الرئيسية

سوق السبت أولاد النمة مدينة يهددها العطش

بتقاسيم وجهه الشاحب المائل إلى السمرة، ينتظر "محمد " دوره كما العشرات من الأطفال والنساء أمام الصنبور الوحيد بالحي، لملء بعض القنينات بالماء، بعد انقطاع شبه كلي للماء عن أحياء المدينة، حالة من الاستنفار عاشتها المدينة بعد يومين من الحرارة المفرطة تجاوزت 42 درجة، واستياء وتذمر باد على محيا الساكنة التي لا شيء يشغل بالها في هذه الأيام سوى البحث عن قطرة ماء تروي بها عطشها.

هوامش

وأنت تتجول بأحياء مدينة سوق السبت أولاد النمة: الإنارة، وسيدي الحضري والنخلة وسيدي بن عدي والرجاء، وغيرها… يشد انتباهك تجمعات لعشرات النسوة والأطفال والشيوخ، وهم ينتظرون في طوابير طويلة أمام بعض النقاط التي تتواجد بها ثقب مائية (آبار) للحصول على قليل من الماء، وكأنهم نازحون انفلتوا من عقال حرب طاحنة، فالماء هنا غدا مادة نادرة، والجميع يصارع من أجل الحصول عليه بأي ثمن. 

“إننا نعاني اليوم الأمرين في هذه المدينة، لم نجد ماء للشرب أو للغسيل، لقد تفاقمت أوضاعنا كثيرا، وأصبحت لا تطاق، على المسؤولين التحرك العاجل لحل هذا المشكل ورفع المعاناة عن الساكنة” بهذه العبارات تحدث محمد للمنصة، وهو متوجس مما تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت لساكنة المدينة.   

3 آبار فقط لمدينة بأكملها

تعتبر مدينة سوق السبت أولاد النمة، ثاني أكبر تجمع سكاني بإقليم الفقيه بن صالح (وسط المغرب)، حيث تتجاوز ساكنتها حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، أزيد من 61 ألف نسمة (سنة 2014)، كما تتميز بكثافة سكانية مرتفعة وفق نفس الإحصائيات، لكن رغم هذا التطور الديموغرافي المهم الذي شهدته المدينة، فإن أغلب أحيائها ظلت تفتقر للبنيات التحتية، خاصة الماء الصالح للشرب والكهرباء والصرف الصحي والعديد من الخدمات الأخرى.

عاشت المدينة ضغطا كبيرا خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حيث توافدت عليها موجات مهمة من المهاجرين من المناطق المجاورة التي عانت من تبعات الجفاف الذي ضرب المغرب خلال الثمانينات، وشكل الماء عامل جذب أيضا للمهاجرين، فتشكلت العديد من الأحياء الهامشية والناقصة التجهيز خاصة الماء الصالح للشرب. 

تعتمد مدينة سوق السبت أولاد النمة في تموين احتياجاتها من الماء على الآبار بنسبة 100 في المائة، حيث تتوفر على ثلاثة آبار بصبيب يبلغ 80 لتر في الثانية حسب معطيات الوكالة الجماعية المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة التي حصرت وضعية صبيب هذه الآبار الثلاثة قبل نحو أسبوعين في 57 لتر في الثانية، مسجلة تراجعا مهما في مجموع صبيبها، هذا التراجع حددته الوكالة في 23 لتر في الثانية. 

شهدت الآبار الثلاثة بداية شهر ماي الماضي، انخفاضا كبيرا في إنتاج مياه الشرب، ليصل مجموع صبيب الآبار الثلاثة إلى 31.5 لتر في الثانية مع ذروة عجز في التدفق بنسبة 39.37 في المائة، ليتفاقم الوضع أكثر مع بداية شهر يونيو. 

هذا الوضع جعل الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة والمسؤولين بالمدينة والإقليم تحت الضغط بعد انتشار دعوات إلى الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، ضدا على هذا الاضطراب المفاجئ وغير المتوقع في تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب. خاصة ألَّا أحد كان يتوقع أن يصل الأمر بهذه المدينة إلى ما هي عليه اليوم من عطش وجفاف وخوف من المستقبل، بسبب الاستنزاف الكبير للفرشة المائية والتدمير المتواصل لما تبقى منها عن طريق حفر الثقب المائية واستغلالها في السقي أو في بعض الوحدات الصناعية، حيث يتم ذلك أحيانا خارج إطار القانون. 

استياء عارم

تسود حالة من التذمر وسط الساكنة، وهي تعيش على إيقاع الانقطاعات المتكررة للماء منذ أزيد من 3 أشهر، انقطاعات زادت من معاناتها، ورفعت من منسوب الغضب، حيث تزايدت الدعوات للاحتجاج على هذا الواقع، كما رفعت من وتيرة الاجتماعات سواء محليا أو إقليميا لتطويق المشكل والحيلولة دون تفاقم الوضع. 

في 9 من ماي المنصرم، نفذ فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسوق السبت، وقفة احتجاجية أمام مقر الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالمدينة ندد فيها بما أسماه سياسة تعطيش الساكنة، حيث طالب الفرع المحلي المسؤولين بضرورة التدخل العاجل لتوفير الماء للساكنة بكميات وفيرة وجودة عالية. 

الجمعية، استنكرت عدم التزام الدولة بتعهداتها المتمثلة في ضمان الماء الصالح للشرب لكافة السكان، داعية المسؤولين إقليميا وجهويا إلى التدخل العاجل لرفع المعاناة عن ساكنة المدينة التي تعيش وضعا صعبا، خاصة مع الارتفاع الحاصل في درجة الحرارة، والإسراع في عملية تأمين تزويد المواطنين بهذه المادة الحيوية. 

بعد صمت طويل، خرجت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء لتادلة، عن صمتها، وأكدت في بلاغ لها بتاريخ 9 ماي المنصرم، أن الاضطراب المسجل حاليا بشبكة توزيع الماء الصالح للشرب يعزى إلى انخفاض مستوى الماء في الآبار التي تزود المدينة، نتيجة ظرفية الجفاف التي تشهدها الجهة.

وأضافت، أنها قامت منذ ملاحظة هذا الاضطراب، بتجنيد كافة مواردها البشرية والتقنية قصد تدبير هاته المرحلة، والسهر على تزويد كافة أحياء المدينة بالماء الشروب على ضوء الموارد المائية المتوفر لديها.

الوكالة، أشارت إلى أنها ستقوم على خفض مستوى المضخات في الآبار من أجل الزيادة في الصبيب كإجراء استعجالي ابتداء من ليلة 9 ماي الماضي، مشيرة إلى أن هذه الأشغال ستتطلب مدة أقصاها 48 ساعة.

وأوضحت أنها، وبتنسيق مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء، قطاع الماء، سيتم تأمين تزويد المدينة بالمياه من محطة أفورار كحل نهائي لمشكل تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب خلال الأسابيع المقبلة.

تفاقم الأزمة دفع الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة إلى إصدار بلاغ ثانٍ يوم 12 يونيو الجاري، أشارت فيه إلى أنها ستقطع المياه بالتناوب على أحياء المدينة، وسطرت برمجة لهذه الانقطاعات معللة ذلك بـ “التناقص الكبير” في مخزون المياه الجوفية. 

ودعت الوكالة الساكنة في ذات البلاغ إلى تدبير الحاجيات اليومية من الماء خلال فترة الانقطاعات، وهو ما انتقده رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين عبروا عن استيائهم من طريقة تواصل الوكالة مع الزبناء.

حلول مؤقتة في صيف حارق

لجأت الوكالة بعد تفاقم الأزمة بداية شهر ماي الماضي، كإجراء استعجالي إلى خفض مستوى المضخات في البئر المتواجد بتراب جماعة أولاد بورحمون الذي يعود لملكية الوكالة، وكذا بالبئر المتواجد بحي النهضة (لخرابشا)، بإضافة 9 أمتار من الروافع لكل بئر، مما أدى إلى زيادة في التدفق بمقدار 8.5 لتر في الثانية، حيث تحسن معدل العجز وانتقل من 39.37 إلى 28.75 في المائة، وفق تقييم الوكالة للوضع قبل حوالي أسبوعين. 

لكن هذه الحلول التي لجأت إليها الوكالة، لم تكن سوى حلولا مؤقتة، فسرعان ما عاد الوضع إلى طبيعته، بل تفاقم أكثر مع موجة الحرارة التي شهدتها المنطقة خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو، وضع، تجددت معه مشاهد الجري في كل الاتجاهات للبحث عن قطرة ماء، كما تجددت معه أيضا مظاهر التذمر والاحتجاج، والتساؤل عن كيف سيمر صيف هذه السنة الساخن على المدينة.

الاعتماد على الآبار الثلاثة فقط لتزويد مدينة تبلغ ساكنتها حوالي أزيد 62 ألف نسمة، أمر يثير الكثير من التساؤلات حول ما إن كانت هناك مخططات استراتيجية متبعة من طرف المجلس الجماعي والسلطات الإقليمية، وباقي الشركاء لتأمين حاجيات المدينة من مختلف المواد الغذائية أو الماء، وكذا حمايتها من المخاطر المحتملة. 

إبراهيم حشان، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسوق السبت، اعتبر في تصريح لمنصة هوامش أن سياسة الاعتماد على الآبار من طرف الجهات المختصة في تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب، هي سياسة أثبتت عدم نجاعتها كليا، وهذا ما أكدته الأزمة الحالية التي تمر منها المدينة ومناطق أخرى من المغرب. 

ثم أضاف حشان “لقد أصبح لزاما على الجهات المختصة اتخاذ إجراءات استباقية عدة مع مختلف المتدخلين من أجل تأمين الماء، تهم أساسا تعبئة موارد مائية إضافية لتلبية مختلف الحاجيات من الماء وخاصة الماء الشروب، عبر تعزيز اللجوء إلى المياه الجوفية؛ إذ يجب إنجاز وتجهيز ثقب مائية جديدة، واتخاذ تدابير محكمة لحقينات بعض السدود وتخصيص جزء منها للماء الصالح للشرب، إضافة إلى معالجة المياه الأجاجة المتواجدة في الفرشاة المائية”.

5 أشهر عجاف تنتظر الساكنة

أمام الأزمة المزمنة المتمثلة في صعوبة تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب، وانخفاض مستوى الماء بالآبار الثلاثة، لم يبق للمسؤولين بالوكالة والمجلس الجماعي وباقي المتدخلين سوى البحث عن حلول أخرى لتأمين كميات من الماء للساكنة، خاصة مع الارتفاع الحاصل هذه الأيام في درجة الحرارة ومع اقتراب عيد الأضحى. 

حنان أبو الفتح، المديرة العامة للوكالة المستقلة توزيع الماء والكهرباء بتادلة، صرحت قبل أسبوعين لوسائل إعلام محلية “أن الوكالة أطلقت طلبات عروضا من أجل حفر المزيد من الثقب المائية بالمدينة، وأنها بصدد استغلال ثقب مائي يصل عمقه حوالي 217 متر سيساهم في حل الإشكالات التي تعرفها المدينة”.

وعلى ما يبدو فإن الوكالة، ومعها مسؤولو المدينة ليس لديهم من خيار لإنقاذ المدينة من العطش سوى حفر المزيد من الآبار، وهي مغامرة قد تنجح أو تفشل بالنظر إلى تكلفة الحفر المرتفعة، وكذا جودة المياه المتوقعة بهذه الآبار، وتعقّد مساطر فتح طلبات العروض والتمويل وغيرها. 

رئيس المجلس الجماعي لسوق السبت بوبكر أوشن بدوره أكد في تصريح للصحافة ” أن الخيار الوحيد لتأمين تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب هو حفر آبار جديدة، مؤكدا أن مجلس جهة بني ملال خنيفرة أعطى موافقته للمجلس من أجل حفر ثقبين مائيين يصل عمق كل واحد منهما إلى حوالي 400 متر “.

 لكن وعلى ما يبدو فإن هذه الوعود لم تتلمس طريقها إلى التنفيذ إلى حد الآن، وفي انتظار ذلك يتعين على “محمد ” ومعه ساكنة المدينة أن تتحمل 5 أشهر أخرى من المعاناة، حتى نهاية أشغال جلب مياه سد بين الويدان عبر محطة أفورار إلى المدينة لعلها تسد قوس العطش نهائيا، وتعيد البسمة إلى أهاليها. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram