الرئيسية

رسوم التسجيل في الجامعات.. إجراءات طُبِخت على نار هادئة؟

على بعد أيام من افتتاح الموسم الدراسي الجديد، وجدت كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط نفسها وسط جدل "رسوم التسجيل". وأثار إعلان الكلية موجة من الاستياء في صفوف الطلبة المنحدرين من أسر فقيرة ومتوسطة. وبينما يؤكد الطلبة والنقابيون أن الرسوم غير قانونية، ردّ عميد الكلية بأن الجدل حول رسوم التسجيل "تكتنفه معطيات خاطئة ومغالطات"، وأنها لا تمس مجانية التعليم، مضيفا أن الأمر "جارٍ به العمل".

أسامة باجي

في بداية العمل بالميثاق الوطني للتربية والتكوين،  منذ أزيد من 20 سنة، حذرت عدد من الفصائل الطلابية داخل الجامعات المغربية من خطر الإجهاز على مجانية التعليم العالي. وكانت هذه الفصائل قد نبهت إلى أن الخوصصة قد بدأت فعلا بعد ورود كلمة  “الشراكة والتمويل ” و”رسوم التسجيل لأول مرة في وثيقة رسمية”. ولمجابهة ذلك رفع حينها الطلبة شعار ”المجانية أو الاستشهاد” لمجابهة بنود الميثاق. وكانت الحركات الطلابية داخل الجامعات، قد أخرت بالفعل مسألة تسديد رسوم التسجيل بفعل الاحتجاجات المتواصلة داخل بعض الجامعات، بيد أن المخطط الاستعجالي الذي تم إعماله سنة 2009، أكد على ضرورة “تنويع الموارد المالية واستدامتها” ما  أدخل حينها قطاع التعليم في دوامة “الخوصصة المقنعة”. 

أنس، وهو طالب بسلك الماستر، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية يرى أن فرض الرسوم على الطلبة مسمار آخر يدقُّ في نعشِ التعليم “في الوقت الذي نطالب فيه بمجانية النقل وتوفير مزيد من الأحياء والمطاعم الجامعية”، ويضيف أن فرض الرسوم داخل كليات عمومية يعد “ضربا لمكتسبات خاضت من أجلها الحركة الطلابية نضالات مريرة”.

أما مريم وهي طالبة بسلك الإجازة  بكلية علوم التربية، وتنحدر من أسرة متوسطة في مدينة سلا، تفكر بجدية في كيفية تدبير “ميزانية” الدراسة لهذه السنة في كليتها. وتعتقد مريم أن مهمتها في مواصلة الدراسة أصبحت صعبة أمام التحديات الجديدة والتي تلزمها بدفع 250 درهما. “بالكاد أوفر مصاريف النقل من سلا إلى مدينة العرفان يوميا، أضف إلى ذلك مصاريف الطبع والمراجع، هذا تطبيع مع الخوصصة” تقول المتحدثة.  

 وعلى عكس مريم وأنس، يرى أحمد، طالب بكلية علوم التربية، أن مبالغ الرسوم “بسيطة بالمقارنة مع الخدمات المقدمة كفضاء المكتبة والأنشطة الثقافية والفنية والرياضية وغيرها”، مبديا “استغرابه” من اعتراض البعض على دفع “مبلغ بسيط مقابل خدمات عدة ترتقي بالبحث العلمي والأنشطة الموازية داخل الكلية”.

عميد الكلية يتهم جهات بالوصاية على الطلبة 

تفاعلا مع الموضوع، اتصلت “هوامش” بعبد اللطيف كداي عميد كلية علوم التربية، وقال كداي إن الجدل حول رسوم التسجيل “تكتنفه معطيات خاطئة ومغالطات”، وأنها لا تمس بمجانية التعليم،  مضيفا أن الأمر “جارٍ به العمل” وأن المبلغ “بسيط لا يتعدى 250 درهما، وتم إقراره من طرف مجلس الكلية، وصادق عليه مجلس الجامعة”. 

وأوضح كداي، أن المبلغ “يغطي تكاليف التأمين والانشطة الرياضية (خمسون درهما) والخدمات الطبية كـ SOS Médecin، وهي خدمة مكلّفة نوفرها لطلبتنا وقمنا بتعميمها على الجميع منذ سنة 2017 بعدما كانت مخصصة لطالبات الإقامة الجامعية”. ونفى كداي أن يكون الطلبة قد اشتكوا من هذه الرسوم متهما جهات لم يسمها بـ “ممارسة الوصاية على الطلبة” ب وذلك بإصدار بلاغ ونسبه لهم متحديا المحتجين بالكشف عن أسمائهم.

رسوم غير قانونية 

وبينما وصل الموضوع إلى قبة البرلمان عبر سؤال كتابي وجهته فاطمة التامني  نائبة من فدرالية اليسار لوزير التعليم، أكد عبد الرزاق الإدريسي الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم “التوجه الديمقراطي” في حديث لهوامش أن “ما يقع على مستوى الكليات من فرض لرسوم التسجيل هو ضرب لمبدأ المجانية وسير نحو خوصصةٌ للتعليم”. 

ويرى عبد الرزاق الإدريسي، المسؤول النقابي، أن المشكل في المغرب مرتبط أساساً بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويتم عبر التعليم العمومي المجاني والصحة العمومية والنقل العمومي والسكن العمومي وغيرهم”، ويضيف أن الدول التي يعتبرها المغرب نموذجا على مستوى السياسات بما فيها “السياسات الليبرالية المتوحشة وغيرها” تتوفر على تعليم موحد ومجاني، معتبرا أن تشجيع الخوصصة وفرض رسوم التسجيل على الطلبة بجميع فئاتهم “ضرب للمجانية”. 

من جهته اعتبر عبد الوهاب السحيمي، أستاذ وناشط حقوقي، أن كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس الرباط تشكل الاستثناء في ضرب مجانية التعليم في المغرب، “لأنها الكلية الوحيدة التي فرضت رسوما على “إعادة التسجيل”، مع العلم أن هذه الرسوم أسقطها البرلمان من قانون الإطار. بينما تفرض الكلية الرسوم على أبناء الفقراء وهو اجتهاد خارج قانون الإطار وخارج الدستور” يقول عبد الوهاب السحيمي. 

وتساءل السحيمي عن “مصير الأموال التي يتم استخلاصها بشكل تعسفي خارج القانون على الطلبة والطالبات سنويا”.

دفع الرسوم طُبِخ على نار هادئة

أكد خالد البكاري، الأستاذ الجامعي والفاعل الحقوقي، أن فرض رسوم على مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود ليس جديدا، وقال في حديث لهوامش “إن هذا الأمر تم طبخه على نار هادئة لأزيد من 20 سنة”.

وأشار البكاري أن الموضوع طُرح في المشاورات حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين في أواخر التسعينيات، مذكرا أن “ميثاق سنة 1999 تضمن فرض رسوم في الكليات ذات الاستقطاب المحدود ولكن لم يتم التركيز على هاته النقطة في النقاشات. 

ويضيف المتحدث أن التمهيد  لهذه الخطوة بدأ عبر رفع بعض الرسوم العادية التي جرى رفعها سنةً بعد أخرى إلى أن وصلنا لهاته المرحلة، والتي يتم فيها فرض رسوم غير متناسبة مع متوسط الدخل الفردي للأسر المغربية” يقول خالد البكاري.

جامعات فقيرة  تحتاج تمويلا كبيرا  

وسط جدل “رسوم التسجيل” رصدت الدولة خلال هذه السنة 62,45 مليار درهم، كاعتمادات  رصدت لقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي. غير أن بعض الجامعات تعتبر نفسها في وضع مالي صعب، لذلك قررت تمويل مشاريعها من جيوب الطلبة لتطوير خدماتها.  

وفي هذا الصدد أوضح عبد اللطيف كداي، عميد كلية علوم التربية لهوامش، أن الكلية بصدد تطوير بنية الاستقبال. وذكر أن الكلية تطلع لبناء خزانة بمواصفات عالية الجودة، “وهذا يتطلب تمويلا كبيرا لا يمكن توفيره من ميزانية الكلية”، موضحا أن الكلية أنجزت عدة مشاريع تتعلق باستخدام الطاقة الشمسية، واعتماد تقنية السقي الآلي بالتنقيط، كما أشار إلى أن المشروع الذي يتم العمل عليه الآن هو إنجاز محطة لمعالجة المياه المستعملة.

وأشار كداي، في سياق توضيح فرض رسوم تسجيل على فئة المأجورين، إلى أن “ميزانية جامعة محمد الخامس جد هزيلة مقارنة مع ميزانية أكاديمية التربية الوطنية على سبيل المثال…وعلى الجامعة أن تبحث عن التمويل مع المحافظة على مجانية التعليم”.

التعليم حق 

يعتبر المحتجّون على قرار فرض رسوم التسجيل أن التعليم المجاني حق للجميع، ويستند هؤلاء على المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص  أن “لكل شخص الحق في التعليم”. و يعتمدون كذلك على اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم (1960) بما في ذلك التمييز المتعلق بعدم القدرة على دفع رسوم التسجيل.

ويرى خالد البكاري في هذا الصدد أن التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية، وعلى الدولة أن توفره للجميع، وانتقد المتحدث تصريحات الحكومات المتعاقبة التي طرحت إعادة النظر في مجانية التعليم بدعوى أن الميزانيات الكبيرة التي يتم تخصيصها للتعليم غير كافية، واعتبر أنها كلمة حق أريد بها باطل.

وأوضح المتحدث أن 80 في المئة من ميزانية التعليم، التي تصل أحيانا إلى 70 مليار درهم، تخصص لأداء نفقات التسيير أي “أنها لا تتعلق بالاستثمار في تأهيل المؤسسات التربوية ولا في البحث العلمي، بل وإن توفرت إمكانات للدولة، فيجب البحث عن تمويلات جديدة بعيدا عن جيوب الأسر”. وهذا ما  عززه تصريح وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى  معتبرا أن الاعتمادات تتوزع على نفقات التسيير، التي بلغت 55.92 مليار درهم، واعتمادات الأداء المتعلقة بنفقات الاستثمار، التي بلغت قرابة 6,53 مليار درهم.

أية بدائل للحفاظ على المجانية؟

يرى خالد البكاري أن هناك بدائل عديدة  للحفاظ على مجانية التعليم من بينها اقتطاع جزء من الضرائب أو المداخيل التي تحصلها المجالس المنتخبة للجماعات الترابية ومجالس الجهات والعمالات، لتمويل البنيات التعليمية والتربوية في محيطها الترابي، كما يقترح “دعم الشركات التي تقدم تمويلات لدعم المدرسة العمومية على شكل تخفيضات ضريبية، مع تشديد المراقبة لمنع التهرب الضريبي، فضلاً عن فرض ضريبة تصاعدية على الثروة، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، وتخصيصها للاستثمار في قطاع التعليم”.

كما اقترح المتحدث ضرورة خفض ميزانيات بعض الوزارات وتحويل مبالغ الخصم إلى دعم التعليم العمومي ولو لمدة محددة، حسب الاحتياجات الأساسية، لتدارك النقص الحاصل كما أشار إلى إمكانية  خفض الميزانية المخصصة للقصر، معتبرا أن ذلك “سيكون تعبيرا رمزيا من هاته المؤسسة حول دعم المدرسة العمومية”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram