الرئيسية

ملف: كيف استعمر 3 ملايين كلب ضال الشوارع المغربية وفرضوا سلطتهم

أعادت حادثة مقتل السائحة الفرنسية (44 سنة) متأثرة بإصابتها بمنطقة "العركوب"، بالقرب من مدينة الداخلة، يوم الثلاثاء غشت 16 الجاري، الجدل حول المخاطر التي تسببها الكلاب الضالة المنتشرة بقرى ومدن المغرب على حياة وصحة المارة، دون أن تتمكن السلطات من احتواء ومعالجة هذه الظاهرة المنتشرة. 

محمد الحراق

تكررت الحوادث التي تكون من ورائها الكلاب الضالة باستمرار، ففي شهر ماي الماضي، لقي رجل ستيني حتفه بعد أن هاجمته الكلاب الضالة بإحدى المدارات الطرقية بمراكش عاصمة السياحة بالمغرب.

أيام قليلة قبل ذلك عرف الحي المحمدي بمقاطعة جليز وفاة شخص في عقده الثالث، بعد إصابته بجروح في رأسه، نتيجة سقوطه بسبب اعتداء الكلاب الضالة عليه، لينقل إلى مستعجلات المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، حيث فارق الحياة بنفس القسم.

 وفي دوار “تغيا نلمشان” بإقليم تنغير لقي طفل حتفه شهر دجنبر من السنة الماضية، بعد أن نهشته مجموعة من الكلاب الضالة، طفل آخر فارق الحياة بعد أن هاجمه كلب بشارع النخيل بمنطقة المحاميد بمراكش. 

ويوم الجمعة 19 غشت الجاري، قضى شاب يبلغ من العمر 22 سنة بدوار الهوتة، قيادة تنقوبت، إقليم شفشاون بمستشفى محمد الخامس، جراء الجروح البليغة عقب هجوم كلب عليه خلال نومه بالقرب من منزله خلال أحد ليالي غشت الشديدة الحرارة.

الكلاب تسيطر على الفضاء العام

تقدر الإحصائيات الرسمية، أن عدد الكلاب الضالة التي تعيش بيننا تقدر بحوالي 3 ملايين كلب ضال. وكشف تقرير رسمي يعود لسنة 2019، أن المكاتب الجماعية لحفظ الصحة تجمع سنويا أزيد من 140 ألف كلب ضال. هذه الأرقام تؤشر على أن هذه الكلاب تشكل خطرا حقيقيا على صحة وسلامة المواطنين، نظرا لما يمكن أن تسببه من أمراض، ناهيك عن الانزعاج الناجم عنها وتأثيرها السلبي على محيط عيش السكان، كما أن الكلاب الضالة تشكل الخزان الرئيسي الناقل للعديد من الأمراض الخطيرة، كداء السعار.

وحسب معطيات وزارة الصحة (البرنامج الوطني لمحاربة داء السعار)، فقد سجل المغرب 414 إصابة بداء السعار، ما بين سنتي 2000 و2020، بمعدل يقارب 20 حالة في السنة، من بينها 180 حالة لدى أطفال أقل من 15 سنة، هذه الحالات تسببت فيها الكلاب بنسبة 88 في المائة، والقطط بنسبة 6 في المائة، ونادرا ما تتسبب فيها حيوانات أخرى.

عبد الكريم في الخمسينيات من العمر أحد ضحايا الكلاب الضالة التي هاجمته صباحا في إحدى أزقة مراكش بينما هو متجه إلى مقر عمله قال في تصريح لهوامش ” باغتتني مجموعة من الكلاب الضالة، عندما كنت متجها إلى مقر عملي، أسقطتني أرضا وتسببت لي في جروح في ساقي، ولولا تدخل مجموعة من المارة لكانت الإصابات بليغة في كل أنحاء جسدي “.

ثم يضيف “أصبحنا نخاف على أطفالنا من الكلاب الضالة التي تغزو شوارع مدننا، وعلى الدولة أن تتدخل لأن الوضع تفاقم بشكل كبير ومنظر هذه الكلاب أصبح مخيفا.”

الانتشار الكبير لمجموعات الكلاب الضالة التي باتت تستعمر الشوارع والحدائق بالمدن، دفع المواطنون والجمعيات الحقوقية إلى التشكيك في نجاعة القرارات والإجراءات التي تتخذها السلطات للحد من تزايد أعدادها، ولحماية المواطنين من الأذى الذي تلحقه بهم هذه الكلاب.

السلطات تمنع قتل الكلاب

تجاوبا مع انتقادات مجموعة من المنظمات الوطنية والدولية المهتمة بحماية الحيوانات. منعت وزارة الداخلية قتل الكلاب. ودون التفكير في قرارات بديلة، أدى هذا القرار إلى تكاثرها بشكل ملفت للنظر. 

ومنعت وزارة الداخلية، الجماعات الترابية، من استعمال الأسلحة النارية والمواد السامة لقتل الكلاب الضالة، وطالبتهم بالاستعانة بالوسائل البديلة للحد من ظاهرة الكلاب الضالة، نظرا لخطورة هذه المواد.

 الوزارة قررت منع استعمال الأسلحة النارية واستعمال مادة “الستريكنين” السامة للقضاء على الكلاب الضالة، تفاديا للتأثيرات السلبية لهذه المواد الكيماوية على البيئة، على حد تعبيرها، داعية إلى اعتماد طرق أخرى بديلة كالإمساك بالكلاب بواسطة الشباك. 

والواقع أن قرار وزارة الداخلية، جاء بعد الضجة التي أحدثتها جمعيات حقوقية، وخاصة جمعيات الرفق بالحيوان وطنيا ودوليا، بخصوص الإبادة الجماعية التي تتعرض لها الكلاب الضالة بمختلف المناطق المغربية باستعمال الرصاص الحي، وكذا بعد الحملة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، حين انتشرت صور جثت الكلاب وهي مرمية بالعديد من المناطق في منظر اعتبر ”جد مقزز”. 

وفي هذا الإطار يرى عز الدين شجعاني رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات التي يتواجد مقرها بمدينة خريبكة ” أنه منذ الاستقلال والمغرب يتبع طريقة واحدة للحد من ظاهرة انتشار الكلاب الضالة، وهي إبادتها، لكن هذه الطريقة لم تحد من تكاثرها، بل أعطت نتائج عكسية، وهو ما نشاهده اليوم، حيث تزايدت أعدادها”.

وفيما يسود الاستياء والتذمر من الوجود الكثيف للكلاب الضالة في الفضاء العام للمدن، وما يحدثه ذلك من مشكلات صحية وأمنية واجتماعية، تنتقد الجمعيات الحقوقية المعنية بالدفاع عن الحيوان، الدعوات للقتل الجماعي لهذه الكلاب، واعتماد أساليب أخرى، رحمة بهذه الحيوانات. 

شجعاني يؤكد في حديثه مع هوامش، “أن قتل الكلاب الضالة أصبح عملا مرفوضا أخلاقيا، لأن هذه الحيوانات خلقت لتعيش مع البشر، وعلينا أن نتعايش معها، وأن نمتلك أسلوبا وثقافة تمكننا من جعلها تعيش دون أن تؤدي الناس”.

وفي هذا السياق، تدعو العديد من الجمعيات المهتمة بالرفق بالحيوان إلى اعتماد نظام TNR المتعارف عليه دوليا، كوسيلة أخلاقية للتقليل من عدد الكلاب الضالة بالتدريج وتحصينها، مما يقلل من انتشار داء السعار وانتقاله إلى البشر، وبالتالي تفادي العلاج المكلف الذي تتطلبه كل حالة، والتي تتراوح ما بين 600 و800 درهم للشخص الواحد.

ويرى شجعاني أن الحل الأنجع للحد من هذه الظاهرة هي اعتماد طرق بديلة علمية وعملية، على غرار مجموعة من الدول التي تحكمت في تكاثرها، ولعل أبرز هذه الطرق هو اعتماد نظام TNR للتقليل من عدد الكلاب الضالة، ومن إمكانية انتشار داء السعار وسط المواطنين”.

ويهدف نظام TNR إلى الحد من ظاهرة الكلاب الضالة، من خلال جمعها في مراكز معالجة مؤقتة لإخصاء الذكور، وتعقيم الإناث واستشفائها، وأخيرا إطلاقها في بيئاتها الطبيعية في أطراف المدن، ما سيمكن من ضمان استقرار عددها وانخفاضها تدريجيا.

اتفاقية معلقة 

في سنة 2019 وقعت وزارة الداخلية اتفاقية إطار للشراكة والتعاون، مع كل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، ووزارة الصحة، والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، لمعالجة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة داخل النفوذ الترابي للجماعات، واعتماد مقاربة جديدة ترتكز على ضوابط علمية أبانت عن فعاليتها في بعض الدول، مع احترام معايير الرفق بالحيوان المعمول بها دوليا.

وتهدف هذه الاتفاقية إلى القيام بعمليات التحسيس والتوعية للتعريف بهذه المقاربة وأهدافها، وجمع الكلاب والقطط الضالة وإجراء عمليات التعقيم لهذه الحيوانات لضمان عدم تكاثرها وتلقيحها ضد داء السعار، ومعالجتها ضد الطفيليات وترقيمها أو ترميزها، ثم إعادتها بعد التأكد من سلامتها إلى المكان الذي تم جمعها فيه، لتجنب ارتباكها في حالة إطلاقها في بيئة غير معتادة عليها، والحيلولة دون استغلال مجالها من قبل كلاب وقطط ضالة أخرى.

وبحسب ما جاء في الاتفاقية التي وقعتها الأطراف الأربعة، فإن هذه المقاربة ستمكن في مراحلها الأولى من المساهمة في استقرار عدد هذه الحيوانات، لينخفض تدريجيا بعد ذلك مما سيساعد على احتواء هذه الظاهرة والسيطرة عليها.

والتزمت الأطراف الموقعة على الاتفاقية بدعم ومواكبة الجماعات الترابية، للحد من انتشار الكلاب الضالة وفق المقاربة الجديدة، وتكوين الفرق المكلفة بجمع الكلاب والقطط الضالة بتعاون وتنسيق مع باقي المتدخلين، وإحداث وتجهيز محاجز الكلاب والقطط الضالة والمرافق التابعة لها، من قاعات إجراء عمليات التعقيم الجراحية والأقفاص، وغيرها، فضلا عن تغطية تكاليف إدارة وتسيير المحاجز، وتكاليف تغذية الكلاب والقطط المتواجدة داخلها، وإشراك الجمعيات المهتمة بحماية الحيوانات. 

لكن بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات، فإن هذه الاتفاقية ظلت معلقة، إذ أن أغلب الجماعات الترابية لم تفعل بنودها، مما جعل الوضع يتفاقم أكثر، حيث أصبحت الكلاب الضالة تغزوا شوارع المدن الرئيسية والتجمعات السكنية، وتشكل خطرا حقيقيا على المارة، وخاصة الأطفال.

وفي هذا الإطار يرى شجعانى رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات، أنه لو تم تطبيق بنود هذه الاتفاقية، لتمكنت الجماعات الترابية من الحد من تكاثر الكلاب الضالة، لكن بعد أزيد من سنتان على توقيعها، فإن الوضع لا زال على ما هو عليه، بل يتفاقم أكثر”.

وأضاف شجعاني “أن إشراك الجمعيات الجادة المهتمة بالحيوانات بات ضروريا اليوم، من أجل القضاء على الظاهرة، لما تتوفر عليه هذه الجمعيات من خبرة في هذا المجال”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram