أسامة باجي
“اليوم خرجت كناضل مع المغاربة، قهرتونا قهرتونا أنا عشت مع الحكومات منذ 1958 انا ماشي جيت دابا وناضلت”، هكذا تحدثت سيدة مسنة احتجاجا على حكومة أخنوش واحتجاجا على غلاء الأسعار وغياب الحكومة عن هموم المواطنين، وقالت سيدة أخرى “الشعب المغربي تقهر وهادشي لي كنشوف فكازا لا يبشر بالخير راه كاينة ازمة عالمية وهوما كملو علينا لي بقا، رفقا بالشعب المغربي كيعاني فصمت”.
غير بعيد عن صرخة السيدتين، الجمعة 23 يوليوز، بمدينة الدار البيضاء خلال وقفة دعت لها صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وتداولها نشطاء على نطاق واسع، (غير بعيد) سيارات أجرة وسيارات خاصة تضع وسوم #7dh_gazoilو #8dh_essence و #dégage_akhannouch .
الاحتجاجات بدأت في العالم الافتراضي وقوبلت بالصمت الحكومي والتحامل الإعلامي بعد ما راج تشكيك “خبير” في الحسابات المشاركة للوسم وهو ما جعل رواد “الفايسبوك” يضيفون وسم #حسابي_حقيقي_والخبير_مرايقي، وهو رد فعل على التشكيك، في الحسابات التي تغرد بالوسم، وتبخيس الاحتجاج الذي تحول من غرف الدردشة وصفحات الفايسبوك إلى فعل احتجاجي داخل الفضاء العام.
لم يبق الوسم حبيس الفضاء الافتراضي بل تجاوزه ليتجسد على أرض الواقع ويأخذ الحديث عنه موقعه في الفضاء العمومي، فحتى وإن لم يتفق البعض مع الحملة إلا أنها نالت اهتماما كبيرا، وجزء من الاهتمام الذي نالته من “أنصار رئيس الحكومة” انصب على تبخيسها والتقليل من شأنها ثم رفع اتهامات ضمنية بالتخوين.
النعم ميارة، الأمين العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ورئيسُ مجلس المستشارين، اعتبر في لقاء نقابي أن الاحتجاج الرقمي مجرد حملة “جوفاء لا تعرف الجهات التي تقف وراءها” في محاولة منه لتبخيس هذا الاحتجاج على رئيس الحكومة والذي يلجأ إليه مواطنون مغاربة للمرة الثانية بعد حملة المقاطعة الشعبية التي كانت موجهة بالأساس إلى عزيز أخنوش.
بنكيران رئيس الحكومة السابق من جهته قال في كلمة ألقاها خلال انعقاد لقاء للأمانة العامة للحزب “إن رحيل الحكومة وإعفاءها ليس من اختصاص أصحاب الحملة” مضيفا أنه “غير متفق مع رحيل الحكومة الحالية الآن، بل يجب أن يُمنح لها الوقت الكافي”، ووجه حديثه إلى أعضاء حزبه “بغيتو ديرو هاشتاغ ديروه، عبروا عن رأيكم، لكن أنا لن أنخرط فيه، ومن يريد في حزبي أن ينخرط فيه فهذا شأن يخصه”.
الدكتور مصطفى اللويزي، أستاذ الإعلام والتواصل بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، قال في حديث لهوامش إن وسم “أخنوش إرحل” يدل على تطور ممارسة الرقابة الشعبية في العالم الرقمي على السياسات العمومية، ويدل على الوعي بالشأن العمومي باستعمال العالم الرقمي في ممارسة المعارضة تجاه السياسات التي تنهجها الحكومة.
ويرى اللويزي، صاحب كتاب Communication de Crise, Crise de communication أن الوسم “إنذار من فئة عريضة من الشعب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الحكومة فهمت حجم السخط الشعبي وبدأت في ردود أفعال أغلبها غير محسوب وغير مقنع”.
وأكد اللويزي أنه لا يمكن إنكار الاستياء العام من سياسة الحكومة في مجال المحروقات على وجه الخصوص وفي مجال الأسعار بشكل عام، إذ يسجل تخلي الحكومة عن المواطنين في لحظة أزمة وعدم نهج أسلوب تواصلي فعال يمكن المواطن من المعلومات الكافية بخصوص سياسة الحكومة، بل لجأ المواطنون والمواطنات لأساليب أخرى من أجل الاستعلام وهذا يدل على تخلف الحكومة وعدم استفادتها من دروس كورونا.
من جهته اعتبر وليد اتباتو، الصحافي والباحث في الإعلام والتواصل السياسي، في حديث لهوامش أن “الحملة إفراز موضوعي لشرط اجتماعي واقتصادي موسوم بارتفاع موجة الغلاء، وبالتالي فالأسباب الموضوعية تفرض نفسها على وجود رد فعل شعبي، جاء على شكل حملة رقمية ووسوم (هاشتاغات)” تلخص مطالب هذه الحملة.
وأضاف اتباتو أن “الحكومة عاجزة عن تقديم الإجابات، وتلجأ إما للصمت غير المبرر، وإما لتقديم مبررات غير مقنعة، وإما للاستعانة بأطراف أخرى يدافعون عنها بالوكالة، والرهان عند الحكومة أن تخفت الحملة مع مرور الوقت، لكن في كل مرة تتقوى الحملة تجد الحكومة نفسها في مأزق جديد”.
وتأتي هذه الحملة، حسب نفس المتحدث، بعد نجاح حملة المقاطعة التي عرفها المغرب سنة 2018، “وبغض النظر عن مآل هذه الأخيرة، فإن رمزية الحملة وحمولتها أهم ما في الأمر، ونجاحها سيكون مؤشرا إيجابيا وحافزا للالتفاف حول العديد من القضايا الأخرى” يؤكد اتباتو.
الباحث ذاته سجل عدم الاستفادة من الأخطاء التي رافقت السياسة التواصلية للحكومة أثناء حملة المقاطعة سنة 2018 والتي كانت تؤدي إلى نتائج عكسية وأصبحت بمثابة ضح دماء جديدة في الحملة جراء الخرجات غير المحسوبة للحكومة أو للأطراف التي تدافع عنها.
وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي وكالة أنباء رسمية، لم تتورع عن كيل نعوت وأوصاف للاحتجاج على رئيس الحكومة وعلى الغلاء حيث نعتت الاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي بـ “محاولة خطيرة لزعزعة استقرار الحكومة، لا تقاس عواقبها على استقرار البلاد”.
الوكالة، وفي قصاصة عممتها تحت عنوان “عشر نقاط رئيسية لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي” قالت إن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، يواجه حملة “مغرضة” و “غير صادرة عن إرادة شعبية”، مضيفة أنها حملة “ليست ناجمة عن حركة شعبية، وإنما تغذيها على الخصوص أزيد من 500 حساب مزيف، تم إحداثها فوريا من قبل أوساط حاقدة غير معروفة حتى الآن لشن حملة ضد رئيس الحكومة”.
واعتبر اللويزي أن طريقة تناول الاحتجاج الحالي من قبل وكالة المغرب العربي للأنباء، منافية لأخلاقيات الصحافة، “إذ لم يسبق للوكالة الحديث في خبر مستقل عن الحملة والهاشتاغ، وبالتالي كيف لها أن ترد على أشياء لم تشر إليها من قبل”.
وأضاف نفس المتحدث “إن مهمة الوكالة تكمن في عمل صحفي يعطي الحق في التعبير عن المعارضة بكل أريحية، وفي نفس الوقت إعطاء الكلمة للفاعل الحكومي للإدلاء برأيه فيما يخص الحملة، أما أن تتكفل الوكالة بالرد، فهذا يفقد عملها كل مصداقية ويدخله في خانة البروباغاندا السياسية، لا أقل ولا أكثر”.
يتفق الباحثان (مصطفى اللويزي ووليد اتباتو) على “السقطة الأخلاقية والمهنية” لوكالة المغرب العربي للأنباء في طريقة تناولها للموضوع، ودفاعها عن رئيس الحكومة بشكل غير مهني، إذ اعتبر وليد اتباتو أن “فشل الحكومة في تدبير هذه الأزمة عمليا وتواصليا، جعلها تستعين بأطراف أخرى بالوكالة، بدءا بما قاله الخبير الأجنبي، الذي حاولوا أن يسوقوا أن ما نشر حول الحملة هو دراسة علمية، في الوقت الذي لا تعدو أن تكون مجموعة تدوينات لا غير”.
وواصل اتباتو قراءته للأمر بالقول “إن 500 حساب الذي تحوم حولهم الشبهات لا يمكن أن يتم التأسيس عليها للضرب في مصداقية الحملة في كليتها، وهو الأمر الذي أنعش الحملة وبدأت تصاحب الوسومات عبارة (حساب حقيقي) في إشارة إلى التزام مسؤول للمنخرطين في الحملة”.
وفي نفس السياق اعتبر مصطفى اللويزي أن طريقة تناول الوكالة الرسمية للموضوع “بعيدة كل البعد عن أية قواعد مهنية صحفية”، مشيرا إلى أن “الأمر يتعلق أساسا باستغلال وسيلة إعلام عمومية، من المفترض أن تقدم خدمة عمومية، للدفاع عن الحكومة بالنيابة وهذا عمل يضر بالوكالة وبصحفييها ويضع لاماب في خانة وكالات شمال إفريقيا المتخلفة”.
أما وليد اتباتو فأكد أن وكالة المغرب العربي للأنباء التي “وقعت في خطأ مهني وأخلاقي هي مؤسسة رسمية لا يُفترض بها الزج بنفسها في نقاش عمومي والاصطفاف في صف جهة معينة ومصادرة حق شريحة كبيرة من المواطنين في التعبير عن حقهم في الرفض”.
ياسمين اللعبي المتخصصة في محاربة الأخبار المضللة أشارت في تدوينة على حسابها على منصة “فايسبوك” إلى أنه في سياق الحملة التي صارت تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب، نشر مارك أوين جونس عبر حسابه على تويتر نتائج تحليل أخضع له الهاشتاغات الثلاث، وتوصل مارك إلى أن حوالي 500 من هذه الحسابات التي تشارك في نشر الهاشتاغات هي حسابات جديدة أنشئت في يوليوز، وتقوم فقط بنشر التغريدات دون تفعيل الخاصيات الأخرى وهذا ما يحيل إلى أنها حسابات وهمية، وهو ما أوصله إلى خلاصة أن الحملة موجهة.
اللعبي قالت إن الخبير أغفل عوامل عديدة مشيرة إلى أنه في المغرب يُستخدم تطبيق الفايسبوك أكثر من تويتر وهذا أمر معروف، وحسابات تويتر المغربية تذهب أكثر في منحى التصفيق لسياسات المغرب وقراراته وليس الانتقاد، إذ نادرا ما تجد مغربيا يحتج ضد سياسات المغرب على تويتر لكنك ستجد الأمر بشكل واسع على فايسبوك.
اللعبي أضافت أن الهاشتاغات بدأت على فايسبوك وأخذت تنتشر بشكل كبير على الصفحات وفي المجموعات، ومن هنا جاءت دعوات كثيرة من الفايسبوكيين إلى إنشاء حسابات في تويتر لإيصال أصواتهم وجعل الهاشتاغات “ترندا” يُرى من قبل العالم، وبالفعل قام العديد من الأفراد بإنشاء حسابات على تويتر فقط من أجل تفعيل الهاشتاغات، وبالتالي كيف لشخص جديد على موقع ما أن يجيد استخدام كل خصائصه.
كما أوردت في تدوينتها أن مارك أوين يقر أن الأزمات قد تعرف التحاق أشخاص جدد بتويتر، لكن ما أكد شكوكه هو أن هذه الحسابات تنشر نفس الهاشتاغات بنفس الطريقة، موردة أن هناك خاصية ال copy paste –(نسخ/لصق) ببساطة- التي تسمح بنشر الهاشتاغات بنفس الصيغة، والمغاربة الغاضبون أصبحوا أكثر حذرا في مسألة استعمال هاشتاغات الحملة بعد ظهور هاشتاغات أخرى.
وقالت اللعبي “لا أنكر وجود تنسيق يتم على مستوى الصفحات والمجموعات ولكن الاعتماد على عدد من الحسابات الحديثة التي ترجح المعطيات أنها لأشخاص وافدين من الفايسبوك للقول إن الحملة موجهة من قبل أشخاص مجهولين هو حكم متسرع، ربما شجع عليه التعامل الميكانيكي للمغاربة مع الهاشتاغات ومكننا من الحصول على تحليل أيضا ميكانيكي لا يراعي السياق المغربي وسلوك المغربي على وسائل التواصل الاجتماعي”.
مارك أوين جونز، المحلل البريطاني، الذي اعتمد أنصار رئيس الحكومة والوكالة الرسمية للأنباء على تدويناته للطعن في الحملة الرقمية، أشار في تدوينة عبر حسابه على تويتر إلى أن بحثه تم تحريفه وتحويله إلى معلومات مضللة.
وقال جونز في تدوينته “مثير جدا للاهتمام أن يتم تحريف بحثي الذي يحاول تسليط الضوء على الخداع وتحويله إلى معلومات مضللة”.
وأضاف جونز في رد على تعليق لأحد متابعيه، أكد أنه لم يقل إن الحملة أطلقتها حسابات مزيفة، وهو ما روجته عدة منابر إعلامية وعلى رأسها وكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفا بالقول “لم أقل أنهم أطلقوا الوسم (الهاشتاغ) وهو أمر خاطئ بالقطع، وبالتالي هذا الجزء من القصة يشكل تحريفا صارخا”.
في سياق حملة المطالبة بتخفيض أسعار المحروقات ورحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كشفت وسائل التواصل الاجتماعي عـن تحـول جذري، وهو تحـول افتراضي مفاجئ أفرزته الاستعمالات المتتالية لهذه المنصات، هذا التحول شكل ما يمكن أن نسميه مجتمعاً افتراضياً، وهو نمط عيش واحتجاج داخل فضاء رقمي يمكن أن ينتقل من خلال الغضب الشبكي الى الغضب الواقعي.
ويعرف الباحث بهاء الدين مزيد، في كتابه “المجتمعات الافتراضية بديلا عن الواقعية”، المجتمع الافتراضي على أنه جماعة من البشر تربطهم اهتمامات مشتركة، ولا تربطهم بالضرورة حدود جغرافية أو أواصر عرقية أو قبلية أو سياسية أو دينية، يتفاعلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، ويطورون فيما بينهم شروط الانتساب الى الجماعة وقواعد الدخول والخروج وآليات التعامل والقواعد والأخلاقيات التي ينبغي مراعاتها.
وليست هذه المرة الأولى التي يتجسد فيها الغضب الرقمي على الشخص ذاته، فقد كانت الحملة الأولى والتي انخرط فيها المغاربة بشكل كبير، وهي حملة مقاطعة لشركة أخنوش بالدرجة الأولى ومعها مقاطعة عدة علامات تجارية، وقد كانت حملة ناجحة بالنظر إلى حجمها ومداها وكذلك نتائجها.
ويمكن تفسير هذا الانتقال في الاحتجاج من الساحات إلى المنصات الرقمية، بانغلاق المناخ السياسي والحقوقي المتسم بالردة والتراجع، وكذا الأرضية الخصبة التي أصبحت تمتاز بها مواقع التواصل الاجتماعي، مما يسهم في إفراز احتجاجات بديلة وهو ما تجسد في حملات المقاطعة وهاشتاغ إرحل وغيره.