الرئيسية

اللجوء للصحافة الأجنبية: تعالي ومركب نقص، أم إرثٌ استعماري؟

أثار نشر خبر إقالة مرتقبة لوزيرين في حكومة عزيز أخنوش على صفحات مجلة "جون أفريك" الفرنسية، والذي تم تداوله على نطاق واسع في الصحافة المغربية، (أثار) نقاشا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي حول أسباب لجوء المسؤولين المغاربة للصحافة الأجنبية، لتسريب أخبار لها علاقة بالشأن الوطني.

هاجر الريسوني

يعتبر البعض أن مراكز القرار في المغرب أجنبية الهوى وتفضل الصحافة الأجنبية خصوصا منها الفرنسية والإسبانية لنشر القرارات والتسريبات الحكومية، فيما يعتبر البعض الآخر أن وضع الصحافة المغربية المتدهور وعدم وجود وسائل إعلام قوية ومستقلة هو سبب لجوء هؤلاء إلى صحافة الأجنبية.

تقليد مخزني 

منذ استقلال المغرب سنة 1956، كانت الحوارات الكبرى سواء لملوك المغرب أو لمسؤوليه الكبار من نصيب الصحافة الفرنسية على الأخص. ولم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أجرى حوارا مع صحيفة مغربية، وكان يعزى ذلك، حسب عدد من المراقبين للشأن السياسي، إلى أن الصحافة الموجودة آنذاك كانت لسانا للأحزاب المعارضة، لكن بعد وفاته استمر الملك محمد السادس على نهجه وأصبح ذلك تقليدا مخزنيا.

وكان أول حوار للملك محمد السادس من نصيب الصحيفة الإسبانية ” إلباييس” [ترجمة الحوار بالفرنسية على موقع يابلادي] سنة 2005، فيما كان ثاني حواراته أثناء زيارة لمدغشقر سنة 2016، وخصه للحديث عن التوجه الإفريقي للمغرب وسياساته تجاه القارة، فضلا عن ذكريات منفى جده ووالده في الجزيرة.

وتعليقا على لجوء أصحاب القرار في المغرب للصحافة الأجنبية، يرى الناشط السياسي خالد البكاري أنه “ليست هذه أول مرة تلجأ فيها دوائر صنع القرار بالمغرب للصحافة الأجنبية”، مذكراً بأن”الحسن الثاني وخلفه محمد السادس لم يسبق أن أجريا أي لقاء مع وسيلة إعلام وطنية، بما فيها التلفزيون الرسمي، وفي عهد الحسن الثاني كان بالكاد يسمح لقلة من الصحافيين المغاربة بحضور ندواته الصحفية دون طرح أي سؤال”.

ويؤكد البكاري في حديثه لـ”هوامش” أن  أول حوار للملك محمد السادس كان من نصيب  صحيفة إلباييس الإسبانية، فيما انفردت “باري ماتش” الفرنسية بعرض صور خاصة وحصرية للأسرة الملكية”، وزاد أن ” أي مراقب أجنبي سيستغرب كيف يمتنع رئيس الدولة عن محاورة الإعلام الوطني، ولكن الأعراف والتقاليد في دار المخزن تعتبر شخص الملك ذا قدسية خاصة؛ وإن تم حذفها في الدستور الجديد؛ فهو متعال عن باقي الرعية، ولا تجب مساءلته لا برلمانيا ولا شعبيا، ولا حتى إعلاميا، لأن الإعلام هو أداة رقابة في البدء والختام” يقول البكاري.

ما الغاية من التسريب

وفي الوقت الذي احتدم فيه النقاش حول إعفاء وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي وعن التعديل الحكومي الوشيك، خصوصا في ظل حملة “غلاء الأسعار” المطالبة بإقالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لم يتم الالتفات لمن سرب الخبر وغايته من ذلك، وهو ما أشار إليه البكاري، متسائلا عن “من قام بعملية التسريب ولأي غاية، ولماذا اختار “جون افريك” لتسريب معطيات تعديل حكومي مرتقب”، مشيرا إلى أن “التسريبات  سبق وأن حظيت بها منابر إعلامية وطنية كذلك، فمثلا تم تسريب أسماء التشكيلة الحكومية الجديدة  لمنبر وطني قبل الإعلان الرسمي عنها من طرف الديوان الملكي”. 

ويذهب الناشط السياسي إلى أن “التسريب سواء كان في منبر دولي أو وطني، فهو مرتبط بغايات من قام بالتسريب، ولا علاقة لذلك بالموقف من الإعلام الوطني”، مؤكدا على أن “مشكلة الإعلام الوطني حاليا هي غياب تعددية حقيقية وليس عددية، وتصاعد مد الرقابة الذاتية عند المنابر الصحافية وعند الصحافيين، وغياب الوصول للمعلومة”.

مركب نقص أم إرث استعماري

 لم يعد خفيا على المتتبع للشأن العام، العلاقة المرتبكة بين وسائل الإعلام الوطنية والمسؤولين المغاربة. وتوحي الكثير من القرارات والتسريبات عن  نظرة أصحاب القرار الدونية للصحافة والصحافيين المغاربة مقابل “ثقتهم” في بعض وسائل الإعلام الأجنبية.

وفيما يذهب البعض أيضا إلى اتهام المنابر الإعلامية الوطنية خاصة الإلكترونية إلى  الانزياح نحو الإثارة، وعدم اهتمام القراء بالشأن السياسي،  يرى يونس مسكين، الصحافي والباحث في الإعلام، أن اللجوء إلى الإعلام الغربي عوض الوطني يمكن تفسيره بـ”نظرة المسؤولين المغاربة إلى الشعب وعلاقتهم به”، وأوضح مسكين في حديثه لـ”هوامش” بأن “هذه العلاقة يراد لها أن تكون فوقية، متعالية، كمن ينظر إلى مخاطب أدنى منه مستوى، لا يمكنه التواصل معه عبر منصة إعلامية نابعة منه وتتحدث باسمه، لهذا يتم البحث على منصة تعتبر في مخيال المسؤولين أَرفعُ منزلةً وتمنح هذا الإحساس باختلاف المستوى”.

“يجد هذا الأمر أصله في تقاليد موروثة عن حقبة الاستعمار، حين لم يكن المغرب يتوفر على صحافة مهنية، بل كانت جل منابره الصحافية نضالية أو ناطقة باسم جهة محددة، ورغم ظهور صحافة مهنية ومتنوعة بعد الاستقلال، بقي هذا الإرث الاستعماري قائما” يضيف مسكين.

هشاشة المشهد الإعلامي

كان الخبر الذي نشرته مجلة “جون أفريك” النقطة التي أفاضت كأس هشاشة المشهد الإعلامي، إذ اكتفت  أغلب الصحف والجرائد الوطنية التي تناولت الموضوع بإعادة نشره نقلا عن مصدره دون التأكد منه أو إضافة معطيات جديدة أو دحضه. 

هذا الحدث يمكن تفسيره حسب مسكين بـ”التراجع الشامل الذي عرفه وضع الصحافة في المغرب”، مضيفا أننا “لقد تحولت الصحافة المغربية إلى غرفة صدى تردد فقط ما نشرته الصحافة الأجنبية، دون إضافة ولا تدقيق ولا تحليل”.

ويوضح مسكين أن هشاشة المشهد الإعلامي المغربي تعود بالأساس إلى “التنقيص منه والإصرار المقصود على عدم الاعتراف به كإعلام كامل الشرعية، لأن هذا الاعتراف سيمنح الصحافة المغربية إمكانية ممارسة الرقابة والمحاسبة”.

وانتقد مسكين “الحرص المستمر على إبقاء الصحافة المغربية في وضعية ‘القاصر’ وغير المؤهل للتعاطي بندية كاملة مع المسؤولين الكبار”. مضيفا أن ” الصحافة المغربية كانت سابقا تقاوم بطريقة فعالة هذا الوضع، من خلال ممارستها منافسة حقيقية للمنابر الأجنبية، بتحقيق السبق والتعامل مع أخبار الصحافة الأجنبية بمنطق الحذر والتحقق والتدقيق والتعقيب، وأحيانا كثيرة بالتصحيح”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram