محمد الحراق
تجد العديد من الأسر المغربية نفسها مجبرة على المكوث ببيوتها خلال عطلة فصل الصيف، بسبب الظروف المادية والاقتصادية التي تعيشها، بينما تختار أسر أخرى متوسطة الدخل، السفر وكراء شقق في المدن الشاطئية هربا من موجة الحر التي تجتاح المدن الداخلية، فيما تلجأ الأسر الميسورة إلى السفر إلى الخارج أو ارتياد الفنادق المصنفة.
عمر (فلاح)، رب أسرة ذات 3 أطفال، يرى أنه لا يمكنه السفر والاستمتاع بعطلة فصل الصيف، لأن مدخراته من المال لا تلبي تكاليف التنقل والكراء والتغذية، خاصة مع موجة الغلاء الفاحش، وما يتطلبه ذلك من مصاريف.
يقول عمر في حديثه لهوامش ” لا أفكر في السفر رفقة أسرتي إلى المدن الشاطئية أو مدن أخرى، وأفضل أن أرسل أبنائي عند خالتهم القاطنة بالجبل، بقرية ضواحي مدينة خنيفرة “.
ويفضل عمر البقاء بالبيت والقيام بالأعمال اليومية، بالقطعة الأرضية التي تركها له والده، على أن يثقل كاهله بمصاريف هو في غنى عنها.
“إن الموسم الفلاحي كان صعبا على الفلاحين جراء موجة الجفاف التي ضربت المغرب هذه السنة، وكذا غلاء المواد الفلاحية والأعلاف، وعلينا الاستعداد للموسم الفلاحي المقبل، وأن نضع نصب أعيننا كافة الاحتمالات “. يقول عمر.
وبخلاف عمر يرى زهير، وهو طالب بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، أن السفر من أجل الاستمتاع بوقت العطلة أمر مهم لما فيه من فوائد على الصحة النفسية للأفراد والأطفال بالخصوص، لكنه بالنسبة لزهير غير وارد، لما يتطلبه من مصاريف، “فالسفر وقضاء أوقات العطلة خارج البيت، وبعيدا عن الأسرة يعني المزيد من إهدار المال الذي هي بحاجة إليه، وأحتاجه لتغطية مصاريف الدراسة” يقول زهير.
ويضيف زهير “أستغل عطلة الصيف للعمل في أوراش البناء كي أحصل على بعض المال الذي سأحتاجه طيلة الموسم الدراسي المقبل، من أجل متابعة دراستي، دون الاعتماد على إعانات الأسرة”.
ويسترسل المتحدث “كل ما أطلبه هو أن توفر الدولة لنا أماكن للترفيه، من مسابح وقاعات للسينما وفضاءات خضراء، بالمدن الداخلية حتى تجد الأسر أماكن للترفيه بالقرب منها، تعفيها من مشاق السفر ومصاريف كراء الشقق”.
يحيلنا الحديث عن الاستمتاع بالعطلة الصيفية والسفر على الفوارق الاجتماعية بين الأسر، فهناك أسر جد فقيرة تجد صعوبة في توفير قوتها اليومي وتعيش ضيق ذات اليد باستمرار، والطبقة المتوسطة التي أنهكتها قروض السكن وغلاء المعيشة ومصاريف تدريس الأبناء في المدارس الخصوصية، ثم الطبقة الثرية التي تفضل السفر، إلى الخارج أو بالداخل، والاستقرار بالفنادق المصنفة ولا تهمها الأسعار.
وفي هذا السياق يرى سفيان شعو، طالب باحث بسلك الدكتوراه في علم الاجتماع بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن الحديث عن العطلة لدى الفئات الهشة هو في حقيقة الأمر حديث عن الفوارق الاجتماعية بين الفئات الفقيرة أو الهشة والمتوسطة، “وأكاد أجزم أن الفئات الهشة لا عطلة لها، خصوصا عندما نتأمل قسوة الظروف المعيشية والتهاب الأسعار وقلة فرص العمل على طول السنة ” يقول شعو.
ويشير شعو، إلى أن الشغل الشاغل لهذه الفئة (المزاليط) ليس الاستجمام والاستمتاع بالإجازة الصيفية، إنما إيجاد فرصة للعمل لا عطلة للراحة، وهو ما يفسر، بحسب المتحدث، أن الاستمتاع بأوقات العطلة يكون خاصا فقط بالفئات الميسورة التي تتوفر على الإمكانيات المادية اللازمة للاستمتاع.
لكن مقابل ذلك تلجأ بعض الأسر الفقيرة إلى القروض الصغرى، كحل للحصول على المال للسفر، وتتحمل تبعات هذه القروض طيلة السنة، في حين تعمد أسر أخرى إلى زيارة العائلات خاصة بالمدن الشاطئية، وغالبا ما تقتصر هذه الزيارات على أيام محدودة لا تتعدى أحيانا أسبوع.
حسن ” أستاذ فرض عليه التعاقد”، من إقليم بني ملال، وهو أب لثلاثة أطفال، فضل قضاء الصيف الحار والقائظ ببيته، قال في تصريح لهوامش إن “هناك من يلجأ إلى الاقتراض والسلفات الصغرى لحل مشكلة السيولة والاستمتاع أياما قلائل، قبل أن يستفيق على وقع طبول استرداد الدين لشهور، لكني أراها مفاقمة للأزمة وإطالة لعمرها “.
لا يقتصر عدم السفر والمكوث بالبيت على الفئات الهشة فقط، بل إن جزء كبيرا من الفئات متوسطة الدخل تتقاسم وتتقاطع نفس الرؤى مع الفئات الفقيرة، ويبقى العامل المادي محددا أساسيا في إجبار أغلبية الأسر المغربية على البقاء بالبيت، بالنظر إلى التكاليف الباهظة التي يتطلبها السفر والتنقل في ظل غلاء الأسعار.
وكشفت دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط، صدرت في يوليوز 2020، أن 71.5 بالمائة من الأسر المغربية، لا تعتزم السفر بعد الرفع الكامل لحالة الطوارئ الصحية، وأن 86.2 بالمائة من الأسر الأكثر فقرا لا تنوي السفر بعد الحجر، مقابل 13 بالمائة فقط تنوي السفر داخل المغرب، فيما أظهر الاستبيان أن 42.8 بالمائة من الأسر الأكثر ثراء، تنوي السفر داخل المغرب، و2.2 بالمائة ينوون السفر إلى الخارج، مقابل 51.4 لا ينوون السفر.
نفس الدراسة، التي خصصت لفهم سلوك المغاربة لمواجهة كوفيد-19، أشارت إلى أن نسبة الأسر التي صرحت بأنها لا تفكر في السفر تصل إلى 80.6 في المائة بالوسط القروي، مقابل 67.3 في المائة في المدن والحواضر، مشيرة الى أن أسباب امتناع أغلب المغاربة عن السفر، تعزى إلى عدم توفر الإمكانيات المادية لدى 39.4 بالمائة منهم.
وفي بحثها الوطني الدائم حول الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2022، توقعت المندوبية السامية للتخطيط، أن الوضعية المالية للأسر المغربية تدهورت، وأشارت إلى أن 52 في المائة من الأسر التي أجريت عليها الدراسة، أكدت أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 45.4 في المائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض.
وسجلت المندوبية أن معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة بلغ 79.2 في المائة، فيما أكد 14.6 في المائة منها استقرار مستوى معيشتها و6.2 في المائة تحسنه.
حسن، الأستاذ المتعاقد، الذي لا يمل من الاحتجاج على الاقتطاعات التي طالت أجور الأساتذة المضربين عن العمل هذه السنة، يصرح “شكل مثلث الاقتطاعات الجائرة التي طالت مرتباتنا طوال أشهر، والغلاء الفاحش الذي وسم أغلب المواد وألهب الجيوب، والحرارة المفرطة التي تتسم بها المنطقة في فصل الصيف، مانعا حال دون السفر إلى وجهة محبوبة للاستجمام، وأربك كل الحسابات، خاصة أن العطلة تزامنت مع عيد الأضحى المبارك”.
ويضيف حسن، ” كان لزاما علينا المكوث في المنزل، والصبر وتحمل درجة الحرارة واختلاق الأعذار للأبناء، حينما يصل التأفف الى قمته”.
ثم يسترسل حسن “إنه صيف استثنائي بامتياز، لم يعد السفر متاحا لما سمي تجاوزا الطبقة المتوسطة، فالكل تحت المحك، ويصعب على الأبناء استيعاب ما يحصل، كل ما لدينا هو الوعد بفرصة سفر قادمة إن تحسنت الوضعية والأحوال”.
ويختم حسن “علمنا فقه الواقع المرير لهذا الصيف، أن نطبق القاعدة الذهبية كم حاجة قضيناها بتركها، وزهدنا في وعد وجائزة الشاعر: سافر تجد عوضا عمن تفارقه “.
يشكل الحصول على سكن، لقضاء العطلة، هاجسا يؤرق الأسرة المغربية خلال فصل الصيف، حيث يشهد ثمن الشقق والبيوت بالمدن الشاطئية ارتفاعا كبيرا على غير العادة هذه السنة، حسب إفادات العديد ممن استفسرتهم هوامش، وهو ما لا يناسب القدرة الشرائية، المتضررة أصلا بفعل غلاء الأسعار وتداعيات جائحة كورونا، مما يكبح الرغبة في السفر والاستمتاع بعطلة الصيف، أما الفنادق فهي تبقى من نصيب الفئات مرتفعة الدخل.
أسعار النقل أيضا عرفت هي الأخرى زيادات كبيرة، بفعل ارتفاع ثمن المحروقات والزيادات غير القانونية والمضاربات في التذاكر، وهو ما لم يترك للفئات محدودة الدخل أي خيار للسفر، لأن أغلبها لا يملك سيارات خاصة يمكن استعمالها، كما أن الدولة لم تعمل على تشجيع السياحة الداخلية من خلال عروض مشجعة تراعي الوضعية الاجتماعية للأسر محدودة الدخل.
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، يقول في تصريح لهوامش “إن قطاع استئجار البيوت عرف تطورا ملحوظا نظرا لارتفاع الطلب، ولكن ما نسجله هو غياب تأطير قانوني يحمي المستهلك والمورد على نفس المستوى، ما فتح المجال للفوضى، حيث أصبح كل من هب ودب، يعرض شقته للكراء خلال فصل الصيف، ويطلب السعر الذي يريد”.
وأضاف الخراطي، أن قطاع استئجار البيوت والشقق، أصبح بديلا بالنسبة للأسر المغربية خلال هذه الظرفية المتسمة بغلاء الأسعار، وعدم احترام بعض الفنادق للقوانين الجاري بها العمل، مشيرا إلى أن القدرة الشرائية للمواطنين تضررت، بشكل كبير منذ أواخر السنة الماضية، بفعل الأسعار الملتهبة.
وحسب الإفادات التي حصلت عليها هوامش، فإن ثمن استئجار الشقق، مثلا، بمدينة الجديدة تراوح ما بين 250 درهم إلى 450 درهم لليلة الواحدة، وببوزنيقة تراوحت ما بين 300 درهم إلى 500 درهم، ويرتفع الثمن حسب طبيعة الخدمات المقدمة للزبناء، أما بمدن الشمال فالأثمنة تزيد نسبيا، وخاصة في المدن الشاطئية.
وفي هذا الإطار يرى سفيان شعو، أنه إذا حدث أن قررت بعض الأسر أن تسافر، فإن هناك أمكنة وأزمنة تناسب مقامها وتكون محدودة، “مثلا لا يمكن أن تجد هذه الأسر في بعض المدن، خاصة الشمالية التي تكون فيها الأسعار عالية جدا، كما أن الزمن يتحدد في يوم أو يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير، في حين أن الفئات الميسورة تستطيع أن تكتري بيوتا ومنازل وتقوم بحجز أمكنة بالرغم من غلاء أسعارها” يقول شعو.