الرئيسية

تشميع بيوت “العدل والإحسان”.. قصص تشريد أطفال بسبب الانتماء السياسي لآبائهم

بجرة قلم يجد العشرات من قياديي وأعضاء جماعة العدل والإحسان أنفسهم بدون مأوى حين تقرر السلطات تشميع بيوتهم، العديد من الهيئات الحقوقية والمدنية تعتبر أن هذه الإجراءات تعسفية وليس لها سند قانوني، كما أنها تفتقر إلى الحس الإنساني بسبب تشريد الأسر وحرمانها من بيوتها ورميها للمجهول، بينما تعتبر السلطات أن مالكي هذه البيوت خالفوا مقتضيات القانون رقم 66-12 الخاص بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.

هاجر الريسوني

تعود بداية قصص تشميع بيوت أعضاء جماعة العدل والإحسان إلى سنة 2006، حين أقدمت السلطات على تشميع عدد من البيوت بينها بيت الأمين العام للجماعة محمد عبادي، حيث تم اقتحام بيت عبادي يوم 25 ماي من السنة ذاتها بمدينة وجدة في وقت متأخر من الليل، وأخرجت السلطات كل من فيه، ثم باشرت تفتيش المنزل وبعد الانتهاء من ذلك تم تشميعه.

وإضافة إلى أن السلطات اتخذت قرار حرمان هذه الأسر من بيوتها، فإن هذه البيوت تبقى عرضة للإهمال والتلف والسرقة، حيث تعرض بيت منير ركراكي المشمع منذ شهر فبراير 2019 لسرقة أثاثه، كما نشب حريق في أحد البيوت المشمعة بالدشيرة وقد أتلفت النار جزءا كبيرا من الأثاث وأغراض البيت.

وتحمّل الجماعة وعدد من الجمعيات الحقوقية، منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مسؤولية هذه الحوادث إلى السلطات، معتبرين أنها تترك أغلب البيوت بدون حراسة وحماية، مما يعرضها للنهب والسرقة وبعضها تحول لوكر للمتسولين والمتسكعين.

وليست الجمعيات الحقوقية فقط من يطالب بإعادة البيوت لأصحابها، وإنما سبق لمصطفى الرميد حين كان وزيرا للعدل أن صرح بأنه يأمل أن “تتخذ وزارة الداخلية قرارا برفع التشميع عن بيوت قيادات جماعة العدل والإحسان وتمكين مالكيها من استرجاعها واستعمالها وفقا للقانون”، وذلك بعد توصله بمراسلة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول شكوى “اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة”، والتي طالب فيها المجلس برفع التشميع.

التعسف الذي يتعرض له أعضاء الجماعة، دفع اللجنة الوطنية للتضامن مع أصحاب البيوت المشمعة لتنظيم عدد من القوافل التضامنية مع المتضررين من قرارات التشميع، كان آخرها يوم 14 ماي من السنة الجارية، حيث انتقل عدد من الحقوقيين من بينهم معطي منجب ومحمد الزهاري وعبد الرزاق بوغنبور إلى مدينة وجدة لمعاينة البيوت المشمعة لأعضاء العدل والإحسان.

وخلال هذه القافلة صرح ميلود قنديل المحامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس الفدرالية المغربية لحقوق الإنسان، قائلا :” وقوفنا هنا في هذا الجو هو تعبير منا على مظلومية هؤلاء الناس وعلى عدم قانونية تشميع هذه البيوت، وعلى أننا ضد هذا الخرق الحقوقي الماس بحق الناس في السكن” وفقا لما نقله الموقع الرسمي للجماعة.

قرارات تعسفية

تعتبر الهيئات الحقوقية أن جميع القرارات الإدارية التي عمدت إلى تشميع بيوت العديد من أعضاء جماعة العدل والإحسان طيلة 16 سنة الماضية، قرارات باطلة ولا تستند إلى أي مؤيدات قانونية أو مسوغات معقولة، وهذا ما شدد عليه حسن بناجح عضو الأمانة العامة بجماعة العدل والإحسان، حيث اعتبر أن “هذه البيوت مشمعة خارج القانون بقرارات إدارية تحكمية تعسفية، مؤطرة من الناحية القانونية بما يسمى الشطط في استعمال السلطة”، مضيفا أنه “من المفروض أن تترتب عن هذه القرارات إجراءات عقابية في حق من أمر ونفذ وسكت عنها إذا كان القانون نافذا ومحترما ومستقلا “.

وأوضح بناجح في حديثه لمنصة هوامش أن “السلطات المغربية شمعت في الحصيلة 14 بيتا لقياديين وأعضاء بارزين في جماعة العدل والإحسان، في مدن مختلفة، بعض هذه البيوت يرجع تشميعها ل 16 سنة، أي منذ سنة 2006، خصوصا بيت الأمين العام لجماعة العدل والإحسان محمد العبادي، في مدينة وجدة ومدينة بوعرفة”، مردفا “بعد ذلك أضيفت بيوت أخرى شمعت في 2019 دفعة واحدة”، مشيرا إلى أن “هذا الإجراء يخص جماعة العدل والإحسان بشكل خاص ولم يسبق أن اتخذ في حق أي جهة أخرى”.

ويرى بناجح أن “ما يرتكب في حق هؤلاء المواطنين يعتبر تصفية حسابات على أساس سياسي وبسبب آرائهم”، مشيرا إلى أنه ” من غير المعقول أن يعاقب الإنسان بسبب رأيه بسلب ممتلكاته ظلما وعدوانا وخارج القانون، خصوصا وأن الملكية الخاصة حق مقدس، مكفول في كل القوانين والمواثيق المحلية والدولية”.

وفي الوقت الذي يُنتظر فيه أن ينصف القضاء المتظلمين ويرد الأمور إلى نصابها، يقول بناجح إنه “تم استخدام القضاء لتصفية الحسابات وسكت عن هذه الإجراءات”، وزاد أن “الأكثر خطورة  أن هذا الإجراء مفتوح بدون أي قيود”، موضحا ” الطبيعي أن القوانين تكون مشروطة  بآجال وبأحكام، مما يعني أنه لا يمكن أن يشمع البيت ويبقى هكذا، المفروض كما تدعي السلطات أن هؤلاء وبعضهم ارتكبوا مخالفات بالتصميمات أن تتخذ الإجراءات في حقهم كما هو منصوص عليها في القانون سواء بإصلاح وإزالة الأمور غير الموجودة في التصاميم أو فرض غرامات ثم تعاد إليهم منازلهم”.

وأضاف القيادي بالعدل والإحسان أن “بعض المحاكم فرضت غرامات على بعض أصحاب هذه البيوت وحكمت عليهم بإرجاع التصاميم السابقة وهدم ما تحدده لجن التعمير، ومع ذلك الدولة لا تسلمهم مفاتيحهم ولازال التشميع مستمرا”.

جريمة في حق الأسر

يجد أسر أصحاب البيوت المشمعة أنفسهم بلا مأوى بعدما يتم أخذ منازلهم منهم، مما يتسبب في تهديد أمنهم  واستقرارهم، وفي هذا الشأن يعتبر الحقوقي والمؤرخ معطي منجب في حديثه لمنصة هوامش ” أن تشميع منازل أسر بأكملها لأن الأب أو الأم ينتميان لجماعة العدل والإحسان، جريمة ترتكبها السلطات المحلية في العديد من المدن بالمغرب”، مضيفا “تخيلوا أن بعض المتضررين ذوي الاطفال الصغار قد لجأوا إلى القضاء وأن هذا الأخير أنصفهم ومع ذلك لم تفعّل السلطات القرار القضائي”.

ويرى منجب أن ” السلطات تلجأ إلى هذا الأسلوب مع جماعة العدل والإحسان بهدف إرهاب أعضائها الذين هم في أغلبيتهم الساحقة من الفئات الكادحة وذات الدخل المحدود”، مشيرا إلى أنه “يجب أن تنتبه السلطات أنه من اللا آدمية المقيتة مؤاخذة الأطفال بجريرة آبائهم، وأن تتخلى عن هذه الطريقة في معاقبة الجماعة”.

وشدد الفاعل الحقوقي على أنه ” يجب أن تحذر الدولة من مثل هذا الشطط اللاإنساني في استعمال السلطة فهذا يعرّيها من أية مشروعية كما يجعل الدستور والقانون خرقة لا قيمة لهما”.

من جانبه قال بناجح إن “لقرار التشميع آثارا وخيمة على أصحاب هذه الممتلكات”، موضحا أن ” الإنسان يدخر من أجل تجهيز بيت له ولأسرته فإذا به بقرار سلطوي يحرمه من هذه الملكية هو وأولاده”، وأضاف ” وهذا فيه حيف كبير ويؤدي إلى تداعيات نفسية كبيرة جدا على هذه العائلات، فضلا عن الآثار المادية القاسية باضطرار هؤلاء للبحث عن بدائل أخرى مكلفة في حين أن بيوتهم التي أسّسوها محرومون منها ظلما وعدونا”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram