انطلقت فكرة وسم #سر_مهني بنشر التجاوزات اللاأخلاقية والغش في المطاعم والشركات المصنعة للمواد الغذائية، غير أنه تقاطرت الشهادات والتعليقات التي تحكي عن الغش في وظائف أخرى في القطاع العمومي والخاص مثل التعليم والصحة وغيرها من القطاعات.
ومن بين الشهادات التي تمت إعادة نشرها بشكل مكثف نجد عاملة بإحدى المخابز كتبت “كنت أعمل في مخبزة كبيرة ومعروفة لا تحترم شروط النظافة ومكان إعداد العجين عفن، إذ تعجن فيها العجين وتترك بدون غطاء يمر فوقها صراصير، وقبل رأس العام بشهرين يتم تجهيز الحلويات دون اعتبار لشروط السلامة الصحية وتوضع في البراد لأسابيع”.
بينما كتبت أخرى قالت إنها مدرسة في مدرسة خاصة في مدينة الدار البيضاء “تلميذ يحصل على معدل 3 على 10 في كل الفروض، وعندما أطلع على النقط التي تم إدخالها في النتيجة أجد 8 على 10، لماذا لأنه سيكون هناك لقاء مع أولياء الأمور ويجب أن يجدوا نتائج تبهجهم”، وتضيف “قبل اجتماع أولياء الأمور تجتمع بنا الإدارة حتى لا نخبر الآباء الصراحة ونمدح أولادهم حتى يعيد أولياء الأمور تسجيل أبنائهم في نفس المدرسة في السنة القادمة”.
ورغم أن الشهادات تنشر بأسماء مستعارة وبدون أسماء في أحيان أخرى إلا أنها لقيت انتشارا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى تذمر المغاربة من حالات الغش والخدمات الرديئة وضعف المراقبة، حيث أنه سبق للناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن كشف أنه خلال شهري يناير وفبراير من السنة الجارية تم تسجيل 13 مخالفة تهم عدم احترام الجودة والسلامة، الى جانب اتلاف 88 طن من المواد غير المطابقة للمعايير الصحية، مردفا أن “المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية قامت خلال شهر يناير الماضي، بـتنفيذ 2854 عملية مراقبة للأسعار وجودة المواد لـ 156 ألف و 557 طن من المنتوجات تم على اثرها إتلاف وارجاع 432 طن من المواد غير المطابقة لشروط السلامة، وتحرير 48 محضر للمخالفة”.
ويعيد وسم #سر_مهني إلى الأذهان حملة المقاطعة لسنة 2018 احتجاجا على غلاء الأسعار، حيث تمت مقاطعة ثلاثة منتجات لشركات كبرى هي “أفريقيا” لتوزيع الغاز والوقود، وهي تابعة للملياردير وزير الفلاحة آنذاك، ورئيس الحكومة حاليا، عزيز أخنوش، وماء “سيدي علي” الشركة المصنعة والموزعة للمياه المعدنية التابعة لمريم بنصالح شقرون رئيسة “الباطرونا” سابقا، وشركة “سنطرال دانون” لمنتجات الحليب. وقد استمرت هذه الحملة لأزيد من 4 أشهر وكبدت أصحاب هذه الشركات خسائر مالية ضخمة، مما دفعها إلى تخفيض أسعارها وتقديم عروض جديدة لإرضاء المستهلك.
تفاعل الرأي العام مع وسم #سر_مهني أثار عددا من علامات الاستفهام لدى متتبعي الشأن العام، وبما أن كل التدوينات والرسائل التي نشرت طلب أصحابها عدم نشر أسمائهم أو ما يدل على هوياتهم، فإن الأمر كان باعثا على التشكيك في حقيقة ما يكتب، وفي هذا الشأن اعتبر الناشط الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري في تصريح لمنصة هوامش أن ” اللافت في الوسم المنتشر، ليست الحكايات المسرودة، لأنه من ناحية البحث العلمي لا يمكن الوثوق في ما تتضمنه، مادامت صادرة عن مجهولي الهوية، وتتحدث كذلك عن أماكن وشركات أغلبها مجهولة، وإنما هو تفاعل الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي مع تلك المرويات، وانتقال هذا التفاعل من الافتراضي إلى الواقعي، بحيث تتم مشاركة ما ينشر”.
ويرى البكاري أن “هذا التفاعل يعني أن المواطنين لديهم قابلية لتصديق كل تلك المرويات، بسبب ما يمكن أن يكونوا قد عاشوه من أحداث مماثلة”، مضيفا أنه ” يعكس من جهة أخرى أن الثقة في مؤسسات الرقابة في مستويات دنيا، لأنهم يعتقدون بأن مجال المراقبة مخترق بممارسات الرشوة”.
وخلف تلك التجارب المسرودة، والتي قد تكون ضمنها بعض المبالغات يقول البكاري ” يكمن سؤال القيم داخل المجتمع، ليس في بعدها الأخلاقي فقط المرتبط بالضمير الشخصي، بل في بعدها الاجتماعي كذلك الذي يترجمه قبول فئات واسعة من العمال أو الموظفين بالسكوت وهم يعاينون ممارسات غش تهدد الزبناء والمرتفقين، مخافة فقدان منصب شغل بأجر زهيد، مما يطرح سؤال علاقة التفقير المادي بالتفقير القيمي” يردف المتحدث ذاته.
وفي الوقت الذي تناقلت فيه المواقع الوطنية والعربية والدولية وسم ” #سر_مهني “، وأصبح مثار اهتمام ومتابعة كبيرين، اعتبر بوعزة الخياطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك في تصريح لمنصة هوامش أن “هذه الحملة لها تأثير على سمعة البلاد، حيث أن أصحاب المنشورات ينشرون بأسماء مستعارة مما يشكك في صدق ما ينشرون خصوصا وأنهم لا يقدمون أي دليل”، مضيفا أن “من لديهم معلومة حول الغش وعدم احترام السلامة الصحية يجب أن يذهبوا ويبلغوا الجهات المختصة بأسمائهم وصفاتهم أو يتصلوا بجمعيات حماية المستهلك”.
ويرى الخياطي أن ما ينشر والطريقة التي ينشر بها “هدفها البحث عن الشهرة والكسب خصوصا أصحاب هذه الصفحات”، محذرا المغاربة من تصديق كل ما ينشر على اعتبار أن المعلومات الزائفة أصبحت أكثر انتشارا من المعلومات الصحيحة.
بعد انتشار وسم “#سر_مهني “، أثير نقاش حول المسؤولية القانونية لناشري التدوينات، حيث اعتبر البعض أن ما ينشر يقع تحت طائلة المسؤولية الجنائية، بينما اعتبر البعض الآخر أن ما ينشر يدخل ضمن التبليغ عن جريمة، وفي هذا الشأن قال علي عمار، المحامي بهيئة الرباط، إنه لا يمكن اعتبار التبليغ بما من شأنه أن يمس بالصحة العامة للمواطنين إفشاء للسر المهني، بل يُعتبر تبليغا عن مخالفات، تتلقاها الشرطة القضائية لتتخذ بعدها الإجراءات الجاري بها العمل.
ويتحجج المنتقدون للحملة بأن القانون يعاقب على نشر معلومات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يرى علي عمار أن القانون أوجد توازنا بين واجب التبليغ عن المخالفات وبين حماية المؤسسات، وفي تصريح لموقع لشركة الإذاعة والتلفزة المغربية قال عمار إن “القانون المغربي أوجد معادلة متوازنة بين واجب المواطن بأن يفشي بكل ما من شأنه المس بصحة المواطنين داخل مكان اشتغاله، وبين حماية المؤسسة المشغّلة إذا ثبت أن هناك نوعا من الافتراء من طرف المبلغ”، مضيفا أن “هذه الحالة تخضع لقانون الصحافة والنشر، الذي يعطي الحق لصاحب المقاولة أو المؤسسة في تقديم شكاية تتعلق بالتشهير، كما أن الشخص المبلغ يصبح مُلزما بإثبات صحة المعلومات التي أدلى بها”.
ووفقا للفصل 446 من القانون الجنائي فإن “مرتكب جريمة إفشاء السر المهني يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم”.