محمد تغروت
“منذ حوالي سنة ونصف، طلبنا ترخيصا من المجلس الجماعي لأولاد عياد –إقليم الفقيه بنصالح- قصد استغلال مقر دار الثقافة بالمدينة، لتأسيس فرع أولاد عياد للنقابة الوطنية للفلاحين التابعة للجامعة الوطنية للفلاحين/الاتحاد المغربي للشغل، وتلقينا موافقة مشروطة بموافقة السلطات المحلية، غير أن باشا المدينة رفض تسلّم الإشعار، وهو ما دفعنا لإرساله عن طريق مفوض قضائي، وتلقينا نفس الجواب، أي رفض التسلم، لنجد أنفسنا مضطرين لعقد الجمع العام التأسيسي في الشارع العام” هكذا حكى عزيز برنوصي، نائب الكاتب العام المحلي للنقابة الوطنية للفلاحين فرع أولاد عياد، لمنصة هوامش عن العراقيل التي واجهها ورفاقه من أجل عقد اجتماع تنظيمي وفق قانون الحريات العامة.
الجمع العام المشار إليه عرف حضور سعيد خير الله الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للفلاحة المنضوية تحت لواء الإتحاد المغربي للشغل، وهو نقابة وطنية تحظى باعتراف وطني ودولي، غير أن عددا من فروعها لازالت تتعرض للتضييق وضرب الحق في التنظيم، الذي يكفله الدستور.
فرع أولاد عياد للنقابة الوطنية للفلاحين، ليس الإطار الوحيد الذي لم يتم تسليمه وصل الإيداع، على إثر تأسيس أو تجديد هياكله، غير بعيد عن المدينة، فرع سوق السبت للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يعيش نفس الوضع، إذ أكد إبراهيم حشان رئيس الفرع، في تصريح لمنصة هوامش أن “فرع سوق السبت من بين الفروع المحرومة حتى من وصل الإيداع القانوني لأسباب واهية وغير قانونية ومخالفة لقانون الجمعيات الذي يكفل الحق في التنظيم”.
وأكد حشان أن مكتب الفرع قام بإصدار بيانات وتنفيذ اعتصامات داخل مقر السلطة المحلية ووقفات احتجاجية وكذلك تم اللجوء الى القضاء الإداري، عن طريق تحرير محضر قانوني برفض السلطة المحلية المختصة بتسليمه الوصل القانوني وحكمت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بإلغاء قرار السلطة المحلية القاضي بعدم تسليم الوصل ولكن استئنافيا تم إلغاؤه من جديد “لأسباب غير جدية وواهية”، حسب تعبير ذات المسؤول الحقوقي، غير أن ذلك لم يمنع الفرع من الاشتغال بشكل مستمر رغم المضايقات التي يتعرض لها على غرار كافة فروع الجمعية.
في ذات السياق كان محمد زندور رئيس فرع خنيفرة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قد نشر على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، بلاغا أوضح فيه أنه “بعد قيام المكتب بكافة الإجراءات اللازمة كما هو منصوص عليها قانونيا من أجل تسليم الملف للسلطات المختصة، رفضت هذه الأخيرة في شخص قائد المقاطعة الثالثة تسلم الملف القانوني للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخنيفرة في استمرار للتضييق على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عموما وبخنيفرة خاصة.”
وأدان ذات البلاغ ما وصفه بـ “شكل من أشكال الحظر على جمعية قانونية”، معلنا عن استعداد الفرع وعزمه الدخول في أشكال احتجاجية من أجل الدفاع وتحصين الحق في التنظيم.
فرع المنارة مراكش لذات الجمعية بدوره تم حرمانه من وصل الإيداع القانوني وذلك لثلاثة مرات على التوالي رغم توفره على حكمين قضائيين استئنافيين، ويسبقه رفض تسلم السلطات الإدارية للملف القانوني بذريعة أوامر عليا.
واعتبرت عواطف التريعي، رئيسة فرع المنارة مراكش للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح لمنصة هوامش أن عدم تسليم وصل الإيداع القانوني للفرع يعتبر شططا في استعمال السلطة وتجاوزا للقانون، وانتهاكا للنصوص الدولية المتعلقة بالحق في التنظيم كما وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يعتبر المغرب طرفا فيه.
فروع سوق السبت وخنيفرة ومراكش لا تشكل استثناءَ، بل هي جزء من 78 فرعا من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي رفضت السلطات العمومية أن تتسلم منها الملف القانوني، وأن تسلمها وصل الإيداع، ذلك ما أكده المكتب المركزي لهذه الجمعية الحقوقية في رده على رد مفتوح لشوقي بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، في معرض جوابه على تقرير لمنظمة (هيومن رايتس ووتش).
وأكدت الجمعية في ذات الرد أن 74 فرعا، من أصل 88 فرعا محليا من فروعها، محرومون من حقهم في وصولات الإيداع؛ مذكرة بأن ملفا شاملا، حول هذه “الانتهاكات”، موجود لدى رئاسة الحكومة وكل قطاعاتها المعنية منذ سنوات.
إبراهيم حشان المحامي ورئيس فرع سوق السبت، أكد أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عرفت، منذ 15 يوليوز 2014، “تاريخ انطلاق حملة الدولة المغربية ضد الحركة الحقوقية عامة والجمعية على وجه الخصوص، تضييقا متزايدا على عملها، اتخذ أشكالا متعددة”، وذكر من بين هذه الأشكال، منع الجمعية مركزيا وعلى مستوى فروعها الجهوية والمحلية من القاعات العمومية ومن قاعات الفنادق لتنظيم أنشطتها التكوينية والإشعاعية؛ حرمانها من حقها في تنظيم المخيمات الحقوقية للشباب؛ عرقلة عمل الجمعية المتعلق بأندية التربية على حقوق الإنسان؛ حرمان الجمعية كذلك من الدعم المالي على المستوى المركزي والمحلي؛ هذا عدا الإعذار الموجه لها، والرامي إلى تهديدها بسحب صفة المنفعة العامة عنها.
نفس الوضع ينطبق على العديد من فروع النقابات والجمعيات الحقوقية، ولعل أبرز الأمثلة هو ما تعانيه جمعية أطاك-المغرب التي حصلت في 29 مارس 2002 على وصل الإيداع القانوني الذي يسمح لها بالاضطلاع بأنشطتها بصورة قانونية، بعد حملة تضامن دولية، ومنذ ذلك التاريخ، وبعد كل مؤتمر، تجدد الجمعية طلبها للحصول على وصل الإيداع كما يقتضيه القانون، ولكن السلطات ترفض حتى تسلم الملف، والنتيجة هي حالة غامضة، إذ أن جمعية أطاك-المغرب موجودة قانونيا ولكنها لا تملك الوثيقة التي تمكنها من تأكيد وجودها القانوني، مما يعطل بشكل كبير أنشطتها، خصوصا تلك التي تتطلب الإدلاء بوصل الإيداع القانوني من قبيل طلبات الاستفادة من القاعات العمومية.
إثر ما اعتبر “هجوما ممنهجا على حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات” تشكلت سنة 2014،
والذي تعود شرارته إلى الجلسة الأسبوعية لمراقبة الحكومة في البرلمان، يوم 15 يوليوز 2014 ، عندما وجه محمد حصاد، وزير الداخلية المغربي آنذاك، سهام النقد لمن وصفهم بـ”الجمعيات والكيانات الداخلية” التي تعادي المغرب، والتي “تروج الأكاذيب عن وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” في المغرب، ولم يعطِ المسؤول الحكومي المغربي اسم أي تنظيم حقوقي أو أي اسم لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومي، غير أن الأحداث التي تلت ذلك أبرزت أن أغلب الجمعيات والمنظمات الحقوقية كانت مستهدفة ومعنية، خصوصا تلك التي لا تقتصر على ترديد الروايات الرسمية.
وهو ما دفع الجمعيات المعنية إلى تأسيس شبكة وطنية باسم “شبكة الجمعيات ضحايا المنع والتضييق” وضمّت أكثر من 16 هيئة تشكو كلها من الحرمان من وصولات إيداع ملفاتها ومن “المنع التعسفي من استعمال الفضاءات العمومية لتنظيم أنشطتها”، وأصدرت هذه الشبكة تقريرا قدمته أمام الصحافة حول حجم هذا المنع والتضييق المتزايدين.
كما راسلت الشبكة كل المؤسسات الرسمية المختصة، إذ وجهت مراسلة إلى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتاريخ 14 يوليوز 2015، حصرت فيها عدد الأنشطة الحقوقية، التي تعرضت للمنع منذ يوم 15 يوليوز 2014 إلى حدود يوم المراسلة في ما يتجاوز عددها 150 نشاطا خلال سنة، بالإضافة إلى “الامتناع تعسفا” عن تمكين أكثر من 40 هيئة من وصل إيداع ملفها القانوني في نفس الفترة تقريبا.
وساءلت الشبكة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمعرفة ما يمكن أن تقوم به مؤسسته في مواجهة “هذا التردّي الصارخ للحقوق والحريات في المغرب، وما هو الدور الذي ستلعبه لجعل الدولة تمتثل للقانون وتتوقف عن الخرق المتواصل والممنهج للمساطر الإدارية التي تنظم مجال تأسيس الجمعيات، وتلك المنظمة لاستعمال الفضاءات العامة وكذا التجمعات الخاصة والعامة في الفضاءات غير العمومية”.
ووجهت الشبكة، مراسلة تذكيرية إلى وزير العدل والحريات بتاريخ 12 ماي 2016، قصد طلب التدخل العاجل من أجل احترام الحق في التنظيم والحق في التجمع، داعية إياه لتحمل مسؤولياته بصفته الوزير المعني بالعدل والحريات، قصد التدخل لإنصاف الحركة الحقوقية من كافة أشكال المنع والتضييق التعسفيين الذين تتعرض لهما.
غير أن كل المؤشرات تدل على أن هذه المراسلات لقيت آذانا صماء، وهو ما دفع لجنة المتابعة لشبكة الجمعيات ضحايا المنع والتضييق إلى التقدم بشكاية إلى كل من المقررين الأمميين الخاصين: المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وكذا المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، وذلك “بشأن التضييق والمنع الممارس من طرف وزارة الداخلية المغربية ضد الجمعيات المدنية والمدافعـين عن حقوق الإنسان”.
كما تشكلت بعد ذلك “المبادرة الوطنية من أجل الحق في التنظيم” من هيئات وطنية واجهت نفس واقع الحصار والمنع، هذه الأخيرة أصدرت مساء الثلاثاء 7 يونيو 2022، بيانا تضامنيا مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من أجل حقها في التجمع السلمي والتنظيم، وحقها في استعمال الفضاءات العمومية لعقد مؤتمرها الوطني الثالث عشر، على إثر امتناع باشا مدينة بوزنيقة عن الترخيص لها باستعمال المركب الدولي للشباب والطفولة ببوزنيقة، لعقد هذا المؤتمر المقرر أيام 24 و25 و26 يونيو 2022.
وأشار البيان أن الجمعية الحقوقية سبق لها في مناسبات عديدة أن التجأت للقضاء الإداري، الذي كانت له كلمته في الموضوع؛ حيث أصدر 33 حكما يدين تلك الممارسات لمخالفتها للقانون، ولطابعها المتسم بالشطط والتعسف؛ غير أن ذلك من يكن يحد من تلك الممارسات بل زاد السلطات “إصرارا وتعنتا” حسب تعبير البيان، فواصلت تجاهل للقانون، برفضها تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها لفائدة الجمعية، غير عابئة بما يمليه ذلك ويوجبه عليها، ولسان حالها يقول “أنا القانون والقانون أنا”.
وينص القانون المغربي المنظم لتأسيس الجمعيات على نظام التصريح والإشعار في تأسيس الجمعيات المدنية، عوض نظام الترخيص، فالمادة 5 من قانون الحريات العامة تنص على أنه “يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي، يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال، وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور، وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء. وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما وفي “حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها”، غير أن عدم الحصول على وصل إيداع قانوني يحرم العديد من الجمعيات من الاستفادة من حقوق يتيحها لها القانون، وتكون مشروطة بوجود هذا الوصل.