محمد تغروت
دليلة فخري واحدة من بين 190 مليون امرأة في العالم يعانين من بطانة الرحم المهاجرة، تقدر منظمة الصحة العالمية أن عدد المصابات يقارب 10% من النساء والفتيات، على مستوى العالم، وهذا المرض وفقا للتصنيف الدولي للأمراض، الذي تصدره ذات المنظمة ” مرض ينمو فيه نسيج مشابه لبطانة الرحم، خارج الرحم، مسببا آلاما حادة و/أو عقما”.
وفي المغرب، قالت الدكتورة فتيحة واديركة، الأخصائية في طب النساء والعقم وسرطان الثدي والرحم، في نشرة إخبارية على قناة دوزيم يوم الإثنين 29 مارس 2021، تزامنا مع اليوم العالمي لبطانة الرحم المهاجرة، أن هذا المرض هو أكثر الأمراض شيوعا بين النساء ويصيب امرأة من بين 10 نساء.
وقالت الدكتورة نادية مزيان في برنامج “صباحيات” على نفس القناة يوم 12 ماي 2022، أن نموه في الحالات الشائعة يصل إلى المبيضين وقناة فالوب والأنسجة المبطنة للحوض، وفي حالات نادرة قد ينمو في أماكن خارج المنطقة التي توجد بها أعضاء الحوض.
وأضافت الدكتورة مزيان أنه إن كان الرقم المتداول لعدد المصابات هو 10 بالمائة من السيدات في العالم، غير أنه يصعب إعطاء إحصاءات دقيقة عن الوضع في بلادنا لأنه في غالب الحالات يكون هذا المرض غير مشخص.
تحتاج الفتاة في المتوسط لعشر سنوات من المعاناة حتى يتم تشخيصها، وقبل التشخيص تعيش في دوامة سوداء من التشكيك والاستخفاف والألم النفسي، إذ أن الفتاة أو المرأة التي تعيش جحيم هذا المرض لا تواجه مرضها و الآلام العميقة الفظيعة المتكررة التي يتسبب فيها فقط، بل تجد نفسها أيضا مضطرة لمواجهة مجتمع بأكمله، ما بين العائلة التي – عن جهل- إما تتهمها ب”الدلع” أو تقف عاجزة أمام هول الآلام وعجز الأطباء، والطبيب في أغلب الحالات لا يجد شيئا في التشخيص فإما يتهمها بدوره بالدلع أيضا أو يرجع الأمر لأسباب نفسية أو يقول الجملة السهلة التي تخلصه من مجهود البحث عن سبب الألم: “سيذهب الألم مع الزواج”، وكما لو أن ذلك لا يكفي، ينضاف إلى كل ما سلف إعلام لا يتحدث بتاتا عن المرض، أو يقتصر على قصاصات موجزة، بشكل مناسباتي، لا تكفي لتوضيح حجم المعاناة.
وتعاني المصابات بهذا المرض من آلام أثناء فترة الحيض، واتضح أنه يصيب حتى المراهقات ويصنف كمرض حميد، لكنه قد يؤدي إلى مشاكل. وتعرف منظمة الصحة العالمية المرض بأنه مرض “يتميز بوجود نسيج مشابه لبطانة الرحم (النسيج الذي يبطن الرحم)، خارج الرحم، وهو يسبب تفاعلا التهابيا مزمنا قد يؤدي إلى تكوين نسيج ندبي (التصاقات وتليف) داخل الحوض وغيره من أجزاء الجسم.
وحسب موقع منظمة الصحة العالمية، تتفاوت الأعراض المترافقة مع الانتباذ البطاني الرحمي، وتشمل آلام الدورة الشهرية، الألم المزمن بالحوض، آلام أثناء و / أو بعد الجماع، آلام عند التغوط، آلام عند التبول، الشعور بالتعب، الاكتئاب أو القلق، وكذا انتفاخ البطن والغثيان.
ووفقا لذات المصدر، فبالإضافة إلى ما سبق، يمكن أن يسبب الانتباذ البطاني الرحمي العقم، الذي يحدث بسبب التأثيرات المحتملة لهذا المرض على تجويف الحوض أو المبايض أو قناتي فالوب أو الرحم. وتتحسن الأعراض في الغالب بعد انقطاع الطمث (الإياس)، إلا أن الأعراض المؤلمة يمكن أن تستمر في بعض الحالات. وقد يكون الألم المزمن راجعا إلى أن مراكز الألم في الدماغ تصبح مفرطة الاستجابة مع مرور الوقت.
وفقا لبوابة منظمة الصحة العالمية لا توجد، في الوقت الحالي، طريقة معروفة للوقاية من الإصابة بمرض بطانة الرحم المهاجرة. غير أن تعزيز الوعي، متبوعا بالتشخيص والتدبير العلاجي المبكرين للحالة، قد يؤديان إلى إبطاء، أو وقف التطور الطبيعي للمرض، والتقليل من العبء طويل الأمد للأعراض المترافقة معه، بما في ذلك الخطر المحتمل للتحسس العصبي المركزي للألم، لكن لا يوجد حاليا علاج له.
ويمكن –حسب ذات المصدر- أن يكون العلاج بالأدوية و/أو بالجراحة، بحسب الأعراض، والآفات، والنتيجة المرجوُّة، واختيار المريض. وتعد الستيرويدات المانعة للحمل، والأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات، ومسكنات الألم، من العلاجات الشائعة الاستخدام لهذا المرض. وينبغي أن يتم وصفها جميعا بدقة، ومراقبتها بعناية، لتجنب الآثار الجانبية المحتملة، التي قد تسبب مشاكل.
وكشفت دراسة نشرتها دورية “ساينس ترانسليشنال ميديسن” (Science Translational Medicine) عن هدف دوائي محتمل لمرض شاع عنه أنه “مرض غير قابل للشفاء”.
يقول توماس تابمير، الباحث الأول في قسم أمراض النساء والولادة بجامعة موناش الأسترالية، والمشارك في الدراسة: تقترح الدراسة هدفًا دوائيًّا غير هرموني، يمكن أن يقدم طريقةً لعلاج المرض دون إيقاف الدورة الهرمونية.
ويضيف “تابمير” في تصريحات لـ”Science”: استخدمنا الفحص الجيني لتحديد الجين المرتبط بالانتباذ البطاني الرحمي، ووجدنا أنه يرتبط بحدوث تغيراتٍ في جين يُعرف باسم “إن بي إس آر 1” (NPSR1)، وهو الجين المسؤول عن تكوين بروتين يُعرف بالاسم ذاته ويؤدي دورًا بارزًا في نقل الإشارات العصبية وفي عمليات إصابة الجسم بالالتهابات.
ويعتبر البعض أن الجراحة يمكنها أن تزيل آفات الانتباذ البطاني الرحمي، والالتصاقات، والنسيج الندبي، غير أن النجاح في الحد من أعراض الألم، وزيادة معدلات الحمل، كثيرا ما يعتمد على مدى انتشار المرض. وبالإضافة إلى ذلك، قد تعاود الآفات الظهور حتى بعد الاستئصال الناجح لها، كما يمكن أن تسهم التشوهات العضلية في قاع الحوض في حدوث آلام الحوض المزمنة.
فداحة المرض وقسوة الآلام المصاحبة له، من الطبيعي أن تدفع النساء اللواتي يعانين منه إلى التغيب عن العمل لفترات قد تطول أو تقصر، وهو ما يستدعي بالضرورة استحضار التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لذلك، غير أنه في المغرب على الأقل ليس هناك أي تعويض أو تغطية صحية تغطي متطلبات مكافحات بطانة الرحم المهاجرة، إذ أن العلاج الذي تتبعنه وهو علاج يومي مكلف لا يتم التعويض عليه، كما أن المرض لا يدخل ضمن الرخص الطبية المتوسطة ولا الطويلة وبالتالي كل تغيب عن العمل يستدعي الاقتطاع من الأجرة، كما أن المرض يتطلب زيارات متكررة لأطباء من تخصصات مختلفة بحكم أن المرض ينتشر خارج الرحم ويصيب أعضاء أخرى من الجسم.. لذلك فهي معاناة مستمرة ومتنوعة ومباغتة ومضاعفة، معاناة جسدية ونفسية واجتماعية ومهنية ومادية، تستدعي دق ناقوس الخطر وتجنيد كل الإمكانات للتخفيف منها.