الرئيسية

حاول استمالته ثم وقع قرار طرده.. القصة الكاملة للإمام إكويوسن ودارمانان

أثار ضجة كبرى، إذ لم تتوقف الصحف والإذاعات الفرنسية عن الحديث عن ترحيله إلى المغرب. في البداية،رحب المغرب باستقباله، ثم تفاجأ الجميع بأن سلطات بلاده لم تعد ترغب في ذلك. من هو الإمام حسن إكويوسن، ولماذا قررت السلطات الفرنسية طرده، وما هي العلاقة الخفية بينه وبين وزير الداخلية، وما هي القوانين التي اعتمدتها المحاكم الفرنسية، وكيف قرر المغرب استقباله في بداية الأمر قبل أن يعدل عن قراره؟ "هوامش" تروي لكم القصة الكاملة وتقربكم من المشهد أكثر .

مروان المودن 

قبيل ترحيله، اختفى الإمام المغربي حسن إكويوسن عن الأنظار، ولا تعرف أي من السلطتين أين هو الآن. قرار الطرد هذا وافق عليه مؤخرا مجلس الدولة الفرنسي بإيعاز من وزير الداخلية “جيرالد دارمانان”، الذي جعل من هذه المعركة إحدى جولات الحرب بينه وبين ما يصفه ”بـ الخطاب الإسلامي الانفصالي”. 

أشاد وزير الداخلية الفرنسي بـ “بالنصر الكبير” الذي حققته الجمهورية الفرنسية بقرارها طرد الإمام المغربي الأصل حسين إكويوسن، بسبب ما وصفه “خطورة خطابه على المجتمع والدولة”. 

وقرر مجلس الدولة الفرنسي ترحيل الإمام حسن إكويوسن إلى المغرب عقب اتخاذ وزير الداخلية جيرالد دارمانان من هذه المعركة رمزا “لمكافحة الخطاب الانفصالي” كما أكدت ذلك الإذاعة الفرنسية ”فرانس أنفو”. “خطابات الإمام المغربي لا علاقتها بالمبادئ الفرنسية والتي تشيد بحرية الضمير والعلمانية والمساواة”، هذا ما جاء على لسان وزير الداخلية في حوار له على قناة ”بي إف إم” الفرنسية. 

وقد سرّعت “خطب الإمام” من رغبة الوزير دارمانان في جعل هذه المعركة معركته الخاصة. في لقاءات تلفزيونية، قال الوزير إن الداعية المغربي “ينشر على قنوات التواصل الاجتماعي خطابا معاديا للسامية ويعترض على المساواة بين المرأة والرجل”. لكن وراء القصة ما وراءها حسب جريدة ميديابارت التي كشفت في تحقيق مفصل عن وجود علاقة قديمة بين الوزير والإمام. 

من هو الإمام المختفي عن الأنظار؟

ينحدر إكويوسن من منطقة سوس في المغرب، حيث كان يقطن والده قبل أن يقرر، وهو في عزّ شبابه، الهجرة إلى فرنسا سنة 1936 للعمل في أحد أخطر مناجم الفحم. بعد 22 عاما من العمل في ظروف جد سيئة سيقرر الأب العامل، الزواج وكان ثمرة هذا الزواج أبناء خامسهم حسن.

ولد حسن إكويوسن بتاريخ 2 يونيو 1964 بمنطقة “دينان” وهي بلدية فرنسية في ضواحي “فالنسيان” شمالي فرنسا التي كانت تُوصف بعاصمة الفحم والصلب. وتقع المدينة في قلب حوض التعدين الشمالي، حيث يقطن العديد من المهاجرين. 

في مرحلة الحماس الثانوي قرر حسن إكويوسن التخلي عن جنسيته الفرنسية بسبب “ميولاته الإسلامية”. كان شخصا “ملتزما”، حسب الثقافة السائدة في البلدة بين أبناء العمال المغاربة والمهاجرين، وواصل تعليمه إلى  أن حصل على الإجازة في اللغة العربية، وشهادة الماستر في التاريخ، ليتخصّص بعد ذلك في تاريخ الإسلام. 

عاد إكويوسن ليطلب الجنسية الفرنسية في الثمانينات من القرن الماضي، كما صرح بذلك لوسائل الإعلام، لكن كل طلباته قوبلت بالرفض. وتشير بعض المصادر  إلى أن حرمانه من الجنسية كان بسبب التقارير المخابراتية عن أنشطته وعلاقاته “المبهمة”، وكذا وجود شكوك في تلقي تكوينات على يد “جماعات إسلامية”. عمل الداعية الإسلامي على نحت مسار خاص به في تدريس الأخلاق الإسلامية بالمدرسة الثانوية، وكان خطابه الدعوي قريباً من خطاب الداعية الإسلامي السويسري ذي الأصول المصرية، طارق رمضان، ومن جماعة “الإخوان المسلمين”.

بداية القصة 

بدأت مشاكل  الإمام حسن إكويوسن الحقيقية مع المخابرات الفرنسية مباشرة بعد مقتل المدرّس “صامويل باتي”، والذي خلّف ضجة كبرى شغلت الرأي العام الفرنسي وتصدرت العناوين الرئيسية للجرائد والقنوات الفرنسية، والتي لم تتأخر في وصف الحادث بـ”العملية الإرهابية”.

عقب هذه الجريمة البشعة، قرر جهاز الدرك اقتحام منزل إكويوسن في محافظة ”لورش” الشمالية، حيث يقطن مع زوجته وأطفاله الخمسة. وكان حسن قد شرع قبل مدة في بث أشرطة فيديو على قناته في يوتوب، التي انطلقت في 17 دجنبر 2012 وسجّلت 33 مليون مشاهدة ويتابعها 179 ألف شخص.

وحسب الإعلام الفرنسي فإن الرجل عاش في الظل لفترة طويلة كإمام وداعية مقرب من الإسلام السياسي.  ووقع إكويوسن حسب وزارة الداخلية الفرنسية في محظور دعم خطاب الكراهية، حيث تقول الدوائر المقربة منها إن الإمام الذي يبلغ من العمر 59 عاما، لم يخف الإحتفاء بأسامة بن لادن ولا بخطاب حركة الإخوان المسلمين، وقرر معاداة السامية والمثليين، وأنه قرر قبل 22 عاما من الآن مهاجمة اليهود. 

وذكرت نفس المصادر أن إكويوسن انتقد الإحتلال الفرنسي للجزائر وقال إنه يصف المقاومين بالإرهابيين، وأن أغلب أفراد الجيش الفرنسي، المشاركين في عملية الإحتلال، لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة بينما ذريعة الإحتلال كانت هي تعليم الشعب الجزائري القراءة والكتابة على حد تعبيره. 

وتعتبر وزارة الداخلية الفرنسية أن قرار ترحيل الداعية إكويوسن إلى المغرب جاء بسبب التخوف من أن تتحول خطاباته على مواقع التواصل الإجتماعي إلى أداة تحريض لارتكاب أعمال إرهابية، وذلك حسب تقديرات كريستيان جرافيل، الأمين العام للجنة المشتركة بين الوزارات. وبناء على ذلك وقع وزير الداخلية بدون تردد على قرار طرد الإمام إلى المغرب لكن قضيته لم تنته بعد. 

العلاقة الخفية بين الإمام ووزير الداخلية 

ما لا يعرفه الكثيرون أن وزير الداخلية الفرنسي ينحدر من نفس المقاطعة التي يسكن فيها الإمام، فهو من مدينة  فالنسيان، وهو محام وسياسي فرنسي كان قد ترعرع ودرس في هذه البلدة. 

وحققت جريدة ”ميديا بارت’‘ الذائعة الصيت في هذه القصة، ونشرت أن هناك علاقة قديمة بين وزير الداخلية والإمام المغربي، ورجحت بعض الشخصيات الفرنسية أن العلاقة توترت بين الوزير والإمام قبيل الإنتخابات الرئاسية على ما يبدو. 

وكشفت جريدة “ميديابارت” عن ”صفقة عقارية تمت بين عم وزير الداخلية جيرالد دارمانان والإمام المغربي في عام 2003”. وبعد الصفقة بحوالي 20 سنة قرر مجلس الدولة طرد الإمام حسن إكويوسن يوم 5 غشت 2022. فما الذي جرى بالضبط؟  

ذكرت ”ميديابارت” أنه قبيل الانتخابات البلدية لعام 2014 في توركوينج، حاول وزير الداخلية “جيرالد دارمانان” استمالة أصوات المسلمين وقرر تناول عشاء مع الإمام المغربي حسن  إكويوسن، بوساطة من أحد الأشخاص في ”اتحاد مسلمي فرنسا”.

وفي هذا السياق، كشفت الجريدة أن دارمانان، المرشح لمنصب عمدة مدينة توركوين أنذاك، تناول العشاء مع الإمام، بهدف كسب أصوات مسلمي المدينة للفوز بانتخابات البلدية. وهكذا، نظم المرشح وجبة طعام في منزل خاص، بحضور عشرات الشخصيات المسلمة المحلية. وحسب ميديابارت، لم يجب جيرالد دارمانان عن الأسئلة بخصوص ظروف لقاء 2014، في حين أكد حسن إكويوسن أنه قضى “أمسية لطيفة للغاية (..) اتفقنا خلالها على 99.9٪ من المواضيع” حسب ما نقلته الجريدة عنه.

وبشأن اتهام وزير الداخلية الفرنسي لإكويوسن بمعاداة المثليين، كشفت وسائل الإعلام أن الوزير نفسه كان قد أعلن على صفحته في تويتر أنه في حال فوزه بالانتخابات البلدية، لن يحتفي “بزواج رجل برجل أو امرأة بامرأة”، وهو الموقف الذي يتفق معه ”اتحاد مسلمي فرنسا” الذي كان حسن إكويوسن خطيبا تحت لوائه. وهذا ما جعل المرشح السابق مقبولا لدى مسلمي المنطقة. 

جذور قرار الطرد 

بعد مقتل الأستاذ الفرنسي صامويل بيتي، قررت الأجهزة الأمنية الفرنسية المرور إلى السرعة القصوى لحصار الخطاب الإسلامي التقليدي. وكان أول إجراء أقدمت عليه هو إطلاق حملات تفتيش واسعة. وفي هذا السياق تعرض الإمام المغربي الأصل، للتفتيش وبعض المضايقات. وخلال بداية السنة الجارية رفضت المقاطعة تجديد وصل إقامته بسبب “عدم تناغم خطابه مع مبادئ الجمهورية ومنها الحرية والمساواة”. 

وقبل أربعة أشهر، وتحديدا بتاريخ 3 ماي 2022، توصل إكويوسن برسالة تخبره بأن إجراءات الطرد من منزله قد بدأت بالفعل. ولكنه، ولحسن حظه، تلقى دعما من المحافظ العام للبلدية، والذي ساند أسرته في البقاء بالبيت. غير أن القضية ستستمر في الكبر ككرة الثلج، إذ أعلن وزير الداخلية  جيرالد درامانان أن حسن إكويوسن “سيتم طرده”. 

تعقيدات الملف

يكتسي هذا الملف تعقيدات كبيرة، فالإمام لا يملك أية جنسية أخرى غير المغربية، وبالتالي يظن بعض المراقبين أن ترحيله إلى المغرب سيشكل خطرا داهما عليه، خاصة وأنه انتقد الملك محمد السادس في العديد من الأشرطة. ويخشى أصحاب هذا الرأي اعتقاله فور وصوله إلى المغرب، ويتهمون فرنسا بتعريضه للخطر. 

ويبدو أن وزير الداخلية الفرنسي لم يكترث لكل تلك الادعاءات، وقرر توقيع قرار الترحيل في 29 يوليوز 2022، وكانت السلطات المغربية أعلنت قبولها استقبال إكويوسن قبل أن تعدل عن القرار. 

وسط هذه الضجة الإعلامية التي أحدثها الملف في وسائل الإعلام الفرنسية، قرر محام رفع دعوى أمام محكمة حقوق الإنسان والتي قررت تعليق قرار الترحيل. غير أن رياح قرار قضاة المحكمة الإدارية لم يسر كما تشتهي سفن الوزير، حيث قرروا أيضا تعليق قرار الطرد، وهو الأمر الذي أربك حسابات الداخلية الفرنسية، وجعل الصحفيين يطرحون العديد من الأسئلة حول رصانة الملف. ولم تمر سوى أيام  حتى قرر مجلس الدولة، طرد الإمام بشكل رسمي ونهائي.

واتهمت بعض الأوساط الإعلامية “جيرارد دارمانان” بعدم تهيئ ملف كامل وحاسم ونهائى، فقد تضمن حسب المنتقدين العديد من الثغرات، لذلك قضت المحكمة ببطلان قرار الطرد بعد محاكمة طويلة. 

واعتبرت محامية الإمام إكويوسن ”لوسيل سيمون” أن قرار طرد الإمام بهذه السرعة فضيحة لدولة ”الحق والقانون”، وأكدت أن هذه القضية اختلط فيها القرار السياسي بالمسار القضائي. وأن طرده جاء بقرار وزاري وليس بقرار قضائي. 

أجواء المحاكمة 

خلال المحاكمة، كانت القاعة مليئة، وكان عدد الصحفيين كبيرا، وغطى القضية قرابة 30 منبرا إعلاميا، وقال بعض الصحافيين أن قاعات الانتظار كانت مليئة جدا، وأن الملف كان ساخنا بسبب الزخم الإعلامي الذي رافقه. 

واستندت المتابعة إلى المواد L631-1 إلى L631-3 من  قانون ”دخول وإقامة الأجانب”، وتخوّل السلطة الإدارية، حسب المادة L631-1، طرد أجنبي عندما يشكل وجوده في فرنسا تهديدًا خطيرًا للنظام العام، وفقًا للشروط الخاصة بالأجانب المذكورة في المادتين L. 631-2 و L. 631-3، ولا يمكن، حسب المادة L631-2، أن يكون موضوع قرار الطرد إلا إذا كان يشكل ضرورة ملحة لأمن الدولة أو الأمن العام.  

وحسب المادة L631-3، لا يمكن طرد أي شخص إلا في حالة سلوك من المحتمل أن يضر بالمصالح الأساسية للدولة، أو مرتبطًا بأنشطة ذات طبيعة إرهابية، أو يشكل أعمالًا تحريضية صريحة ومتعمدة على التمييز أو الكراهية أو العنف ضد شخص معين أو مجموعة من الأشخاص. 

أين الإمام؟ 

بعد توقيع قرار الطرد اختفى الإمام عن الأنظار، وقالت محاميته، لوسيل سيمون في أول خروج إعلامي إنها لا تعرف مكانه، ما تعرفه حتى الأن أنه غادر فرنسا إلى وجهة مجهولة. وقالت المحامية “إن الإمام حسن خرج من فرنسا، لأنه احترم قرار طرده وغادر الحدود الفرنسية”. 

ومباشرة بعد اختفائه، وضع الإمام إكويوسن في قائمة المبحوث عنهم في أوروبا، حيث وضعت فرنسا مذكرة بحث أوروبية للتسريع باعتقالهّ، وإعادته إلى فرنسا. 

محامية الإمام قالت في مقابلة تليفزيونية “كيف يعقل أن تقرر فرنسا طرد شخص، وفي نفس الوقت تصدر في حقه مذكرة بحث لإعادته لفرنسا، خاصة وأن هذا الشخص خارج الحدود الفرنسية”. 

ولازال الجدل يحيط بالملف في فرنسا، وتتوزع الآراء حوله بين اتهام وزارة الداخلية بمعاداة المسلمين وتشجيع خطاب اليمين المتطرف، وبين رأي يرى في طرد الإمام اقتلاعا لجذور الإسلام المتطرف. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram