أسامة باجي
لا يزال الجدل حول “هاشتاغ” #Dégage_Akhannouch وهاشتاغ #7dh_Gazoil و #8dh_Essence محتدا، ومعه يحتد النقاش حول غلاء الأسعار وغيرها في ظل صمت الحكومة وغياب أي تواصل فعال من طرفها.
تفاعل الحكومة مع الوسم كان مقتضبا، حيث علق مصطفى بايتاس، الناطق باسمها، ردا على سؤال في ندوة صحافية قائلا إن “هذه الحكومة تنصت لجميع التعبيرات كيفما كان نوعها، وتستمع لها بإمعان شديد، وتبذل قصارى جهدها للتفاعل والتجاوب والقيام بجميع الإجراءات للتخفيض من أسعار جملة من المواد التي عرفت ارتفاعا”.
وبينما ظل تفاعل الحكومة “باردا”، تعرض المغردون الذين يتداولون “الهاشتاغ” للتخوين أو الوصم، فقد نعت منشط أحد البرامج الإذاعية متداولي الهاشتاغ بـ”الخونة” بل واتهمهم بـ”الخيانة العظمى”، بينما نعتهم رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، بالـ”مرضى”، في تجمع حزبي، ليعود لاحقا في تجمع حزبي آخر ويقول أن “الهاشتاغ” تحركه “جهات خارجية لها أهداف ضد مصلحة وطننا”.
غضب المغردين على رئيس الحكومة يغذيه دافعان، أولهما أن الرجل مالك لأكبر شركة محروقات تشير إليها أصابع الاتهام بالاستحواذ على أكبر نسبة من السوق، وثانيهما ما انتهت إليه لجنة التقصي البرلمانية من الولاية السابقة، عندما قدرت أن شركات المحروقات حصدت بشكل غير شرعي ما يناهز 17 مليار درهم عبر التلاعب بالأسعار، فضلا عن إعفاء رئيس مجلس المنافسة، بعد البحث الذي أجراه المجلس بشأن شركات توزيع المحروقات والحديث عن عقوبات في حقها.
الملك الذي أعفى إدريس الكراوي، رئيس مجلس المنافسة، تحدث في خطاب العرش، 30 يوليوز 2022، عن ضرورة التصدي بحزم للمضاربات والتلاعب بالأسعار، جملة أججت الحملة من جديد واعتبرها مغردون موجهة إلى “أخنوش ومن معه” كي يتوقفوا عن استنزاف جيوب المغاربة.
يرى ياسين عليا، أستاذ الاقتصاد وعضو حركة معا السياسية، أن الحملة ضد أخنوش طبيعية في سياق ارتفاع الأسعار وارتباط رئيس الحكومة بقطاع المحروقات، وقال عليا في حديث لهوامش “إن الحملة ضد أخنوش طبيعية، بالنظر إلى تضارب المصالح بين [وضع] الرجل كمسؤول عن الشركة الأولى في قطاع المحروقات، وبالتالي يسيطر على حوالي 38 في المئة من السوق، ومسؤوليته السياسية كرئيس للحكومة”.
وأكد المتحدث أن “تضارب هذه المصالح يجعل احتجاج المغاربة طبيعيا جدا ناهيك عن وجود سوابق والتي كانت خلال حملة المقاطعة، فضلا عن التغول الذي مارسه عزيز اخنوش في فترة من الفترات، إذن فالاحتجاج رد فعل طبيعي على صمته أمام ارتفاع الاسعار”.
وأضاف عليا أن “المغاربة كانوا بحاجة لخروج أوضح من طرف رئيس الحكومة وتحملا للمسؤولية”، مؤكدا أن أخنوش مهما حاول التملص من مسؤوليته كمدير لمجموعة أكوا المالكة لشركة إفريقيا، يبقى متهما في قضية التواطؤ مع غلاء الأسعار خلال فترات ما بين 2015 و2017 وقصة 17 مليار ومجلس المنافسة الذي تم توقيف تقريره بخصوص التواطؤ حول الأسعار في قطاع المحروقات”.
أشار ياسين عليا إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات تتحكم فيه سياقات مختلفة، لكن تبقى السياقات الاقتصادية هي المؤثرة بشكل كبير. “ارتفاع أسعار المحروقات بدأ منذ سنة بعد عودة الزخم الاقتصادي عقب جائحة كوڤيد، حيث أن ارتفاع الطلب أدى إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، وذلك أثر على المنتوجات المكررة، علما أن المغرب أكثر تضررا لأنه يستورد المنتجات المكررة وليس منتوجات النفط الخام” يقول عليا.
وحسب ذات المتحدث فقد تأزمت الأوضاع بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ “حرمت سوق المحروقات العالمية من حوالي مليون برميل نفط روسي كانت تدخل الى السوق، إثر العقوبات المسلطة على روسيا، فانخفاض العرض في قاعدة اقتصادية أدى الى ارتفاع الأثمنة، وليس المغاربة وحدهم من تأثروا بغلاء الأسعار بل هناك دول أخرى”.
من جهته يرى يوسف الحيرش، مهندس دولة في الصناعة والإنتاج وناشط سياسي وحقوقي، أن ارتفاع أسعار المحروقات في ظل الوضعية السياسية الحالية، والتي تشهد تراجعات حقوقية اجتماعية وسياسية، تغذّي احتقانا اجتماعيا غير مسبوق في المغرب. “ما شهدناه من تراجعات سياسية في استحقاقات 8 شتنبر بزواج السلطة والمال، فضلا عن الأزمة الاجتماعية خلال فترة كورونا التي أظهرت هشاشة ملايين الأسر المغربية، وتراجعات حقوقية من خلال اعتقال الصحافيين والنشطاء والتضييق على حرية الرأي والتعبير، كل هذه المظاهر في ظل هذا الارتفاع غير المبرر للأسعار تشكل خطرا على الاستقرار السياسي في البلاد” يقول الحيرش.
وأوضح الناشط السياسي في حديثه لهوامش أن أسعار المحروقات، يمكن تقسيمها إلى أربعة أجزاء رئيسية وهي النفط الخام، مرحلة التكرير، الضرائب وهوامش ربح الشركات. حيث يرى أن “شركات المحروقات تلجأ للمنتوج المكرر، الذي يستنزف مخزون الدولة من العملة الصعبة أكثر من اقتناء الخام وتكريره عبر لاسامير، التي تم تعطيلها عمدا لكي تستفيد الشركات من هوامش التوزيع والتخزين الكبيرة”.
وأضاف الحيرش “هنا قد نسائل حكومة العدالة والتنمية التي حررت القطاع دون قوانين تضبط بها استغلال هذه الشركات في التوزيع والتخزين”، مضيفا أن “لوبي المحروقات في المغرب أصبح أقوى من أي سلطة مؤسساتية دستورية بعد الالتفاف على ما جاء به مجلس المنافسة في قضية 17 مليار درهم من الأرباح غير الشرعية”.
وأكد المتحدث أن إعادة تشغيل مصفاة لاسامير ستشكل فارقا مهما في أسعار المحروقات، وحتى في تدبير الدولة للعملة الصعبة، فضلا عن تقويض هوامش التخزين والتوزيع التي تستفيد منها الشركات كلما كان التزويد من خارج المغرب. المتحدث ذاته أضاف قائلا “هنا يظهر تضارب المصالح الفج لهذه الحكومة، التي وجب عليها حل ملف لاسامير عاجلا، بينما لن يكون هذا الحل في صالح الشركات، هنا أتكلم عن إفريقيا غاز وبيتروم المملوكة لآل بوعيدة من نفس الحزب الحاكم، حيث يشكلان تقريبا 50% من حصص السوق”.
اعتبر عمر الكتاني، الخبير الاقتصادي، في حديث لهوامش، أن طبيعة الحكومة الحالية هي رأسمالية ريعية، مؤكدا أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالأشخاص “الذين يمارسون الرأسمالية الريعية هم أنفسهم من أُوكلت إليهم حماية المواطن المغربي، وهذه الازدواجية تنعكس بشكل سلبي على المجتمع وطاقته الشرائية” يقول الكتاني.
فيما يرى يوسف الحيرش، أن الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي قرار يرمي إلى تخفيف العبء على المواطن بتقليص نسب الضرائب أو إلغائها مرحليا فقط، كما فعلت عدة حكومات عبر العالم، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية. والأهم بالنسبة له هو استمرار الحملة “من أجل الدفع برئيس الحكومة للخروج من تضارب المصالح، وهذا في صالح المنافسة الشريفة، التي لم يتمكن مجلس المنافسة من ضبطها”.
من المفترض أن مجلس المنافسة يأخذ بعين الاعتبار الأسعار في السوق العالمية وفي المغرب، ويعمل على حماية المستهلك، وفي هذا السياق يتساءل الكتاني “المؤسسات التي لا تقوم بعملها، لماذا تعوضها الدولة، المجلس الأعلى للحسابات أصدر مجموعة من التقارير التي كشفت بعض التجاوزات التي لم تتم متابعتها قانونيا لاحقا، ماعدا بعض الاستثناءات (شركة أجنبية)”.
وأثار الكتاني موضوع المؤسسات التي يجب عليها حماية المستهلك المغربي، “البرلمان، بصفته ممثلا للشعب، لا يحمي الأصوات الضعيفة، فضلا عن قلة وضعف الأصوات السياسية التي تدافع عن المستهلك المغربي” يقول المتحدث.
وأضاف الكتاني “لقد اعتقدنا أن الأزمة العالمية الاقتصادية والاجتماعية سيكون من فضائلها ممارسة ضغوط على اللوبيات من طرف الرأي العام، لكيلا تبقى متحكمة في الأسعار، هذه اللوبيات ترفض التضامن مع المجتمع ومراعاة الظروف الاجتماعية، كبعض الشركات في أوروبا التي قلصت من هامش أرباحها كشركات البنزين والطرق السيارة”.
المتحدث ذاته أوضح أن الرأي العام في المغرب أصبح واعيا بأن المستهلك من الفئات الهشة لا توجد أي مؤسسات لحمايته، مؤكدا أنه “إذا تضررت بعض الفئات في المجتمع، فإن المجتمع ككل سيهتزّ أمنه وهذا ليس في صالح اللوبيات وهذا ما يجب عليهم التفكير فيه”.