الرئيسية

قرى أزيلال تعشق الكرة في ملاعب على ورق الجماعة 

 يقبل الشباب بدواوير إقليم أزيلال على ممارسة رياضة كرة القدم بشكل ملفت للنظر، ويشهد فصل الصيف ومناسبة عيد الأضحى، ذروة تنظيم دوريات في كرة القدم، بعد عودة الشباب خارج الإقليم لقضاء مناسبة العيد مع الأسر، ومغادرة الطلبة مدرجات الجامعات والمعاهد، قافلين نحو منازلهم المتواجدة بهذه القرى النائية، ويشتد التنافس بين الفرق الممثلة للدواوير في طقوس أقرب إلى الملاعب الكبرى حماسا وتشجيعا. 

محمد الحراق

لم يجد محمد وأصدقاؤه المنحدرين من دواوير جماعة “أيت ماجضن” بإقليم أزيلال، بديلا لإطفاء رغبتهم الجامحة في ممارسة رياضة كرة القدم، سوى استغلال مقلع للأتربة بعد تسوية سطحه. المقلع، الذي كان تستغله إحدى الشركات المكلفة بتعبيد الطرق بالمنطق قبل أن تنصرف وتتركه على حاله، استغله الشباب المقلع بعد أن أقدموا على تنقيته من الحجارة وتوسيعه اعتمادا على إمكانياتهم الذاتية. 

يقضي أبناء الدوار، أوقاتا حماسية على هذه البقعة الأرضية التي لا تتجاوز مساحتها 400 متر مربع، غير مكترثين بتعب الركض على هذه الأرض المتربة والقاسية، قساوة جبال الأطلس الكبير بإقليم أزيلال على أبنائها.

 يقبل الشباب بدواوير إقليم أزيلال على ممارسة رياضة كرة القدم بشكل ملفت للنظر، ويشهد فصل الصيف ومناسبة عيد الأضحى، ذروة تنظيم دوريات في كرة القدم، بعد عودة الشباب خارج الإقليم لقضاء مناسبة العيد مع الأسر، ومغادرة الطلبة مدرجات الجامعات والمعاهد، قافلين نحو منازلهم المتواجدة بهذه القرى النائية، ويشتد التنافس بين الفرق الممثلة للدواوير في طقوس أقرب إلى الملاعب الكبرى حماسا وتشجيعا. 

قرى تتنفس الكرة

تكاد دوريات كرة القدم بجماعات إقليم أزيلال تشكل ظاهرة فريدة تميز هذا الإقليم عن باقي الأقاليم، حيث يشتد التنافس بين الفرق المنتمية لمختلف دواوير الجماعات، وتقطع هذه الفرق أحيانا عشرات الكيلومترات للمشاركة في مباريات هذه الدوريات التي أضحت تتكاثر وتترسخ بشكل ملفت للنظر.

ومن مظاهر هذا الشغف بالمستديرة، أن بعض الدوريات يصل عدد الفرق المشاركة فيها إلى أكثر من 20 فريقا، كما هو الشأن بالنسبة لدوري كرة القدم في دوار “تمرووت” بجماعة “واولى” لهذا الصيف، حيث وصل عدد الفرق المشاركة فيه إلى 26 فريقا من مختلف دواوير الجماعة، ومن جماعات أخرى.

وعن كيفية المشاركة في هذه الدوريات يقول الناشط الجمعوي محمد أيت تفغالين إن “كل فريق مشارك يساهم بمبلغ قدره بين 700 إلى 800 درهم حسب ما تفرضه اللجنة المنظمة، ومن خلال هذه المساهمات يتم اقتناء الجوائز التي توزع على الفرق الثلاثة الأولى في الدوري. 

ويستغرق أحيانا هذا النشاط ما بين 20 يوما إلى شهر حسب عدد الفرق، “وقد تحول بعض المستجدات دون أن تلعب بعض المقابلات في يومها المحدد وتؤجل” يقول الناشط.

إن شكل الملاعب والتضاريس المحيط بها، تفرض على الفرق المشاركة نظاما خاصا خلال الصيف، ينضاف إلى قوانين اللعبة المتعارف عليها، فلا مجال أن تتقاذف الأرجل الكرة بقوة صوب المنحدرات، حيث يصبح الحذر واجب على كل لاعب. وتدخل هذه التضاريس في قوانين اللعبة أيضا. 

أما الجمهور فعاشق كذلك للكرة بهذه المناطق، حيث يتحمل عبء التنقل عبر المسالك الوعرة والمنعرجات على الأرجل وعلى الدراجات النارية والسيارات لتشجيع الفرق المشاركة، وقضاء أوقات ممتعة في متابعة المباريات، كما أن الأجواء الحماسية تجلب الفرق الفلكلورية لأحيدوس لإضفاء طابع الفرجة على جنبات الملعب، في حين يتكلف بعض الشباب بالتعليق على المباريات التي تخوضها الفرق بأسماء الدواوير.

وعود بعد وعود

يتذكر محمد سديرة، 27 سنة، المنحدر من دوار أيت بولمان بكرول، جماعة أيت ماجضن (قيادة واولى) قائلا :”منذ أن فتحت عيني على كرة القدم، ونحن نلعب في الملعب البعيد عن الدوار بحوالي كيلومترين، والمتواجد على أرض تابعة لإدارة المياه والغابات”. ثم يضيف “الملعب مليء بالأحجار والحفر التي تغطي أرضيته لكنه كان متنفسنا الوحيد”. 

ثم يسترسل سديرة ” كنا قديما نستغل أرضا بالدوار للعب كرة القدم، إلا أننا استفقنا ذات يوم على وقع أشجار تم غرسها في البقعة التي نلعب فيها لأنها تعود لملكية أحد ساكنة الدوار”. 

ظل محمد ورفاقه يتلقون الوعود بإصلاح أرضية الملعب وتجهيزه طيلة الفترات الانتخابية السابقة، لكن هذه الوعود التي ظل يتلقاها رفقة أصدقائه بالدوار سرعان ما تتبخر بمجرد إغلاق مراكز الاقتراع، وفرز أوراق التصويت.  

وفي هذا السياق يقول محمد “تلقينا الوعود طيلة السنوات الماضية من المترشحين من أجل إصلاح الملعب، ونحن ندرك أن هذه الوعود هي لكسب الأصوات فقط، ولكن بعد مرور كل هذه السنوات لا زالت دار لقمان على حالها”. 

وأشار سديرة، إلى أن “أرضية الملعب مملوءة بالأحجار والحصى، وتسوء حالتها أكثر خلال التساقطات المطرية، وتعبث بها السيول، ما يضطرنا إلى إصلاحه من جديد، أما الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات فلا يمكنهم التنقل إلى هذا الملعب بسبب البعد عن الدوار”. 

ويطالب شباب الدوار الذين يحدوهم الأمل في أن يحظوا بشرف تنظيم دوريات على غرار الدواوير الأخرى، أن تتم تغطية أرضية الملعب بالرمال وتجهيزه بالشباك وكل ما يلزم وإصلاح المسلك المؤدي إليه في أقرب الآجال، وأن تتم ترجمة الوعود الانتخابية على أرض الواقع.

مطالب 

الإقبال على ممارسة رياضة كرة القدم، وغياب ملاعب رياضية، دفعت الشباب والجمعيات الرياضية والتنموية والفاعلين الجمعويين بالإقليم إلى جعل منصات وسائل التواصل الاجتماعي منبرا لإبراز ما يعانيه أبناء هذا الإقليم الجبلي من تهميش وإقصاء.

إصلاح وتوفير ملاعب القرب للشباب، واعتماد سياسة تراعي تطلعات الشباب بهذه الربوع المنسية من الوطن، باتت مطالب يرفعها كل من تحدثت إليهم هوامش إلى الجهات المسؤولة.

رضوان بويزضاض رئيس “جمعية أغبالو للتربية والتنمية” بجماعة “أيت ماجضن” صرح لهوامش “أن الشباب في هذه المناطق النائية بإقليم أزيلال الشغوف بممارسة كرة القدم يعتمد على إمكانياته الذاتية لاستغلال مثل هذه الفضاءات للعب كرة القدم، وغالبا ما تكون هذه الفضاءات عبارة عن بقع مستوية وغير مستغلة، حيث يضطر الشباب إلى اللعب فيها”. 

ويتساءل رضوان في هذا الصدد ” لماذا لم يتم تعميم ملاعب القرب المعشوشبة بهذه الجماعات على غرار مدينتي أزيلال ودمنات؟” ثم يضيف المتحدث “البنيات التحتية غير متوفرة، مما يحد من طموحات الشباب الذي يقبل على هذه الرياضة بشكل كبير”. 

ويطالب الفاعل الجمعوي بتدخل المسؤولين بالإقليم والجهة من أجل تشييد ملاعب جديدة يبرز فيها أبناء المنطقة طاقاتهم ويصقلون فيها مهاراتهم، وأيضا وضع الشباب بالإقليم في صلب اهتمامهم خلال إعداد المشاريع والميزانيات، وسن سياسة مجالية تراعي الخصاص الكبير في المرافق الرياضية الذي تعاني منه هذه المناطق. 

ملاعب على الورق

وضع مجلس جهة بني ملال خنيفرة في برنامج التنمية الجهوية للجهة، والذي يشمل الفترة الممتدة من 2016 إلى 2021، نصب أعينه النهوض بالرياضة لجعلها رافعة قوية للتنمية البشرية والإدماج والتماسك الاجتماعي ومكافحة الإقصاء والتهميش، في أفق جعل الجهة تتوفر على بنيات تحتية رياضية ذات مستوى عال تمكن من تفتق المواهب من خلال تشجيع الممارسة الرياضية.

وفي إطار برنامجه التنموي، خصص مجلس الجهة أهدافا خاصة، تشمل تقوية مرافق القرب الرياضية، وإنشاء وتهيئة المجمعات الرياضية من خلال آليات حددها البرنامج التنموي للجهة في توفير الأراضي لتشييد المنشآت الرياضية الكبيرة، وتشجيع الممارسة الرياضية بالمؤسسات التعليمية.

وحدد البرنامج القيمة المستهدفة في أفق سنة 2021 في 107 ملعب سوسيو رياضيا بالجهة، بعد أن كانت القيمة عند وضع البرنامج هي 27 ملعبا للقرب، و10 قاعات مغطاة و10 مركبات رياضية، حيث تم رصد ما مجموعه 276.1 مليون درهم لإنشاء ملاعب القرب بهدف تقوية البنيات التحتية الرياضية للقرب وفق البرنامج.

لكن وعلى ما يبدو، فإن هذا البرنامج الذي تم تسطيره على مدى خمس سنوات لم تستفد منه أغلب جماعات إقليم أزيلال الذي تتجاوز فيه نسبة الفقر 14.20 في المائة، مما جعل الأصوات تتعالى من أجل ضرورة خلق عدالة مجالية بين كافة المناطق حتى تستفيد باقي الجماعات بالإقليم من هذه البرامج التنموية التي تستهدف الشباب بالخصوص. 

وفي هذا السياق يقول الناشط الجمعوي “محمد أيت تفغالين” وهو مستشار جماعي سابق بجماعة “واولى” “اجتاحت موجة إقامة دوريات في كرة القدم كل دواوير جماعات إقليم أزيلال منذ عيد الأضحى، ولكن الشيء المشترك بينها أنها تقام فوق أرضيات متربة، في وقت يتم فيه بناء ملاعب القرب المعشوشبة حسب القرب أو البعد عن التمثيلية في المجلس الإقليمي والجهوي”. 

ثم يضيف أيت تفغالين “تفاوت مجالي أيضا في هذه المرافق داخل نفس الإقليم، ملاعب بكثرة في مركز الإقليم وانعدامها تقريبا في محيطه الواسع”. ويتساءل الناشط الجمعوي. هل من عدالة مجالية في هذا الإطار مستقبلا؟”

ويشكل الوعاء العقاري حسب من تواصلت معهم هوامش، عائقا أمام العديد من الجماعات الترابية بالإقليم يحول دون إقامة منشآت رياضية لفائدة الشباب أو غير رياضية، في الوقت الذي تبقى فيه ميزانيات هذه الجماعات متواضعة وهمها الأكبر هو الاستجابة لحاجيات أخرى مثل فك العزلة عن الدواوير بمد الطرق والكهربة القروية، ومد أنابيب الماء الصالح للشرب بعد حفر الآبار وإقامة الخزانات، وبالتالي فقطاع الشباب والرياضة رغم أهميته يبقى حتى اللحظة خارج الأولويات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram