره يحكي سعيد، أحد زبناء محمد، أنه يبدأ يومه بفنجان قهوة، قبل التوجه إلى مقر عمله في المنطقة الصناعية. يقول سعيد إنه أصبح يتذوق المعنى الحقيقي للقهوة. ويضيف “عندما أجلس في المقاهي المتواجدة وسط المدينة، أشعر أنني احتسي شيئا اخر غير القهوة، فالمقاهي في وسط المدينة أصبحت تهتم بالشكل الخارجي للمقهى أكثر من أي شيء آخر”.

الحاجة أم الاختراع

يعد هذا النوع من المشاريع المتنقلة فكرة جديدة في المغرب، إلا أنها متواجدة منذ الخمسينات في الولايات المتحدة. كما أنها شهدت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة في البلدان العربية، التي عرفت نوعا جديدا من المطاعم، حيث أنها غالباً ما تقدم وجبات طعام سريعة وبأسعار غير مرتفعة.

ويزاول البعض هذه المهن للتغلب على صعوبة أوضاعهم الاقتصادية، والهروب من التكاليف التي يتطلبها فتح محل، خاصة في ظل ارتفاع سومة الكراء، ما دفع الكثيرين للبحث عن ابتكار طرق جديدة لمزاولة أعمالهم بعيدا عن دفع سومة الكراء والضراب والرسوم.

وتندرج هذه المهن حسب المفاهيم الاقتصادية تحت مسمى الاقتصاد غير المهيكل. وتشير دراسة أنجزها بنك المغرب إلى أن هذا القطاع يشكل حوالي 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل نسبة كبيرة ومهمة من العاطلين عن العمل، لكن دون توفير أي حماية اجتماعية لهم.

واعتمدت الدراسة، التي نشرت بتاريخ 8 يناير 2021، مقاربات عديدة لتقدير وزن الاقتصاد غير المهيكل، أخذا بعين الاعتبار خصوصيات الاقتصاد المغربي؛ من قبيل هيمنة التعامل النقدي، وحجم القطاع الفلاحي، والتطور المالي.

وتشير خلاصات هذه الدراسة إلى أن الاقتصاد غير المهيكل في المغرب عرف ثلاث مراحل تطور. الأولى تمتد من 1988 إلى 1998، حيث كان يمثل حوالي 40 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ثم انخفض بين سنتي 1999 و2008 إلى ما بين 32 و 34 في المائة، لينخفض إلى 30 في المائة بين سنتي 2009 و2018.

الجواهري ..من الصعب محاربة القطاع غير المهيكل

وأكد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ندوة نظمها صندوق النقد الدولي وجامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الماضية، أنه من الصعب محاربة القطاع غير المهيكل، مشيرا أنه سيبقى موجودا بغض النظر عن السياسات العمومية المعتمدة.

وأكد الجواهري، في الكلمة التي ألقاها أمام حضور طلابي غفير، أن مواجهة ظاهرة القطاع غير المهيكل تبدأ بضمان تعليم بجودة عالية، وتوفير حماية اجتماعية للجميع. مشددا على أن “المواطن الذي يتلقى تعليما جيدا يجد مكانا له في القطاع الرسمي المهيكل”.

وكان الملك محمد السادس قد ترأس، في 14 أبريل 2021 بالقصر الملكي بفاس، حفل تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة به.

ويستفيد من هذا المشروع في مرحلته الأولى، الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية، والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة، أو لنظام المقاول الذاتي، أو لنظام المحاسبة.

وشمل المشروع، في مرحلته الثانية، فئات أخرى في أفق التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية لفائدة كل المواطنين. وينتظر أن يتم تعميم التغطية الصحية في نهاية سنة 2022، للمرور بعدها خلال سنة 2023 إلى تعميم التعويضات العائلية، ثم العمل على تعميم التقاعد خلال 2024-2025.

ولا يزال محمد و أمثاله في وضعية الانتظار كي تتحق فرصة الادماج، والاستفادة من حقوقهم الاجتماعية شانهم شأن البلاد التي تضيع عليها فرص نمو مهمة، لاتمكنها من الانخراط الفعلي في عجلة الإقلاع الاقتصادي .

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram