الرئيسية

عمال الإنعاش الوطني .. “خدّام الوطن” المنسيون 

"1500 درهم لا تكفي لأي شيء، مثلا عيد الأضحى على الأبواب، ما الذي سيشتريه المرء بهذه الأجرة؟ واضح أننا سنبقى بدون أضحية. ما بين مصاريف الماء والكهرباء، كلفة كراء المنزل، ما الذي سيتبقى للتنقل وباقي متطلبات العيش؟، أين هي التغطية الصحية والاجتماعية، هذا لا يعقل، ويفوق درجة التحمل"، هكذا حدثنا أحمد الفيضي العامل في الإنعاش الوطني بالعاصمة الرباط.

محمد تغروت

يعمل عمال وعاملات الإنعاش الوطني مقابل أجور زهيدة تشكل 53 في المائة فقط من الحد الأدنى للأجور، فهم يتقاضون 1500 درهم في حين يبلغ الحد الأدنى لأجور العاملين في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، ألفان وثمانمائة وثمانية وعشرون درهم واثنان وسبعون سنتيم (2828,72 درهم) شهريا. إضافة إلى الأجر الهزيل، لا يستفيدون من التعويضات عن الساعات الإضافية ولا من أية خدمات تتصل بالتغطية الصحية والاجتماعية، بينما يقومون بمهام مختلفة ومتفاوتة حسب القطاعات، وضمنهم حالات كثيرة قضت مدة طويلة دون أن يخضع أجرها للتحسين. وتطالب هذه الفئة بمساواتها مع الموظفين النظاميين من حيث الأجر ومختلف التعويضات، وتمكينها من الاستفادة من التغطية الصحية والتقاعد من منطلق كون أفرادها مواطنات ومواطنين مغاربة يؤدون خدمات ذات طبيعة عمومية لفائدة الدولة المغربية، ويخدمون مرتفقي الإدارات والجماعات بتفان ونكران ذات، وهو ما يشفع لهم للاستجابة لمطالبهم المشروعة.

تبعا لذلك، قرر المكتب الوطني للجامعة الوطنية لعمال وعاملات الإنعاش الوطني المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، النزول وطنيا في وقفة احتجاجية وطنية، أمام مقر البرلمان، يوم السبت 21 ماي 2022، “نظرا لشدة الاستياء وخيبة الأمل التي أصابت عمال وموظفي الإنعاش الوطني جراء مخرجات الحوار الاجتماعي مبهم المعالم” حسب نص البيان الذي أصدره المكتب الوطني بهذا الشأن.

وأكد ذات البيان أن الحوار الاجتماعي الذي انتظرته الشغيلة الإنعاشية بفارغ الصبر كي “تطفو من قعر المعاناة والتهميش، لكن للأسف دائما تجد التأجيل والتماطل في أخذ قرار حاسم بشأنها، بالرغم من أنها الفئة الأكثر تضررا، مقارنة بالملفات المعروضة أمام الحكومة”، باعتباره ملفا طال أمد أرشفته في دهاليز وزارة الداخلية، منذ ستينات القرن الماضي.

معاناة طال أمدها ولا حلول في الأفق

عادة عندما يسمع المرء عن عمال الإنعاش الوطني، يتبادر إلى ذهنه أولئك العمال الذين يشتغلون في المجالات المتعلقة بالنظافة والبستنة وأعمال البناء فقط. غير أنه في واقع الأمر يقوم الكثير منهم بمهام أساسية في إدارات عمومية مختلفة، جنبا إلى جنب مع الموظفين العموميين، يقتسمون معهم نفس الواجبات، ويختلفون معهم في الأجر والحقوق الاجتماعية. يقضون حوائج المواطنين في الإدارات، لكنهم بالمقابل يواجهون بالنكران. يعيشون بشكل دائم بين سندان العمل من دون أبسط الحقوق، ومطرقة الانضمام إلى صفوف العاطلين الطويلة.

ويخول المرسوم رقم 2.85.394 الصادر في 18 أبريل 1985، وزير الداخلية السلط والصلاحيات في ميدان الإنعاش الوطني، وتعتبر وزارة الداخلية هؤلاء العمال، عمالا مياومين لأنهم يمارسون أشغالا “لا تكتسي صفة الديمومة”، وبالتالي فهم بحسبها لا يوجدون في وضعية نظامية قارة، رغم أن بعضهم قضى عقودا في نفس العمل.

وتعتبر الحكومة، على غرار ما أدرج في المذكرة التقديمية لقانون المالية لسنة 2008، أن الإنعاش الوطني المحدث بموجب ظهير 15 يوليوز 1961، يهدف إلى تنشيط الشغل عبر تنمية التشغيل الجماعي بواسطة استثمارات تعتمد على يد عاملة عديدة لإنجاز الأشغال المتعلقة بالبنيات التحتية والتجهيزات قصد محاربة البطالة والهجرة القروية ولتسهيل مشاركة السكان في التنمية، وتضيف ذات الفقرة أن الإنعاش الوطني يعمل على تعبئة اليد العاملة العاطلة وتشغيلها لإنجاز مشاريع ذات كلفة متواضعة وتستدعي وسائل تقنية متوفرة على الصعيد المحلي يمكن استعمالها من طرف يد عاملة غير مؤهلة.

وحصرت المذكرة التقديمية أنشطة الإنعاش الوطني في 3 برامج أساسية، تتمثل في: 1. برنامج “الجماعات” الرامي إلى تشغيل الأعوان في المصالح العمومية التي تعرف نقصا في أعداد الموظفين وكذا الأعوان المزاولين للمهام الدنيا، 2. برامج التجهيز في الوسط الحضري التي تساهم في تحسين البيئة بالمدن عبر أشغال النظافة وصيانة المناطق الخضراء وبالوسط القروي التي تهدف إلى ضمان التجهيزات الأساسية للجماعات ومحاربة بطالة القرويين، 3. برنامج تنمية الأقاليم الصحراوية الذي يساهم في تنمية الجهات الصحراوية عبر إنجاز مشاريع البناء والتجهيزات بتعبئة اليد العاملة المتوفرة.

كانت بداية عمال الإنعاش الوطني في المغرب شبيهة بأوضاع العبيد، إذ كانت تسلم لهم بطاقة الرشم اليومي تثبت شخصيتهم داخل الأوراش، مقابل قيامهم بأعمال يومية شاقة يقابلها كل 15 يوما كيس طحين، وقنينة زيت “هدية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشعب المغربي”، يتفاوت توزيعها بتفاوت ضمير المسؤول المتحكم في توزيع الأرزاق على هؤلاء الفقراء. ليتطور الأمر بعد تراكم فضائح السرقات والتلاعبات والاختلاسات في المواد التي كانت توزع على عمال الإنعاش الوطني ويتحول إلى مساعدة مالية زهيدة لا تعكس مجهود هؤلاء، ولا تكفي بالكاد تلبية أبسط المتطلبات في حياتهم.

معظم هؤلاء العمال فضلوا اللجوء إلى العمل في الإنعاش الوطني، ولو بتلك الشروط المجحفة واللا إنسانية بديلا عن التسول، أو السرقة أو امتهان حرف أكثر انحطاطا للكرامة الإنسانية، وانخرطوا في العمل في كل المجالات، داخل الإدارات العمومية، يكنسون الطرقات، يعملون في الحدائق العمومية، يعملون في كل مجال يعتبره المسؤولون المحليون أنه عمل خاص بفئة معينة من محتاجي البلاد.

أصل المعاناة ظهير عمره 61 سنة

فجذور معاناة هذه الفئة إلى ظهير 15 يوليوز 1961 المنظم لقطاع الإنعاش الوطني، والذي يتم به، في كل مرة تبرير عدم إمكانية إدماج هذه الفئة في الوظيفة العمومية، أو إيجاد حل يخفف من معاناتها، رغم الوعود المتكررة لوزراء الداخلية في الحكومات المتعاقبة، ورغم التساؤلات المتكررة لبرلمانيين من داخل القبة التشريعية، في هذا السياق يقول أحمد فرحي، العامل الإنعاشي بالرباط لموقع هوامش، أن العامل الإنعاشي هو الوحيد الذي يفهم إشكالات القطاع انطلاقا من طول أمد ارتباطه به، واكتسابه لخبرة مهمة فيه، بينما البرلمانيون والوزراء، يقضون فترات ظرفية ويغادرون مواقعهم بعد أن يكونوا قد ضمنوا تقاعدا مريحا وتعويضات خيالية.

وعلاقة بمبرر الظهير المنظم للقطاع والعوائق التي يضعها في وجه حل مشكل الآلاف من المشتغلين في القطاع، يقول فرحي إن ‘القانون ليس قرآنا منزلا، بل هو تشريع إنساني يمكن تغييره، وبالتالي فالوزراء عوضا عن تقديم الوعود، والتباكي على “الإنحرافات” التي عرفها القطاع، حري بهم تقديم مقترحات قوانين لتغيير الوضع، والأمر ذاته بالنسبة للبرلمانيين، الذين يقدمون تساؤلات متكررة، من الأجدى أن يقدموا مشاريع قوانين لإنقاذ ما يجب إنقاذه”.

ويضيف أحمد فرحي، أن عمال الإنعاش الوطني يتشكلون من عدد كبير من الفئات، تقوم بالعديد من المهام ما بين البستنة، وإنارة الشوارع، وآخرين مكلفون بالتجهيزات داخل الجماعات الترابية، وغيرهم في دور الشباب، وقطاع الصحة، والجماعات الترابية والعمالات وكل مصالح وزارة الداخلية، وهم يشكلون أساس الخدمات العمومية المقدمة من قبل العديد من مصالح وزارة الداخلية.

يضيف فرحي أن العديد من عمال الإنعاش قضوا ما يزيد عن ثلاثين سنة، يمارسون مهامهم، منتظرين الترقية أو تعويضات أو شيئا من هذا القبيل، مقابل التضحيات التي يقومون بها كل يوم، وأنهم يشتغلون بشكل يومي وفقا للتوقيت الإداري، وبدون انقطاع، ما يجعل الحديث عن الطابع الموسمي أو المؤقت لعملهم، وارتباطهم بأوراش محددة تغليطا للرأي العام.

وعلى الرغم من خطورة المهام التي يقوم بها العديد من عمال الإنعاش الوطني، غير أنهم يفتقدون إلى تغطية صحية، وتعويض عن حوادث الشغل، وبالمقابل تتحدث وزارة الداخلية عن استفادتهم من نظام التغطية الصحية المخصص للأشخاص من ذوي الدخل المحدود RAMED، وهو ما اعتبره محمد الجميلي العامل الإنعاشي، بأنه غير مقبول، نظرا لأن هذه الفئة تشتغل بشكل مستمر وليست متوقفة عن العمل، ولأن نظام الراميد نفسه لا قيمة له في واقع الأمر، وما يتيحه لا يرقى إلى تطلعات الإنعاشيين.

نفس الموقف عبرت عنه المستشارة وفاء القاضي في تعقيب سابق على تدخل لوزير الداخلية، إذ أكدت أن “إدخال عمال الإنعاش الوطني في نظام الراميد هو ذر للرماد في العيون، وهو أمر غير مقبول، إذ الراميد مخصص للفئة المعوزة التي لا تتوفر على شغل أو للمعطلين، في حين أن هذه الفئة، أجراء فعليون ودائمون على عكس من تعتبرونهم عمالا موسميين داخل وخارج الإدارة المغربية، لهم خبرة وأقدمية وشهادات من باكالوريا وإجازة وماستر”.

أسئلة عديدة.. “نفس الأسطوانة” 

سؤال الأوضاع الاجتماعية لعمال وعاملات الإنعاش الوطني طرح في العديد من المناسبات تحت قبة البرلمان، من طرف مختلف الفرقاء السياسيين والاجتماعيين. على سبيل المثال، في جلسة 24 يونيو 2013، وجه فريق الأصالة المعاصرة، في شخص النائبة نبيلة بنعمر، سؤالا شفويا إلى وزير الداخلية آنذاك امحند العنصر، أكدت فيه أن عمال الإنعاش الوطني يشتغلون منذ عقود دون احترام لحقوقهم، متسائلة عما إذا كانت هناك تسوية في الأفق لتصحيح هذا الوضع الاجتماعي.

العنصر في جوابه بدأ بالقول أن “الحقوق كما هو متعارف عليها مضمونة”، مضيفا “يجب أن نرى أولا ما هي هذه الحقوق”، فهم حسب الوزير ليسوا بموظفين وبالتالي لا يمكنهم أن يستفيدون لا من الترقيات ولا من التعيين، “ليسوا حتى بموظفين مؤقتين، لأن فلسفة الإنعاش الوطني الكل يعرفها”، واعترف الوزير في ذات التدخل أن “هذه الفلسفة انحرفت، ولم تعد منسجمة مع ما خلقت لأجله”، وأكد أن المطلوب هو أن يعود الإنعاش الوطني إلى ما كان عليه، والمقصود هو المساعدة المؤقتة لمن هم في ضائقة مرتبطة بالشغل وذلك للاشتغال في أوراش محددة.

وأضاف العنصر أن العمل انطلق مع الصندوق المغربي للتقاعد من أجل المساهمة في نوع من معاش التقاعد “أما الآن فما معندهوم تقاعد، مكاين لا 60 عام ولا كذا”، ووعد العنصر بحل ما اعتبره “انحرافات” جعلت العامل الذي يشتغل في الإنعاش الوطني، يشتغل في مكاتب، موضحا أن من سيتم توظيفه ينبغي أن يجري مباراة، ومن يريد البقاء في الإنعاش الوطني ينبغي أن يتوجه إلى الأوراش.

نبيلة بنعمر في تعقيبها على جواب الوزير ذكرت أن هذا الوضع لا يعفي الدولة من تنظيم القطاع ووضع نظام أساسي خاص بعمال الإنعاش الوطني، مضيفة أن هذا نوع من أنواع الاستعباد ورقيق أبيض، وأنها وصمة عار في جبين المغرب.

 مرت 5 سنوات ليطرح السؤال مجددا في دورة أكتوبر من سنة 2018، إذ توجه فريق الاتحاد المغربي للشغل، في شخص المستشارة وفاء القاضي، بسؤال إلى وزير الداخلية، حول الإجراءات والتدابير المتخذة لتمكين عمال وعاملات الإنعاش الوطني من حقوقهم الشغلية العادلة والمشروعة، فكان رد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن قطاع الإنعاش الوطني يعتبر قطاعا حيويا لما يلعبه من دور أساسي في تحريك عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع ربوع المملكة، في مجالات مختلفة ذات منفعة عامة، وذلك بهدف توفير فرص الشغل للفئات الاجتماعية الضعيفة التي تعاني البطالة أو الهشاشة والفقر.

وأضاف لفتيت أن اليد العاملة في قطاع الإنعاش الوطني، بمقتضى الظهير الشريف لـ 15 يوليوز 1961، المنظم لقطاع الإنعاش الوطني، في وضعية غير نظامية ما دامت صيغة اشتغالها في الأصل لا تكتسي صبغة الديمومة، وما دامت تتقاضى عن عملها أجرا يوميا وليس شهريا.

وأكد الفتيت أن أجور عمال الإنعاش الوطني تحتسب على أساس الحد الأدنى القانوني للأجر الجاري به العمل في القطاع الفلاحي (SMAG)، وفق مقتضيات المرسوم الصادر في 24 يونيو 2014، والمتعلق بالزيادة في الحد الأدنى القانوني للأجر في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والفلاحة.

وأوضح الوزير أن عمال الإنعاش الوطني يعتبرون مياومين بأوراش شغل لا تكتسي بطبيعتها الموسمية صفة الديمومة العاملة، وبالتالي فهم لا يتواجدون في وضعية نظامية قارة يمكن معها احتساب خدماتهم للترسيم في الوظيفة العمومية، وذلك لخلو الظهير المنظم لقطاع الإنعاش الوطني من أي تنصيص على إمكانية أو وجوب إدماج وتوظيف المشتغلين بهذا القطاع في سلك الوظيفة العمومية.

وفي العلاقة مع الوضعية الاجتماعية، أكد لفتيت أن وزارة الداخلية بذلت جهدا مضاعفا لإدماج عمال وعاملات الإنعاش الوطني في نظام التغطية الصحية (RAMED)، بحيث بلغ عدد المنخرطين به إلى حدود 2018، ما يناهز 38000 منخرط، دون احتساب 2186 عاملا تم تسجيل انخراطهم في مختلف منظمات الرعاية الصحية والاجتماعية. 

ثلاث سنوات بعد ذلك، طرح الفريق الاشتراكي، في شخص النائب سعيد بعزيز، سؤالا كتابيا على وزارة الداخلية “حول الوضعية المزرية لعاملات وعمال الإنعاش الوطني”، فكان جواب الداخلية مجرد تكرار للجواب السابق، حول وضعيتهم القانونية، وتقاضيهم لـ SMAGـ وتعارض توظيفهم مع مبدأ تكافؤ الفرص، والزيادات المتتالية في أجورهم بـ 15 في المائة سنتي 2011 و2012، و10 في المائة سنتي 2014 و2015، و10 في المائة سنتي 2019 و2020، مضيفا أن هؤلاء العمال يستفيدون من الحماية الاجتماعية، المتمثلة في التعويض عن حوادث الشغل على غرار الأعوان غير الرسميين التابعين للإدارات العمومية، وذلك طبقا لمقتضيات الظهير الشريف 1.14.190، الصادر بتاريخ 6 ربيع الأول 1436 الموافق لـ 29 دجنبر 2014، بتنفيذ القانون رقم 12-18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.

في ذات السياق طرحت أسئلة عديدة من قبل العديد من النواب في مجلسي النواب والمستشارين وظلت بدون جواب، أو بتكرار نفس اللازمة، وظلت أوضاع العمال والعاملات على حالها، بل تزداد سوءا مع واقع الزيادات في الأسعار.

وآخر هذه الأسئلة طرح يوم 05 ماي الجاري من قبل النائبة للا الحجة الجماني عن فريق الأصالة و المعاصرة، أكدت فيه أن المغاربة تلقوا بكل ترحيب قرار الحكومة بالزيادة في الحد الأدنى للأجور، وذلك في إطار حوارها مع التمثيليات النقابية عشية عيد العمال. مذكرة أن عمال الإنعاش الوطني يقومون بأدوار محورية في مختلف الأوراش، التي تسهر الحكومة على تنفيذها أو مواكبتها، مما يجعلهم مستهدفين كغيرهم من الشرائح بجميع البرامج الاجتماعية.

وأضافت النائبة أن هذه الفئة التي يتم إدراجها عمليا ضمن فئة العمال الفلاحيين، الذين من المقرر أن تعرف أجورهم زيادة 10% خلال شتنبر 2022، و5% خلال شتنبر 2023، في أفق التوحيد التدريجي للحد الأدنى للأجور، بين القطاعات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والفلاحية في أفق سنة 2028. موضحة أن تأجيل هذا التوحيد وتأخير انخراط هذه الفئة في الضمان الاجتماعي، يحول دون اندماجها السريع في برنامج الحماية الاجتماعية. 

واستفسرت الجماني الوزير عن التدابير التي تعتزم الوزارة القيام بها للتعجيل بانخراط العاملين في الإنعاش الوطني في منظومة الضمان الاجتماعي، وذلك في إطار تنزيل ورش الحماية الاجتماعية؟ وعما إذا كانت هناك من إمكانية لتقليص المدة المحددة لتوحيد الحد الأدنى للأجور بالنسبة لفئة عمال الإنعاش الوطني مع باقي القطاعات، ولازال السؤال معلقا في انتظار الإجابة.

صندوق أسود خارج نطاق المحاسبة

وفقا للظهير المنظم لاختصاصات وزارة الداخلية، تعتبر مديرية الإنعاش الوطني من مكونات الإدارة المركزية لهذه الوزارة، التي جرت العادة تسميتها بأم الوزارت، وبذلك يشرف على إدارتها ضباط سامون يتم تعيينهم في معظم العمالات والأقاليم، وتخصص لها ميزانية هامة، دون أن تخضع لرقابة المجلس الأعلى للحسابات، كجهاز قضائي مكلف بتأمين المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، ويصدر في العادة تقارير عن الاختلالات المرصودة في تدبير المال العام في مختلف المؤسسات.

وكان موقع قناة تيلي ماروك قد نشر في وقت سابق، نسبة إلى مصادر من داخل المجلس الأعلى للحسابات أن قضاته “ممنوعون من افتحاص ومراقبة مصير الملايير المخصصة لمديرية الإنعاش الوطني” وقال مصدر من داخل مجلس جطو آنذاك –حسب تيلي ماروك- “نجهل الأسباب التي تجعلنا لا نخضع المشاريع والملايير المخصصة للإنعاش الوطني إلى المراقبة المالية، وإنجاز تقارير في هذا الشأن، تماما كما يحدث في باقي القطاعات”

وفي الوقت ذاته، تطل علينا بين الحين والآخر تقارير إعلامية عن “استماع” مديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية لرجال سلطة بشبهة “اختلاسات” في الأموال المرصودة لقطاع الإنعاش الوطني، كما حصل في الناظور حيث أوردت جريدة الصباح خبر حلول لجنة من وزارة الداخلية إلى الناظور “لتعميق البحث في ملف التلاعب بأموال الإنعاش الوطني المتهم فيه رجل سلطة وبعض معاونيه”، إذ اشتبه فيهم بتسجيل عمال وهميين والاستيلاء على مبالغ هامة، غير أنه على غرار العديد من التحقيقات التي فتحت في المغرب، ظلت النتائج معلقة.

 كما نشرت مصادر إعلامية في وقت سابق خبر اعتقال مستشارين جماعيين وموظف بمندوبية الإنعاش الوطني ببوجدور على خلفية تورطهم في المتاجرة ببطائق الإنعاش الوطني المخصصة لدعم الأسر الفقيرة والمعوزة، وهي أخبار تتكرر بين الفينة والأخرى، تتغير فيها فقط أسماء المناطق المعنية.

وكان صافي الدين البودالي، رئيس الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام بمراكش آسفي، قال في وقت سابق لموقع الجريدة24 (يوم 27 يوليوز 2019)، أن” قضاة ادريس جطو، الذين طافوا على أغلب القطاعات الحكومية وغير الحكومية ،التي يصرف فيها المال العام ، لم يقتربوا من قطاع الإنعاش الوطني الذي ظل لأسباب غير واضحة في منأى عن التفتيش والمراقبة، رغم وقوف المصالح المركزية لهذه المؤسسة على مجموعة اختلالات إثر عملية افتحاص داخلي شملت جميع مندوبيات الإنعاش الوطني خلال ثلاث سنوات الأخيرة، لكن النتائج ظلت مبهمة و الجزاءات ظلت غير معلنة، مما يؤكد استثناء قطاع الإنعاش الوطني من أي تفتيش قضائي يقوم به قضاة المجلس الأعلى للحسابات، خاصة و أن هذا القطاع يعتبر مؤسسة وطنية لها امتدادات عبر مندوبيات إقليمية”.

وأكد ذات المتحدث أن  ” ميزانيته السنوية  – قطاع الإنعاش الوطني- تقدر ب 800 مليون درهم توزع على ربوع المملكة، يشرف على صرفها ضباط سامون يتم تعيينهم في معظم العمالات و الأقاليم المغربية، تصرف على شكل أيام عمل نصف شهرية أو شهرية، للعمال الذين يتم تحديد عددهم من طرف السلطات الإقليمية و المحلية ليعملوا في أوراش تحددها السلطات الإقليمية والمحلية بالوسط القروي أو الحضري أو بضواحي المدن. مثل شق الطرق أو سقي الأشجار أو غرسها، إلى ذلك من الأوراش التي لها علاقة بالمصلحة العامة”.

مطالب معلقة ووعود تنتظر التفعيل

عبد السلام، الكاتب الجهوي بالرباط، للجامعة الوطنية لعمال وموظفي الإنعاش الوطني، المنضوية تحت لواء الإتحاد المغربي للشغل، في تصريح لهوامش أكد أن عمال الإنعاش الوطني يطالبون بالإدماج في نفس القطاعات التي يشتغلون فيها، وهيكلة القطاع، والاستفادة من التغطية الصحية والاجتماعية، وكذا احتساب الأقدمية، والحصول على الوثائق اللازمة لتسهيل مختلف تعاملاتهم (شهادة العمل، شهادة الأجرة…).

وكان وزراء الداخلية المتعاقبون قد أطلقوا وعودا من بينها على وجه الخصوص وعد امحند العنصر تحت قبة البرلمان، بمراجعة الانحرافات التي عرفها القطاع، وكذا فتح النقاش مع الصندوق المغربي للتقاعد من “أجل المساهمة في نوع من معاش التقاعد”، بينما وعد عبد الوافي لفتيت باستفادة المعنيين من الحماية الاجتماعية، المتمثلة في التعويض عن حوادث الشغل على الأعوان غير الرسميين التابعين للإدارات العمومية، وأكد في وقت سابق أن مصالح وزارة الداخلية ستنكبّ مستقبلا على دراسة صيغة بهدف إدماج عمال الإنعاش الوطني بنظام التقاعد، على غرار بعض فئات العمال الذين يوجدون في وضعية مشابهة لهم بالقطاعين  العمومي  وشبه العمومي.

العديد من النواب البرلمانيين، أيضا طالما ترافعوا على مدار الولايات البرلمانية، من أجل حقوق هذه الفئة وضرورة مراجعة القوانين المنظمة للقطاع قصد إنصافهم، في حين، في حدود ما توصلنا إليه، لم يقدم أي منهم أي مقترح أو مشروع قانون قصد تنزيل ذلك، خصوصا وأن العديد منهم أصبحت أحزابهم مشكلة للحكومة.

في انتظار ذلك، لازال عمال الإنعاش الوطني، يقومون بمهامهم بكل تفانِ، وينتظرون نهاية الشهر، ليتقاطروا على مديريات الإنعاش الوطني لتسلم “أجرة” لا تسمن ولا تغني من جوع، متسلحين بالصبر والدعاء ألا يمرضوا أو يمرض أحد من أفراد أسرهم، لما يعنيه ذلك من مضاعفة معاناتهم، إذ مع إصرار الحكومة على أن عمال الإنعاش الوطني يتقاضون ما يعادل الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي SMAG، يؤكد المعنيون بالأمر أن معدل أجرتهم الشهرية ظل يتراوح ما بين 1200 و 1900 درهم.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram