الرئيسية

هل المغاربة فعلا على السّنة الإبراهيمية؟ عيد الأضحى بين العادة والعبادة

هذا العيد الذي يأتي بعد أزمة كوفيد وغلاء متواصل لأسعار المحروقات، أعاد النقاش حول شعيرة "عيد الأضحى" وهو نقاش قديم يتجدد كل سنة. ما المتحكم  إذن في "عيد الأضحى"، الدين والشعائر العقائدية أم التمثلات العرفية والثقافية للمواطنين؟

أسامة باجي

يأتي العيد هذه السنة في ظرف يتفق معظم المغاربة على أنه الأصعب منذ وقت طويل، وقد كانت جولة واحدة في أحد أسواق بيع الأضاحي كافية لاستنتاج التذمر الظاهر على وجوه الناس.

بحث معظم المواطنين في سوق القصيبة عن كبش يناسب جيبهم، غير أن الغلاء  كان العنوان الأبرز  لأسعار الأضاحي  هذه السنة. هذا العيد الذي يأتي بعد أزمة كوفيد وغلاء متواصل لأسعار المحروقات، أعاد النقاش حول شعيرة “عيد الأضحى” وهو نقاش قديم يتجدد كل سنة. ما المتحكم  إذن في “عيد الأضحى”، الدين والشعائر العقائدية أم التمثلات العرفية والثقافية للمواطنين؟ وهو ما حاول أن يجيب عنه باحثون ومتخصصون في الفكر الديني وعلم الإجتماع تحدثوا لـ”هوامش”.

عيد الأضحى عبادة أم عادة؟

يحكي مواطنون في سوق المواشي لـ ”هوامش” أن العيد طقس مقدس، “فمن لا طاقة له قد نجمع له المال والمساعدات لنوفر له الأضحية”. 

لقد كان عيد الأضحى ولازال مناسبة أسرية هامة “لاجتماع العائلة والأحباب” ويصعب أن يتخلى الناس عن ذلك لما يمثله من رمزية مجتمعية قوية لدى المغاربة. ويبدو الأمر أنه، إلى حد بعيد، امتثال للأعراف والثقافة الجمعية. وهذا ما اتجه إليه الباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب رفيقي الذي أكد في حديثه لـ “هوامش” أن موضوع عيد الأضحى “رغم كونه في الأصل شعيرة دينية وعبادة نتقرب بها إلى الله إلا أنه قد يتداخل فيه ما هو اجتماعي بالديني”، وأضاف الباحث في الفكر الإسلامي، “أجزم أن  العامل الاجتماعي قد غلب ما هو ديني”.

 ويذهب رفيقي أن الأعراف والعادات المرتبطة بعيد الأضحى طغت على ما هو ديني في الموضوع فأصبحت تشكل ضغطا لا ينفك منه الفرد. ما نراه من طقوس ”هي عادات وأعراف اجتماعية أكثر من كونها دينية”.

ويؤكد الباحث أن عيد الأضحى “سنة مؤكدة في غالب المذاهب لا ترقى إلى درجة الفريضة ولا إلى درجة الواجب”. ويستشهد المتحدث بالسيرة النبوية وتاريخ الصحابة، ”لم يكونوا ينحرون الأضحية ولن تجد لديهم هذا الحرص الشديد الذي تعرفه المجتمعات الإسلامية اليوم وخاصة في دول كالمغرب”.

لقد كان القصد من العيد، حسب الباحث، أداء الصلاة والفرح وتبادل التهاني والزيارات ولم يكن الحرص على مظاهر ذبح الأضحية بهذا الشكل إلا في مواسم الحج.

ويشير رفيقي أن التمثلات الاجتماعية كان لها دور في نقل حكم الأضحية من المستحب والسنة الشرعية إلى اللازم والفرض الاجتماعي. 

ويمكن تفسير هذه المصارعة بالضغط الاجتماعي حيث تحول عيد الأضحى إلى محطة للتفاخر بين الناس في اقتناء أفضل الأضاحي وأغلاها ثمنا. “إن الضغط الاجتماعي يكون مصدره احيانا الشريك والأبناء، وقد يشكل عبئا على المعيل”. 

عيد الأضحى ممارسة ثقافية أم دينية؟

مع دنو مناسبة عيد الأضحى تتكرر مجموعة الأسئلة التي تهدف إلى فهم وتفكيك الفعل الفردي والجماعي المرتبط بتدبير طقس ديني وقرباني كـ”عيد الأضحى”؛  وهذا ما يراه “مصطفى بنزروالة” الباحث في علم الإجتماع في حديثه لهوامش، فهذه الأسئلة حسبه تتحول إلى محاولات ومقاربات معرفية لتفكيك هذه العلاقة الملتبسة بين الفعل الديني الطقوسي وارتباطاته بتمثلات ثقافية وممارسات رمزية.

وحسب الباحث فإننا إزاء “إحراج معرفي حقيقي” ونحن بصدد وضع المسافات اللازمة بين العادة والعبادة في عيد الأضحى.

ومن خلال التأمل في هذا الطقس،  يرى  بنزروالة أنه ليس هناك أي “إجابات جاهزة” حول الموضوع بالنظر إلى أن المجتمع المغربي وفق التوصيف الباسكوني (بول باسكون) مجتمع مركب، ليس في بنيته فقط، بل حتى في مصادر ثقافته وانتماءاته المجالية وعراقته وأصالته. “فعندما يختلط الوحي بالتاريخ على مدار أزمنة وقرون يصعب التمييز والفصل في الممارسة الطقوسية” يقول المتحدث. 

وفي هذا السياق يرى نفس الباحث أن ”عيد الأضحى اختلط فيه الوحي بمقولات التاريخ وثقله واختلط فيه الدين بالتدين” ودليل ذلك، حسب المتحدث نفسه، تأويل الناس لقصة التضحية بين النبي إبراهيم والنبي إسماعيل بل حولها البعض إلى مصدر للسخرية (النكتة).  

وحسب بنزروالة فإن العيد بالأمس، لم يرتبط بيوم العيد أو لحظة الذبح، بل تبدأ طقوسه سواء الدينية أو الثقافية قبل أسبوع أو أسبوعين، بالزيارات العائلية، والمعايدات، والتجمعات العائلية خاصة في الأسر الممتدة التي تجتمع في بيت الأب أو الجد، فيكون العيد بذلك فعلا جماعيا، سواء دينيا أو اجتماعيا. 

والملاحظ اليوم، حسب المتحدث، أن هذه الطقوس والعادات والقيم المؤطرة للمناسبة بدأت تتراجع لصالح قيم جديدة، تمتح من الفردانية والاكتفاء الذاتي، بل في كثير من الأسر فقد العيد معانيه الجميلة المرتبطة بالدفء العائلي والأسري وقيم التراحم المعتادة لصالح قيم تعاقدية صارمة، ظهرت عمليات الذبح الجماعي في المجازر البلدية، وظهرت الاحتفالات المخملية التي تعتبر عيد الأضحى كغيره من المناسبات فهناك من يحتفل به بالمطاعم والفنادق وغيرها.

الخروف الإبراهيمي أم الإنسان الإبراهيمي؟

من جهته اعتبر الباحث والكاتب منير الحجوجي صاحب كتاب “القوات المسلحة الإيديولوجية” في حديث لمنصة “هوامش” أن “طقس عيد الأضحى” يقع على النقيض المطلق من النظام الثقافي والسياسي الذي رسّخه “الحاكم العربي” منذ انقلاب معاوية بعد العهد النبوي.  

ويضيف الباحث، نعلم أن الله أنزل الخروف على نبيه إبراهيم  – ولا يهم إن كانت القصة حقيقية أم لا- حتى ينقل له فكرة وجوب تحويل العنف من الإبن نحو وجهة أخرى (الحيوان). إن الأمر يتعلق بإشارة إلهية قوية للبشر، حتى لا يستنفذوا طاقات العنف في الاقتتال فيما بينهم  “وهو ما لم تستطعه المجتمعات العربية/الإسلامية”. على حد قوله.

ويقول الحجوجي إن “ما يلزمنا ليس الخروف الإبراهيمي ولكن الإنسان الابراهيمي، والإنسان الإبراهيمي هو الذي يفهم اقتسام فرحة العيش مع الآخر، هو من لا يهدأ له بال إلا وهو يقتسم ما يملك مع كل جائع في العالم”. مشيرا”سنحتفل لأول مرة ربما بعيد الأضحى حين سننجح في هدم نسق تنحر فيه أقلية الأغلبية كل يوم بطريقة جديدة”. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram