مروان المودن
يحاول العديد من الشباب المغاربة مغادرة المغرب بطرق غير نظامية أقل خطورة من ركوب الأمواج. وبعد أن أصبحت الطرق التقليدية بالغة الخطورة أصبح جزء منهم يفكر في الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا. وبينما لازال الشباب يغامرون بالذهاب إلى ليبيا التي أضحت اليوم ساحة حرب أو ركوب أمواج المتوسط، أصبحت هذه السبل أقل جاذبية بالنسبة للبعض الآخر. وفي الواقع أصبح هؤلاء يفضلون السفر إلى تركيا عبر الطائرة ثم مواصلة المشوار برا للوصول إلى الفردوس المفقود. ومن أجل ذلك أسس بعضهم مجموعة في فايسبوك لتبادل النصائح أو تنظيم السفر عبر مجموعات. “هوامش” اخترقت إحدى هذه المجموعات لاستقصاء طرق الهجرة من المغرب عبر تركيا ومن تم إلى أوروبا.
يعلن شاب باسم مستعار تاريخ مغادرته من مطار الدار البيضاء نحو إسطنبول في رحلة مغامرة جديدة، ويخبر أعضاء المجموعة بموعد طائرة المغادرة، ويطلب ممن يرغب مرافقته الإتصال به على الخاص. بعد بضعة ثواني يجيبه شاب مغربي آخر، عبر خاصية التعليق، بأنه سيهاجر بدوره خلال الأسبوع الموالي، ويطلب منه أن يؤجل رحلته لركوب مغامرة الهجرة معا.
هكذا تنطلق الرحلات الجوية التي تقل أشخاصا عازمين على جعل تركيا معبرا إلى “حياة أفضل”. في بعض التدوينات تجد من يطلب يد المساعدة من الحدود التركية.
صحافي هوامش تقمص دور مهاجر عالق في الحدود التركية، وطلب يد المساعدة في المجموعة الفايسبوكية، بعد مدة قصيرة توصل صحافي هوامش برسالة من “باجين” إسم مستعار يستعمله أحد المهربين، تضمنت الرسالة بعض المعطيات عن المكان، إضافة إلى رقم هاتفي لأحد المهربين، قال إنه يعرف الطريق جيدا للوصول إلى حدود اليونان، وهناك يكمل المهمة مهرب آخر ليعبر بنا نهر الحدود.
تنتعش تجارة تهريب البشر إلى أوروبا في تركيا. أشخاص يعملون ليل نهار على نقل المهاجرين غير النظاميين إلى حدود صربيا ومنها إلى هنغاريا. وتخضع أسعار التهريب لمنطق السوق وطرق التهريب والمسافات والأماكن، وتتراوح معظمها ما بين 1000 و1500 يورو للمهاجر الواحد. وكان تقرير لموقع “أحول” التركي قد أشار إلى أن أكثر من مليون شخص عبروا من تركيا إلى اليونان بطرق غير نظامية منذ عام 2015 وأن مهربي البشر جنوا أكثر من 10 مليارات دولار من وراء عمليات التهريب.
بعد وصول المهاجرين إلى تركيا، يقوم وسطاء بتسليمهم إلى “خطاف” (شخص ينقل المهاجرين بسيارة شخصية لا تتوفر على رخصة لنقل المسافرين)، بيد أن هذه الوسيلة – رغم سهولتها – لا تخلو من نصب ولا من مخاطر، وفي حالة نجاحها، تعتبر نقطة التحول من تركيا إلى أبواب أوروبا.
يقول عبد الحق أحد أعضاء المجموعة “كايجي حراك كايقول ليك غانصيفطك للنقطة الفلانية فبلغاريا مثلا ولا اليونان وغايجي عندك خطاف الى بغيتي تعطيني مليون ونص ولا جوج دالمليون، صافي كاترصي معاه وكاتعطيه تسبيق ولا كاين لي تايقول ليك خلص كاش وفالأخير ****** ففلوسك مكاين لا تسليمة لا والو غير نصب فنصب. رد بالك شحال من مرة بغاو يديروها بينا مشينا حتى للنقطة ومكاين والو غير النصب”.
بسبب عمليات النصب على المهاجرين في الحدود التركية، أصبح الغالبية منهم، يفضلون المشي لأيام على شكل مجموعات. وحين يصلون إلى مدينة “صوفيا”، تبدأ رحلة شاقة أخرى، لكن “صوفيا” هي المعبر الرئيسي إذ تقع في غرب بلغاريا، وهي تحتل موقعا استراتيجيا في وسط شبه جزيرة البلقان، على مفترق الطرق الذي يربط أوروبا الغربية بالشرق الأوسط. لا يمكث المهاجرون المغاربة فيها كثيرا، نظرا لكونها شديدة الحراسة والخطورة، إذ تعرض فيها مهاجرون للضرب والابتزاز وهجوم بالكلاب. لذا يكون عليهم الرحيل فورا من مدينة “صوفيا” إلى منطقة “دروغمان” عبر القطار. وبما أن الشرطة تتواجد غالبا في محطة دروغمان الرئيسية، يفضل أغلبهم النزول في المحطة التي قبلها.
بعد مغادرة محطة القطار تنطلق رحلة مشي شاقة لمدة يومين أو ثلاثة إلى إحدى القرى بصربيا، هناك تتواجد حافلات تربط القرية الصغيرة بعاصمة صربيا “بلغراد”. عند الوصول إلى هذه النقطة، يصبح الحذر الشديد هو العامل الرئيسي للنجاح، فقد يلقى عليهم القبض في أية لحظة وهم على مقربة من “الحلم الأوروبي”.
إلى جانب طريق صربيا توجد طرق عديدة أخرى يسلكها المهاجرون، مثل طريق الشاحنات من تركيا للنمسا. حيث يلتقون هناك سائقي الشاحنات الكبيرة، فبعضهم يتاجر أيضا في نقل المغاربة. لكنها وسيلة أكثر خطورة ويتعرض الكثير منهم للاعتقال.
بدورها تعتبر طريق اليونان نقطة تحول كبيرة في مسار الهجرة، خلافا لطرق التهريب التقليدية من اليونان إلى أوروبا عبر سلسلة مهربين، يسلك المهاجرون الطريق الأسهل ماديا والأصعب عضليا، لأنها تتطلب 150 ساعة من المشي على الأقدام وسط الغابة وعبور الأنهار قبل الوصول إلى إحدى دول أوروبا الشرقية والوسطى.
للوصول إلى اليونان يجب عبور نهر إيفروس العريض في “بلم” بقارب مطاطي، وهو الأمر الأصعب، حيث تنتشر شرطة الحدود التي تستعمل الرصاص الحي في بعض الأحيان. وإذا نجحت العملية يصل المهاجرون أخيرا إلى مدينة “كافالا” أو “سالونيك” لتنطلق رحلة عبور أخرى نحو بلدان أخرى، فأغلبهم لا يمكث في اليونان لفترة طويلة مخافة إعادتهم إلى تركيا لأن أغلبهم يتخلص من أوراق هويته في الطريق.
تعتبر المجموعات الفايسبوكية اليوم منير طريق “المهاجرين” إذ يتبادلون فيها نصائح الوصول الآمن وتفادي الاعتقال أو عنف رجال الشرطة. أول النصائح المنتشرة بكثرة بينهم تخص طريقة السفر، حيث ينصحهم المهاجرون السابقون أولا بالسير ليلا وتفادي حمل الحقائب والملابس التي تعكس الضوء، والاكتفاء ببعض المأكولات خفيفة الوزن، لأن الرحلة تستمر أياما، وتتطلب من 10 إلى 12 ساعة من المشي يوميا.
تتعدد النصائح وتذهب إلى أبعد حيثيات الرحلة كالنوم داخل كيس بلاستيكي كبير من اللون الرمادي وغطاء خفيف. للوقاية من المطر والبرد، والتخلص من بطائق الهوية، وتقنيات تقطيع سياج الحدود، وعبور نهر الحدود مع اليونان وغير ذلك من الإرشادات التي تساعد الراغب في الهجرة على تجاوز العوائق التي قد تصادفه، إرشادات تخضع لـ “تحديث” مستمر مع استمرار أفواج العابرين الذين ينقلون تجاربهم إلى اللاحقين.
أنجب عصر الإنترنت جيلا جديدا من المهاجرين استطاع تكييف الوسائل الرقمية لخدمة رحلات الهجرة غير النظامية. ويبدو أن الجيل الجديد متمسك بنفس الحلم : “الفردوس الأوروبي” لكن بتكاليف أقل، ونسبة خطورة أدنى من مواجهة أمواج البحر، ويتيح لهم “مجتمع المعرفة” الرقمي المفتوح، العديد من المعلومات والتجارب بغية تحسين مستواهم المعيشي هربا من الفقر والبطالة.