محمد تغروت
عند الحديث عن المكتبات المدرسية بالمغرب، تحضر المذكرة الوزارة رقم 156، الصادرة بتاريخ 17 نونبر 2011، والموجهة من وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي (كما كانت تسمى آنذاك)، إلى مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ونواب الوزارة بالعمالات والأقاليم، والمفتشين، وكذا مدراء مؤسسات التعليم والأساتذة، وتخص “تفعيل أدوار المكتبات المدرسية ونظام الإعارة”.
وتندرج المذكرة، حسب ديباجتها، في إطار تفعيل مقتضيات البرنامج الإستعجالي، وخصوصا الشق المتعلق بتوفير الشروط الداعمة لتوسيع العرض التربوي، وتشجيع الإقبال على التمدرس والارتقاء بالتعلّمات وتوفير الشروط التي تتيح للتلاميذ التقدم في دراستهم إلى أبعد مدى ممكن.
وتقر ذات المذكرة بالدور الحيوي الذي تضطلع به المكتبات المدرسية، بصفتها بنيات تربوية أساسية داخل المؤسسات التعليمية، بحيث أنها توفر للمتعلمين مراجع تساعد على إثراء المنهاج الدراسي وتعزيزه وتيسير مضامينه، وتشجّعهم على الدراسة والبحث، وتوسع آفاق مداركهم وترسخ مكتسباتهم الصفية.
وتطلب الوزارة في المذكرة المشار إليها من المتدخلين الموجهة إليهم، التقيد بمجموعة من الضوابط، في تفعيل نظام الإعارة “الذي يشكل آلية تربوية لضمان تكافؤ الفرص بين المتمدرسين، نخص منها بالذكر، إيلاء عناية خاصة بالمكتبات المدرسية من حيث تأهيلها وتجهيزها بالمعدات والتكنولوجيا الحديثة ووسائل العمل وتأطير العاملين بها، والحرص على إغناء رصيدها من الكتب المدرسية المصادق عليها من الوزارة.
وقد سبقت هذه المذكرة، مذكرات وزارية سابقة في ذات الموضوع، أبرزها المذكرة رقم 199 الصادرة بتاريخ 7 أكتوبر 1991، والمتعلقة ب”الخزانة المدرسية”، تنطلق المذكرة من الحديث عن أهمية الخزانة المدرسية داخل المؤسسة بالنسبة للأطر التربوية والتلاميذ، والبرنامج الذي أعدته الوزارة والذي يستهدف إعادة الاعتبار لها، ومن ذلك خلق مجلس الخزانة وحث الشركاء (خاصة جمعيات الآباء وأولياء التلاميذ) على الاهتمام بها، وتخصيص جزء من مداخيل الجمعية لاقتناء الكتب، وكذا القيام بحملات تفتيش وبحث للإطلاع على أحوال الخزانات المدرسية، وتنظيم حلقات دراسية لفائدة القيمين على الخزانات المدرسية، وما إلى ذلك من إجراءات.
من خلال التواصل مع العديد من الأساتذة الذين اشتغلوا في مؤسسات تعليمية، في مختلف مناطق البلاد، اتضح وجود بون شاسع بين ما أصدرته الوزارة المكلفة بالقطاع في موضوع المكتبات المدرسية، وبين الواقع المعاش داخل المؤسسات، الأستاذ إسماعيل صرح لمنصة هوامش، أنه بالنسبة للمؤسسة التي يشتغل فيها هذه السنة (بمدينة تاهلة) وتلك التي اشتغل فيها السنة الفارطة (بتاونات)، “لا وجود لمكتبة مدرسية ، على عكس قاعات المعلوميات، التي ربما يتم تصنيفها كمكتبات مدرسية، من ناحية توفير الكتب سواء الصيغة الورقية أو الرقمية”، وأشار المتحدث إلى وجود قاعات معلوميات ولكنها تتوفر على تجهيزات أكل عليها الدهر وشرب، إذ “قد تجد عشرة أجهزة حاسوب واحد منها فقط صالح للاستخدام، أو قد لا تجده، إذ يصل الأمر إلى أن مادة المعلوميات تدرس لتلاميذ الجذع المشترك بشكل نظري، إذ رغم وجود أجهزة تغيب الصيانة في حالة تعرضها لأي عُطَل، في حين تغيب بشكل نهائي الكتب بالصيغة الورقية، وأكثر من ذلك حتى الأقلام اللبدية (marqueurs) المستعملة من قبل الأساتذة في التدريس لا يتم توفيرها بالشكل الكافي، إذ يتم توفير قلمين كل شهر وبجودة ضعيفة، فما بالك بالكتب” حسب نفس المتحدث.
في نفس الإتجاه تأسف عبد الاله مومن، الأستاذ بإحدى المؤسسات بمديرية تاونات، على أنه إلى جانب زملائه كانوا يطمحون إلى خلق مكتبة مدرسية، بمجهودات ذاتية، منذ بداية الموسم الأول لالتحاقه بسلك التعليم “منذ خمس سنوات، ونحن نطمح الى تحقيق هذا الهدف، غير أن الأمر لم ينجح، أولا بحكم انشغالات نضالية ومهنية، وثانيا لأن الوزارة الوصية على القطاع رغم أنها أصدرت مذكرات في هذا الشأن إلا أن الواقع يقول أن الوزارة بعيدة كل البعد عن الشعارات التي ترفعها”، وأردف مومن قائلا “الواقع مثلا نحن بالفرعية لا نتوفر على مكتبة مدرسية ولا حتى على فضاء يسمح بإنشائها اللهم بعض القصص القليلة التي اقتنيتها من مالي الخاص، طرقت باب الادارة لعل وعسى أن نستفيد من دعم الوزارة، لكن للأسف نصيب الفرعية كان فقط عشرين قصة متشابهة المحتوى”.
وأضاف ذات المتحدث أنهم خلال هذه السنة قاموا بإدراج النقطة المتعلقة بإنشاء مكتبة مدرسية ضمن مشروع المؤسسة “عسى أن تستفيد المؤسسة من دعم مالي يساعدنا في توفير مكتبة مدرسية للمتعلمين بالدرجة الاولى وكذا العاملين بالمؤسسة”.
وأوضح مومن أن “المشكل الكبير في العالم القروي هو أنه حتى البنية التحتية للمؤسسة لا تساعد الإدارة ولا الأساتذة في إخراج المكتبة المدرسية لحيز الوجود بحكم أن الفرعية تتوفر على ثلاث حجرات دراسية فقط، ما يعني أنه لا وجود لقاعة يمكن تحويلها إلى مكتبة مدرسية، وهو ما دفعنا لتشييد سقيف من الزنك كحل ترقيعي يقي المتعلمين برد الشتاء وحر الشتاء ويستغلونه بين الحين والآخر كفضاء للمطالعة”.
في ذات السياق لاحظ خالد جبور، أستاذ بمركز التبريز وأستاذ سابق في إحدى ثانويات منطقة الرحامنة أن “واقع حال المدرسة العمومية المغربية تجعلنا نقول، بلا تردد إن المكتبات المدرسية لم تنل ما تستحق من اهتمام وعناية، بالرغم من إجماع واضعي المنهاج على هذا الدور”، وقال جبور في تصريح لمنصة هوامش إن “المؤسسات التعليمية التي تتوفر على مكتبات وفضاءات القراءة وغيرها هي في الحقيقة ثمرة مبادرات فردية لبعض الأساتذة، وبدعم من بعض الهيئات كجمعيات الآباء وبعض جمعيات المجتمع المدني، وحتى بدعم من أشخاص ذاتيين تحركهم الغيرة على المدرسة العمومية”.
وعلى عكس ما ورد في المذكرات الوزارية المشار إليها، يكشف واقع الحال عن غياب تكافؤ الفرص، خصوصا بين العالمين القروي والحضري، ويظهر ذلك بشكل جلي في مسابقات القراءة التي تنظمها الوزارة بشكل سنوي، على المستوى الجهوي والوطني، إذ أن أغلب الوحدات والمجموعات المدرسية تنعدم بها المكتبات المدرسية مما يجعل شعار تكافؤ الفرص بين المتعلمين، مجرد شعار أجوف، ويحرم العديد من التلاميذ من المشاركة في هذه المسابقة خصوصا في ظل وجود طاقات ضمن هاته البراعم تهوى القراءة بشغف كبير.
م.د أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، فوج 2017، في مادة الفلسفة، كشف لمنصة هوامش أن هناك انفصالا واضحا بين منطوق المذكرات الوزارية وما يصرّح به، وبين الواقع الذي تعيش على إيقاعه المؤسسات التعليمية والتربوية عموما ببلادنا، وأكد ذات المتحدث أن “أبرز دليل على هذا الانفصال هو الغياب الكلي للمكتبات المدرسية في كل المؤسسات التعليمية التي اشتغل فيها منذ عام 2017، وكذا غياب المكتبة المدرسية داخل المجال الجغرافي الذي ينتمي إليه سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الثانوية أو الابتدائية”، وأضاف مشدّدا “أتحدث عن الغياب الكلي للمكتبة المدرسية وليس وجود هذا المرفق وغياب تفعيله. كل هذا يبرز التناقض الصارخ بين ما تصرح به الوزارة الوصية على القطاع وواقع مؤسساتنا التعليمية.”
“شبكة القراءة بالمغرب“، وهي جمعية مدنية تسعى إلى “التحسيس بأهمية القراءة”، وجهت رسالة مفتوحة إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حول ضرورة إنشاء وتأهيل المكتبات المدرسية، إذ أكدت الشبكة أن “المغرب يعرف أزمة قراءة تهدد كيانه الحضاري، باعتبارها أزمة بنيوية وتاريخية عميقة”. مضيفة أن السياسات المتبعة لم تجعل قضية القراءة أولوية في استراتيجيتها أو مكونا من مكونات التنمية البشرية المستدامة، الشيء الذي أدى إلى شبه انعدام القراءة لدى عامة المواطنين”.
الشبكة، التي تعتبر فعل القراءة مدخلا لتكوين المواطن الواعي، و تكريس القراءة آلية الانخراط الواعي والمبدع في تنمية مستدامة، أضافت أن البنيات التأهيلية لحضور الشباب المغربي في الملتقيات الدولية الخاصة بمجال القراءة والمعرفة في مختلف الميادين تكاد تكون غائبة، مذكرة أنه “إذا كان الدخول إلى عالم الحداثة والتقدم يرتكز على انتشار المعرفة، فلا بد من بناء وترسيخ أسس كفيلة بانتشار ثقافة القراءة والتمكين من الولوج إليها”.
وأوضحت الشبكة في ذات الرسالة أن جل المؤسسات التعليمية في بلدنا تفتقد إلى المكتبات المدرسية. وحتى في حالة وجودها فهي مكتبات معطلة، مغلقة في وجوه التلاميذ بحيث تحولت عن أدوارها في تشجيع القراءة، إلى مخازن للأرشيف من كتب مدرسية لم تعد مستعملة، أو تحولت إلى قاعات اجتماعات أو إلى مربد للمتلاشيات من العتاد المدرسي، كما أن الأطر بها، إن وجدت، غير مؤهلة، ألحقت بها لسبب المرض وفقدانها القدرة على قيامها بمهامها التربوية السابقة، فأصبحت فاقدة الاستعداد للعمل أو الرغبة فيه.
وطالبت الشبكة الوزير من موقعه كوصي على قطاع التربية والتكوين أن يعمل على وضع سياسة متكاملة وطموحة للنهوض بالقراءة وجعلها أولوية في عمليات التنمية البشرية والمجتمعية، وكذا فتح المكتبات بكل المؤسسات التعليمية وتزويدها بكتب تلبّي حاجيات القراءة عند جميع المستويات التعليمية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المكتبات المدرسية الموجودة من حيث البنيات التحتية والكتب والموارد البشرية، و توظيف أطر مؤهلة بالتكوين والتكوين المستمر في مجال المكتبات والتنشيط القرائي والثقافي، دون إغفال تضمين المناهج والبرامج حصصا فصلية للقراءة وإدماجها في عناصر تقويم التعلّم.
كما دعت الشبكة إلى حث المؤسسات على خلق نوادي القراءة وتشجيعها وتوفير الدعم المالي اللازم للقيام بأنشطتها المحفزة على القراءة.
يحتل المغرب المرتبة الثالثة ما قبل الأخيرة في تصنيف بيرلس الدولي مع كل من مصر وإفريقيا الجنوبية، وفق ما كشفه تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
وأوضح المجلس في تقريره المتعلق بتقييم نتائج التلاميذ المغاربة في الدراسة الدولية التي تجرى كل خمس سنوات لقياس مدى تقدم القراءاتية للتلاميذ (Pirls 2016)، أن الهدف من هذا التقييم هو معرفة النواقص الموجودة في التعليم المغربي بالدرجة الأولى.
واستند التقرير على مجموعة من المعايير حول النتائج التي تحصل عليها التلاميذ المغاربة في تقييم “بيرلس” الدولي، ومن بينها مميزات هؤلاء التلاميذ وعلاقتهم بآبائهم ومحيطهم العائلي (وجود مكتبة في المنزل، ووالدين متعلمين)، إضافة إلى علاقتهم بالمحيط المدرسي.
وأظهر التقرير أن المغرب حصل على 300 نقطة فقط في هذه الدراسة التقييمية الدولية (بيرلس)، بينما 500 نقطة هي المعدل الدولي، ويصنف تقرير الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم لسنة 2021 (وهي دراسة دولية تتم كل 5 سنوات منذ 2001، تقيس أداء تلاميذ المستوى الرابع في القراءة، ومدى تطورهم في القراءة مع مرور الوقت).
وكان تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، (صادر سنة 2019)، بشأن “النهوض بالقراءة، ضرورة ملحة”، قد وقف على ما تشهده بلادنا من تراجع للقراءة وللأنشطة المساعدة على تعزيز وإغناء معارف المواطن ومهاراته، معزيا ذلك إلى العديد من العوامل، من بينها غياب بيئة أسرية ومنظومة تربوية تُشجعان على تنمية حب القراءة؛ والعدد غير الكافي للمكتبات المدرسية والمكتبات العمومية وأماكن العيش الخاصة بالنهوض بالقراءة.
وأوصى المجلس في ذات التقرير يوصي تقرير المجلس بوضع استراتيجية وطنية منسقة، تنفذ بكيفية تدْريجية بهدف تشجيع القِراءَة مدى الحياة وفي كل مَكان.