الرئيسية

 التعويض عن البطالة.. متى تخطو “الدولة الاجتماعية” خطوتها الأولى؟

"أنا الآن أمضي نحو الخمسين سنة من عمري حاصل على إجازتين وزوجتي هي الأخرى معطلة عن العمل، وجدنا أنفسنا مجبرين على البحث عن شغل يضمن كرامتنا أو ما يطلق عليه عادة "البطالة المقنعة" حتى نتدبر أمر البيت معا" يقول محمد.ل.

محمد تغروت

ذات المتحدث أوضح لمنصة هوامش أنه قضى ما يزيد عن 15 سنة يطالب بحقه في الشغل رفقة زوجته الحاصلة بدورها على شهادة الإجازة، غير أن الحكومات المتعاقبة لم تكن تستحضر مسألة التعويض عن البطالة في برامجها، وغاب تماما نقاش هذا الأمر في مؤسساتها، لأن نقاشه – في تقدير محدثنا- هو بمثابة إقرار بمسؤوليتها عن تخريج آلاف المعطلين من الجامعات والمعاهد، وبالتالي إقرار بفشل سياستها التعليمية وبرامجها في ميدان التشغيل. 

وأضاف محمد أن الدولة لم تتحمل مسؤوليتها لا في تشغيل المعطلين ولا في التعويض عن البطالة على غرار مجموعة من البلدان التي سنّت مجموعة من الأنظمة للتأمين ضد البطالة والحماية الاجتماعية. 

وبمرارة يحكي محمد أن “أقسى شعور يعيشه المرء هو إحساسه بالانتماء إلى وطن يعج بالخيرات من معادن وفوسفاط وواجهات بحرية ولكن لا يستفيد منها قيد أنملة، لا شغل لا تأمين ولا حماية من البطالة”. 

وأوضح محمد أنه قد أصبح اليوم لزاما على الدولة إقرار قوانين تحمي من البطالة وتمنح تعويضات للمعطلين عن العمل على الأقل لسد بعض المصاريف اليومية، فالمعطلون هم في نهاية المطاف أبناء وطن واحد ويجب أن يستفيدون من خيراته أيضا، بدل تركهم يعيشون على الهامش. 

ويضيف محمد، أنه كان محظوظا بعض الشيء بالمقارنة مع بعض زملائه إذ كان يتدبر أمره بالعمل في “المُوقْفْ”، أو في الحقول، أو في قطاع البناء، أو التجارة في الأسواق الأسبوعية، من أجل ضمان حد أدنى للعيش الكريم، لكن بعض زملائه عاشوا وضعا صعبا ومنهم من أصيب بأمراض نفسية نتيجة معاناته مع البطالة ونتائجها، بعد أن تخلى عنه الجميع. 

عطالة حاملي الشهادات العليا.. أرقام مقلقة

إشكالية عطالة خريجي الجامعات والمعاهد العليا بالمغرب، تعتبر إحدى أكبر الإشكالات التي يعرفها المجتمع المغربي، إذ يكاد لا يخلو بيت من شاب أو شابة قضوا زهرة عمرهم في التحصيل والدراسة والبحث، ليجدوا أنفسهم بين براثن العطالة.

وكان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي قد أعد تقريرا وطنيا حول إدماج خريجي التعليم العالي بالمغرب، سنة 2018، عرض فيه نتائج البحث الوطني لتقييم إدماج خريجي مؤسسات التعليم العالي، وهو تقرير يوفّر قاعدة من المعطيات والتحليلات عن وضعية الخرّيجين بالمغرب، خلص فيه إلى أن 69.4 في المائة من خريجي التعليم العالي تمكنوا، بعد أربع سنوات من مغادرة مؤسسات التكوين، من ولوج سوق الشغل، فيما 13.3 في المائة منهم يبحثون عن شغل، و9.4 في المائة منهم في وضعية متابعة أو رجوع إلى الدراسة، و7.9 في المائة منهم في وضعية عطالة.

وفي ذات السياق، كشفت تقارير متوالية للمندوبية السامية للتخطيط، (وهي مؤسسة رسمية متخصصة في الإحصاءات) أن حاملي الشهادات هم الأكثر عرضة للبقاء بلا عمل في المغرب بالمقارنة مع غيرهم، إذ أشارت في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2016 إلى “ظهور معطيات جديدة تتعلق ببطالة الشباب حاملي الشهادات خصوصا منهم خريجي المعاهد والمدارس العليا، هذه الفئة، التي جرت العادة أن تكون الأقل عرضة لظاهرة البطالة، أصبح معدل البطالة لديها يعرف منحى تصاعديا يماثل ذلك الذي تعرفه الفئات الأخرى من حاملي الشهادات”.

وخلصت دراسة المندوبية حول مؤشرات البطالة سنة 2018 إلى أن 17.2 بالمئة من الحاصلين على شهادات دراسية لا يجدون عملا، مقابل 3.4 بالمئة ممن لا يحملون أية شهادات، مضيفة أن معدل البطالة يرتفع إلى 23 بالمئة بين ذوي الشهادات الجامعية العليا، مقابل 14 بالمئة بالنسبة للحاصلين على شهادات متوسطة.

واعتبر التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لسنة 2020، أن البطالة طويلة الأمد تظل هي السائدة بشكل رئيسي (أكثر من ثلثي العاطلين عن العمل)، ولا تزال تهم نفس الفئات (النساء وحاملو الشهادات والشباب). مضيفا أن ” بنية سوق الشغل بالمغرب يغلب عليها العمل الذي لا يتطلب مؤهلات، وكذا الهشاشة وضعف الحماية بالنسبة لفئة عريضة من العاملين”.

مطالب بالتعويض عن البطالة 

منذ تأسيسها سنة 1991، ظلت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، تطالب بالشغل القار في الوظيفة العمومية لعموم المعطلين والمعطلات، وخصوصا لخريجي الجامعات والمعاهد، غير أنها وعيا منها بالإكراهات التي تحول دون تشغيل الجميع دفعة واحدة، ظلت تقترح الاستفادة من التعويض عن البطالة بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور.

كما ظلت الجمعية تناضل من أجل الاستفادة من رخص النقل واستغلال مقالع الرمال، والمحلات المهنية ورخص الصيد وأراضي الجموع واحتضان هذه المشاريع من طرف الدولة وضمانها، كحلول مؤقتة لمواجهة شبح العطالة، وظل هذا الإطار يطالب أيضا بإحداث صندوق وطني للتعويض عن البطالة، وتشكل ورقة “ملحق التعويض عن البطالة” إحدى المكونات الأساسية لمقررات مؤتمرات الجمعية.

مقترحات قوانين

أحال مكتب مجلس النواب، يوم 23 ماي 2022، مقترح قانون تقدم به فريق التقدم والاشتراكية، يقضي بإحداث منحة مالية للخريجين حاملي الشواهد العليا في وضعية البحث عن شغل، بناء على سجل خاص يحدث لهذه الغاية، ويوضع رهن إشارة المعنيين لدى العمالات والأقاليم، على أن تخصص لهم منحة تقدر ب 1200 درهم في السنة الأولى، و600 درهم في الستة أشهر الموالية في حالة التجديد، تصرف من صندوق خصوصي يحدث لهذا الغرض وفقا لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية.

مقترح القانون الذي قدمه فريق التقدم والاشتراكية ليس الأول من نوعه، إذ سبق للفريق الحركي، إبان انتمائه إلى الأغلبية بمجلس النواب، أن تقدم بمقترح قانون لإحداث نظام للتعويض عن عدم الشغل، ويهدف هذا المقترح، إلى تقديم إعانات مادية لفائدة الأشخاص البالغين المؤهلين للعمل الذين يُوجَدون في طور البحث عن فرص الشغل، أو الذين فقدوا عملهم منذ شهر على الأقل.

ويشترط المقترح أن يستفيد من هذا النظام الأشخاصُ الذين لا تسري عليهم أحكام قانون التعويض عن فقدان الشغل، والذين لا يتقاضون أي تعويض مادي من أي مؤسسة عمومية أو شبه عمومية أو خاصة.

وقد تمت إحالة هذا المقترح قانون على مجلس النواب، يوم الاثنين 20 دجنبر 2021، ليُحال على لجنة القطاعات الاجتماعية في الجمعة 31 دجنبر 2021، وبقي عالقا إلى حدود اليوم، إذ كان يتطلب موافقة الحكومة قبل الشروع في مناقشته ودراسة إمكانية اعتماده.

مقترحات لتبرئة الذمة وذر الرماد في العيون

وتعليقا على مقترح القانون الذي تقدم به فريق التقدم والاشتراكية، أكد عبد الله الفناتسة، منسق شبكة “تقاطع” للحقوق الشغلية، في تصريح لمنصة هوامش أن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من النفاق، إذ أن هذا الحزب كان عضوا في الحكومة السابقة، وشغل أعضاء منه مسؤولية وزارة الشغل، ولو كانت لديه رغبة لتقديم هذا المشروع لفعل ذلك وهو في موقع المسؤولية، وذكر الفناتسة أن “الحركة النقابية كانت قد رفعت مطلب التعويض عن البطالة إبان صياغة مدونة الشغل، غير أن الحكومة وبعد 4 سنوات من النقاش أدمجت المادة 53 من المدونة والتي لم تطبق قط”.

وأضاف الفناتسة أن “هذا الحزب لو كانت لديه فعلا الرغبة السياسية في إنزال هذا المقترح، لكان تقدم بتعديل المادة 53 من مدونة الشغل لتشمل كافة المعطلين”، وتندرج المادة المشار إليها في الفرع الرابع من المدونة والمتعلق بالتعويض عن الفصل، وتتعلق بالمأجورين الذين فقدوا شغلهم بسبب تعرضهم للفصل أو لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية.

جدير بالذكر أن حزب التقدم والاشتراكية تحمل مسؤولية وزارة التشغيل (مع اختلاف تسميات الوزارة من ولاية إلى أخرى)، منذ 2012، عندما تم تعيين عبد الواحد سهيل وزيرا للتشغيل والتكوين المهني، قبل أن يخلفه عبد السلام الصديقي وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية، الذي انتهت ولايته سنة 2017، وطيلة فترة تواجد الحزب في الحكومة لم يتم سن هذا القانون، نفس الأمر ينطبق على حزب الحركة الشعبية الذي شارك أعضاؤه في العديد من الحكومات المتعاقبة.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يناقش الإمكانات

أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خلال استضافته في برنامج “حديث مع الصحافة” في قناة دوزيم يوم الأربعاء 4 ماي الجاري، في رده على سؤال لمحمد لغروس، مدير نشر جريدة “العمق المغربي”، عن مدى إمكانية تعويض العاطلين عن العمل بالمغرب بمبلغ مالي، أكد أنه من الممكن أن يكون للمغرب نظام تعويض عن انعدام العمل كما في دول أخرى. وأشار المتحدث، إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سبق أن قدم توصيات بخصوص التعويض عن فقدان الشغل والمعيقات المطروحة في هذا الصدد، مشيرا إلى أنه من الممكن تعويض العاطلين عن العمل بمبلغ معين، على غرار بلدان أخرى.

وكان الشامي قد تحدث عن نفس الموضوع في مناسبة سابقة، إبان التفاعل مع الإحالة الذاتية التي تقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التي عنونها ب”التعويض عن فقدان الشغل: أية بدائل في ضوء مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، يوم 27 أبريل 2022، في برنامج “أجي نداكروا”، على الصفحة الرسمية للمجلس، إذ اقترح تخصيص مساعدة مالية مباشرة توجه للفئات الهشة، عوضا عن دعم صندوق المقاصة، الذي يستفيد منه حتى الأشخاص الميسورون، وذلك اعتمادا على السجل الاجتماعي وتحديد دقيق لشروط الإستفادة.

لا تتوقف الحكومة المغربية عن ترديد شعارات الدولة الاجتماعية وتعميم الحماية الاجتماعية، ودعم الفئات الهشة، في سياق يتسم بارتفاع كلفة المعيشة وندرة فرص العمل،  لذلك بات لزاما على الدولة أن تتعاطى مع الأمر بجدية أكبر، ولم يعد أمامها اليوم أي مبرر كي لا تسن نظاما خاصا بالتعويض عن البطالة لفائدة المعطلين، إذ أمامها خياران لا ثالث لها إما توفير فرص شغل قارة أو التعويض عن البطالة سواء لفائدة حاملي الشهادات أو غيرهم من الفئات الأخرى.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram