هوامش
كادت سيدة أن تفقد حياتها، نهاية الأسبوع الجاري، وهي تضع مولودها وسط جبال أيت عبدي، قرب قرية تمزاغرت جماعة إملشيل إقليم ميدلت. وحسب المعطيات التي توصلت بها منصة هوامش، فالسيدة وضعت مولودها على جنبات الطريق، بمساعدة مسعفين من الوقاية المدينة، وصلوا بعد اتصالات متكررة، قاطعين مسافة 5 ساعات من مركز إملشيل .
وتُعرف قرى أيت عبدي بأنها من بين أكثر المناطق تهميشا وعزلة، ويصعب الوصول إليها بسبب وعورة تضاريسها وغياب الطرق المعبدة.
“في الواقع تعيش نساء المنطقة كوابيس حقيقية بعد كل عملية ولادة، فأغلب النساء هنا يضعن مواليدهن في المنازل بسبب بعد المستشفيات والمستوصفات عن المنطقة، حيث يضطررن إلى قطع مسافات طويلة مشيا أو على ظهور الدواب” يقول علي بوفوس، أحد سكان المنطقة والذي انتقل إلى مراكش للبحث عن عمل، فأغلب الساكنة هناك تعتمد على تربية الماشية والرعي، غير أن هذا النشاط يتوقف خلال فصل الشتاء بسبب الثلوج الكثيفة التي تغطي جبال الأطلس الكبير.
وفي حدث نادر الوقوع في المنطقة، التي تشكل فيها الولادة خطرا حقيقيا على النساء، انتقلت سيارة إسعاف رباعية الدفع حيث تمكنت المولّدة وطاقم الإسعاف من توليد السيدة وإنقاذ مولودها، ثم نقلها على وجه السرعة إلى دار الأمومة بإملشيل. وقد ثمن بعض سكان القرية مجهودات فريق الإسعاف الذي وصل قبل فوات الأوان، وأعادت الواقعة مطالب الساكنة بإحداث مستشفى القرب ودار للولادة إضافة إلى تعبيد الطريق التي تربط المنطقة بمركز إملشيل.
وتمكنت ممرضة تدعى “إيمان” تبلغ من العمر 23 سنة من توليد السيدة الحامل في المسالك الوعرة لجبال الأطلس. وانطلقت سيارة الإسعاف حسب مصادرنا على الساعة السابعة صباحا، وقطعت 5 ساعات للوصول إلى الجبل. بعدما قررت السيدة الحامل التوجه إلى إملشيل مع أسرتها، غير أنها لم تستطع.
تقع منطقة أيت عبدي في سلسلة جبال الأطلس التي يفوق علوّ بعض قممها ألفي متر، ويعد الولوج إلى الحق في الصحة أحد أكبر التحديات، حيث يبعد المستشفى الإقليمي بحوالي 210 كلم. وكانت المنطقة قد عرفت حوات وفاة متكررة بسبب الولادة.
إغلاق المسالك الطرقية خلال فصل الشتاء بسبب الثلوج، يجعل منها منطقة تجلب ظلال الموت مع كل عملية ولادة، ومع كل حادث يستدعي تدخلا طبيا مستعجلا فضلا عن العلاجات التي يحتاجها السكان. “هذا الطقس البارد يؤثر على الحق في الصحة، إذ يصعب على الساكنة التنقل إلى المستشفيات بسبب بعدها ووعورة التضاريس، كما أن الأطفال يحرمون من التعليم بسبب عدم القدرة على الوصول إل المدارس، وفوق كل هذا يقضي الطقس تماما على النشاط الفلاحي، في ظل انعدام وسائل التدفئة، مما يجعل المنطقة معزولة تماما عن محيطها” يؤكد بوفوس.
وكان نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قد أطلقوا، العام الماضي، وسما (هاشتاج) #موت_حوامل_إملشيل_جريمة_في_حق_الإنسانية’ طالبوا من خلاله بالتدخل للحد من حالات وفيات الحوامل والنساء أثناء الولادة بسبب غياب بنية صحية قريبة. واستمرت النداءات للحد من الوفيات المتكررة في منطقة إملشيل، حيث حمّل الائتلاف المدني من أجل الجبل كامل المسؤولية في حفظ الصحة العامة للمواطنين والمواطنات بالمناطق الجبلية والمغرب عامة.
وطالب الائتلاف المذكور بإعادة النظر في الخريطة الصحية “التي أفرزت واقعا صحيا مختلا بالمناطق الجبلية وما صاحبه من تداعيات وانعكاسات سلبية أفقدت ساكنة المناطق الجبلية الأمن الصحي وحرمتهم من حقهم في الولوج للخدمات الصحية وحقهم المقدس في الحياة” يقول بيان الائتلاف.
وقالت حياة ومنجوج رئيسة دار الأمومة بدائرة إملشيل في تصريحات إعلامية سابقة، إن تسجيل منطقة املشيل بعض حالات الوفيات في صفوف الحوامل أو مواليدهن، تتدخل فيه مجموعة من العوامل، التي تساهم في تفاقم الظاهرة، منها الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث يغطي الطابع الجبلي الوعر المسالك معظم تراب الجماعة، إضافة إلى بعد إملشيل عن المستشفيين الإقليميين بميدلت أو الراشدية بحوالي 210 كلم، بالإضافة إلى صعوبة التنقل جراء حالة الطريق السيئة بين إملشيل ومدينة الريش.