هوامش| الداخلة- سعيد المرابط
في قلب مدينة الداخلة، تحديدا في شارعها الرئيسي “الولاء”، وبين المستشفى ومندوبية الصيد البحري، يعتصم عشرات الشبان، من ملاك “القوارب المعيشية”، وهي مراكب صيد تقليدي، كانوا يمتلكونها وبواسطتها يمارسون مهنة الصيد، يعيشون بما يجود لهم عبرها هذا البحر الذي يخاصر شبه الجزيرة.
يعتصم هولاء البحارة رفقة أبنائهم ونسائهم، الذين جاؤوا لمساندة من يعيلونهم على الحياة. “حتى لو استمر هذا المعتصم لشهر، لعام أو لأكثر، لن نستسلم، سنستمر، ولكننا لن نتخلى عن حقنا، عن قواربنا، لأنها ليست هبة من أحد، هي نتاج عرقنا، تعب أكتافنا وأجسادنا، وهذا رزق أولادنا؛ والويل ثم الويل لمن سينزع منا ذلك”، يقول بحسرة أحد البحارة المعتصمين.
“حتى لو شنقنا بالحديد لا مشكل لدينا، لكن قواربنا لا، لأنها هي حياتي هي مصدر رزقنا الوحيد”، يضيف بغضب جليٍّ.
من أمام “مندوبية الصيد البحري”، وسط المدينة، ترتفع الشعارات التي صدح بها ملاك ما يعرف بـ”القوارب المعيشية”، وهي قوارب صيد تقليدية، يشتغل عليها أبناء المنطقة، وبواسطتها يكسبون ما يقيهم بؤس الحال، ويمنع عنهم ضنك العيش وخطاطيف البطالة. لكنهم كما يقولون منعتهم السلطات من ممارسة نشاطهم بسبب “عدم توفرهم على ترخيصات ووثائق القوارب”.
في مقابل ذلك، يؤكد هولاء الشباب أن السلطات ترفض الترخيص لهم لأن “هناك لوبيات تقف وراء ذلك، لأنها تريد تقليص عدد القوارب بمصائد الداخلة؛ لتستفيد وحدها”.
ومن قلب هذا المعتصم يشرح ارويجل الشيخ أحمد، رئيس “تنسيقية الشباب الصحراوي ملاك القوارب المعيشية”، في حديث لـلهوامش، “بعد إكمال دراستنا الجامعية، لم نجد ما نشتغل فيه سوى قطاع الصيد البحري التقليدي، فغير ذلك من أنواع الصيد؛ لم نعد حتى نطمع فيه”.
ويوضح الشيخ أحمد، أنهم اضطروا إلى كراء القوارب من “أناس لا تربطهم بالداخلة أية صلة، وهم المتحكمون في زمام القطاع، بعد ذلك فوجئنا بقرار يفضي إلى ضرورة التوفر على ملكية القوارب للاشتغال والصيد، فراسلنا الوزارة وطرقنا كل الأبواب ولكنها كانت موصدة”.
ويقول هذا الشاب الحاصل على شهادة جامعية، أن هذه القوارب المعيشية؛ تعني إسمها فعلًا، فهي المصدر الوحيد للعيش بالنسبة لهم، وتغنيهم عن الاعمال “غير القانونية كالتهريب والمخدرات والاتجار في البشر”.
من هذا المعتصم، وقف أحد الشباب المعتصمين، أمام مجموعة من “ميكروفونات” الصحافة المحلية، يشرح لهم الأسباب التي دفعتهم لإقامة هذا “المعتصم المفتوح”، الذي يجسد كل مساء وقفة احتجاجية منذ 16 يوما.
يقول هذا البحار الشاب، بصوتٍ مهدج وقد علا التعب ملامح وجهه، “نعيش أزمة خانقة هنا في الداخلة، ويمكننا القول أنها صارت تمشي دون إطارات لعجلاتها (على الجانطة)، فاقتصادها توقف لأنها لا تعيش ولا تتنفس سوى بالبحر”.
“نقول لوزارة الصيد البحري، أننا في الانتخابات صوتنا على الحزب الذي يسيرها، أملا في أن نرى نتائج ايجابية وتغييرًا للوضع، ولكن… للأسف، لم نر سوى ما يضر بنا نحن البحارة، وبقطاع الصيد”، يضيف المتحدث ذاته.
ويوضح البحار في معرض حديثه “يقولون أن هذه المدينة هي جوهرة البلاد، ولكنها لا تعيش سوى التهميش، فهي تقوم على الصيد التقليدي، وعندما يتوقف هذا الصيد تتوقف المدينة، ونحن الآن توقفت حياتنا”، مشددًا على أن “الوزارة عليها أن تتجاوب معنا كي تجد لنا حلا، ولا تتركنا معلقين، فالناس هنا لم تعد تجد ما تأكله”.
ويختم البحار كلامه متأثرا ” يقولون لنا أن هذه المدينة جزء من الصحراء المغربية، وأنه علينا أن نعمر الوطن، ولكن إذا منعوا قواربنا المعيشية، أين سنذهب؟ سنعود لمدن الشمال، وأنتم تقولون أنكم تريدون الاستمرار إلى الأمام وتنمية الداخلة، إذن عليكم أن تعلموا أننا لانملك سوى القوارب المعيشية وهي عصب اقتصاد هذه المدينة”.
عضو التنسيقية يحفظو مني قال في تصريح لهوامش “طفح الكيل، لا نملك موردا نعيش منه غير هذه القوارب، التي لا تتعدى خمسمائة قارب، تعيد أزيد من ألف عائلة بالداخلة”.
وناشد المتحدث السلطات من أجل حلحلة قضيتهم وحل مشكلهم مضيفا “500 قارب مشكل بسيط أمام قدرة الدولة، فلم لا يرخصون لنا أو يسمحون لنا بالعمل للعيش في سلام؟”.
وأعادت قضية شباب مدينة الداخلة “ملاك القوارب المعيشية” النقاش حول تصريحات سابقة لمحمد الأمين حرمة الله، عضو المكتب السياسي لحزب “التجمع الوطني للأحرار” ومنسق الحزب في جهة الداخلة وادي الذهب، التي قال فيها، إبان فترة حكومة “العدالة والتنمية”، إن “وزير الفلاحة والصيد البحري، لا يمكن له، ولا لأي وزير أن يتخذ قرارًا دون الرجوع لرئيس الحكومة”.
واليوم، يتساءل متداولو الشريط الذي يوثق لتلك التصريحات، عن سبب “إحجام حرمة الله، عن التدخل لحلحلة ملفهم المطلبي، لاسيما وأن الحزب الذي يمثله الآن بالجهة هو الذي يترأس الحكومة، والوزير السابق للصيد والفلاحة هو ذاته رئيس الحكومة”.
الداخلة، لؤلؤة المحيط والوادي، مدينة تقع في أقصى جنوب الصحراء، على بعد 400 كيلومتر شمال الحدود الموريتانية، وحوالي 600 كيلومتر من العيون، يزيد عدد سكانها قليلاً عن مائة ألف نسمة.
المدينة مشيدة على شبه جزيرة بارزة من البر الرئيسي، على خاصرة المحيط الأطلسي، بحوالي 400 كلم مربع وبطول 37 كلم؛ مما يخلق شواطئ غنية بالأسماك.
وتتوفر المنطقة البحرية بالداخلة على ستة مواقع لصيد الأسماك، وهي مجهزة بأسواق للسمك، مينائين للصيد وثالث قيد الإنشاء، و100 وحدة لتجميد ومعالجة وتثمين منتجات الصيد البحري، و8 مصانع للثلج، بالإضافة إلى 25 مزرعة للأحياء المائية.
وبلغ حجم عمليات تفريغ المنتجات السمكية بميناء الداخلة ما مجموعه 605.34 مليون طن، بقيمة إجمالية ناهزت 2.25 مليار درهم، وذلك حسب أرقام مندوبية الصيد البحري بالمدينة.
وسجلت عمليات تفريغ الأسماك زيادة بنسبة 0.82 بالمئة (من حيث القيمة) و2.93 بالمئة (من حيث الوزن) مقارنة بـ 2018، وهي السنة الذي بلغ خلالها الحجم الإجمالي لعمليات التفريغ حوالي 587.58 مليون طن بقيمة بلغت أزيد من 2.23 مليار درهم.
وفي سنة 2021، بلغ حجم المفرغات حوالي 572540 طنًا، بقيمة تزيد عن 2.8 مليار درهم. وتتكون المفرغات أساسًا من أسماك السطح الصغيرة بنسبة 92 بالمئة
وفيما يتعلق بالصادرات، فقد تم تصدير حوالي 178142 طناً من منتجات الصيد البحري في سنة 2021 انطلاقا من الداخلة، منها 90 بالمئة مجمدة.